ملخص
يمكن استخدام الخرسانة والأنقاض كركام أو مواد حشو بعد سحقها، بينما من الممكن إعادة استخدام الأسفلت بعد طحنه في خلطات أسفلت جديدة، والأمر ذاته ينطبق على الطوب والبلاط والسيراميك والخشب والزجاج والبلاستيك والكرتون والورق ونفايات المعادن المذابة كالحديد والفولاذ والألمنيوم.
لم يعُد الاهتمام بالاستدامة، ونحن نودع الربع الأول من القرن الـ 21، مقتصراً على مجال بعينه، بل يمكن اعتباره مسعى رئيساً في طريق الوصول إلى التنمية المرجوة، وفي حين أن الوعي يشكل حجر العقد في مشاريع الاستدامة، نجد هنالك ارتباطاً وثيقاً ما بين الوعي البيئي ونظيره الاجتماعي، وإن كانا يصبان في مفهوم الوعي العام أو المحيطي، وليس المعماريون والمصممون بعيدين من هذا الوعي، بخاصة إذا ما علمنا التأثير البشري المتزايد في البيئة والذي يؤثر بدوره في قطاع البناء والهندسة المعمارية على وجه العموم، ومن هنا يظهر دور بعض التقنيات المستخدمة في تحقيق الاستدامة، كإعادة التدوير على سبيل المثال، إذا ما طُبقت في قطاع الهندسة المعمارية.
إعادة استخدام المواد
وفي حين أن عملية البناء بحد ذاتها تعد واحدة من أكبر الصناعات المسهمة في الحجم العالمي للنفايات، إذ تولد عملية البناء والهدم والنقل كميات من النفايات التي تتراكم والتي بغالبها ترسل إلى مكب النفايات، تساعد إعادة التدوير في التقليل من كميات النفايات الواصلة إلى المكب، مما يسهم في فوائد قريبة وبعيدة المدى على المستويات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والطاقية، إذ يقدم مفهوم إعادة التدوير في الهندسة المعمارية استخدامين رئيسين للمواد المعاد تدويرها، الأول استخدام المادة المُعاد تدويرها كعنصر بناء، والثاني إعادة استخدام نفايات بناء في بناء آخر.
وهناك مواد عدة يمكن إعادة تدويرها على نحو متكرر، على سبيل المثال يمكن استخدام الخرسانة والأنقاض كركام أو مواد حشو بعد سحقها، بينما من الممكن إعادة استخدام الأسفلت بعد طحنه في خلطات أسفلت جديدة، والأمر ذاته ينطبق على الطوب والبلاط والسيراميك والخشب والزجاج والبلاستيك والكرتون والورق ونفايات المعادن المذابة كالحديد والفولاذ والألمنيوم.
ويبرز في هذا السياق مفهومان متقاربان نوعاً ما لكنهما على درجة من الاختلاف أيضاً، الأول "إعادة التدوير" (Recycling) الذي اكتسب زخماً كبيراً خلال الأعوام الأخيرة، وهو يقتصر على تحويل المواد غير المرغوبة إلى مواد خام لاستخدامها في صنع منتجات جديدة، ومن خلاله يمكننا الحفاظ على الموارد والتقليل من الآثار البيئية السلبية المرتبطة بنفايات المكبات.
إعادة التدوير للأفضل
أما المفهوم الثاني "إعادة التدوير للأفضل أو إعادة التدوير التحسيني" (Upcycling) فيعبر عن عملية تحويل النفايات والمواد غير المرغوبة إلى مواد جديدة ذات قيمة وجودة أعلى لإعادة استخدامها في التصاميم، وهنا يحدث اللقاء بين الإبداع والاستدامة.
ولهذه العملية أهمية كبرى، إذ بإمكانها أن تحدث تغييراً جذرياً في نهج الاستدامة ذاته للوصول إلى نهج أكثر حداثة وتجديداً، وبذلك يمكننا استخدام المباني القائمة والمواد الموجودة وإعادة إحيائها مع الحفاظ على أصالتها.
من ناحية أخرى، تُعد إعادة التدوير للأفضل أكثر فائدة، إذ تحول النفايات إلى شكلها الأصلي مما يقلل بصورة كبيرة من الحاجة إلى الطاقة والكلف اللازمة لتفكيكها إلى مكونات خام تتطلبها إعادة التدوير، مما يجعل إعادة التدوير للأفضل بديلاً أكثر إقناعاً في العمارة المستدامة مقارنة بإعادة التدوير.
ومع ذلك، من الضروري إدراك أن إعادة التدوير التقليدية لا تزال نهجاً ضرورياً في العمارة المستدامة لأن إعادة التدوير للأفضل، حتى الآن، لا تمثل الحل الأمثل لجميع المشكلات، بل هي امتداد متكور لإعادة التدوير وكلاهما يكمل الآخر، ومن الجيد تبني مبادئ النهجين واستخدامهما على النحو الأمثل، ما من شأنه أن يمهد الطريق لمستقبل أكثر خضرة واستدامة.
التقاء الإبداع بالاستدامة
والحقيقة أنه في إطار نهج إعادة التدوير، من الممكن أن يعاد تدوير أي نوع من المخلفات في أي قطاع صناعي بصورة احترافية وممنهجة ليصبح جزءاً أساس في منتج أنيق بدلاً من أن يرمى ويشكل عبئاً على الإنسان والطبيعة والكوكب ككل، ونحن هنا أمام عملية إبداعية تقوم بتحويل غير المرغوب إلى مرغوب ومحبب في محاولة للدمج بين أساليب القطاع التقليدية والخروج من الصندوق للوصول إلى تصاميم مستدامة.
وتوفر إعادة التدوير للأفضل في العمارة إمكانات لا حصر لها لابتكار تصاميم مستدامة مع تقليل النفايات والكلفة، إضافة إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونجد شركات عدة أخذت على عاتقها تحويل النفايات إلى عناصر ديكور، خصوصاً الأرضيات والسجاد المنسوج من خلال استغلال نفايات المنسوجات، وعلى سبيل المثال فإن شركة "بولون" وهي شركة تصميم رائدة عالمياً، تنتج أرضيات وسجاداً محايداً للمناخ (يشير إلى فكرة تحقيق صافي انبعاثات صفرية من الغازات الدفيئة)، خطت عام 1949 خطوة للأمام بتحويل نفايات المنسوجات إلى منتجات أنيقة، وعلى مدى 75 عاماً واصلت شركة التصميم السويدية ابتكار المواد والدمج بين فرع الأرضيات التقليدي والتصميم الإبداعي المستدام، من خلال تحويل النفايات إلى أرضيات وسجاد منسوج فاخر.
"برج فرايتاغ"
وفي هذا السياق يقدم "برج فرايتاغ" (Freitag) الذي يعد معلماً بارزاً في قلب محور حركة السكك الحديد والطرق الدولية في مدينة زيورخ السويسرية مثالاً جيداً، إذ يجسد إمكانات إعادة التدوير في المجال المعماري للحد من النفايات، فهو مصنوع بالكامل من مواد مستعملة ونفايات.
وبني البرج عام 2006 من 19 حاوية شحن صدئة مركبة فوق بعضها بعضاً، مشكلة برجاً شديد الانحدار يبلغ ارتفاعه نحو 25 متراً، وهو مكون من تسع وحدات، تشكل بمجملها متجر "فرايتاغ" الرئيس، ويحول هذا الشكل من التكديس الحاويات إلى وحدة حرارية آمنة من الحرائق تعرض فيها المنتجات المختلفة وتباع وتخزن، وتعامل الحاوية كوحدة معمارية متكاملة، مما يسمح بمرونة إضافية في استخدام المساحة.
وتشكل الوحدات الأولى والثانية قاعدة المتجر، بينما يستخدم البرج كمنصة توفر إطلالة بانورامية على مدينة زيورخ والجبال والبحيرة وخطوط النقل والسكك الحديد، وتوفر فتحات النوافذ الكبيرة إضاءة طبيعية لصالات العرض ومنطقة المبيعات وتتيح إطلالات بانورامية من الداخل والخارج.