Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان ينتظر مصيره بعد إعلان الحكومة "الموازية"

حميدتي يتحفظ على الإفصاح عن تشكيلها ومراقبون يتوقعون أن تزيد الانقسام السياسي والعسكري

وقع على الميثاق السياسي الذي يمهد لتشكيل الحكومة الموازية أكثر من 24 حزباً وحركة مسلحة ومنظمة مجتمع مدني (أ ف ب)

ملخص

إعلان قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في خطابه المسجل الأخير جاء تكراراً لما سبق إعلانه خلال مؤتمر نيروبي، من دون الإفصاح عن التشكيل الفعلي لما سماها "حكومة السلام"

على رغم مرور نحو شهرين على إعلان ميلاد تحالف التأسيسي "تأسيس" والتوقيع على الدستور التأسيس الانتقالي، إيذاناً بإعلان تشكيل حكومة موازية أو ما يسمى حكومة السلام، فإن إعلان قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في خطابه المسجل الأخير جاء تكراراً لما سبق إعلانه خلال مؤتمر نيروبي، من دون الإفصاح عن التشكيل الفعلي لما سماها "حكومة السلام"، فما التحديات التي تواجه تشكيل هذه الحكومة؟ ومتى سيتم تعيين تفاصيل تكوينها فعلياً؟ وأين سيكون مقرها؟ وهل فعلاً تنتظر سقوط الفاشر لتكون مقراً لها؟

خلافات ومناصب

في السياق، يُرجع المتخصص في مجال العلوم السياسية جلال عبدالرؤوف عدم الإعلان عن تفاصيل الحكومة الموازية في خطاب قائد قوات "الدعم السريع" الأخير، محمد حمدان دقلو "حميدتي" لأسباب عدة واعتبارات بعضها عسكري والآخر سياسي واقتصادي وربما دبلوماسي، مرجحاً أن يكون السبب هو عدم اكتمال التوافق داخل التحالف الجديد، الحافل بالخلافات والتفاوض الصعب بين الحلفاء أنفسهم حول مقر الحكومة وتوزيع المناصب، بعد أن عالج الدستور التأسيسي قصية التوجه السياسي العام للحكومة المرتقبة.

وأول من أمس الثلاثاء، وبمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب داخل البلاد، أعلن قائد قوات "الدعم السريع" عن تشكيل "حكومة سلام"، مؤكداً أنها "تمثل ميثاقاً سياسياً ودستوراً انتقالياً، وستمثل تاريخاً جديداً للسودان"، وستصدر وثائق هوية وطنية وعملة جديدة، وطالب حميدتي في خطاب مصور عبر "تيليغرام" الاتحاد الأفريقي بالاعتراف بالحكومة الجديدة.

إعلان بلا حكومة!

يلاحظ عبدالرؤوف أن قائد "الدعم السريع" اكتفى بإعادة تلاوة بعض النصوص في الدستور التأسيسي الانتقالي، من دون أن يفصح عن تفاصيل الحكومة المعنية وفق ما هو متعارف عليه عند إعلان الحكومات، لذلك لا يستبعد أن يكون ما أقدم عليه قائد "الدعم السريع" بإعلان قيام الحكومة "بلا حكومة" في السياق ذاته التكتيكي، بالاستمرار في استخدام فكرة الحكومة الموازية، ضمن أوراق الضغط السياسي على سلطة الجيش والوسطاء الدوليين، دون التورط في تنفيذها.

وأشار الأكاديمي السوداني إلى أنه وبخلاف الحديث عن الموازنات الإقليمية للمجلس الرئاسي وتمثيل كل أقاليم البلاد في المجلس، ليست هناك حتى الآن أية ملامح واضحة عن تشكيل هذه الحكومة، ومصدر شرعيتها الداخلية في ظل عدم وجود أي جسم تشريعي يجيز تشكيلها، فضلاً عن أن إعلانها بواسطة قائد "الدعم السريع" وكونها ستكون في مناطق سيطرته وتحت حماية قواته، فهي بتلك المواصفات لن تكون حكومة مدنية إذا قدر لها أن ترى النور، بل ستكون حكومة عسكرية أيضاً، مما يعني أن البلاد موعودة أن تكون تحت حكم حكومتين عسكريتين متنافستين في صراع عسكري قد يستمر لأعوام أخرى مقبلة.

