Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الواقع الافتراضي العربي لأحداث سوريا حلبة صراع

يظل الجانب الأكبر مما يجري على الأرض مملوكاً لمواقع التواصل خبراً وتعليلاً وتحليلاً وتجييشاً وصناعة للرأي العام لا سيما العربي

احتجاجات ضد قتل المدنيين في ساحة المرجة بدمشق (رويترز)

ملخص

ما يجري في سوريا يتداول عبر ملايين، وربما مليارات التدوينات والتغريدات والصور والفيديوهات التي لا يعلم أحد مدى حقيقة ما فيها وتاريخها وزاوية تصويرها، ونسبة الخيال إلى الواقع فيها، فما بالك بالخط الفاصل بين الرأي والخبر

الوضع منفلت تماماً، غابت الحقيقة كلية أو كادت، ولم يعد يسمع صوت إلا صياح الغاضبين وصراخ المستنكرين وتهليل الفرحين، وتوعد الفرحين من قبل الحانقين، وتهديد الحانقين على يد المنتصرين، كل هذا على خلفية "تدوينة" وحيدة أو تغريدة شريدة من شخص لم يسمع عنه أحد، لكن بدا أنه على علم بـ"دبة النملة"، لماذا؟ لأن تدوينته تبدو وكأنه كتبها في أروقة صناعة القرار، وتغريدته جرت صياغتها وهو طرف في مجريات العاصمة وريفها، أو في إدلب ومحيطها، أو من قبل القوات المدعومة من تركيا، أو على يد الفصائل المسلحة، أو في الساحل السوري، أو مع بقايا القوات الموالية النظام السوري السابق، أو من قبل "الفلول"، أو بين المدنيين الذين جرى سفك دمائهم، أو بين قوات الأمن التي أراقت الدماء بحسب تغريدة، أو أريقت دماؤها بحسب تغريدة أخرى.

وضع منفلت 

هذا الوضع المنفلت على الأثير يعكس ما يجري في سوريا، نظرياً، ما يجري في سوريا يغطى عبر أخبار يفترض أن منصات إعلامية وثقتها وتيقنت من صحتها ولم تسبغها بألوان انتماءاتها السياسية ومصالحها المستقبلية. عملياً، ما يجري في سوريا يُتداول عبر ملايين، وربما مليارات التدوينات والتغريدات والصور والفيديوهات التي لا يعلم إلا الله حقيقة ما فيها وتاريخها وزاوية تصويرها، ونسبة الخيال إلى الواقع فيها، فما بالك بالخط الفاصل بين الرأي والخبر.

كعادة الأحداث الكبرى تتحول منصات السوشيال ميديا إلى ساحات متداخلة وربما متصارعة من الاهتمام بالحدث وتداول جوانبه، وربما محاولة تغيير معالمه، لأسباب تتعلق بالسياسة أو الدين أو الثقافة أو حتى من قبل لجان وميليشيات إلكترونية مهمتها إعادة صياغة الحدث أو تحويل دفته أو تغيير مساره أو صناعة رأي عام مناصر أو مناهض له، وذلك بحسب مصالح وتوجيهات "جهة العمل".

منذ سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وسوريا وأحداثها وتوقعات مستقبلها تهيمن على السوشيال ميديا بشكل عام، والعربية (المستخدمين العرب) خصوصاً، وعلى رغم فتح أبواب البلاد "رسمياً" لصحافيين وإعلاميين، وذلك بعد الحصول على التصاريح المطلوبة لإجراء اللقاءات المطلوبة، يظل الجانب الأكبر مما يجري على الأرض مملوكاً لـ"السوشيال ميديا" خبراً وتعليلاً وتحليلاً وتجييشاً وصناعة للرأي العام، لا سيما العربي.

المادة الخام من السياسة والدين والطوائف واحتقانات التاريخ وصراعات الجغرافيا وصدمات ما قبل وأثناء وبعد الصراع وآفاق المستقبل بين انتماء لكتلة هنا، أو انقلاب عليها والارتماء في أحضان الكتلة الأخرى، أو إعلان انتهاء زمن الكتل وانتهاج طريق الدولة سيدة قرارها صاحبة اختيارها، متوافرة وبغزارة على مدى ما يقارب عقداً ونصف العقد، ولذلك فإن حضورها طاغٍ على السوشيال ميديا مع كل خبر أو تواتر لمجريات أو انفجار لأحداث، وذلك منذ بدأت الأحداث عام 2011.

 

إضافة إلى توافر المادة الخام المشار إليها في المشهد السوري منذ عام 2011 فإن غياب التغطية الخبرية للصراعات بمعناها التقليدي، حيث من يواجه من؟ ولماذا؟ وما حصيلة ذلك؟ وكذلك التحليل السياسي الذي عرفه العالم قبل عقود والخالي إلى حد ما من التسييس، منزوع التديين، منزه عن أهواء المصالح ونزعات توجيه الرأي العام لأغراض غير معلنة، جميعها دفع في اتجاه تسييد السوشيال ميديا في الصراع وما بعده.

في عام 2014 ناقشت ورقة مقدمة في "المؤتمر الدولي حول التطورات في تحليل واستكشاف شبكات التواصل الاجتماعي" الدور المحوري الذي تلعبه السوشيال ميديا في الصراع السوري، لدرجة وصفه بأنه "الصراع الأكثر إدارة وتحريكاً في التاريخ عبر السوشيال ميديا".

وجاء في الورقة وعنوانها "وسائل التواصل الاجتماعي في الصراع السوري: احتواء أطراف التطرف وما بينها" أن التغيرات الكبيرة والمتواترة وغير المتوقعة والمستمرة في الصراع أدت إلى صعوبات في تطبيق المناهج التحليلية المعروفة لشرح ما يجري سياسياً "أون لاين"، جميع الأطراف الضالعة في الصراع استخدمت منصات السوشيال ميديا بصورة مكثفة، على سبيل المثال جرى استخدام "يوتيوب" من قبل أطراف عدة في الصراع لتوثيق وتسليط الضوء على الأحداث أثناء وقوعها، وذلك من زاوية ووجهة نظر الجماعة أو المجموعة الحاملة للكاميرا والمسيطرة على السردية، لدرجة أن عدد مقاطع الفيديو التي حُملت منذ يناير (كانون الثاني) عام 2012 وحتى عام 2014 بلغ أكثر من مليون مقطع، شاهدها مئات الملايين من الناس.

هذه الورقة وغيرها من محاولات البحث والتقصي حاولت، لكن لم تصل إلى قول فصل في الإجابة عن سؤال: إلى أي حد يعكس هذا النشاط المحموم على السوشيال ميديا من قبل الأطراف المتصارعة على الأثير حقيقة الوضع على الأرض؟

اليوم، وفي ضوء ما يجري في سوريا، يفرض السؤال نفسه بشكل أعتى، ومعه أسئلة إضافية عن هذا الكم العربي المذهل من الرأي والرأي نفسه والمختلفين في ما بينهما حول نسب الفكرة الكامنة وراء الرأي والرأي الآخر المتصارع مع بقية الآراء الأخرى، كل بحسب انتمائه وتوجهاته وأهدافه ورغبته من الترويج لوجهة نظر "خبرية" بعينها لإثبات واقع دون غيره.

فوضى افتراضية

متابعة المحتوى العربي من قبل ناشطين ومستخدمين، معظمهم عرب أو يتحدثون العربية، في ما يختص بالمشهد السوري تتسبب في قدر أكبر من التشويش والاضطراب والفوضى تفوق ما يجري على الأرض من اختلال للأوضاع وتداخل للوقائع وتشابك للسرديات.

