ملخص
قال عضو لجان مقاومة الخرطوم إبراهيم عبدالقادر إن الخرطوم تحتاج إلى حملات إصحاح بيئي لإزالة الأنقاض ومكافحة مخلفات الحرب التي تملء الشوارع والمنازل، إذ إن الأحياء السكنية والأسواق والطرقات محاصرة بالألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة.
على رغم شدة الفرح الذي غمر سكان الخرطوم الذين شردتهم الحرب قرابة العامين ما بين مدن وقرى ولايات السودان الآمنة ودول الجوار عقب بسط الجيش سيطرته على العاصمة أخيراً واستعادتها من قبضة قوات "الدعم السريع"، وتدفق أفواج منهم للعودة لمنازلهم على رغم ما أصابها من نهب وسرقة ودمار، فإن تحذيرات عديدة أطلقتها جهات عدة بعدم التسرع في العودة بخاصة الأسر حتى يتم إزالة أخطار مخلفات الحرب المختلفة، وتوفر قدر من الرعاية الصحية وغيرها بعد الدمار الذي طاول البنى التحتية من مرافق الدولة الخدماتية وانهيار المنظومة الصحية بخروج نحو 80 في المئة من المستشفيات في ظل انتشار الأمراض والأوبئة التي تفشت أثناء المعارك، فضلاً عن شح الغذاء وارتفاع أسعار السلع أضعاف مضاعفة، إضافة إلى التفلتات الأمنية بسبب انتشار السلاح بصورة عشوائية، وغيرها من تحديات انقطاع المياه والكهرباء المتواصل.
وكان وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم حذر من الاستعجال في العودة إلى مدن ولاية الخرطوم، بخاصة التي تتكدس فيها الجثث والأخطار الأخرى، مشيراً إلى أن استكمال عمليات النظافة والتعقيم والإصحاح البيئي تتطلب في الأقل فترة تراوح ما بين أربعة وستة أسابيع بهدف حماية المواطنين من الأخطار مع احتمال تفاقم الأمراض والأوبئة التي ظهرت أخيراً إذا لم يتم القضاء على مسبباتها بصورة جذرية.
وأكد وزير الصحة أن التنسيق مستمر مع الشركاء المعنيين، خصوصاً الدفاع المدني لتوفير المعينات اللازمة لضمان العودة الآمنة إلى جانب إرسال فرق إلى المدن والقرى في الولايات المحررة، علاوة على التركيز على التدخلات العاجلة التي نعتبرها طويلة المدى في مكافحة نواقل الأمراض وفق حملات صحية شاملة.
أوضاع معقدة
في السياق أوضح عضو غرفة طوارئ أم درمان أحمد عبدالرحمن أن "عودة المواطنين في هذا الوقت غير ملائمة على رغم مواجهتهم صعوبات معيشية في مناطق النزوح داخل البلاد وخارجها باعتبارها أخف وطأة عما ينتظرهم في الخرطوم والمناطق التي تضررت بشدة من مصاعب حياتية بالغة التعقيد". وأضاف "مثالاً نجد أن الأوضاع الصحية لا تزال معقدة، إذ إن المستشفيات التي خرجت عن الخدمة لم ترجع حتى الآن ولو القليل منها، إضافة إلى افتقارها للكوادر الطبية والمعينات من أجهزة وعاملين، في ظل انتشار الأمراض والأوبئة التي تفاقمت خلال فترة الحرب بسبب تحلل الجثث وانتشارها في الأحياء السكنية والمشارح، فضلاً عن أزمة الجوع الضارية وشح الغذاء وارتفاع أسعاره، الذي أدى إلى مضاعفات وسط الأطفال والنساء الحوامل والإصابة بمرض سوء التغذية".
وواصل "كذلك تفاقمت الأزمات الإنسانية بسبب توقف التكايا (المطابخ الخيرية) جراء انعدام التمويل، إضافة إلى الظلام التام في جميع ولايات السودان نتيجة للاستهداف الممنهج من قبل قوات ’الدعم السريع’ لمحطات الكهرباء بالمسيرات، مما أدى إلى تعطل شبكات المياه ولجوء المواطنين إلى جلب مياه الشرب من النيل مباشرة، علاوة على المشكلات التي تواجه سير العملية التعليمية والبيئة المتهالكة التي لا تصلح للإجلاس، ويحتاج تأهيلها إلى تكاتف شعبي ورسمي". وتابع "كما أن هناك واقعاً مروعاً أفرزته الحرب شكل هاجساً للسكان العالقين من خلال العصابات التي ظلت تنهب وتسطو باستخدام السلاح ما يحتم على المواطنين العائدين التعامل بحذر، إذ إن السلطات لا تكاد تكفي لحماية الموجودين، فما بال عودة الملايين في ظل الوضع الراهن؟".
وأكد عضو غرفة الطوارئ أن العودة الآمنة والمستدامة والاندماج لم تتوفر بعد، فضلاً عن الأعمال في القطاعين العام والخاص لا تزال متوقفة بسبب الخراب الذي طاول بناها، مما يصعب على الأسر بناء حياتها من جديد، ونظراً إلى ذلك لا بد من الترتيب للعودة وعدم الاستعجال".
استهداف ممنهج
من جانبه قال عضو لجان مقاومة الخرطوم إبراهيم عبدالقادر إن "الخرطوم تحتاج إلى حملات إصحاح بيئي لإزالة الأنقاض ومكافحة مخلفات الحرب التي تملء الشوارع والمنازل، إذ إن الأحياء السكنية والأسواق والطرقات محاصرة بالألغام والمتفجرات والعبوات الناسفة، فضلاً عن أن هناك حدثاً ممنهجاً وفريداً من نوعه شهد حالاً من استنفار الجهات المتخصصة بوجود سيارة مفخخة في أحد أحياء الخرطوم خلال الأيام الماضية مما كان سيلحق بمزيد من الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، لا سيما أن السلطات نجحت في تفكيكها، ومن ثم إفشال المخطط، مما يؤكد أن المواطنين لن يكونوا في أمان بسبب استمرار الحرب حتى يتم توقفها عبر الجلوس إلى طاولة التفاوض".
وأوضح عضو المقاومة "كذلك من الضروري مكافحة نواقل الأمراض من ذباب وبعوض وجمع الجثث الملقاة في الشوارع قبل حلول فصل الخريف، كما أن الوضع الآن يستدعي تفعيل دور عمال الرش بالمبيدات ومحاضرات توعوية وتثقيفية والإرشاد النفسي، فكل هذه الأشياء في غاية من الأهمية ويجب الإسراع فيها قبل تدافع العائدين من النزوح".
تقليل الأخطار
بدوره حذر مدير المركز القومي لمكافحة الألغام اللواء ركن خالد حمدان من انتشار الألغام والأجسام المتفجرة التي تشكل خطراً على حياة المواطنين والبيئة، إذ إنها تؤدى إلى خسائر مدمرة تزيد من المخاوف في العودة.
وتابع حمدان "هناك جهود واسعة مبذولة للتخلص من مخلفات الحرب الخطرة على رغم التحديات المعقدة في هذا الخصوص، كما أن هناك خطة طوارئ لتحديد المناطق الملوثة بالألغام والعمل على إعادة تأهيلها مجدداً". وأضاف المتحدث "هذه الأخطار تتطلب جهوداً دولية ومحلية وتعزيز شراكات بينهما بهدف تذليل الصعاب التي تواجه السودان في مكافحة الألغام والتعامل مع المخلفات الحربية والذخائر المتفجرة، علاوة على توفير خدمات إضافية تسهم في تهيأت الظروف المناسبة لعودة المواطنين".
ولفت مدير المركز القومي لمكافحة الألغام إلى أن استمرار وقوع حوادث مأسوية من انفجار الألغام يعكس الحاجة الملحة للتعاون الدولي لتقليل الأخطار.
تهيأت المستشفيات
على الصعيد نفسه بينت المتخصصة في علوم أمراض الدم والأوبئة سلمى السر أن "الأمراض والأوبئة شكلت تحدياً آخر للأزمة في السودان منذ اندلاع الحرب، إذ إن الاشتباكات والحصار المستمر أعاق وصول الأدوية والأمصال إلى مناطق سيطرة قوات ’الدعم السريع’، فضلاً عن أن الحرب أسهمت في نشر الأوبئة، بخاصة الكوليرا التي قضى السودان عليها في الأعوام الماضية، إلى جانب انتشار واسع للملاريا والإسهال المائي والدوسنتاريا والتيفويد وحمى الضنك وجدري القرود بسبب عدم توفر المياه النظيفة والتغذية الجيدة التي تعمل على تقوية الجهاز المناعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واصلت السر، "كذلك نجد أن التغيرات المناخية لعبت دوراً كبيراً في معدل تصاعد الأوبئة، بيد أن خمول الفيروسات والجراثيم في جسم الإنسان وعودة نشاطها مرة أخرى تكون في الغالب مميتة في ظل بيئة تنتشر بها الملوثات، بخاصة الجثث المبعثرة في الشوارع وعدم مواراتها الثرى، فضلاً عن أن المرض إذا لم يدعم بالمحاليل واللقاحات الفموية يصعب الحد منه على رغم مجهودات وزارة الصحة السودانية".
ونبهت المتخصصة في أمراض الدم والأوبئة إلى أن "التعافي من آثار الحرب في ظل رغبة كثير من المواطنين في العودة لمناطقهم يحتاج إلى استراتيجيات منها توفير الأدوية والأمصال والتطهير والتعقيم والقضاء على نواقل المرض والعمل على عودة المستشفيات والمراكز الصحية حتى لا يضطر البعض للنزوح مرة أخرى بسبب تفاقم مشكلات العلاج وانتشار الأمراض وغيرها".
انتشار الجثث
منذ استعادة الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم مارس (آذار) الماضي يعمل متطوعون في الهلال الأحمر على انتشال الجثث الملقاة في شوارع العاصمة التي شهدت معارك طاحنة.
وقالت الأمينة العام لجمعية الهلال الأحمر السوداني عايدة السيد إن المتطوعين يعثرون على الجثث "في الشوارع وداخل المباني وفي كل مكان"، موضحة أنه من غير الواضح عدد الجثث التي لا تزال ملقاة في العراء في الخرطوم، لكنها أكدت العثور على "250 جثة في شارع واحد"، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ودخلت الحرب الثلاثاء عامها الثالث بعدما خلفت عشرات آلاف القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث وفق الأمم المتحدة.
في الخرطوم وحدها لقي أكثر من 61 ألف شخص حتفهم لأسباب مختلفة خلال الأشهر الـ14 الأولى من الحرب، وفقاً لكلية لندن للصحة والطب المداري بزيادة 50 في المئة عن معدل الوفيات قبل الحرب.
وتوصل تقرير الكلية عام 2024 إلى أن 26 ألف وفاة من بين هذه الوفيات نسبت مباشرة إلى العنف. ويضم الهلال الأحمر السوداني نحو 12 ألف متطوع يقدمون المساعدة لملايين النازحين ويوزعون الطعام والماء وأحياناً يقدمون الدعم النفسي.
وتكافح المنظمة الإنسانية لتغطية الحاجات المتزايدة في البلاد وسط نقص حاد في التمويل. ويكمن التحدي الرئيس في تحديد هوية الجثث. أما تلك التي يعثر عليها مع بطاقات هوية فيتم تسجيلها ودفنها في مناطق محددة.
ويتم تسجيل الجثث الأخرى بكل التفاصيل المعروفة عنها ونقلها إلى منطقة أخرى، إذ يمكن للباحثين عن مفقودين الحضور والاستفسار.
وأعلن الصليب الأحمر هذا الأسبوع أن ما لا يقل عن ثمانية آلاف شخص فقدوا في السودان العام الماضي وحده، محذراً من أن هذا ليس سوى "قمة جبل الجليد".
وإضافة إلى تتبع المفقودين وإزالة الجثث من شوارع الخرطوم يشارك المتطوعون في "حملة تنظيف" تحضيراً لعودة النازحين.
وتوقعت الأمم المتحدة هذا الأسبوع عودة أكثر من مليوني شخص إلى العاصمة خلال الأشهر الستة المقبلة.