ملخص
يواجه كير ستارمر معضلة صعبة بين إعادة ترتيب علاقات بريطانيا التجارية مع الاتحاد الأوروبي والتوصل إلى اتفاق تجاري مع ترمب، إذ يتعذر التوفيق بين معايير السوق الأوروبية ومتطلبات السوق الأميركية.
خلال المفاوضات العسيرة للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، قيل عبارة شهيرة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي مفادها بأن بريطانيا "لا يمكنها أن تأكل كعكتها وتحتفظ بها في الوقت نفسه"، في إشارة إلى محاولة الجمع بين خيارين متناقضين.
وبتعبير أوضح، من المستحيل الانتفاع بميزات العضوية دون أن تكون عضواً فعلياً. وبدا الأمر بسيطاً في ذلك الوقت.
وها هي سياسة "أكل الكعكة" cakism [السعي إلى الحصول على أشياء متناقضة]، كما سماها بوريس جونسون، تعود من جديد. لكن هذه المرة مع رئيس الوزراء كير ستارمر الذي يسعى إلى الحصول على اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، في الوقت نفسه الذي يحاول فيه إعادة ترتيب العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما يقول أحد النشطاء الداعمين للاتحاد الأوروبي "لقد حل الدجاج المعقم بالكلور محل الكعكة. لا يمكنك الحصول على دجاج ترمب (الأميركي) المعقم بالكلور وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقة وثيقة مع الاتحاد الأوروبي".
وأصر رئيس الوزراء على أنه "لا خيار" بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن مع اقتراب موعدين حاسمين، قد يجد نفسه مرغماً على اتخاذ قرار مصيري يمكن أن يحدد مسار بريطانيا لجيل كامل.
ما المواعيد المهمة؟
خلال الـ19 من مايو (أيار) المقبل، سيستضيف كير ستارمر قمة تجمعه مع قادة الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، إذ سيعلن تفاصيل اتفاق جديد لإعادة النظر في "بريكست".
وعلى طاولة المفاوضات، ترتيبات دفاعية جديدة وخطط لإزالة العوائق بين بريطانيا وسوقها الرئيس.
وبعد نحو سبعة أسابيع، خلال الثامن من يوليو (تموز) المقبل، ستنتهي المهلة التي منحها دونالد ترمب لتعليق التعريفات الجمركية الجديدة والتي تمتد لـ90 يوماً.
وأصبح هذا الموعد مهلة غير رسمية للتوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين بريطانيا والولايات المتحدة. وعلى رغم أن الاتفاق سيكون فريداً من نوعه لأنه يركز بصورة أساس على الصناعات المستقبلية مثل التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، فإنه يهدف إلى إزالة معظم التعريفات الجمركية.
الحرب التجارية تضع بريطانيا في مأزق
على رغم تأكيد كير ستارمر المتكرر أنه لا حاجة لاختيار جانب واحد، تتزايد الأدلة على أنه سيضطر إلى التحرك سريعاً وحسم موقفه.
ويبدو أن ترمب مصمم على خوض حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي، متعاملاً مع الاتحاد بنفس القسوة التي يتعامل بها مع الصين.
والواقع أن التعريفات الجمركية المهددة للاتحاد الأوروبي وصلت إلى 20 في المئة، مقابل 10 في المئة للمملكة المتحدة. وبالفعل، بدأت تظهر بعض القضايا الخلافية، مثل الالتزام باللوائح الأوروبية للطاقة والرسوم الكربونية.
وفي ظل اعتبار ترمب القيود على الدجاج المعقم بالكلور واللحوم المعالجة بالهرمونات كحواجز تجارية معادلة للرسوم الجمركية، ستكون المملكة المتحدة تحت ضغط لتخفيف قيودها على معايير سلامة الغذاء.
وترى الحركة الأوروبية [منظمة بريطانية تؤيد التكامل مع الاتحاد الأوروبي] أنه "إذا سمحت المملكة المتحدة، بموجب أي اتفاق، بدخول منتجات غير مطابقة لمعايير السوق الأوروبية، فإن ذلك سيعرقل بصورة كبيرة إبرام اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي في شأن سلامة الغذاء، وتدابير الصحة والصحة النباتية، والاتفاقات البيطرية. وسيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى ضمان قاطع بأن هذه المنتجات لن تتمكن من دخول أراضيه، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً تحقيقه".
وأضافت "ربما يكون كل من ’مركز المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة‘ UKICE و’المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي‘ ECIPE أجريا بالفعل تحليلات إضافية حول هذه الاصطدامات المحتملة بصورة أكثر تحديداً. ومع ذلك، يظل التحدي قائماً في ظل الصورة الضبابية التي تكتنف شكل الاتفاق المستقبلي بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة".
إضافة إلى ذلك، يمارس جي دي فانس بالفعل ضغوطاً على قطاع التكنولوجيا، وبخاصة في ما يتعلق بإلغاء قوانين خطاب الكراهية وقوانين السلامة الإلكترونية.
وإذا تضمن الاتفاق التجاري الأميركي تخفيفاً كبيراً للوائح البريطانية المنظمة للشركات التكنولوجية الأميركية -وبخاصة في مجال معالجة البيانات- فإن ذلك سيخلق حاجزاً تنظيمياً إضافياً أمام التجارة البريطانية الأوروبية، وسيكون بالتأكيد قضية سياسية من شأنها إضعاف الثقة وجعل الاتحاد الأوروبي أقل ميلاً للدخول في علاقة وثيقة مع بريطانيا.
يجب على ستارمر الاختيار
يعتقد ماركو فورجيوني، أحد أبرز الخبراء البريطانيين في التجارة الدولية ومدير المعهد الملكي للصادرات والتجارة الدولية Chartered Institute of Exports and International Trade، أنه سيكون من شبه المستحيل على رئيس الوزراء تحقيق إعادة ترتيب جذري لـ"بريكست" وعقد اتفاق تجاري وفق شروط ترمب في آن واحد.
وأوضح فورجيوني "يمكن لاتفاق التجارة مع الولايات المتحدة أن يؤدي إلى تباعد متزايد بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي".
وحذر من أن إيرلندا الشمالية، التي لا تزال في الوقت الراهن جزءاً من السوق الأوروبية الموحدة بسبب حدودها البرية مع إيرلندا، ستكون في مرمى هذه التجاذبات.
وأضاف "قد يتطلب التباعد المرجح الناتج من اتفاق اقتصادي محتمل مع الولايات المتحدة ’إعادة ترتيب‘ للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وبخاصة في ما يتعلق بإيرلندا الشمالية. وتزداد التعقيدات إذا فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية انتقامية على الولايات المتحدة".
وقال الأمين العام لغرفة التجارة الدولية في المملكة المتحدة، المتخصص كريس ساوثوورث "لا ينصح باتفاق تجارة حرة تقليدية مع الولايات المتحدة. لقد حاولت المملكة المتحدة وأخفقت مرتين في التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وأضاعت خلال هذه الفترة 10 أعوام كان من الأفضل أن تكون أكثر عملية والتركيز على مجالات الجوانب المشتركة والقوة".
وتابع "فشلت صيغة اتفاق التجارة الحرة بسبب وجود اختلافات جوهرية في القيم والمعايير الاستهلاكية والسياسات. المستهلكون البريطانيون يرفضون السماح للشركات الأميركية بإدارة خدمات الرعاية الصحية الوطنية، ويرفضون معايير الغذاء الأميركية مثل (لحوم الأبقار المعالجة بالهرمونات والدجاج المعقم بالكلور). وبالمثل، تتردد الولايات المتحدة في فتح باب المشتريات الحكومية أمام الشركات البريطانية".
وأضاف "تلوح في الأفق فرصة ممتازة لإعادة ترتيب العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون القائم. وبالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي يمثل أقرب الأسواق إلى المملكة المتحدة، ويستحوذ على 40 في المئة من حجم تجارتها، فمن الضروري أن يحتل هذا الملف صدارة الأولويات".
وأكد "تكمن الفرصة الاقتصادية الأكبر في إزالة جميع العوائق القائمة داخل المنظومة التجارية الأوروبية، والشروع في مواءمة الأطر القانونية في مختلف أنحاء أوروبا، وتحويل البيئة التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لتصبح رقمية بالكامل، وهو ما سيجعل التبادل التجاري أرخص وأسرع وأكثر بساطة لجميع الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
لكن رئيس الوزراء لا يزال متفائلاً
وكان كير ستارمر أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس ترمب أول من أمس الجمعة، وما زال يبدو متفائلاً في شأن إمكانية التوصل إلى اتفاق.
وصرح متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء حينها "تحدث رئيس الوزراء مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم (أول من أمس) بعد الظهر".
وأضاف "بدأ القادة بمناقشة المحادثات الجارية والبناءة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة حول التجارة. وجدد رئيس الوزراء التزامه بالتجارة الحرة والمفتوحة، وأهمية حماية المصالح الوطنية".
وختم قائلاً "وناقش القادة أيضاً الوضع في أوكرانيا وإيران، والإجراءات الأخيرة المتخذة ضد الحوثيين في اليمن. واتفقا على استمرار التواصل مع بعضهما بعضاً".
© The Independent