وإذا كانت روايات وسرديات الأطراف المتقاتلة ومحتوى السوشيال ميديا أسهما بشكل رئيس في تشكيل وتحديد مسار وتوجيه الحرب الأهلية على مدى نحو عقد ونصف العقد، فهي ماضية قدماً في القيام بهذا الدور، لكن في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد وأحداث الساحل السوري نموذجاً.

يقولون إن السوشيال ميديا تسهل على مليارات المستخدمين حول العالم تبادل الخبرات والمعارف حول ما يجري في الخطوط الأمامية للصراعات، فضلاً عن وصول هذا المحتوى لأي مكان في العالم، ويقولون أيضاً إنه وكما هي الحال مع كل ما هو موجود على الأثير، فإن السوشيال ميديا لديها جانب مظلم من المعلومات.

على سبيل المثال لا الحصر، تضاؤل التطرق في السوشيال ميديا إلى الأوضاع في غزة لا يعني أنها تحسنت وأصبحت معقولة، بل يعني أن دفة الاهتمام تحولت صوب أحداث الساحل السوري، وتبخر الحديث عن تغير المناخ وإساءة استخدام الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة غير المتجددة لا يعني أن الكوكب توصل إلى حلول لمشكلاته البيئية، بقدر ما يعني أن الكوكب الموازي، وموقعه "أون لاين"، غير ترتيب أولوياته.

 

المشكلة في الواقع الافتراضي لا تقتصر على تداول الأخبار الكاذبة أو المفبركة، أو تداخل الخبر مع الرأي، بل تمتد إلى تحويل العالم برمته إلى مكان بالغ الخطورة، إذ يدخل الواقع الخبري والمعلوماتي والتحليلات والتفسيرات التي تزخر بها السوشيال ميديا في مواجهة عنيفة وصارخة مع أرض الواقع، التي قد تكون مختلفة تماماً عما يجري على الأثير، أو التي تجد نفسها صريعة الاقتتال الافتراضي والاحتكار المعلوماتي، وفي أقوال أخرى المعلوماتي المفبرك أو المسيس أو الموجه.

أحداث الساحل السوري أعادت تفجير واقع حراك وعراك السوشيال ميديا العربي الصاخب، وتناحره على الحقيقة، الذي وصل بعضه إلى درجة المجاهرة بأنه حتى لو لم تكن تلك الحقيقة، فلنجعلها كذلك.

وبين مواقف الدول المتباينة من الإدارة الجديدة في سوريا ومواقف الشعوب منها، بل انقسام الشعوب في ما بينها في درجة قبول أو الترحيب أو رفض هذه الإدارة، بحسب الانتماء العقائدي أو التوجه السياسي أو الأيديولوجيا الثورية أو الميل العاطفي، وغياب شبه تام لتغطية إعلامية محترفة لما يجري على الأرض، والاعتماد بشكل شبه تام على توليفة من الأخبار الرسمية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة، مع قدر من الاجتهاد الصحافي المهندس من قبل صحافيين سوريين والبعض من غير السوريين في الداخل، تزأر منصات السوشيال ميديا بمحتوى عربي، لو قدر له أن يحمل السلاح لقامت الحربان العالميتان الثالثة والرابعة مدمجتين.

بالقدر نفسه من الحدة والشدة والقوة والثقة، تتصاعد تدوينات وتغريدات، وكذلك مقاطع فيديو وصور يجري تداولها مذيلة بشروح وتفسيرات وتأكيدات جميعها عكس بعضها بعضاً، بدءاً بالخبر والتفاصيل، مروراً بتوجيه اللوم وتصويب الاتهام وتوزيع المسؤولية، وانتهاء بـ"روشتة" الخروج من الوضع الحساس والخطر الحالي، تقف الغالبية العظمى من محتوى السوشيال ميديا العربي الخاص بسوريا في خانة متطابقة من جهة إطار التدوين والتغريد والنشر والمشاركة، ومتنافرة لدرجة التناقض التام من ناحية ملء خانتي: الضحية والجلاد.

الحقيقة الأخرى

اليوم تبدو مشكلات مثل التحقق من الخبر، والتيقن من مكان وتوقيت وزاوية التقاط الصورة أو الفيديو كأنها كانت مشكلات المبتدئين، بين "وقعت مواجهات دامية بين قوات الأمن السورية الرسمية الوطنية، ومسلحين ’شبيحة‘ موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد أسفرت عن عدد من الشهداء من العسكريين والقتلى من الفلول والشبيحة"، و"وقعت مواجهات دامية بين قوات تنتمي لإدارة الأمر الواقع السورية ومواطنين سوريين مدنيين، أسفرت عن وقوع مئات القتلى من المدنيين الأبرياء، في ما يطلق عليه "قتلاً على الهوية"، هوة كبيرة، ليس فقط في رؤية ما جرى على أرض الواقع، لكن في ردود الفعل على كل من الروايتين من قبل الملايين من المستخدمين العرب على الأثير العنكبوتي، إنها الحقيقة والحقيقة الأخرى.

المستخدمون العرب تمردوا منذ أعوام على ما جرت عليه عادات التعليم وتقاليد التنشئة في المنطقة العربية، لم يعد كثر ملتزمين بقاعدة "يعيش في الوطن العربي 430 مليون مواطن تجمع بين معظمهم اللغة والدين والثقافة والتاريخ والجغرافيا"، كشفت السوشيال ميديا عن أولويات ومشاعر وآراء وتوجهات لم يكن يتاح لها الخروج على العلن، أو ربما لم تكن قد تشكلت بعد، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وجانب من التسعينيات.

ظن البعض أن أقصى وأقسى ما يمكن للعرب أن يختلفوا عليه مواقف سياسية لدولة "أ" لا تعجب دولة "ب"، أو توجهات اقتصادية لدولة "ب" تعدها دولة "أ" ضارة بها، أو معادلة علاقات دولية تصنعها دولة "أ" ولا تروق لدولة "ب".

الصراعات العديدة التي تزخر بها المنطقة العربية، لا سيما منذ هبوب ما يسمى "رياح الربيع العربي"، كشفت الستار عن اختلافات بين بعض الشعوب وبعض، وكذلك بين الشعوب نفسها لأسباب عدة، مثل السياسة والاقتصاد وبالطبع الدين والطائفة، تزامن هبوب هذه الرياح مع عصر التمكين الرقمي ودمقرطة المعلومات والتعبير عن الرأي وصحافة المواطن عبر منصات السوشيال ميديا تشرح كثيراً في هذا الشأن.

وإلى جانب الشرح، تقول التجربة العملية إن المشهد السوري نموذج حي، يجدد نفسه على مدى ساعات اليوم، لا سيما في ضوء الأحداث الأخيرة، لما يجول في عقول وقلوب مستخدمين عرب، مع الأخذ في الاعتبار أن جانباً مما يجال ويقال نتيجة لجهود الحشد والتجييش والاستقطاب الرقمية من جهة، ولتمكين الجماعات والمجموعات سواء السياسية أو الدينية، وفي الغالب الخالطة بين كليهما، من الأسلحة الرقمية ذاتها، وتوجيه خطاباتها مباشرة إلى جموع المواطنين، من دون رقيب أو وسيط.

 

يسمونه في أدبيات التمكين الرقمي ومواثيق الحقوق المعاصرة صحافة مواطن وحرية تعبير وصوت من لا صوت له. وفي وسط هذه المعاني السامية الراقية ثغرات تسللت منها الطائفية والعنصرية والفوقية، ومعها توليفة من العنف والغلظة وتراكم موروث الظلم والاستبداد لعقود، وتحول بعضه إلى ميول انتقامية وشهوات ثأرية ورغبات للتصفية، وجميعها يظهر بوضوح على أثير السوشيال ميديا، سواء مكتوباً ومصوراً ومتداولاً من وحي التجربة الحقيقية والمعايشة الفعلية، أو عبر أحد أبرز أدوات الفتك الجماعي والمسماة المشاركة وإعادة تدوير آراء الآخرين من دون بحث أو تفكير أو تدقيق أو تنقيب في خلفيات وانتماءات وتوجهات المدون أو المغرد أو المؤثر الأصلي.

