Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعارضة العراقية تعيد ترتيب صفوفها لاسترجاع ثقة الناخب

هناك معتقد سائد بأن المشاركة في الاستحقاق الدستوري لا تغير المشهد السياسي القائم والمعادلة المفروضة

تخوض قوى المعارضة الانتخابات التشريعية المقبلة ضمن تحالف موسع تحت اسم "تحالف البديل" برئاسة عدنان الزرفي (أ ف ب)

ملخص

من تجربة 2021 إلى انتخابات 2025... صناديق اقتراع أفرغت من معناها والسلاح لا يزال يرسم حدود اللعبة السياسية في العراق.

في ظل الجدل الدائر حول ملف السلاح المتفلت في العراق والعلاقة بإيران تعود الانتخابات البرلمانية مجدداً في العراق تحت مظلة دعائية تحاول إعادة ثقة الشارع بالنظام السياسي وأدواته في صناعة التغيير على رغم التجربة الأخيرة في انتخابات عام 2021، والتي "أقفلت بنتائج لا تعكس رغبة الشارع وإرادة الناخب العراقي"، بحسب ناشطين ومراقبين.

ولعل هذا الأمر ترك في أذهان العراقيين تصوراً واضحاً حول الانتخابات، ليس بوصفها أداة فعلية للتغيير أو تهيئة الظروف لانتقال سلمي للسلطة، بل لأنها باتت ممارسة دورية لشرعنة استمرار النظام السياسي القائم.

وفي حين تدور النقاشات حول المشاركة في الانتخابات كوسيلة للتغيير ومقاطعتها بوصفها لا تؤدي هذا الغرض تتخذ القوى المعارضة الرئيسة مساراً ثالثاً يتحدث عن هذا الحق الدستوري لتحقيق الحد الأدنى من التمثيل البرلماني، والذي يضمن لها الاستمرار بالتأثير وحماية قواعدها الشعبية.

بنية سياسية تعيد إنتاج نفسها

منذ عام 2003 مثلت الانتخابات بعداً رمزياً مهماً لشكل النظام السياسي الجديد في البلاد بوصفها أداة تغيير سياسي لم تشهدها الدولة العراقية في كل محطاتها خلال القرن السابق، إلا أن التجربة، بحسب حقوقيين، "كانت كفيلة بإعطاء العراقيين تصوراً عن مدى محدودية تلك الممارسة في إحداث تغيير فعلي"، مما انعكس بالتقادم على نسب المشاركة فيها.

وخلال الأعوام الأخيرة مثلت التجارب بدءاً بالانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والقمع الذي مارسته الجماعات الموالية لإيران عليها، فضلاً عن تجربة انتخابات 2021، والإقصاء التام لـ"الكتلة الصدرية" الفائزة في الانتخابات تحت ضغط الفصائل المسلحة، إعلاناً عن بنية سياسية ترفض التداول وتعيد إنتاج نفسها بالقوة، مما يزيد من احتمالات أن تشهد الانتخابات المقبلة مقاطعة أوسع.

انتخابات تحت ظلال البنادق

مثَّل يوليو (تموز) من عام 2022، والذي تحولت فيه المنطقة الخضراء إلى ساحة مواجهة بين فصائل شيعية متنازعة، استمراراً لمعادلة السلاح، والتي مكنت في النهاية الجماعات الموالية لإيران من السيطرة على السلطة على رغم خسارتها الانتخابات، إلا أن تلك الجماعات وخلال الأعوام الماضية، عملت على إخفاء مظاهر الوجود المسلح تحت ضغوط دولية وحتى محلية.

ولعل "صمت السلاح" هذا بات يستخدم كوسيلة لدفع العراقيين إلى المشاركة في الانتخابات، بدعوى أن الجماعات الموالية لإيران باتت تتحرك سياسياً بعيداً من استخدام أدواتها المسلحة، وهو أمر عملت السلطة في بغداد خلال العامين الماضيين على ترويجه.ر

 

في السياق يعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية هيثم الهيتي أن السلاح لم يغادر المشهد، لكنه "أعاد تموضعه تماهياً مع الضغوط الدولية والاستحقاقات المحلية"، مبيناً أن "المشهد العراقي لم يتحرر من السلاح، بل أعاد تشكيل نفسه حوله".