 

 

وتابع عبدالرؤوف "أعتقد أن الواقع العسكري الميداني الراهن يبدو غير ملائم لتشكيل مثل تلك الحكومة، فهي بلا شك تتطلب وجود مقر محصن بصورة كاملة من ضربات طيران الجيش، على رغم سيطرة قوات ’الدعم السريع‘ على مناطق واسعة من إقليم دارفور وبعض كردفان، لكنها لا تزال تواجه عقبة كبيرة في الفاشر، لذلك ربما ارتبط تشكيل الحكومة بإسقاط الفاشر وإكمال السيطرة على كامل إقليم دارفور، إذ يرجح أن الفاشر ستكون الخيار الأفضل كمقر للحكومة الموازية".

اختبار صعب

ولفت الأكاديمي إلى أن الإعلان الرسمي عن تفاصيل تلك الحكومة قد يفجر غضباً دولياً وإقليمياً على قوات "الدعم السريع"، بتجاهلها كل التحذيرات والمواقف الرافضة لقيام الحكومة الموازية كونها تمثل خطوة نحو تقسيم السودان، وهو ما يهدم كل محاولات قوات "الدعم السريع" للظهور في صورة الحريص على وحدة السودان، ويضعها أمام اختبار صعب وموقف محرج أمام المجتمعين الإقليمي والدولي.

وينص ميثاق التأسيس على ضرورة تشكيل حكومة تنهي الحرب وتحقق سلاماً شاملاً، مع الالتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية وإنهاء الإفلات من العقاب، وكذلك "تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية غير مركزية في السودان قائمة على الحرية والمساواة والعدالة، وغير منحازة لأية هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، تعترف بالتنوع وتعبر عن جميع مكوناتها على قدم المساواة، إلى جانب حظر تأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني أو تنظيم دعاية سياسية على أساس ديني أو عنصري، إضافة إلى خضوع الجيش الجديد منذ تأسيسه للرقابة والسيطرة المدنيتين".

ترحيب بدارفور

في دارفور رحب ملتقى كبير للإدارات الأهلية والقيادات القبلية بحكومة السلام والوحدة الوطنية المرتقبة والمبادرات الوطنية والإقليمية والدولية الهادفة إلى تحقيق السلام وإنهاء الحرب، إذ وقع القادة الأهليون في نهاية الملتقى بمحلية السلام على وثيقة عهد وميثاق بين الإدارات الأهلية ومكونات المجتمع المدني، برعاية قائد "الدعم السريع" وإشراف المستشار العام للإقليم النذير يونس أحمد مخير، ورئيس الإدارة المدنية في ولاية جنوب دارفور يوسف إدريس يوسف، بحضور المستشار العام لقوات "الدعم السريع" داخل الإقليم ورؤساء الإدارات المدنية ولجان أمن ولايات الإقليم.

وأكدت الوثيقة وحدة الحفاظ على وحدة السودان أرضاً وشعباً ودولة، وتعزيز التعايش السلمي والسلم الاجتماعي بين مكونات ومجتمعات دارفور، ومناهضة خطاب الكراهية وملاحقة المتفلتين عبر الجهات الأمنية ومحاربة الظواهر السالبة في المجتمع.

وعدَّ المجتمعون الميثاق خطوة مهمة في سبيل تعزيز جهود التهدئة والاستقرار داخل إقليم دارفور، خلال وقت يمر فيه السودان بمرحلة حرجة تستدعي توحيد الجهود المجتمعية والرسمية من أجل إحلال السلام المستدام.

استرداد الديمقراطية

وكان القيادي بتحالف السودان التأسيسي "تأسيس" ورئيس حركة "العدل والمساواة" المنشقة سليمان صندل أكد أن من أهم مهام الحكومة الجديدة استرداد التحول المدني الديمقراطي، واستعادة ثقة السودانيين في ثورتهم وإعادة السلطة للشعب ليختار من يمثله، فضلاً عن إنهاء ظاهرة تعدد الجيوش والعمل على تأسيس جيش وطني جديد ومهني واحد يعبر عن كل السودانيين ويحمي البلاد وسيادتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد صندل على أن حكومة السلام الانتقالية ستقوم بصيانة وتوفير الحقوق الدستورية لجميع المواطنين من دون أي تمييز، وتمكينهم من التمتع بجميع حقوقهم الأساس في الصحة والتعليم والأمن والحصول على أوراق الهوية الثبوتية.

عزلة منتظرة

على نحو متصل، يرى المتخصص في العلاقات الدولية محسن عبدالرحيم حسين أن هناك مصاعب عدة تواجه إعلان التشكيل الفعلي للحكومة الموازية، بواسطة أطراف ميثاق تحالف السودان التأسيسي في ظل تجدد الرفض الأممي والدولي والإقليمي، الذي قد يقود إلى عزلة تلك الحكومة بعدم حصولها على الاعتراف الإقليمي والدولي اللازمين لتقبل وجودها الشرعي ضمن أسرة المجتمعين.

ولفت حسين إلى أن المخاوف الدولية والإقليمية المتحفظة والرافضة لقيام حكومة ثانية "موازية" للسلطة الحالية في السودان تبدو حقيقية ومنطقية، خشية أن يقود وجود حكومتين متنازعتين ومتحاربتين إلى تعريض البلاد للانقسامات الجهوية والجغرافية وينتهي بتفكيك وحدتها.

وتابع "تمثل المواقف الدولية والإقليمية، فضلاً عن تصريحات الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الرافضة لتشكيل الحكومة الموازية، إشارات جادة إلى عدم استعداد المجتمع الدولي ومؤسساته أن يمنح تلك الحكومة الاعتراف اللازم بشرعيتها، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً".

تعقيدات في الخارج والداخل

ويرجح المتخصص في العلاقات الدولية أن يؤدي إصرار "الدعم السريع" على قيام الحكومة الموازية إلى تعميق الانقسام السياسي والعسكري وتغذية مسارات تفكيك الدولة، فضلاً عن أن المواقف الدولية والإقليمية المعلنة تجاهها ستضع الأطراف الداعمة لقيامها أمام تحد كبير في الحصول على اعتراف دولي وإقليمي، إضافة إلى أن التعقيدات الداخلية المتمثلة في البنية التحتية المنهارة والوضع الإنساني المتدهور بشدة، تجعل من المستحيل تمكن الحكومة المنتظرة من أن تكون فعالة على الأرض وقادرة على الإنجاز السياسي والاقتصادي والخدمي.

 

 

إلى ذلك قال الحزب الشيوعي السوداني "إن تجربة العامين الماضيين أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن طرفي الحرب وجهان لعملة واحدة، وأن ما بينهما من صراع لا يلغي اشتراكهما في المشروع المضاد لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، بعد أن أجهضا معاً آمال الشعب في تفكيك دولة الإنقاذ العميقة ومحاسبة رموزها".

التسوية المقبلة

اتهم بيان للحزب المجتمع الدولي بالتواطؤ في إطالة أمد الحرب وتوسيع رقعتها الجغرافية والاجتماعية، بما يخدم أطراف التسوية المقبلة، التي تأمل في فرض واقع جديد عبر الحسم العسكري أو تسوية مزيفة، خلال وقت ما زال فيه الشعب يرفض الاعتراف بأي من حكومات الأمر الواقع، سواء تلك التي تحتمي ببورتسودان أو تلك التي تتمدد بالسلاح.

ومنتصف فبراير (شباط) الماضي داخل العاصمة الكينية نيروبي وقع على الميثاق السياسي والدستور التأسيسي الذي يمهد لتشكيل الحكومة الموازية إلى جانب قوات "الدعم السريع" أكثر من 24 حزباً وحركة مسلحة ومنظمة مجتمع مدني، على رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة عبدالعزيز الحلو، فضلاً عن تحالف الجبهة الثورية التي يقودها عضو مجلس السيادة السابق الهادي إدريس.

ومع دخول الحرب عامها الثالث تشتد المعارك في دارفور وأجزاء من كردفان، ومعها يحتدم الصراع السياسي حول شرعية السلطة وسط تقدم ميداني كبير للجيش والقوات المساندة له، خلال الأسابيع الماضية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير