ملخص
حسمت مسألة حضور السفير الإيراني إلى وزارة خارجية لبنان بعد استدعائه على خلفية ما دوّنه على صفحته على منصة "إكس" قبل أيام حول موضوع حصرية السلاح، فكتب أن "مشروع نزع السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول".
مجتبى أماني حضر إلى الوزارة والتقى الأمين العام هاني الشميطلي الذي بلغه رسالة الاعتراض الرسمية.
بعد جدل دام ساعات حول إمكان حضور السفير الإيراني في لبنان إلى مقر وزارة الخارجية اللبنانية في وسط العاصمة بيروت أو امتناعه، حسمت المسألة وحضر السفير مجتبى أماني إلى مبنى الوزارة عند تمام الساعة الـ11 من قبل ظهر اليوم الخميس، بعد يومين على استدعائه من قبل الوزير يوسف رجي على خلفية ما دوّنه على صفحته على منصة "إكس" قبل أيام حول موضوع حصرية السلاح، إذ كتب أن "مشروع نزع السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول... وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا".
هذا الموقف اعتبرته الخارجية اللبنانية تدخلاً في شؤون لبنان ومخالفاً لسياسة الحكومة برئاسة نواف سلام والتي ترتكز وفق البيان الوزاري على فرض سيادتها وحصر السلاح وكذلك قرار الحرب والسلم. وبناء عليه قرر رجي بعد التنسيق مع رئيس الجمهورية جوزاف عون استدعاء السفير الإيراني وإبلاغه بالموقف الرسمي.
إن مشروع #نزع_السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول. ففي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية تزويد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة والصواريخ، تمنع دولا من تسليح وتقوية جيوشها، وتضغط على دول أخرى لتقليص ترسانتها أو تدميرها تحت ذرائع مختلفة. وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب…
— مجتبی امانی (@mojtaba_amaani) April 18, 2025
والجدل حول هذه المسألة التي ليست جديدة في سياق العمل الدبلوماسي، بدأ بعدما اعتذر أماني من حضور الموعد الأول الذي حددته له الخارجية اللبنانية ظهر أمس الأربعاء لارتباطه بموعد مسبق كما قال، محاولاً تسجيل موقف في الشكل.
وفي الوقت نفسه أطل قبل ساعات خلال مقابلة إعلامية مباشرة عبر الهواء، أطلق ضمنها موقفاً اعتبر تراجعاً عما كتبه في منصة "إكس"، إذ أكد أن نزع السلاح هو شأن داخلي لبناني.
اعتذار أماني من حضور الموعد الأول ردت عليه وزارة الخارجية اللبنانية بتحديد موعد ثانٍ بعد 24 ساعة بالتمام، فكان الأمر وأتى السفير الإيراني قبل ظهر اليوم إلى مبنى الوزارة حيث لم يلتقِ رجي، بل كُلف الأمين العام لوزارة الخارجية هاني الشميطلي تبليغه رسالة الاعتراض بأسلوب دبلوماسي، ولكن حازم، فيما كان وزير الخارجية يتابع لقاءاته في مكتبه.
وحرصت وزارة الخارجية على إبقاء اللقاء مع سفير إيران وتفاصيله بعيداً من عدسات الكاميرا والإعلام، وأصدرت بياناً مقتضباً ذكرت فيه أن الأمين العام "أبلغ السفير الإيراني ضرورة التقيد بالأصول الدبلوماسية المحددة في الاتفاقات الدولية الخاصة بسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي مقدمتها ’اتفاقية فيينا‘".
الاستدعاء الثالث لسفير إيران
ويعد الاستدعاء في إطار العمل الدبلوماسي من الحقوق السيادية للدولة المستضيفة، ويستخدم عادة للتعبير عن موقف رسمي أو توجيه احتجاج أو طلب، وهذا الاستدعاء هو الثالث لسفير إيران لدى لبنان، إذ حصل الأول عام 2021 حين طلب وزير الخارجية السابق شربل وهبة استدعاء السفير الإيراني حينها على خلفية الإساءة التي وجهها موقع قناة "العالم" الإيرانية إلى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بعد مطالبته بالحياد، والثاني حصل عام 2024 عندما طلب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين آنذاك عبدالله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت والاستفسار منه عن حديث رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أن طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا في شأن تطبيق القرار الأممي 1701 المتعلق بلبنان، وطلب ميقاتي من وزير الخارجية الذي كلف الأمين العام الشميطلي، إبلاغ القائم بالأعمال الإيراني الموقف اللبناني في هذا الصدد وأنه حق لبناني فقط، كما أن بيروت ترفض أية وصاية مفروضة.
للوزارة الحق في الاستدعاء من دون تبرير
يرى متخصص في الشؤون الدبلوماسية فضل عدم الكشف عن اسمه، أن السفراء المعتمدين في أي بلد يمثلون بلادهم ويقدمون أوراق اعتمادهم للبلد الذين يخدمون فيه وهناك اتفاقات دولية ترعى عملهم.
ويضيف أن بوابتهم للعمل الدبلوماسي في الدولة المستضيفة هي وزارة الخارجية، وعندما تطلب وزارة الخارجية من السفير الحضور إلى الوزارة لسبب أو لآخر، وهي صاحبة الحق في ذلك وهذا أمر طبيعي، فعليه أن يحضر بكل انفتاح ومن دون تردد.
ولوزارة الخارجية، يتابع المتخصص، الحق في استدعاء سفير أية دولة من دون إعطاء أسباب لهذا الاستدعاء أو أي تفسير أو تعليل، إذ إن ذلك يقع ضمن بديهيات العمل الدبلوماسي، بغض النظر عن التفسير الطبيعي لدى بعضهم أو السلبي لدى البعض الآخر الذي وضع فيه قرار استدعاء السفير الايراني من قبل رجي.
ويرجح أن تكون وزارة الخارجية ارتأت أن هناك حاجة إلى التداول مع السفير الإيراني بعد تصريحاته الأخيرة على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن لبنان يمر حالياً بفترة دقيقة وحساسة تتطلب تصرفات مسؤولة من قبل الجميع، وأن تكون الدول التي هي على علاقة بلبنان، عاملاً مساعداً للحفاظ على الاستقرار وليس العكس، وانطلاقاً من كل ذلك فإن من واجب وزارة الخارجية أن تحافظ على مصالح لبنان وأن تطلب من الأطراف كافة الارتقاء إلى مستوى الظرف الدقيق، آملة من الدول احترام ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استعادة هيبة الدولة
ووضع عدد من اللبنانيين ما حصل أخيراً مع السفير مجتبى أماني ضمن عودة هيبة الدولة وقوتها حتى في الشق الدبلوماسي، ولعل أبرز هذه المظاهر يتمثل في ممارسة الحكومة لصلاحياتها السيادية كاملة، وعلى رأسها حفظ السيادة الوطنية بمفهومها السياسي والدبلوماسي. ويأتي استدعاء رجي للسفير الإيراني بعد تصريحاته المتناقضة مع البيان الوزاري ومع خطاب رئيس الجمهورية، ليشكل خطوة واضحة في هذا الاتجاه، ويؤكد أن هذه الحكومة جادة في استعادة هيبة الدولة.
ويعتبر الباحث والمحاضر الجامعي الدكتور ايلي إلياس أن هذا الاستدعاء ليس فقط إجراء دبلوماسياً شكلياً، بل يحمل أبعاداً سياسية وقانونية عميقة، فمن ناحية الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي ووفقاً للمادة 41 من "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية" الموقعة عام 1961، فإن على السفير احترام قوانين وأنظمة الدولة المستضيفة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما أن المادة التاسعة من الاتفاقية تمنح الدولة المستضيفة الحق في إعلان أي دبلوماسي شخصاً غير مرغوب فيه من دون الحاجة إلى تبرير ذلك.
أما رفض السفير الإيراني أو أي سفير آخر تلبية الدعوة فيُعد سلوكاً غير مألوف في العلاقات الدبلوماسية وخرقاً للبروتوكول، إذ إن السفراء، بحسب الممارسة المتعارف عليها، لا يملكون حق رفض الاستدعاء من وزير خارجية الدولة المستضيفة، نظراً إلى أن ذلك من الحقوق السيادية للدولة، والامتناع عن الحضور يُعد تصعيداً سياسياً من الممكن أن يقابل بإجراءات مضادة مثل الاستدعاء للتشاور أو حتى الطرد الدبلوماسي.
وليس هذا الموقف سابقة في العلاقات اللبنانية- الإيرانية يضيف إلياس، فعام 1983 قام مدير عام وزارة الخارجية اللبنانية بإعطاء مهلة للسفير الإيراني لمغادرة البلاد، احتجاجاً على تدخلات طهران في الشأن اللبناني خلال مرحلة حساسة من الحرب الأهلية. وهذا القرار لم يكُن عابراً حينها، ويضيف أن ما قام به رجي مماثل اليوم ويكتسب رمزية مزدوجة، فهو من جهة يعيد التذكير بحق الدولة في التعبير عن اعتراضها، ومن جهة أخرى يرسل رسالة واضحة بأن لبنان ليس ساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية.
اللافت في هذه الخطوة أيضاً، بحسب الباحث الجامعي، هو تكليف المدير العام للوزارة لقاء السفير، وهي خطوة دبلوماسية محسوبة، تحمل الوزن ذاته، وتظهر للبنانيين والرأي العام الدولي أن لبنان، على رغم كل ما يمر به من أزمات، لا يزال يملك أدوات سيادية قادرة على فرض الحد الأدنى من الاحترام المتبادل في العلاقات الدولية.
ويختم أن ما حصل مع رجي ليس مجرد موقف عابر، بل هو فعل سيادي بامتياز، يطمح اللبنانيون إلى رؤيته يتكرر كلما استُهدفت سيادة لبنان أو جرى التعدي على قراره الوطني المستقل.