وعلى رغم ذلك يعود الخطاب الرسمي للترويج مجدداً لفكرة الانتخابات كوسيلة تغيير وحيدة، وهو ما يراه الهيتي "تجاهلاً للشروط الأساسية التي تضمن فاعلية الانتخابات"، مبيناً أن "غياب قانون انتخابي ضامن ومفوضية مستقلة وفصل فعلي بين الدولة والجماعات المسلحة، يعني أن المشهد لا يزال يدور في الدوامة ذاتها". ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "غياب المحاسبة عن انتهاكات تشرين والتلاعب بنتائج 2021 أفرغ فكرة الاقتراع من مضمونها، ودعوة الناس للتصويت من دون معالجة ذلك تعني ببساطة إعادة تدوير الإحباط".

ويحذر الهيتي من اعتبار "صمت السلاح" خلال العام الماضي تحولاً سلمياً، مشيراً إلى أن "السلاح لا يزال حاضراً وضامناً لسلطة تلك القوى، وقد يتحرك في أية لحظة عند شعور بعض الأطراف بخسارة نفوذها داخل الدولة، تماماً كما حدث بعد انتخابات 2021". ويتابع أن تجربة عام 2021 ما زالت تؤثر في خيارات الناخبين، وتثبت أن "ضغط السلاح هو الأداة الأنجع لتشكيل النتائج وليس صناديق الاقتراع".

المعارضة بين المقاطعة والتجريب

وفي مقابل قوى السلطة تتحرك قوى المعارضة العراقية خلال الأشهر الماضية في نقاشات مستفيضة حول خياراتها بما يتعلق بالانتخابات المقبلة. ففي حين يعتقد كثر من تلك القوى أن المقاطعة تعني ترك الساحة خالية للجماعات المسلحة، يرى آخرون بعدم جدواها في نظام لا يمكن تغييره من خلالها.

من جهته يرى الصحافي محمد حبيب أن جوهر المشكلة يتمثل في هيمنة السلاح الخارج عن الدولة، خصوصاً بيد الفصائل الموالية لإيران، والتي "لا تتحكم فقط بصناديق الاقتراع، بل بمصير الدولة بكامل مؤسساتها".

ويصف حبيب انتخابات 2021 بأنها كانت لحظة "كاشفة" أدرك خلالها العراقيون أن "أصواتهم لا تستطيع تغيير معادلة السلطة المفروضة بالسلاح".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن الحديث عن إسقاط النظام عبر الانتخابات أصبح "وهماً غير واقعي في ظل المعادلات الراهنة"، مبيناً أن قوى المعارضة تتحرك الآن نحو نقاش أكثر جدية يتعلق بـ"خيار المشاركة كوسيلة لحماية جمهورها، ومنع تمرير قوانين تتعارض مع روح الديمقراطية".

مساحة وحيدة للتأثير

تخوض قوى المعارضة الانتخابات التشريعية المقبلة ضمن تحالف موسع تحت اسم "تحالف البديل" برئاسة عدنان الزرفي ويضم قوى من بينها حزب استقلال والحزب الشيوعي العراقي وحزب البيت الوطني، فضلاً عن عدد آخر من الأحزاب والحركات المعارضة.

ويقدم القيادي في حزب استقلال محمد المحمودي رؤية مختلفة تقوم على مبدأ "التمثيل الواعي" داخل البرلمان، حيث يقول في تصريح خاص إن الرهان الحقيقي "لا يقوم على إسقاط النظام من الداخل، بل على تشكيل كتلة نيابية تمتلك الجرأة والوضوح السياسي وتحمي جمهورها وتؤسس لبنية تنظيمية قادرة على الصمود". ويضيف "نحن في حزب استقلال لدينا نائب واحد فقط في البرلمان، لكنه استطاع أن يصنع فرقاً، خصوصاً في ما يتعلق بمواقفه من ملف السلاح ومن قانون الأحوال الشخصية".

ويواجه رئيس حزب استقلال سجاد سالم النائب في البرلمان العراقي ضغوطاً كبيرة وصلت إلى حد التهديدات المباشرة ورفع دعاوى قضائية نتيجة مواقفه المناوئة للنفوذ الإيراني والجماعات الموالية لها، فضلاً عن مواقف أخرى ترتبط بتصديه المباشر لمحاولات إمرار تشريعات تتعارض مع الحريات وحقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت المحمودي إلى أن البرلمان على رغم تعقيداته يمثل "المساحة الوحيدة التي يمكن من خلالها خلق تأثير ولو كان محدوداً"، مبيناً أن أحزاب المعارضة تحتاج إلى "كتلة علمانية صريحة لا تتبنى خطاباً رمادياً، وهو ما نسعى إلى تحقيقه".

وفيما يتعلق بتحدي السلاح يرى أنه "لا يزال قائماً"، حتى وإن غاب عن المشهد في الفترة الأخيرة، إلا أن "التهديد لا يقاس فقط باستخدامه، بل بمجرد وجوده على الساحة".

غياب الصدر وتغير التوازنات

ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز تجربة انتخابات عام 2021، والتي شهدت الخسارة الأكبر للقوى الموالية لإيران، وفي مقدمها "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، لكنها لم تغادر المشهد، بل عادت من "شباك السلاح"، مستندة إلى سلاحها والضغوط الإقليمية التي فرضت على الدولة العراقية، فضلاً عن التغاضي الدولي عما جرى، وهو ما أجبر الكتل الفائزة على التنازل.

ويخلق غياب "التيار الصدري" عن الانتخابات المقبلة حتى الآن، "فراغاً استراتيجياً" لا تبدو قوى المعارضة قادرة على ملئه. في حين يرى الهيتي أن "هذا الغياب قد يعمق حال اختلال التوازن في البرلمان"، مبيناً أن "نسب المشاركة قد تتراجع بوضوح، ما يتيح لحلفاء إيران بسط سيطرة أوسع على المشهد السياسي".

صناديق تغلقها البنادق

وتواجه الانتخابات المقبلة في العراق أزمات عدة، على رأسها يقين نسبة عالية جداً من العراقيين بأنها أداة لترسيخ سلطة ذات الأحزاب المتحكمة بالمشهد السياسي، خصوصاً في حال عدم تغير الشروط البنيوية التي تحكم النظام، وبقاء الانتخابات رهينة التفاهمات التي تحكمها "بنادق" الجماعات المسلحة.

ويرى المتخصص في مجال العلوم السياسية عصام الفيلي أن الانتخابات في العراق باتت أشبه بـ"مسار ميكانيكي" يتكرر بانتظام، سواء بوجود السلاح أو غيابه، مضيفاً أن بعض المكونات السياسية، خصوصاً تلك المرتبطة بمنظومات السلاح، "تسعى إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات لاكتساب شرعية تشريعية تعزز حضورها في رسم ملامح النظام السياسي مستقبلاً".

ويرى الفيلي أن "المرحلة الحالية تحتاج إلى عملية توعية انتخابية واسعة النطاق تقنع الأجيال الجديدة بضرورة ضخ دماء جديدة في مواجهة قوى تقليدية تمتلك المال والنفوذ وتحاول إعادة تدوير نفوذها عبر قوانين تفصل على مقاسها". ويتابع "لا نتوقع تغييراً جذرياً خلال الانتخابات، فالقوى التقليدية ما زالت تسيطر على الإعلام والمال والسلطة، وهي تتحرك بعكس مسار التغيير، بل وتذهب أبعد من ذلك بدمج بعض قوى الاحتجاج ضمن شبكاتها في محاولة لتمييع خطاب المعارضة".

ويختم أن تكرار تجربة 2021 من دون مراجعة سيؤدي إلى "مزيد من الإحباط"، مشدداً على ضرورة وجود "أفق سياسي جديد بين قوى المعارضة لا يتمحور حول كيفية الوصول إلى السلطة، بل يعالج الخلل البنيوي الذي أدى إلى تقويض التجربة الماضية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير