ملخص
خلال المحادثة الهاتفية بينهما اتفق بوتين وترمب على أنه يمكن تحقيق تسوية طويلة الأجل للوضع في أوكرانيا من خلال مفاوضات السلام.
في إيجاز شديد اختزل الكرملين على موقعه الإلكتروني نتائج المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب، وطالت لما يقارب الساعة ونصف الساعة في بضعة أسطر تناولت الموضوعات الرئيسة التي تطرقا إليها. وحول الأزمة الأوكرانية نقل الموقع ما قاله ترمب "لصالح الوقف المبكر للأعمال العدائية وحل المشكلة بالوسائل السلمية". أما عما تحدث به بوتين فاقتصر على الإشارة إلى "الحاجة إلى القضاء على الأسباب الجذرية للصراع".
واتفق بوتين مع ترمب على أنه يمكن تحقيق تسوية طويلة الأجل من خلال المفاوضات السلمية. كما أيد الرئيس الروسي إحدى الأطروحات الرئيسة لرئيس الولايات المتحدة، وهي "أن الوقت قد حان لبلداننا للعمل معاً".
غير أن الواقع الراهن على صعيد الإعلام الروسي والعالمي كان على النقيض من ذلك. فما إن انتهت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين وذاع خبرها حتى كانت الموضوع الأول في كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
العلاقات الشخصية "الدافئة"
أسهمت العلاقات القديمة التي ربطت بين بوتين وترمب منذ سنوات الولاية الأولى للرئيس الأميركي، فيما بدا من تقارب بينهما ثمة من وصفه بـ"العلاقة الدافئة التي ظل الأوروبيون والأوكرانيون يخشونها منذ أعوام، على رغم أن الملياردير الجمهوري كان أكثر الزعماء الأميركيين فرضاً للعقوبات على روسيا في التاريخ".
ويأتي وصف العلاقة الدافئة بين الرئيسين الروسي والأميركي على النقيض من علاقة ترمب مع الاتحاد الأوروبي والقيادة الأوكرانية التي ارتبطت بغريمه السابق جو بايدن، وبما اتسمت به من توتر بالغ الحدة طوال الأعوام الأربعة الماضية. وأسهم في ازدياد درجة التوتر بين الطرفين ما قاله وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث حول "عدم واقعية" عودة أوكرانيا إلى حدودها قبل عام 2014 وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي.
ردود الفعل محلياً
في أول تعليق له حول هذه المكالمة الهاتفية، قال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين "تحدث ترمب لمصلحة الوقف المبكر للأعمال القتالية وحل المشكلة بالوسائل السلمية. وذكر بوتين الحاجة إلى القضاء على الأسباب الجذرية للصراع، ووافق على أنه يمكن تحقيق تسوية طويلة الأجل للصراع من خلال المفاوضات السلمية".
وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف إن "المكالمة الهاتفية" بين بوتين وترمب مهمة للعالم في حد ذاته، مشيراً إلى أنه وبسبب رغبة الإدارة الأميركية السابقة في معاقبة روسيا وإذلالها، كان العالم يتأرجح على شفا حافة "نهاية العالم". وأضاف "الآن يجب على النخب الأميركية أن تفهم قيمة الاتصالات والمشاورات، لأن محاولات إلحاق هزيمة استراتيجية بموسكو يمكن أن تكون خطرة بالنسبة إليهم. وكلما أسرع خصومنا في إدراك ذلك، كان ذلك أفضل. حسناً، إذا لم يدركوا ذلك، فسيعود كل شيء إلى طبيعته".
ومضى ميدفيديف في وصفه لـ"العهد الجديد" بقوله "ستواصل ساعة يوم القيامة (النووية) مسارها الذي لا هوادة فيه بحلول منتصف الليل. ثم سيكون هناك بالتأكيد حصان شاحب، وراكب يدعى الموت عليه".
ومن جانبه وصف نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية أندريه كليموف الحوار بين موسكو وواشنطن بأنه "الانتقال إلى حال طبيعية". وتابع "ما فعله بايدن وفريقه هو أنهم دمروا كل ما كان يتطور لعقود بين بلداننا، ودمروا جميع الآليات تقريباً. الآن هناك أمل في أنه بعد مرور بعض الوقت سنتمكن من الوصول إلى حال طبيعية".
وخلال المحادثة اتفق بوتين وترمب على أنه يمكن تحقيق تسوية طويلة الأجل للوضع في أوكرانيا من خلال مفاوضات السلام. وأشار رئيس لجنة الدفاع عن مجلس الدوما أندريه كارتابولوف إلى "أن أي حوار أفضل من غيابه. ولكن، وأولاً وقبل كل شيء، فإن نجاح القوات المسلحة الروسية في منطقة العمليات الخاصة سيسهم في إنهاء الصراع". وختم تعليقه بقوله "هذا هو العامل الأساس، وكل شيء آخر هو مجرد صفات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تعليقه حول الموضوع نفسه كشف المدير العلمي لمعهد الاقتصاد العسكري العالمي والاستراتيجية التابع للمدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية دميتري ترينين عن رأي مماثل، مفاده أن موسكو وحسب ما يعتقد لن تتناسب مع قرار دبلوماسي إلا إذا اعتبر انتصاراً، وكذلك القضاء على الأسباب الجذرية للصراع. وشدد على أن النتيجة النهائية ستظل تعتمد على الوضع في ساحة المعركة.
ومن جانبه قال محلل الشؤون السياسية في منتدى "فالداي" الدولي أندريه كورتونوف إنه سيكون من الضروري أولاً، العمل على إيجاد أرضية مشتركة، موضحاً أن قضية أوكرانيا، على رغم أنها ستصبح مركزية، سيتم استكمالها بمواضيع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والوضع في شمال شرقي آسيا، وذلك إلى جانب كل البرامج الحوارية السياسية المركزية في قنوات التلفزيون الرسمية وشبه الرسمية، ومنها "أمسية مع سولوفيوف"، و"60 دقيقة"، و"اللعبة الكبرى"، وغيرها من التي كرست حلقاتها الأخيرة لهذه المناسبة، إذ انطلق كل المشاركين من ذات المنطلقات التي سبق وأشرنا إليها عاليه.
وخلصت هذه البرامج في معظمها إلى مكاسب الجانب الروسي التي أوجزها فلاديمير سولوفيوف في ثلاث نتائج الأولى كان ما حققته موسكو على صعيد القتال، ولا سيما في جنوب شرقي أوكرانيا، وبما فشل معه مخطط الدوائر الغربية التي كثيراً ما أعلنت هدفها وما تريده من هزيمة روسيا في ساحة المعارك.
أما الهدف الثاني فتمثل في إفشال العقوبات ونجاح مخطط البدائل، وتحقيق الاقتصاد الروسي نمواً زاد على أربعة في المئة. وعن الهدف الثالث فقد أوجزه سولوفيوف فيما حققته المؤسسة الصناعية العسكرية من تفوق وإنجازات تمثلت في تشغيل المصانع العسكرية وإنتاج كل ما يحتاج إليه الجيش من أسلحة وذخيرة فاقت كثيراً عما عجزت عنه مصانع الأسلحة التابعة لأكثر من 50 دولة بما فيها بلدان الاتحاد الأوروبي.
المكالمة والعلاقات الروسية - الأميركية
كشف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيف عن أن الحديث الهاتفي بين بوتين وترمب وضع الأساس لمزيد من الاتصالات. ومع ذلك فقد أعرب عن يقينه بأنه بسبب المشكلات المتراكمة، فإن الاختراقات في العلاقات بين البلدين لا تزال بعيدة.
وأكد كوساتشيف أن كل الاهتمام الآن يتركز على الاجتماع الشخصي القادم للزعماء المشاركين في المحادثات المرتقبة، وعلى مدى إمكان إعداد هذا الاجتماع. وقال "إن الوضع، وكما يقولون، لا يسمح لأي من الجانبين بارتكاب أي خطأ"، على اعتبار أن "الأخطاء ستظل معلقة بضمائر السياسيين الأوكرانيين والأوروبيين الذين كانوا سبباً في اندلاع الصراع الحالي".
ومن جانبه ذكر رئيس لجنة التنظيمات الإعلامية في مجلس الاتحاد الروسي أليكسي بوشكوف أن المفاوضات بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة ستسجل في تاريخ السياسة والدبلوماسية العالمية، معرباً عن توقعاته تجاه احتمالات بدء مشاورات عاجلة لبحث كيفية تعطيل الحوار بين موسكو وواشنطن في البلدان الأوروبية.
غير أنه وعلى عكس مراقبين كثر، قال بوشكوف إن المكالمة الهاتفية بين بوتين لا تمثل انفراجة بعد، ولكنها قد تكون مجرد الخطوة الأولى نحو الانفراج. وقال "أنا متأكد من أن كييف وبروكسل وباريس ولندن تقرأ الآن تعليق ترمب على محادثته مع بوتين برعب ولا يصدقون أعينهم"، مؤكداً أن المفاوضات المخطط لها ستكون صعبة.
وأخيراً، وصف رئيس لجنة الدوما للشؤون الخارجية ليونيد سلوتسكي المحادثة بأنها اختراق للحصار المناهض لروسيا على الغرب، والذي أطلق ذوبان الاتصالات الرسمية بين واشنطن وموسكو، لكنه نبه إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن تغييرات خطرة في علاقات البلدين بسبب ما تركته إدارة بايدن من "إرث ثقيل".