ملخص
قال الوزير التونسي السابق والمحلل السياسي فوزي عبدالرحمن، إن تفاقم الفقر في تونس هو الذي أعاد الجدل في البلاد حول الدور الاجتماعي للدولة.
منذ صعوده إلى دفة الحكم، يتعهد الرئيس التونسي قيس سعيد العمل على استعادة الدولة الاجتماعية في بلاده دورها الكامل، متمسكاً بالعمل على تركيز مقومات هذه الدولة من خلال كثير من الخطط من بينها مشاريع الشركات الأهلية وتطوير البنى التحتية الصحية وغيرهما.
وبعد نحو خمسة أعوام من توليه الحكم لا يزال هدف إرساء ركائز الدولة الاجتماعية في تونس صعب المنال، خصوصاً في ظل تصاعد مؤشرات الفقر والبطالة في بلد يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية.
ومنذ استقلالها عن فرنسا في الـ20 من مارس (آذار) 1956، وضع حكام تونس وفي مقدمهم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة على عاتق الدولة دوراً اجتماعياً متقدماً يقوم بالأساس على التفاعل بين الدولة والمجتمع.
وتقوم هذه العلاقة بين الدولة والمجتمع على ثالوث واضح وهو مقاومة الأمية التي كانت متفشية في ذلك الوقت من خلال دعم برامج التعليم، والمرض عبر تكثيف برامج الرعاية الصحية، وأيضاً مجابهة الفقر.
عجز عن إيجاد الحلول
على رغم إعلان السلطات المحلية عن تراجع في نسب التضخم، فلا تزال تونس تواجه وضعاً اقتصادياً صعباً، فيما تزداد مؤشرات البطالة والفقر وهو ما يعده كثر إنذارات للحكومات المتعاقبة.
وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات ذات الطابع المطلبي في الأيام الماضية حين دخل أساتذة والعاملون في البريد وغيرها من المجالات في إضرابات عامة في خطوة تعكس تحدياً أمام السلطات.
وقال الوزير السابق والمحلل السياسي التونسي، فوزي عبدالرحمن، إن "تفاقم الفقر في تونس هو الذي أعاد الجدل في البلاد حول الدور الاجتماعي للدولة، فبعد 70 عاماً من الاستقلال لم تنجح الحكومات التونسية المتعاقبة في إيجاد حلول لشعبها سواء على مستوى البطالة أو الخصاصة أو غيرهما مع حفظ حقوق المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكرامتهم أيضاً".
وأكد عبدالرحمن في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "أجور التونسيين من أقل الأجور في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، والنسيج الاقتصادي لا يخلق الثروة وهناك مسألة اقتصادية كبيرة اسمها عرض وطلب واقتصادنا يعيش أزمة كبيرة على مستوى الطلب في ظل ضعف القدرة الشرائية للتونسيين ولا يُشجع النسيج الاقتصادي لذلك كل السلع تُستورد من الخارج".
وشدد على أن "سياسة الدولة الاجتماعية تقوم على مساعدة الفئات الفقيرة ودعم الفئات المتوسطة وحماية المجتمع من تغلغل وهيمنة الطبقات الغنية، وهذا لا يعني استهداف الطبقات الأخيرة لكن ترتكز على توزيع عادل للثروة، وهو هدف لا يمكن أن يتحقق إلا بخلق هذه الثروة وهذه الثروة لا يتم خلقها الآن في تونس".
ولفت إلى أن "الشركات العمومية تعاني الإفلاس، والشركات الخاصة والمنظومة المصرفية لا تساعد الشباب والمؤسسات الصغرى والاقتصاد التونسي، فيما تعد الإدارة متكلسة بصورة كبيرة، وبات الشباب فاقداً الأمل سواء المتمدرس أو غير المتمدرس، لذا فإن الوضع صعب".
