Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فن الحرب" يعيد صياغة المعركة التجارية بين ترمب وبكين

يظهر التعاطي الصيني والأميركي مع الرسوم الجمركية جانباً من خلود الكتاب الذي صار أيقونة في التجارة والحروب

يراهن دونالد ترمب على الضغط المباشر والتصعيد الاقتصادي مستعرضاً قوته الجمركية التي أصابت بكين في مفاصل صادراتها (أ ف ب)

ملخص

في مشهد يعكس التحول في أدوات الحروب المعاصرة، لم تعد المدافع ولا الدبابات أدوات المواجهة، بل الرسوم الجمركية وسلاسل الإمداد والضغط عبر الأسواق العالمية.

في واحدة من أعنف جولات الصراع الاقتصادي بين العملاقين العالميين، اندلعت مجدداً الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مطلع أبريل (نيسان) الجاري، إذ تبادل الطرفان فرض رسوم جمركية ثقيلة وسط تصعيد غير مسبوق. ووسط هذا الزخم من التعريفات والردود، تبدو تفاصيل النزاع وكأنها تتبع قواعد قديمة وردت في كتاب "فن الحرب" للفيلسوف والقائد الصيني "سون تزو"، الذي كُتب قبل أكثر من 2500 عام لكنه لا يزال مرجعاً في الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية وحتى النفسية.

خلال الثامن من أبريل (نيسان) الجاري، أعلنت واشنطن رفع التعريفات الجمركية على جميع الواردات الصينية إلى 104 في المئة، في رد ناري على خطوة صينية سابقة بفرض رسوم بلغت 34 في المئة، إضافة إلى قيود على تصدير المعادن النادرة الحيوية لصناعة التكنولوجيا الأميركية. ووصفت بكين الخطوة الأميركية بـ"الابتزاز"، مؤكدة أنها "ستقاتل حتى النهاية"، بينما ردت واشنطن عبر متحدثة البيت الأبيض قائلة "الرئيس ترمب لن يتردد في مواجهة السياسات التجارية غير العادلة".

وفي مشهد يعكس التحول في أدوات الحروب المعاصرة، لم تعد المدافع ولا الدبابات أدوات المواجهة، بل الرسوم الجمركية وسلاسل الإمداد والضغط عبر الأسواق العالمية.

ويرى سون تزو في كتابه أن "الحرب خداع" وأن التفوق لا يقاس فقط بالقوة، بل بقدرة القائد على إرباك خصمه وتحريكه كما يشاء. هذا المفهوم يبدو جلياً في استراتيجيات بكين وواشنطن، باستخدام الصين أوراقاً نوعية كالمعادن النادرة، والضغط عبر الأسواق الناشئة وتوسيع نفوذها داخل أفريقيا وآسيا. وكأنها تطبق قول سون تزو "الهجوم الأفضل هو ذلك الذي لا يخاض بالسيف، بل بالإرباك والاختراق".

"اضربه حين لا يتوقع"

أما ترمب فهو يراهن على الضغط المباشر والتصعيد الاقتصادي، مستعرضاً قوته الجمركية التي أصابت بكين في مفاصل صادراتها. وهو بذلك يجسد توصية سون تزو "اجعل خصمك يعتقد أنك بعيد، ثم اضربه حين لا يتوقع".

وزير الخزانة الأميركي قال إن "بكين ترتكب خطأ استراتيجياً"، فيما تعهدت الحكومة الصينية بـ"عدم الاستسلام" في لهجة تشبه ما وصفه سون تزو بـ"حرب الإرادة"، إذ أكد أن "المعركة تكسب أولاً في الذهن، ثم في الميدان".

وفيما تخسر الأسواق المالية أكثر من 1000 نقطة في "داو جونز" وتصاب شركات التقنية والتجزئة بالقلق، تظهر الحرب التجارية كأداة لإعادة تشكيل ميزان القوى، لا مجرد صراع مصالح تجارية.

تاريخ الحروب الاقتصادية بين الصين وأميركا يشير إلى مراحل شد وجذب دون نهاية حقيقية. في كل مرة ترفع الرسوم وتعقد جولات تفاوض، ثم يعود التوتر. سون تزو يحذر من هذا النوع من المعارك بقوله "الحرب الممتدة تستنزف الأمة، وتفتقر القائد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسؤال المطروح الآن هو هل يسير الطرفان نحو استنزاف مزدوج، أم أن أحدهما سيكسر القاعدة ويبحث عن مخرج دبلوماسي ذكي؟

على رغم النبرة العالية، يرى بعض الخبراء أن هذا التصعيد يحمل طابعاً تفاوضياً مدروساً ومفتوحاً على مخرج استراتيجي. فكلا الفريقين يدرك نصيحة سون تزو بأن "القائد الأعظم هو من يكسب المعركة دون أن يقاتل".

وفي هذه المرحلة من الصراع، يبدو أن الطرفين لا يزالان يختبران حدود بعضهما بعضاً، في معركة لا تدار بالصواريخ بل بالمعادلات.

"لن تسقط السماء"

وفي هذا السياق، كان لافتاً ما نشرته صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني أول من أمس الإثنين، إذ ذكرت أن إساءة استخدام التعريفات الجمركية الأميركية ستؤثر في الصين، مستدركة "لكن السماء لن تسقط".

وعدت الصحيفة أن بكين اتخذت في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الصيني الذي انعقد العام الماضي "ترتيبات شاملة، للرد على الجولة الجديدة المحتملة من الاحتواء والقمع الأميركي".

ورأت الصحيفة أن الاقتصاد الصيني "الضخم الذي يتمتع بمرونة قوية، قادر على التصدي للتنمر الأميركي في شأن التعريفات الجمركية".

وتعليقاً على إجراءات واشنطن، عدَّ الأستاذ والعميد السابق للمدرسة الوطنية للتنمية في جامعة بكين ياو يانج ضمن تصريح لقناة "الشرق "، أن "الأميركيين يرتكبون خطأً تاريخياً بقمع الصين في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية"، قائلاً إن "السياسات الأميركية لم تفشل فقط في وقف التقدم التكنولوجي الصيني فحسب، بل ستسرع أيضاً من الاستثمارات الضخمة للشركات الصينية في الخارج خلال الأعوام المقبلة".

وأوضح ياو أن "الشركات الصينية ستنشئ خلال الأعوام الـ10 إلى الـ20 المقبلة (صيناً) في الخارج من خلال الاستثمارات والتعاون، مثلما فعلت سابقاً قوى التصنيع الأخرى مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان، من خلال أصولها الخارجية".

وذكر ياو أن "أصول الصين الخارجية تمثل حالياً نحو 50 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي"، مستدركاً "صحيح أن الصين لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه، لكن هذا المسار سيصبح بالتأكيد أوسع وأكثر انفتاحاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير