ملخص
ثلاثة من بين الموقفين في قضية خلية تصنيع السلاح هم أعضاء في حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذي يُعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، مما أضطر الحزب إلى إعلان تجميد عضوياتهم. لكن التطورات تدفع بالتساؤل بشأن مصير الحزب.
بعد أيام قليلة من إعلان الأردن القبض على خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين متورطة في تصنيع صواريخ بأدوات محلية ومستوردة من الخارج وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية بهدف المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى، قررت الحكومة الأردنية "حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة واعتبارها جمعية غير شرعية"، واعتبار الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين أمراً محظوراً، كذلك تم حظر الترويج لأفكارها. وتقرر "إغلاق أي مكاتب أو مقار تُستخدم من قبل الجماعة حتى لو كانت بالتشارك مع أي جهات أخرى".
وبينما التحقيقات جارية، تكشف أن ثلاثة من بين الموقفين في القضية هم أعضاء في حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذي يُعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، مما أضطر الحزب إلى إعلان تجميد عضوياتهم. لكن "حقائق وإجراءات قادمة سيتم الإعلان عنها من قبل وزارة الداخلية" تحدث عنها وزير الاتصال الحكومي محمد المومني، الأسبوع الماضي.
وتقول الحكومة إن المحاكم ستصدر القرار النهائي في نهاية المحاكمة على المتورطين في المؤامرة، وتؤكد أيضاً أن أية منظمة تروج لفكر الإخوان ستواجه الحظر، مما يثير تساؤلات حيال مستقبل حزب "جبهة العمل الإسلامي". وإضافة إلى إعلان جماعة الإخوان المسلمين "جماعة محظورة وإرهابية" والتي صدر بالفعل قرار بحلها عام 2020، طالب أعضاء في مجلس النواب الأردني، الأسبوع الماضي، بحل حزب "جبهة العمل الإسلامي" ومساءلة أعضائه.
قانون الأحزاب السياسية
وتنص المادة 36 من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2021 في الأردن، على حل الحزب بقرار من المحكمة تبعاً لقرار الإدانة بارتكاب أي من الجرائم التي تتعلق بالتحريض على قيام تظاهرات ذات طابع مسلح، أو تشكيل تنظيمات أو مجموعات تهدف إلى تقويض نظام الحكم أو المساس بالدستور، والمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر بدعم التنظيمات والجماعات التكفيرية أو الإرهابية أو الترويج لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم تبرؤ الحزب من المخططات ورفض رئيس كتلة "جبهة العمل الإسلامي" في البرلمان صالح العرموطي، "أي مزاودة" قائلاً إن الكتلة لم تكن في تاريخها سوى مع "الوطن وأمنه واستقراره"، لكن يقول مراقبون إن حال صدور حكم قضائي يدين أي من أعضاء الحزب في قضية تصنيع الأسلحة، فإنه سيتم حل الحزب بموجب قانون الأحزاب السياسية، وإن كان آخرون يختلفون في تفسير قانون الأحزاب يشيرون إلى ضرورة إثبات تورط الحزب كمؤسسة في تلك الأنشطة.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية" أوضح الأستاذ لدى جامعة الأردن والمتخصص في الدراسات الأمنية والإرهاب عامر السبايلة، أن حظر أو تجريم جماعة الإخوان من المنظور الأمني ينعكس فقط على التنظيم من دون أن يطاول ذلك الحزب السياسي، لكن إذ أدان القضاء عناصر من الحزب بتهمة المشاركة في عمليات تضر أمن الأردن وتلك الممارسات الخاصة بتصنيع السلاح، يصبح الحزب محلولاً بموجب القانون وبالتالي يُلغى عضوية أعضائه في البرلمان، لأنه في حال حل الحزب تصبح الحاضنة التي جلبت النواب لا أساس شرعياً لها.
وأكد السبايلة أن الحزب لا يمكنه ببساطة التبرؤ من الأعضاء المتورطين في الخلية المتهمة بتصنيع الأسلحة، موضحاً بالقول إن "هؤلاء الأعضاء مارسوا هذه النشاطات خلال عضويتهم في الحزب وبموجب قانون الأحزاب السياسية المادة 36 التي تنطبق بالفعل على الممارسات التي يجري التحقيق فيها حالياً، يتم حل الحزب".
تبرؤ وتنصل
وعلى رغم الارتباط المالي والسياسي والتنظيمي بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب "جبهة العمل الإسلامي"، غير أن الأمين العام للحزب وائل السقا، نأى بالحزب عن الجماعة، قائلا إنه "لا علاقة له بأي هيئة تنظيمية أخرى مهما كانت". وأصر على أن الحزب يتصرف وفقاً للقانون. وقال: "نعلن دائماً التزامنا بالنظام والقانون وأحكام الدستور"، مضيفاً أنه فوجئ بتفتيش الأجهزة الأمنية لمقر الجماعة، وفق وكالة "أسوشيتدبرس".
كذلك حذف مراد العضايلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن والذي شغل سابقاً منصب الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، الوصف التعريفي "المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين" من حسابه الرسمي على منصة "إكس". وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، حظر جميع أنشطة جماعة الإخوان وأعلنت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في البلاد أن نشر أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين سيُواجَه بإجراءات قانونية.
ودهمت السلطات الأردنية مقرات وفروع "جبهة العمل الإسلامي" في جميع أنحاء البلاد الأربعاء الماضي وصادرت عدداً من الملفات. وقبل أسبوع، اعتقلت السلطات خالد الجهني، مدير مكتب "جبهة العمل الإسلامي".
وقال السبايلة إن "هذه لحظة محورية للأردن. لقد تغيرت العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين جذرياً ولن تعود إلى سابق عهدها". وأشار إلى أن المسار القانوني للأمور واضح إذ تريد الدولة الأردنية أن تسلم الأمر للقضاء ليقرر ما يتعلق بحزب "جبهة العمل الإسلامي".
مقاعد الإخوان في البرلمان
وحصل حزب "جبهة العمل الإسلامي" في الانتخابات النيابية الأخيرة في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، على 31 من 138 مقعداً في مجلس النواب، وهو عدد من المقاعد أكبر من أي حزب آخر. ومن بين31 مقعداً تستحوذ عليهم جماعة الإخوان المسلمين، هناك 17 مقعداً تم انتخابهم ضمن قوائم حزب "جبهة العمل الإسلامي" فيما 14 آخرون تم انتخابهم بنظام الفردي. وأوضح مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حسن المومني في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أنه في حال ثبوت تورط حزب "جبهة العمل الإسلامي" في أي من الاتهامات المتعلقة بخلية تصنيع السلاح، فإنه يتم إلغاء المقاعد الـ17فقط باعتبارها منتخبة ضمن قائمة الحزب ويتم إحلالهم بالمرشحين الذين أتوا في المرتبة الثانية في التصويت.
ومع ذلك، يؤكد آخرون أن إدانة أعضاء من الحزب في الخلية المتورطة لا يعني مباشرة حل الحزب من دون أن تكون هناك أدلة واضحة على تورطه كمؤسسة في تلك الأنشطة المصنفة إرهابية. وقال المستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع في عمان محمد أبو رمان، إنه على رغم التداخل التنظيمي بين حزب "جبهة العمل الإسلامي" وجماعة الإخوان المسلمين، لكن الحزب مستقل عنها بصيغته القانونية والسياسية. واستبعد أن يكون مصير الحزب موضع نقاش داخل أروقة القرار الأردني بل يتعلق الأمر بجماعة الإخوان الصادر بالفعل قرار قضائي بحلها منذ عام 2015 وتم تأكيده في حكم آخر عام 2020.
فك الارتباط
ويتفق المراقبون في الأردن على أن حظر جماعة الإخوان بشكل رسمي ربما يمثل فرصة لحزب "جبهة العمل الإسلامي" لفك الارتباط عنها. وفي حين ليس من الواضح بعد كيف سيتعامل كل من الحزب وجماعة الإخوان مع تلك التطورات غير المسبوقة في علاقتهم بالدولة الأردنية، يطرح المراقبون عدة سيناريوهات من بينها الخروج من البلاد أو ممارسة التقية، وهو مبدأ تأسيسي لدى جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول السبايلة إن كليهما أمام "مفترق طرق"، مشيراً إلى أن من بين سيناريوهات عدة اتجاههم نحو "ممارسة التقية السياسية لعبور هذه المرحلة". وفي الوقت نفسه يرفض الباحث الأردني السرد القائل أن حظر الجماعة يدفعها للعمل السري، قائلاً: "السرية حاضرة في تنظيم الإخوان سواء منحوا حرية العمل أو لا، فهذه قضية يضحكوا بها على الآخرين، هم دائماً تنظيم سري".
وفي ما يتعلق بمستقبل حزب "جبهة العمل الإسلامي"، يرى أبو رمان أن الحزب بحاجة للتأكيد على مجموعة من الأمور التي تتعلق بقانون الأحزاب السياسية ومن ضمنها القضايا المتعلقة بالعمل السلمي والالتزام بثوابت الدولة والدستور والقوانين. ويقول إنه "من المفترض أن يتخذ الحزب خطوات على هذا الصعيد حتى يبعث رسالة بعدم تبني العمل المسلح التي تبنته مجموعات داخل جماعة الإخوان والتأكيد على التزامه بالقانون والدستور والعمل السلمي"، مشيراً إلى أن تلك المرحلة الحرجة تمثل "فرصة لقيادات الحزب لإنهاء ازدواجية التوجه التي أرهقت الحركة الإسلامية خلال العقود السابقة لتحديد هل العضو إخوان أم فقط عضو بجبهة العمل الإسلامي، وإنهاء الازدواجية بين الدعوة والسياسة، والازدواجية بين العمل السري والعلني".
وأضاف المستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع في عمان إن تلك "القضايا الإشكالية تحتاج من الحزب إسنادها إلى قيادات سياسية برغماتية لديها الحس السياسي الواقعي والتي يمكن أن تستثمر ذلك داخل بنية الحزب وتطالب أعضاء جماعة الإخوان ممن هم غير مسجلين في الحزب، وهي نسبة كبيرة، أن ينتقلوا إلى العمل الحزبي العلني والعمل السياسي المدني، وأن يتخذوا خطاباً أكثر واقعية من ذلك السابق السائد الذي اتسم بالتحدي نحو الدولة".
وأوضح أن ما تسعى الدولة له هو "ضبط قواعد اللعبة" من خلال تأطير عمل الحركة الإسلامية ضمن إطار سياسي حزبي داخلي وفك الارتباط بين الحركة الإسلامية والحركات الحليفة في الخارج، لا سيما أن قضية خلايا تصنيع السلاح ترتبط بحركة خارجية، في إشارة إلى حركة "حماس" في قطاع غزة، قائلا إن "هذا هو المقلق للدولة وأنها تجاوزت فكرة الحدود والسيادة".
ويتفق المومني مع هذا الطرح قائلاً إن ما يجعل المشهد متداخلاً هو "ارتباط الأردن الجغرافي والاجتماعي والسياسي بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى البعد الديمغرافي. ربما آن الأوان أن نسير نحو تفكيك هذه العلاقة وهذا الالتباس التاريخي، وبالتالي التفريق بين ما هو سياسي كمؤسسة سياسية حزبية تعمل ضمن الدستور وبين تلك الجماعة الدعوية. كذلك فإن حركة حماس كفصيل سياسي فلسطيني لا يفترض أن تكون لها امتدادات على الساحة الأردنية، فقد تكون المواجهة الحالية هي الأنسب لتفكيك هذه العلاقة".
ويحظى حزب "جبهة العمل الإسلامي" بدعم قوي في المدن، وبخاصة في المناطق التي يغلب عليها المواطنون من أصل فلسطيني، وإن كانت ازدادت شعبيته في مناطق العشائر في السنوات القليلة الماضية. كذلك شهدت الجماعة وحليفتها في غزة، حركة "حماس"، شعبية ملحوظة بين الأردنيين منذ بداية حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بحسب مراقبون. وكان الأردن طرد قيادة "حماس" وأغلق مكاتبها عام 1999، وينظر بحذر إلى تزايد شعبية الجماعة بين سكانه.