ملخص
قالت رئيسة قطاع مبيعات اقتصاد الصين الكلي والأسواق الناشئة العالمية بـ"دويتشه بنك" ليليان تاو "لاحظنا تراجع نصيب الدولار الأميركي في محافظ استثمار المستثمرين الصينيين، الذين زاد اهتمامهم بالأسواق الأخرى"
تصاعدت حدة أزمة عدم تمسك المستثمرين خصوصاً الصينيين بالسندات الأميركية (أدوات الدين حكومية) خلال الساعات الأخيرة، مما دفع محللين إلى إطلاق ناقوس الخطر تحذيراً من أزمة عالمية جديدة على غرار الأزمة المالية عام 2008.
ورصدت مجموعة "دويتشه بنك" المصرفية الألمانية خلال الأيام الأخيرة تخارجاً من سوق السندات الأميركية، إذ قلص مستثمرون صينيون استثماراتهم في سندات الخزانة الأميركية لمصلحة الاستثمار في أدوات الدين الأوروبية، بسبب الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الصين.
وعن ذلك، قالت رئيسة قطاع مبيعات اقتصاد الصين الكلي والأسواق الناشئة العالمية بـ"دويتشه بنك" ليليان تاو "لاحظنا تراجع نصيب الدولار الأميركي في محافظ استثمار المستثمرين الصينيين، الذين زاد اهتمامهم بالأسواق الأخرى".
خيارات محتملة بديلة لسندات الخزانة الأميركية
وأضافت تاو في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ نيوز" أن السندات الأوروبية عالية التصنيف الائتماني والسندات الحكومية اليابانية والذهب قد تكون خيارات محتملة بديلة لسندات الخزانة الأميركية، بالنسبة إلى عملاء "دويتشه بنك" الصينيين في الأسواق الخارجية، مشيرة إلى تضرر الأصول المقومة بالدولار بشدة خلال الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الشكوك حول وضعها كملاذ آمن في أعقاب الهجوم الشامل الذي شنه ترمب على التجارة العالمية، وقراره فرض رسوم شاملة على الواردات الأميركية قبل أن يعلقها جزئياً لمدة 90 يوماً.
في الوقت نفسه، أصبحت الصين وهي ثاني أكبر مستحوذ خارجي على سندات الخزانة الأميركية في بؤرة اهتمام المحللين والمتعاملين داخل أسواق السندات خلال الأسابيع الأخيرة، إذ يتناقش المحللون حول دور الصين في الفوضى التي ضربت سوق السندات الأميركية أخيراً.
في المقابل، رفض وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت خلال وقت سابق من الأسبوع الجاري التهكن بأن هناك حكومات أجنبية باعت سندات خزانة أميركية لديها.
ويعتقد عدد من عملاء "دويتشه بنك" الصينيين أن مستوى العائد في سوق سندات الخزانة الأميركية حالياً جذاب جداً بعد ارتفاعه نتيجة موجة البيع الكثيف للسندات أخيراً، بحسب تاو، مضيفة أن هؤلاء العملاء حذرون جداً في شأن السوق في ظل تزايد صعوبة التنبؤ بالسياسات الاقتصادية والتجارية لإدارة الرئيس ترمب.
وقالت تاو إنه "في ظل تزايد التقلبات الشديدة بدأ عدد متزايد من العملاء الصينيين النظر إلى السندات الألمانية، أو أسواق إسبانيا، أو إيطاليا، التي لم يعيروها اهتماماً كبيراً من قبل".
في غضون ذلك، تحسنت النظرة المستقبلية للأسواق الأوروبية بفضل موافقة ألمانيا على حزمة إنفاق تاريخية، وإمكانية إجراء البنك المركزي الأوروبي مزيداً من خفوض أسعار الفائدة.
وأضافت تاو "بالنظر إلى العوامل الاقتصادية الكلية، حان الوقت لإعادة النظر في استثمارات المستثمرين الصينيين في الدول الأكثر قابلية للاستثمار".
وجهة مجهولة و"غير مريحة"
وفي مقال له بصحيفة "فايننشال تايمز"، حذر المتخصص في الشأن الاقتصادي الدكتور محمد العريان من أن التصريحات الأخيرة لكبار مسؤولي الإدارة الأميركية تعكس قلقاً مشتركاً حول أوضاع سوق السندات الأميركية، مشيراً إلى أنها باتت تقترب من الخط الفاصل بين "التقلبات" و"اختلال السوق"، وهي نفس النقطة الحرجة التي سبقت أزمتي عامي 2008 و2020.
العريان أوضح أن "هذا التدهور المحتمل في سوق السندات ليس فحسب تهديداً محلياً، بل قد تكون له تداعيات اقتصادية عالمية، تماماً مثلما حدث خلال الأزمات المالية السابقة"، مضيفاً أن "هذا التحذير لا يصدر فحسب من مسؤولي الحكومة، بل جاء مدعوماً بتصريحات صارخة من بعض أبرز رجال الأعمال الأميركيين، ومنهم جايمي دايمون، مما يضفي مزيداً من الجدية على الوضع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن بعض الدول بدأت بالفعل اتخاذ خطوات عملية لتنويع تجارتها بعيداً من الولايات المتحدة، في إشارة إلى تراجع الثقة في استقرار الاقتصاد الأميركي، وعدَّ أن الأسواق تشهد تقلبات واضحة تثبت بصورة قاطعة أن الولايات المتحدة لم تعد تأخذ فحسب اقتصادها في مغامرة غير محسوبة، بل تسحب معها اقتصادات أخرى نحو وجهة مجهولة و"غير مريحة".
في الأثناء، صدر تقرير لوزارة الخزانة الأميركية لفبراير (شباط) 2025، أظهر ارتفاع حيازة الأجانب من سندات الخزانة خلال فبراير الماضي بنسبة ثلاثة في المئة لتتجاوز مستويات 8.8 تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخها.
وجاءت هذه المستويات القياسية بدعم من ارتفاع حيازة كل من الصين واليابان بنسبة أربعة في المئة وثلاثة في المئة على التوالي.
وعلى مستوى الدول العربية، قفزت حيازة الإمارات بنسبة 29 في المئة لتصل إلى نحو 120 مليار دولار لتسجل مستوى قياسياً جديداً.
الصين تملك ما قيمته 761 مليار دولار
وسجل إجمال حيازات الدول للسندات الأميركية 8.5 تريليون دولار بنهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وكانت اليابان أكثر الدول حيازة لها، وفق بيانات وزارة الخزانة الأميركية.
وتملك اليابان سندات أميركية تتجاوز قيمتها تريليون دولار وتشكل 12.7 في المئة من إجمال قيمة هذه السندات، تليها الصين التي تملك ما قيمته 761 مليار دولار، ثم بريطانيا التي بحوزتها ما قيمته 740 مليار منها.
وتضم قائمة أكبر حائزي السندات الأميركية أيضاً كلاً من لوكسمبورغ وجزر كايمان وبلجيكا وكندا وفرنسا وإيرلندا وسويسرا.
يأتي ذلك خلال وقت يدرس فيه الاتحاد الأوروبي، فرض قيود على الواردات الأميركية إذا فشلت المفاوضات التجارية، بحسب "بلومبيرغ".
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي استقبل أول من أمس الخميس رئيسة الوزراء الإيطالية أنه واثق بنسبة "100 في المئة" من أنه سيتم التوصل إلى اتفاق في شأن الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أكدته أيضاً جورجيا ميلوني واصفة الولايات المتحدة بـ"الشريك الموثوق".
وقالت ميلوني للصحافيين "أنا متأكدة من أننا نستطيع التوصل إلى اتفاق، وأنا هنا للمساعدة في تحقيق ذلك".
وقال ترمب إنه واثق بأنه يمكن لواشنطن وبروكسل التوصل إلى اتفاق، لكنه أضاف أنه يجب أن يكون "اتفاقاً عادلاً".
وميلوني التي وصفها ترمب بأنها "مسؤولة ممتازة" تشاركه عدداً من وجهات النظر المحافظة، هي أول مسؤول أوروبي يلتقي ترمب منذ بدء حربه التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية إنها تؤمن بـ"الوحدة" على رغم التوترات التجارية، مضيفة "إذا لم أكن أعتقد أنها (الولايات المتحدة) شريك موثوق لما كنت هنا اليوم".