في الأحداث السورية ومع شح المكون الخبري الفعلي والتغطية الميدانية الحرفية، باستثناء البيانات الرسمية الموثقة، أصبحت الملايين تدون وتغرد وتصور وتنشر ما تعتبره الحقيقة، التي بات لها شقان متساويان في الكتلة، لكن يقفان على طرفي نقيض، فضحية الكتلة الأولى هي جلاد الثانية، والعكس، وعلى من يرغب من المتابعين والمتلقين في شتى أرجاء الدول العربية، والبالغ عددهم نحو 274 مليون مستخدم (بحسب تقديرات غير رسمية) أن يختار ما يناسب توجهه، ويتواءم مع أيديولوجيته، وربما يتوافق وانتماءاته العقائدية أو الطائفية أو مجرد يبدو له مناسباً ويعيد مشاركته بعدما يعتبره خبراً موثقاً وتحليلاً معتبراً.

المادة الخام من الإثارة، ومعها طول أمد الصراع في سوريا، مضافاً إليهما التطور الدراماتيكي المفاجئ للأحداث وصعود جماعة مسلحة إلى سدة الحكم بين بضع ليال وتحولها إلى إدارة، ليست فقط "الأمر الواقع" كما جرى عرف الأمم المتحدة على تسميتها، بل معترف بها من قبل دول عدة في الشرق والغرب، جميعها أسهم في تصاعد حدة الخلاف والاختلاف وتوجيه الاتهامات وتصنيف المختلفين في خانات مثل "الفلول" و"الشبيحة" و"العملاء" لمجرد انتقادهم الإدارة الحالية أو "المتطرفين" و"الإرهابيين" و"القتلة" لمجرد دفاعهم عن الإدارة الحالية.

الحرب الأهلية

في عام 2022، وفي تعريفها بأحدث كتبها "سورية منقسمة: أنماط العنف في حرب أهلية معقدة"، قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة كلارك الأميركية أورما سيزيكيلي إن المقاتلين في الحرب السورية شاركوا على نطاق واسع "عنفهم التمثيلي" على منصات السوشيال ميديا، وإنهم كثيراً ما نجحوا في توصيل "رواياتهم" إلى العالم.

وشرحت المؤلفة كيف أن السرديات المتعددة والمتنافسة لمجريات الحرب من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية المشاركة في الصراع سلطت الضوء على حقيقة واقعة، ألا وهي أن الحروب الأهلية نادراً ما تدور حول قضية أو مشكلة واحدة فحسب، ونادراً ما تتخذ الشكل التقليدي البسيط للقتال بين جانبين، لا ثالث لهما: الحكومة والجماعات المسلحة أو المتمردين، في مثل هذه الحروب حتى نقطة الخلاف لا يكون متفقاً على تعريفها أو تحديدها.

 

ويبدو أن هذا تحديداً ما يفسر هذا القدر من الخلافات الطاحنة والاتهامات المتبادلة والواقع المتعدد والمتناقض الأوجه، والرفض العنيد والشرس لكل ما يقوله أو يمثل الآخر، ولو كان رأياً هادئاً أو حتى شهادة رويت برؤى العين، وذلك على أثير السوشيال ميديا.

تطرقت سيزيكيلي إلى استخدامات السوشيال ميديا في بداية الأحداث في سوريا من قبل أفراد عاديين لتوثيق ما يجري ونقله إلى العالم، في ظل غياب الوجود الإعلامي "الموثوق في مهنيته" في الداخل السوري، واعتبرت ذلك ضمن أفضل ميزات السوشيال ميديا التي أتاحت لمواطنين عاديين أن يفتحوا أعين العالم على ما يحدث في بلدانهم عبر "صحافة المواطن"، لكنها تشير أيضاً إلى انضمام الجماعات والميليشيات المسلحة المتحاربة، التي لم تكن يتفق بالضرورة بعضها مع بعض لمجرد أنها تهدف إلى إسقاط حكم بشار الأسد، بل كثيراً ما كانت تتحارب وتتقاتل في ما بينها، هذه الجماعات والميليشيات - كما تشرح المؤلفة - استخدمت السوشيال ميديا لجذب اهتمام الجهات المانحة والمتبرعة لها في حربها، وذلك لجمع الأموال لشراء الأسلحة وتقوية شوكتها في الحرب الأهلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صحافة المواطن 

تقييمها طريقة استخدام الميليشيات والجماعات المسلحة السوشيال ميديا هو أنه كان فاقد التماسك والاستراتيجية الواضحة، وأرجعت ذلك جزئياً إلى أن هذه الجماعات كانت تعاني أصلاً عدم تماسك وغياب الاستراتيجية العسكرية لديها من الأصل.

لكنها أوضحت أن هذا الغياب في الرؤية والاستراتيجية، الذي يجمع بين الميليشيات المسلحة في حروبها في العالم تغير عام 2024، قالت "أصبحت السوشيال ميديا تستخدم على نطاق واسع في حرب العالم بطريقة منظمة، لدرجة أنني أعتقد أن على الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية أن تدرك أن العالم أصبح في حاجة إلى سياسة ما في هذا الشأن، علينا أن نعرف كيف سنستخدم هذا القادم الجديد، وكيف سنتعامل معه".

القادم الجديد يتحدث عن نفسه هذه الآونة على منصات السوشيال ميديا عربياً على وقع الأحداث في سوريا، جانب من المستخدمين يتمنى النجاح والتوفيق للإدارة الجديدة في سوريا، ولو كان ذلك على حساب تصفية فئة أو التغاضي عن انتهاكات، وجانب آخر لا يرى في ما يجري في سوريا منذ سقوط نظام الأسد إلا خطوات تمهيدية لتقسيم سوريا بناءً على الطوائف، وتسليم جانب من أراضيها لإسرائيل وفتح أبواب ما تبقى منها لتركيا.

وهناك من يعتبر وصول الرئيس الحالي أحمد الشرع إلى سدة الحكم أفضل ما جرى في البلاد منذ 55 عاماً، إما للتخلص من حكم آل الأسد، أو لوصول إدارة سنية لحكم البلاد ذات الغالبية السنية، أو لدرء الخطر الشيعي ممثلاً في إيران و"حزب الله" للسبب نفسه، وهناك أيضاً من اعتبر نجاح "هيئة تحرير الشام" ومن ساندها في إسقاط نظام الأسد بشرة خير لتمكين الإسلام السياسي من حكم بلاد العرب والمسلمين، أو نذير خراب بإعادة فتح شهية الجماعات الجهادية والإسلامية لتكرار جهود خاب بعضها وتقهقر البعض الآخر وغيرها، وهو ما يخلق واقعاً أكثر التباساً وأشد تشابكاً.

اللافت في حراك السوشيال ميديا العربي حول سوريا في ضوء الأحداث الأخيرة، وهو الحراك الشديد الالتهاب البالغ الاحتقان بين المستخدمين أنفسهم، هو انضمام عدد لافت من الإعلاميين، ربما للمرة الأولى منذ بدء الأحداث في سوريا للتدوين والتغريد ونشر الصور والفيديوهات التي تعمل على تعضيد وتدعيم مواقفهم من الإدارة الحالية، قبولاً ورفضاً، وتفسيراتهم وتحليلاتهم للأحداث الأخيرة، كل أيضاً بحسب موقفه أو انتمائه أو قناعاته أو أمنياته، وهو ما يشكل مكوناً مهماً إضافياً في المشهد العنكبوتي العربي الحالي، لا سيما في ظل غياب التغطيات الميدانية.

المزيد من تحقيقات ومطولات