Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسنو غزة... حياة لم تنصفهم وموت لم يرحمهم

"هذه ليست حرباً بل محاولة لمحو القطاع من الوجود"

يعاني المسنون مرارة فقد أفراد من عائلاتهم وخسارة الممتلكات (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

كبار السن في غزة خسروا كل ما لديهم وباتوا مضطرين إلى العمل أو حتى التسول لتأمين لقمة العيش والحصول على دواء.

على كتفه يحمل العجوز يسيري أسطوانة غاز فارغة ويسير ببطء شديد وبخطوات متثاقلة متعباً لتعبئتها، تبدو عليه ملامح الإرهاق ووجهه شاحب يتمتم مع نفسه بصوت مسموع "لم أرَ لمثل حرب غزة مثيلاً في حياتي".

كل ما يقطع يسيري البالغ من العمر 63 سنة مسافة 100 متر ينزل أسطوانة الغاز ليرتاح قليلاً، وأثناء قسط الاستراحة يبحث عن أي وسيلة مواصلات في الشارع ولا يجد، حتى العربات التي تجرها الحيوانات لا تمر في منطقته.

عمل شاق قطع أنفاسه

استغرق مشوار الجد يسري نحو ساعتين، ولكنه وصل يلهث إلى المأوى الذي يعيش فيه، وعلى الفور طرح جسده على الفراش يلتقط أنفاسه ويضرب كفاً بكف متحسراً على طبيعة الحياة التي وصل إليها وفيها يفتقد كل معاني الإنسانية.

يتكئ يسيري على ركبته ليقف ومن أمام ركام منزله، يقول "عشت حروباً كثيرة، فعاصرت حرب 1967 ورأيت الدبابات الإسرائيلية تجتاح غزة خلال ساعات وعام 2008 وما بعده من عمليات عسكرية كنت أتابع تفاصيل الحروب، وبناء على ذلك يمكنني الجزم بأن هذه حرب إبادة لكل ما للكلمة من معنى".

وفي حرب غزة فقد الجد يسيري كل أبنائه، ونجا وحيداً يكابد قساوة الحياة لوحده ويتجرع كل يوم المر بطعم مختلف، ويضيف "حزين أنا وهزيل وكادح، قلبي يعتصر ألماً ولا شيء يواسي وجعي أو يخفف عني، يا ريتني مت ولم أنجُ".

ألم

ويكمل حديثه ويداه النحيلتان ترتجفان باستمرار "أتألم لأني فقدت أبنائي الثلاثة كلهم قتلهم الجيش الإسرائيلي، وأتحسر على بيتي الذي لم تبقَ فيه زاوية واحدة سليمة وتحول إلى كومة حجارة متناثرة، وأتوجع من مرض أصاب أعصابي ولا علاج يخفف عني، كادح أنا أقوم بجميع المهمات الشاقة لوحدي".

يصمت الجد يسيري ويجول في تفكيره على أمور لم يتحدث عنها ويدير وجهه يتفقد بلدة بيت حانون في شمال القطاع، ثم يشير بإصبعه إلى زاوية بعيدة ويتابع "لم أرَ حرباً في العالم تمحو مدينة بأكملها، لكن إسرائيل فعلت ذلك".

ويُعدّ كبار السن في غزة من الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع وخلال الحرب زاد تهميشهم، إذ انشغل الناس في قضاء حاجاتهم وبات المسنون يختبرون معاناة صعبة مرهقة لا يقوون على تحملها في تلك الظروف غير الإنسانية التي يعيشها القطاع.

تسول اللقمة

ووفقاً لدار "الأمل" الطبية الفلسطينية التي تعتني بفئة كبار السن، فإن حرب غزة حولت المسنين إلى الفئة الأكثر ضعفاً وتهميشاً وتركتهم يواجهون الكوارث والنزاعات ومشكلاتهم الصحية وكل ذلك في ظل محدودية قدراتهم على تأمين ظروف البقاء على قيد الحياة.

بوجه مرهق مجعد تتحدث الجدة سوسن عن الحروب السابقة وتقارنها بالحرب الحالية على غزة، فتقول "في العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة أعوام 2008 و2012 و2014، كانت هناك مناطق يمكن النزوح إليها، كان بإمكاننا إيجاد مأوى عند الأقارب أو في المدارس، لكن هذه الحرب لا يوجد مكان للعيش".

وتضيف الجدة سوسن التي تبلغ من العمر 70 سنة أن "في هذه الحرب اضطررت إلى تسول لقمة العيش وشربة الماء على رغم عجزي، ورأيت كباراً في السن يموتون أمام عيني بسبب نقص الدواء، ما أود أن أقوله إن هذه الحرب تشبه الإبادة الجماعية".

تهجر والد سوسن من الأراضي التي تقيم عليها إسرائيل دولتها وقص عليها سابقاً روايات ما عاشه، لكن الجدة تؤكد أن ما عايشته في حرب غزة أفظع بكثير مما كان أبوها يخبرها به، وتشير إلى أنها عندما عادت لشمال القطاع لم تجد سوى الأطلال وأن هذه ليست حرباً بل محاولة لمحو غزة من الوجود.

طابور للحصول على دواء مفقود

ويعيش الجد هيثم في خيمة ويعاني مشكلات صحية في القلب ويقول "عمري اليوم 81 سنة ورأسي غزاه الشيب، وعلى رغم ذلك أصطف وأنا ضعيف البنية في طابور طويل لأتسلم الدواء ومرات كثيرة لا يتوافر علاجي".

وبسبب المرض أصبح جسد الجد هيثم نحيلاً جداً ومن الواضح أن عظامه يكسوها الجلد فقط، فقد خسر كثيراً من وزنه وبات المرض ينهش جسده، ويضيف "مطلوب مني أن أتدبر علاجي لوحدي وهذه قسوة لا مثيل لها، فقبل الحرب كانت منظمات الصحة توفر لي الدواء حتى باب البيت، واليوم أصبحت من الفئة المهمشة".

يتمنى الجد هيثم الموت فيما الدموع تنهمر من عينيه ويقول "كل ألم الدنيا في قلبي، كان لي صديق في النزوح مثلي عجوز ومسن قتلته إسرائيل في الحرب يا ريت مت مثله، أما أن عيش كل هذا العذاب فذلك الموت بعينه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يواجهون الحياة في غزة بصمت

بحسب المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قتلت إسرائيل خلال الحرب على غزة سبعة في المئة من إجمالي عدد المسنين البالغ عددهم نحو 107 آلاف شخص، ويقول مديره رامي عبده "قتل بعض كبار السن تحت أنقاض منازلهم وقتلوا في مراكز الإيواء التي لجأوا إليها بعدما قصفتها الطائرات الإسرائيلية على رؤوسهم، أو خلال تحركهم الاضطراري لقضاء حاجاتهم الأساسية في الشوارع والأسواق، فيما الخطر أن عشرات من بينهم استُهدفوا على نحو مباشر من خلال عمليات تصفية وإعدامات ميدانية".

ويضيف أن "الرعاية تغيب عن كبار السن وهذه الفئة مهمشة تماماً وتعاني القصف والتجويع والجفاف والحرمان من الرعاية الصحية، والمسنون يقتلون واحداً تلو الآخر ويذوقون مرارة الحياة في غزة، ورصدنا حالات تعمل في مهن مرهقة إذاً هم كادحون مرهقون ويتألمون".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير