Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصيحة بلير لستارمر حول التعامل مع ترمب

في معرض رده على سؤال طرحه طلاب كلية كينغز كوليدج في لندن مطلع الشهر الجاري أعطى رئيس الوزراء السابق الانطباع بأنه يوجز النصيحة التي يسديها لخلفه

كير ستارمر يصافح دونالد ترمب خلال زيارة رسمية إلى واشنطن في يناير (غيتي)

ملخص

قدم توني بلير نصيحة لكير ستارمر مفادها أن نجاح السياسة في عصر التحولات التكنولوجية وعدم الاستقرار الجيوسياسي يتطلب رئاسة وزراء قوية تقود التغيير من المركز، محذراً من أخطار الشعبوية وحروب التجارة، ومؤكداً أن القرارات الصعبة لا مفر منها لتحقيق استدامة الحكم.

ما يحتاج إليه كير ستارمر هو "رئاسة وزراء أقوى بعد مما كانت عليه في عهدي". هذا ما قاله توني بلير لطلاب كلية كينغز كوليدج في لندن في مطلع الشهر الجاري - بعد يوم من إعلان دونالد ترمب عن رسوم "يوم التحرير" الجمركية. وقال بلير "عندما توليت رئاسة الوزراء كانت إرادة الناس تقضي بتحسين النظام. وقد حسناه بالفعل ورفعنا مستوى الخدمات العامة. وما ينشدونه اليوم هو تغيير النظام. هذا اختلاف رئيس ولن يتسنى تحقيق ذلك من دون رئاسة وزراء قوية جداً".

وقال إن الناخبين ينفد صبرهم من السياسيين بصورة أسرع اليوم، وإن التكنولوجيا الجديدة هي الطريقة الوحيدة لتحقيق مطالبهم "يجب أن يكون المركز قوياً اليوم، ويفترض أن ينطلق استخدام التكنولوجيا في الحكومة والخدمات العامة من هذا المركز". وأضاف "لو كنت تعمل في السياسة اليوم، فأنت تقف أمام خيار إما أن تكون مخرباً للنظام أو أن تكون هدفاً للتخريب". ومن دلالات تأثيره في رئيس الوزراء الحالي ظهور هذه الجملة في خطاب ستارمر أمام اجتماع سياسي خاص للحكومة في فبراير (شباط) الماضي. وقال بلير، في إشارة إلى تعيين إيلون ماسك الجدلي لإدارة وزارة الكفاءة الحكومية "يمكنكم أن تروا ذلك الآن من خلال تجربة وزارة الكفاءة الحكومية في الولايات المتحدة: هذا تخريب - أولاً تلكمون الحائط وتحدثون ثقباً فيه ثم تنتظرون لاكتشاف ما سيحدث".

ولم يُبد بلير إعجاباً كبيراً بالتجربة قائلاً "فلننتظر ونرَ ما سيؤول إليه مصيرها"، لكنه أضاف "إن كانت السياسة التقليدية تسعى اليوم لاكتساب مزيد من القوة، فسيتعين عليها أن تهيئ وسيلة حقيقية لتغيير النظام"، وأعتقد أن التكنولوجيا هي الأداة المناسبة لتحقيق ذلك لكن يجب أن تنطلق من رئاسة الوزراء، ومن حكومة أقوى بكثير مما كانت عليه في عهدي. وهي كانت قوية جداً في نهاية العهد. لم يرق ذلك لكثيرين، لكن إن لم ينطلق هذا العمل من رأس الهرم، فلن ينجز أبداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الغريب أن نص الإحاطة الرسمية للإعلام حول ما قاله ستارمر للحكومة الثلاثاء الماضي بدا أشبه بخطاب صادر عن بلير نفسه "شدد (رئيس الوزراء) على الأهمية الحيوية للإصلاح الرقمي في تغيير الدولة".

لكن إعلان ترمب حرباً تجارية في اليوم السابق للمحاضرة عقّد النصيحة التي منحها بلير لخلفه "لا أفهم تماماً الحجة الفكرية التي قامت عليها سياسة الرسوم الجمركية، لكن أعتقد أنه علينا التريث بانتظار أن نرى على ماذا ستستقر الأمور - هذا إن استقرت…".

وقال في ما بدا أنه ترديد لمقاربة ستارمر القائمة على "التحلي بالرزانة": "بالنسبة إلى المملكة المتحدة، سيتوجب علينا أن نقرر إن كنا نريد الرد أم لا. والأرجح ألا نرد. فلا أعتقد أن مصلحة المملكة المتحدة تقضي بذلك. ويكمن الخطر في نشوب حرب تجارية (تتورط فيها) أوروبا وأميركا ودول من الشرق الأقصى، ولا أعلم أين تنتهي. آمل بوجود خطة ضمن كل ما يحدث".

ونظراً إلى تعامله مع إدارة ترمب الأولى من أجل إبرام اتفاقات أبراهام (تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين عام 2020)، وفي قضية البلقان، قال بلير "لا بد أن أقول إنني وجدت التعامل معهم سهلاً جداً". وأضاف "صممت على التوافق مع الرئيس الأميركي، كائناً من كان، لأن ذلك كان جزءاً من مهمتي. كما وجدت التعامل مع إدارة ترمب الأولى سهلاً جداً. لكن طبعاً، ستشكل مسألة التعرفة الجمركية نقطة خلاف".

وفي معرض رده على أسئلة الطلاب زعم بلير أنه توقع أن يسحب ترمب الدعم من أوكرانيا. وشرح رئيس الوزراء السابق أن جزءاً كبيراً من مهمة إدارة الحرب في كوسوفو عام 1999 تمحور حول التفاوض مع بيل كلينتون "لأن الأميركيين لم يرغبوا بالتورط". وقال "من الأمور المهمة بالنسبة إلى زمننا الراهن أنني أطلقت مسار الدفاع الأوروبي مع الحكومة الفرنسية في سانت مالو بعد حرب كوسوفو، بعدما اتضح لي تحديداً أننا لم نكن لننجح أبداً من دون الأميركيين، وأن 90 في المئة من المساهمة كانت أميركية. وكانت وجهة نظري ’هذا محض جنون: ما العمل إن قرر الأميركيون أنهم لا يريدون المشاركة في شيء ما؟ من نقصد عندها؟ لن نتمكن من فعل أي شيء‘، لكن قضية الدفاع الأوروبي علقت بشباك حجج التشكيك بجدوى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولذلك لم تبلغ المرحلة التي كان من المفترض أن تبلغها وهي كيف نستحدث الإمكانات التي نحتاج إليها في حال قررت أميركا عدم التدخل لأي سبب من الأسباب".

وفيما تعتبر بعض دروس عهده مهمة بالنسبة إلى هذا الزمن، تذوب بعض الدروس الأخرى في التاريخ. وقد سئل عن أسباب الفشل الاستخباري في العراق. وأجاب بقوله "ينسى الناس ما حصل من تراكم كبير لمعلومات استخباراتية جمعت على امتداد فترة طويلة حول أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام، وكان أول عمل عسكري أقدمت عليه في العراق في عام 1998 مع بيل كلينتون. كان مفتشو الأمم المتحدة يدخلون ويخرجون. وكان البلد الوحيد الذي استخدم الأسلحة الكيماوية منذ الحرب العالمية الثانية، سواء في الحرب العراقية-الإيرانية [وضد شعبه]". وتابع "حدثت الإخفاقات الاستخباراتية بسبب الاعتقاد الراسخ بأنه سيعاود استخدامها، بما أنه استخدمها أول مرة، علاوة على معلومات صدرت عن بعض الأشخاص داخل العراق لأنهم أرادوا تدخلاً عسكرياً يطيح الديكتاتورية". كما طلب منه إعطاء "جواب حاسم" عن تساؤل شغل طلابنا منذ أن وضعت والبروفيسور جون ديفيس المقرر عام 2008: هل أراد فعلاً الانضمام إلى منطقة اليورو؟ فرد بلير بقوله "هذه إجابتي الحاسمة. أردت لبريطانيا أن تكون في صلب أوروبا وأن تكون قائداً أساساً في أوروبا. كان ليسعدني الانضمام إلى منطقة اليورو - بشرط أن يكون المبرر الاقتصادي وجيهاً كما كنا نقول". وأكمل "لكن نظراً إلى اختلاف التوجه بين اقتصاد بريطانيا من جهة واقتصادي فرنسا وألمانيا من جهة ثانية، ظهرت مشكلة في عدم وجود هذه الحجة المقنعة بصورة واضحة. ولم أظن أبداً أننا قادرون على الفوز في أي استفتاء. ولم أر أنه يمكن ضم بريطانيا إلى منطقة اليورو من دون إجراء استفتاء - كما أنني لم أعتقد أنه من الممكن الفوز بهذا الاستفتاء ما لم نستطع أن نقول إن الحجة الاقتصادية مقنعة إلى أبعد الحدود. ربما تغير ذلك مع الوقت. وربما اتضح مع الوقت أنه كان من مصلحة بريطانيا الانضمام إلى العملة الموحدة، لكن كان رأيي أن الأهم هو إبقاء باب الانضمام مفتوحاً دائماً من حيث المبدأ إن كانت الأسباب الاقتصادية ناجعة".

وأضاف "هذا هو الوضع إذاً. لو توفرت الحجة الاقتصادية المقنعة التي تسمح لنا بالخروج أمام الناس وإخبارهم بأنه من الواضح أن هذا التصرف ناجع اقتصادياً، مثلما حدث مع موضوع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تقريباً، لكنا فعلنا ذلك وربما كانت النتيجة لتأتي في صالحنا كذلك - مع أن سبب الكلام عن ضرورة إجراء استفتاء هو ببساطة أنني اعتبرت أي مقاربة أخرى لهذا الموضوع مستحيلة من الناحية السياسية. لكن هل أعتقد أن الاستفتاء فكرة سديدة في تقرير قضايا كهذه؟ بصراحة، لا، لكنني لم أكن لأستطيع تمريره عبر الحكومة حتى لو حاولت تطبيقه دون استفتاء".

يبدو لي طرح بلير لوجهة نظره متسقاً مع التحليل الذي وضعه إيد بولز - وهو أيضاً الآن أستاذ في كينغز - عن أن بلير أراد أن يبقي كل الخيارات متاحة أمامه وكان عليه إعطاء الانطباع بأنه يريد الانضمام كي تصبح بريطانيا "في صلب أوروبا"، لكنه عرف أنه لا يمكن كسب الاستفتاء. بالتالي، فإن الاختلاف بين بلير وغوردون براون في مسألة اليورو أقرب إلى اختلاف بين إعطاء انطباع إيجابي أو سلبي منه إلى الخلاف الحقيقي حول القضية بحد ذاتها (ويبدو تأييد بلير لهذه النقطة فاتراً بعض الشيء: كان "ليسعده" الانضمام إلى منطقة اليورو).

لكن بلير يصر على وجود اختلافات في السياسات بينه وبين براون، وأن هذه الاختلافات تعطي درساً للعمال اليوم: "لديَّ رأي واضح في شأن مشكلة حزب العمال تاريخياً. في غالب الأحيان، تسقط حكومات العمال بسبب الحزب نفسه والمعارضة لضرورة اتخاذ قرارات صعبة، وهو ما تضطر كل الحكومات إلى فعله. وهذا ما ينساه العمال اليوم، إذ يعتقد بوجود نوع من النعيم المثالي الذي لا يضطر فيه إلى اتخاذ قرارات صعبة. وغالباً ما تكون معارضة القيادة من الخارج". وتابع "لم يكن غوردون ’معارضة‘، لكنه كان شخصية محورية لنهج مختلف يأخذ منحى تقليدياً أكثر من حزب "العمال الجديد"، أو العمال الحقيقي كما سماه الناس أحياناً. وكان من الأفضل أن يكون هو، ذلك الرجل فائق الذكاء الذي يمثل شخصياً قوة سياسية في غاية الفاعلية في الداخل، من أن يكون في الخارج تماماً أو أن يكون شخصاً آخر ظهر ليحمل تلك الراية ويقارع الحكومة". وأكمل "كان إذاً تحالفاً وقد حافظنا على تماسكه نوعاً ما. كان ذلك صعباً. إن شئتم صدقوا أو لا تصدقوا، لكنني لم أكره ذلك الوضع مثل كثيرين حولي - بل ما فكرت به هو ’هذه هي السياسة‘. إنما كان الاختلاف بين العمال القديم والجديد مهماً، وتمحور في النهاية حول مسألة السياسات لأنني اعتقدت حينها وما زلت أرى إلى الآن أن نسخة واحدة فقط من ذلك الموقف السياسي يمكنها كسب السلطة بصورة مستدامة".

لكن التحالف لم يكتب له الاستمرار بعد خسارة براون في انتخابات عام 2010. وقال بلير "أنا على يقين تام أنه لو اختار حزب العمال الشقيق الثاني بين الأخوين ميليباند، لم تكن عملية 'بريكست' لتبصر النور. لأن حزب العمال عندها كان ليشكل منافساً موثوقاً في انتخابات 2015. هذا لا يعني أنني لا أحب إيد [ميليباند]، لأنني أحبه حقاً - وأعتقد أنه أظهر قوة شخصية في انتخابات 2015 على رغم كل الهجمات التي تعرض إليها. لكنه لم يتبن برأيي السياسات التي تضمن له الفوز".

اعتبر بلير أن موقف حزب "العمال الجديد" كان ولا يزال الطريقة الوحيدة للفوز، لكنه أقر بالتغيير الذي طرأ على البيئة حالياً، وبأنه بات من الأصعب على "السياسة التقليدية" أن تقدم حلولاً ترضي الناخبين. وأحد أسباب ذلك هو التغيير الذي أحدثته منصات التواصل الاجتماعي، وهو "صعب جداً" حسب تعبيره. وأضاف أنه "ربما في النهاية، لا يختلف التواصل على وسائل التواصل الاجتماعي عن غيره، سوى أنه يحدث عبر وسيلة مختلفة فحسب، لكنني أعتقد أنها تصعب الأمور كثيراً". وتابع بقوله إن إحدى مشكلات هذه المنصات هي الميل إلى طرح القرارات "باعتبارها خداعاً أو مؤامرة بدلاً من أن تكون: عليك أن تقرر ماذا تفعل".

وأرجع زيادة انعدام الثقة بدوافع الزعماء إلى سبعينيات القرن الماضي "برأيي، أحدثت فضيحة ووترغيت أضراراً جسيمة. فإضافة إلى سوء الحدث بحد ذاته، كانت فكرة الحدث أسوأ منه بعد. ووصلنا في النهاية إلى وضع أصبح الجميع فيه يريدون أن يكشفوا النقاب عن مؤامرة ما، كل الوقت".

 

جون رينتول أستاذ زائر في جامعة كينغز كولدج، وهو يعلم مادة "سنوات حزب العمال الجديد" مع الدكتورة ميشيل كليمنت في إطار مقررات الماجستير في الدراسات الحكومية تحت إشراف البروفيسور جون دايفس

© The Independent

المزيد من تحلیل