وتعاني كثير من القطاعات التي كانت ترعاها الدولة في تونس من أوضاع صعبة على غرار النقل والصحة، إذ باتت كفاءات البلاد تهجرها نحو دول أوروبية وغيرها، فيما تعد البنى التحتية في هذه القطاعات هشة للغاية.
ودفع ذلك السلطات إلى الاستعانة بشراكات خارجية لتحديث بناها التحتية مثل الاتفاقية التي وُقعت أخيراً مع الصين من أجل بناء وتشييد مدينة الأغالبة الصحية في القيروان وهو مشروع ضخم ظل يراوح مكانه أعواماً.
مجرد شعار سياسي
منذ استقلالها عن فرنسا حاولت تونس ضمان حماية اجتماعية لسكانها والتعليم والصحة بصورة مجانية لكن هذا الدور ينحسر الآن.
وأخيراً دعا الرئيس قيس سعيد إلى تطوير واقع الصناديق الاجتماعية التي تكفل الصحة بالمجان والتقاعد للموظفين والعمال، مؤكداً "الحق في التغطية الاجتماعية للمواطنين تغطية سريعة وكاملة"، ونبه إلى ضرورة "إعادة مشروع تنقيح مجلة الشغل بما يضمن حق العمال بإنهاء عقود المناولة".
واعتبر الناشط السياسي حاتم المليكي أن "الآباء المؤسسين في تونس الذين حكموا البلاد أرسوا مقومات الدولة الاجتماعية الحقيقية من خلال توفير السكن والنقل والصحة والتعليم وغير ذلك للسكان بصورة مجانية، ووفرت لهم أيضاً نموذجاً اقتصادياً واجتماعياً يخلق بصورة كبيرة الثروة لتحسين وضعياتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه المليكي بأنه "آنذاك تبلور مفهوم المصعد الاجتماعي، إذ في إمكان المهمشين تدريس أبنائهم وإيصالهم لوظائف لائقة ومحترمة، لكن الآن أصبحت الحكومات عاجزة عن مواجهة الفقر، وأصبحت تدخلاتها محدودة بصورة كبيرة".
وأشار إلى أن "الدور الاجتماعي للدولة في تونس الآن انحسر وأصبح دوراً تعديلياً من خلال إيجاد حلول وقتية ومحدودة لمشكلات كبيرة مثل البطالة وغير ذلك، الدولة أصبحت غير قادرة على مواجهة الفقر".
وبين المتحدث ذاته أن "الدور الاجتماعي للدولة تحول إلى مجرد شعار سياسي بالفعل يستخدمه السياسيون، خصوصاً في فترة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لحشد الناخبين فحسب، أصبح ينظر إلى الناخبين والمهمشين في تونس فقط على أساس أنهم مجرد خزان انتخابي".
خطط غير فعالة
استعان الرئيس قيس سعيد، الذي أدخل تغييرات سياسية ودستورية جوهرية على نظام الحكم وغير ذلك في البلاد، بخطط يقول إنها ترمي إلى معالجة ملفات الفقر والبطالة وتدني مستويات العيش في تونس.
ومن بين هذه الخطط الشركات الأهلية التي لا تزال تراوح مكانها على رغم منحها امتيازات من قبل السلطات مقارنة ببقية الشركات والمؤسسات، وهو ما انفك يثير جدلاً حول الأسباب الكامنة خلف ذلك.
وقال فوزي عبدالرحمن إن "خطط سعيد حول إنشاء شركات أهلية أو غير ذلك من المشاريع غير فعالة وهو أمر بات يدفع نحو مزيد تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي، إذ تزداد نسبة الهشاشة والفقر وعدم التوازن الجهوي في تصاعد وغيرها من المؤشرات التي تدق ناقوس الخطر".
أما المليكي فقال إن "مردودية الشركات أو غيرها من المشاريع تقاس عبر مردوديتها وقدرتها الإنتاجية، ومع الأسف هذه الشركات أو غيرها لم تثبت بعد قدرتها مما يجعلها حلولاً غير فعالة بصورة كبيرة".