ملخص
يسعى نتنياهو لإقامة وجود دائم في غزة يرقى إلى احتلال فعلي، على رغم المعارضة الداخلية وتصاعد الكلفة السياسية والإنسانية، في خطة تفتقر إلى استراتيجية خروج واضحة وقد تفضي إلى كارثة طويلة الأمد.
لو أن المؤرخة باربرا توكمان كتبت تتمة لكتابها الحائز جائزة بوليتزر عام 1984 "مسيرة الحماقة: من طروادة إلى فيتنام" The March of Folly: From Troy to Vietnam لكانت بالتأكيد خصصت فصلاً موسعاً لحرب إسرائيل المستمرة في غزة، وسوء إدارة بنيامين نتنياهو لها.
وللأسف، توفيت توكمان عام 1989 تاركة إسرائيل لتكتب الفصل بنفسها، وهو ما تفعله بدأب.
قبل دراسة ما يمكن أن ينتج من "عملية عربات جدعون" - الاسم غير المعقول الذي ألصقه جيش الدفاع الإسرائيلي على العملية المخططة الكبيرة لـ"غزو قطاع غزة والبقاء فيه"- دعونا نكون واضحين في شأن النتيجة النهائية الحتمية، التي ستؤدي إلى احتلال إسرائيلي كامل لقطاع غزة وسكانه الـ2.3 مليون نسمة المنكوبين والقانطين.
يزخر التاريخ بالقرارات المتهورة والسياسات ذات النتائج العكسية والاستراتيجيات المدمرة، ولكن من النادر أن نرى حكومة تشرع في شيء يتعارض بوضوح مع مصالحها على المدى الطويل. إن التزام نتنياهو بالعدوان العسكري على غزة يعد حماقة هائلة، وهو اعتقاد يتشارك به 70 في المئة من الإسرائيليين.
وتتمثل خطة نتنياهو الأخيرة لـ"احتلال" غزة في إقامة "وجود دائم" هناك، وتهجير السكان إلى الجنوب. وسوف تمتعض إسرائيل من أي شخص يصفه بالاحتلال العسكري، وستدعي أنه في حربها ضد إرهابيي "حماس" لم يكن لديها خيار وستتعهد بكونه "موقتاً"، مع كل أنواع الشروط والمحاذير التي من شأنها أن تنهيه.
ولكنه سيكون احتلالاً فعلياً بكل بساطة ووضوح. وعندما تحتل، فأنت تصبح مسؤولاً [عن كل شيء]. من المساعدات الإنسانية والغذاء والمياه الصالحة للشرب والخدمات الطبية، والقانون والنظام والتوظيف والتعليم إلى جمع القمامة... كل شيء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل هذا ما تريده إسرائيل؟ إذا كان الأمر كذلك يجب على نتنياهو أن يخرج ويعلن ذلك صراحة، بدلاً من الاختباء وراء الخطاب التحريضي لوزرائه اليمينيين الدينيين المتطرفين الذين يدعون إلى الاحتلال والطرد. وعلى عكسه، فهم في الأقل يعرضون بصدق ما يفكرون فيه وما هم عليه.
بعد أشهر قليلة من مأساة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كان هناك إجماع على أن الحرب الانتقامية الإسرائيلية كانت عادلة، وأنه يجب إبادة "حماس" كقوة عسكرية أو إضعافها قدر الإمكان. وتلاشى هذا الإجماع تدريجاً بعد أن اتضح أن الوسائل العسكرية لم تتماشَ مع أي هدف سياسي أو استراتيجية خروج واضحة ومتماسكة.
ظاهرياً، الهدف الأول للعملية الجديدة هو الضغط على "حماس" للتوصل إلى اتفاق جديد، بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم خلال يناير (كانون الثاني) الماضي وانتهك في مارس (آذار) الماضي بعد أن صمد لمدة 58 يوماً. وكانت المرحلة الثانية من ذلك الاتفاق تقتضي انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من غزة ووقف إطلاق النار الدائم وإنهاء الحرب، وهو أمر كثيراً ما قاومه نتنياهو لأنه سيحرمه من "النصر الكامل" و"القضاء على ’حماس‘"، وهما من أكثر الشعارات التي يتغنى بها نتنياهو عنجهية.
وهذا يقودنا إلى الهدف الثاني للعملية بـ"تدمير قدرات ’حماس‘ العسكرية" وما تبقى لها من قوة سياسية. قد يكون هذا هدفاً مبرراً، لكنه أغرب من الهدف الأول. أليس هذا ما كانت إسرائيل تحاول القيام به، بقوة نيران وقدرات عسكرية متفوقة إلى حد كبير، منذ 19 شهراً، أي منذ السابع من أكتوبر 2023؟
دائماً ما تكون المقارنات التاريخية مضللة، ولكن استغرق الحلفاء الغربيون تسعة أشهر بعد إنزال نورماندي خلال يونيو (حزيران) 1944 للوصول إلى برلين في مارس 1945. فما لم تستطع إسرائيل تحقيقه خلال 19 شهراً، تعتقد الآن أن بإمكانها تحقيقه بعملية عسكرية أخرى مبتكرة وخلاقة؟
أما الهدف الثالث هو دفع جميع سكان غزة إلى جيب جنوبي حول مدينة رفح، التي تزعم إسرائيل أنها "معقمة" من "حماس". وهذا يعني أن 75 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة سيتركزون في مخيمات موقتة للاجئين في الجنوب. وهناك، كما تزعم إسرائيل، سيتلقون مساعدات إنسانية يوزعها متعاقدون أميركيون من القطاع الخاص تحت إشراف إسرائيلي. وستقيم إسرائيل وجوداً عسكرياً دائماً ونقاط تفتيش على طول جميع الطرق المؤدية إلى منطقة رفح.
ماذا تسمي واقعاً يقوم على وجود عسكري ونقاط تفتيش وتمرير المساعدات تحت الإشراف؟ هذا لا ريب أنه "احتلال".
كل هذا يمكن أن يتغير، وهو رهن بزيارتي دونالد ترمب إلى السعودية وقطر، وما سيسمعه منهما قد يدفعه أو يعيد تحريك قضية غزة. لكن خلال الوقت الراهن، يبدو أن المسار محدد سلفاً.
ألون بينكاس هو القنصل الإسرائيلي العام السابق لدى الولايات المتحدة وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي وزراء سابقين هما شمعون بيريز وإيهود باراك
© The Independent