Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب "الضمان" لبدء محادثات بين روسيا وأوكرانيا

توجهات الرئيس الأميركي تبعث التفاؤل في موسكو وكييف لإنهاء الحرب وسط ترقب أوروبا "وناتو"

أبدت روسيا كامل استعدادها للانخراط في محادثات سلام تأخذ الوقائع على الأرض بعين الاعتبار (أ ف ب)

ملخص

أي مفاوضات محتملة بين فرقاء الصراع، تعتمد حتى الآن على التوصل إلى تفاهم ولو غير مكتوب بين موسكو وواشنطن حول قضيتين رئيستين لم تُحلا، وهما إمكان الاعتراف الدولي بالحدود الروسية الجديدة واحتمال الحفاظ على الدولة الأوكرانية خارج منطقة النفوذ العسكري والسياسي لروسيا وخارج صفوف حلف شمال الأطلسي في آن واحد.

بزغ في العام الجديد وللمرة الأولى منذ عام 2022، بصيص أمل في انطلاق مفاوضات حقيقية لحل الصراع في أوكرانيا، إذ كثرت وتعددت التصريحات التي تنبئ بوجود قبس من نور سلام في نهاية نفق الحرب الروسية- الأوكرانية، لكن شعبي البلدين السلافيين الشقيقين سمعوا جعجعة كثيرة حول اقتراب موعد الحلول التي تخلصهم من الحروب وويلاتها ومآسيها، ولم يروا طحيناً ولا دخاناً أبيض على أرض الواقع المر الذي يعانونه، ليس بسبب الحرب وحدها فحسب، بل كذلك بسبب ما جرّته عليهم من عويل ومآتم وخراب ودمار وعقوبات لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلاً.

أي مفاوضات محتملة بين فرقاء الصراع تعتمد حتى الآن على التوصل إلى تفاهم ولو غير مكتوب بين موسكو وواشنطن حول قضيتين رئيستين لم تُحلّا، وهما إمكان الاعتراف الدولي بالحدود الروسية الجديدة واحتمال الحفاظ على الدولة الأوكرانية خارج منطقة النفوذ العسكري والسياسي لروسيا وخارج صفوف حلف شمال الأطلسي (ناتو) في آن واحد.

وهناك فرصة جدية لبدء المفاوضات انبثقت من تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية بإنهاء هذه الحرب خلال 24 ساعة، وعلى رغم أنه تأخر كثيراً لأن وعوده لم تكُن واقعية في البدء، فإنه اختار الجنرال كيث كيلوغ لمنصب المبعوث الخاص إلى أوكرانيا، مع أنه لم يستطِع حتى الآن اختيار خطة تسوية واحدة من بين خطط عدة، على رغم إعراب موسكو عن استعدادها للاستماع إلى مقترحات ترمب، ولكن ليس على حساب المصالح الوطنية، وجنحت السلطات الروسية لبدء المفاوضات عام 2025 وأبدت كامل استعدادها للدخول فيها شرط أن تقود إلى سلام دائم وتأخذ الوقائع على الأرض في الاعتبار.

محادثة بوتين وترمب

يمكن اعتبار الإعلان الرسمي المتزامن الصادر عن البيت الأبيض وعن الكرملين أمس الأربعاء عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحادث هاتفياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول مفاوضات السلام لإنهاء النزاع في أوكرانيا، أول إعلان مفتوح وجاد في هذا الاتجاه بين البلدين، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

وذكر الكرملين عقب المحادثة أن "الرئيس الروسي أيد أحد طروحات  ترمب بأن الوقت حان لكي يعمل بلدانا معاً".

وقال ترمب من جانبه "ناقشنا أوكرانيا والشرق الأوسط والطاقة والذكاء الاصطناعي وقوة الدولار وكثيراً من المواضيع الأخرى"، مضيفاً أننا "فكرنا في التاريخ العظيم لدولنا، وحقيقة أننا قاتلنا بنجاح كبير معاً في الحرب العالمية الثانية، وتذكرنا أن روسيا فقدت عشرات ملايين الناس، وبالمثل فقدنا كثيراً، وتحدث كل منا عن نقاط القوة في دولنا، والفائدة الكبيرة التي سنحصل عليها يوماً ما من العمل معاً".

 

 

وتابع ترمب "لكن أولاً، كما اتفقنا، نريد وقف عداد القتلى في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واتفقنا أيضاً على أن تبدأ فرقنا المفاوضات على الفور، وسنبدأ بالاتصال بالرئيس زيلينسكي لإبلاغه بالمحادثة، وهو أمر سأفعله الآن".

وبعد وقت قصير من انتشار خبر المحادثة بين بوتين وترمب، تحدث الرئيس الأميركي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأعرب ترمب عن أمله في التوصل إلى نتيجة إيجابية من اجتماع زيلينسكي مع نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على هامش مؤتمر الأمن الذي تستضيفه ميونيخ غداً الجمعة.

ترتيب لقاء شخصي في السعودية

وقال ترمب إنه توصل إلى اتفاق مع بوتين في شأن العمل معاً وبالنسبة إلى خطط الزيارات المتبادلة بين الزعيمين، خصوصاً أن بوتين دعا ترمب إلى زيارة موسكو، وكشف الرئيس الأميركي للصحافيين بعد ساعات من محادثته مع بوتين عن أن اجتماعهما قد يكون في السعودية.

وجاءت المكالمة عقب صفقة تبادل للسجناء أفرجت روسيا بموجبها عن المدرس الأميركي مارك فوغل، وهو من ولاية بنسلفانيا، بعد سجنه لأكثر من ثلاث سنوات بتهمة حيازة المخدرات وتهريبها، مقابل إفراج الولايات المتحدة عن قرصان الإنترنت الروسي ألكسندر فينيك المتهم بقرصنة مليارات الدولارات من البورصات الأميركية، كما أُطلق سراح مواطن أميركي (لم يذكر اسمه حتى وقت نشر هذا التقرير) كان معتقلاً في بيلاروس أمس، وفقاً لما ذكره مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون الرهائن آدم بيهلر.

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن مبعوث ترمب أجرى قبل زيارته إلى موسكو، محادثات مباشرة مع "حلفاء مقربين" من الرئيس الروسي، وناقش أيضاً القضايا الأوكرانية خلال اتصالاته مع السعودية وقطر.

وأفاد السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف من جهته بأن الرئيسين اتفقا خلال محادثتهما الهاتفية على إعطاء تعليمات فورية لمساعديهما للتحضير للقاء شخصي، وبدأت موسكو بالفعل تشكيل مجموعة للمفاوضات مع واشنطن، بما في ذلك حول الصراع الروسي- الأوكراني.

ورأى السيناتور الروسي المقرب من الكرملين أليكسي بوشكوف أن هذه المحادثة الهاتفية بين الرئيسين ستظل مسجلة في تاريخ السياسة والدبلوماسية العالمية، وكتب "إذا لم يكُن هذا إنجازاً حتى الآن، فهو يبدو مثل بداية إنجاز آخر. أنا متأكد من أن الناس في كييف وبروكسل وباريس ولندن يقرأون الآن تعليق ترمب المطول حول محادثته مع بوتين برعب ولا يستطيعون تصديق أعينهم".

وأكد بوشكوف أن "المفاوضات ستكون بلا شك صعبة للغاية، لكن البداية بدأت بالفعل"، مضيفاً أن "مشاورات عاجلة ستنطلق الآن بين العواصم الأوروبية حول كيفية تعطيل الحوار الناشئ بين موسكو وواشنطن، وسيستمر الضغط على روسيا بأشكال مختلفة"، بينما وصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف المحادثة بأنها "مهمة للعالم".

إنهاء الحرب وليس تجميدها

الأمر الوحيد الذي تتفق عليه موسكو وكييف هو أن وقف إطلاق النار الموقت لا يناسبهما، فأوكرانيا تعارض وقف إطلاق النار من دون ضمانات أمنية غربية، وروسيا ليست بحاجة إلى وقف إطلاق النار في ظل تقدم جيشها وعدم قدرة القوات المسلحة الأوكرانية على تعزيز مواقعها الجديدة، وبناء على المقترحات الأخيرة التي قدمها مستشارو ترمب، يبدو أن واشنطن أصبحت أكثر تواضعاً وأشد واقعية في تقييمها لقدرتها على التأثير في مواقف موسكو وكييف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والتوقعات في الغرب كانت أن روسيا ستكون مرنة في مطالبها الإقليمية، ونقلت وكالة "رويترز" من مصادر في موسكو أن روسيا مستعدة لتسليم مناطق صغيرة من منطقتي خاركوف ونيكولاييف إلى أوكرانيا إذا تجمدت الجبهة على طول خط التماس القتالي الحالي، لكن هذه الإشارات قوبلت بالرفض، بما في ذلك من قبل بوتين، وتعتقد موسكو بأن اعتراف أوكرانيا بالحدود الروسية الجديدة ضروري لإزالة أسباب الانتقام العسكري.

وبحسب التسريبات، فإن ترمب لا يؤيد انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، ويوصي بعض مستشاريه بتأجيل انضمامها إلى الحلف لمدة 10 أعوام في الأقل، لكنه يرغب في رؤيتها "قوية" و"مسلحة جيداً" بعد انتهاء الأعمال العدائية، ويخطط لمواصلة المساعدات العسكرية الأميركية لكييف بعد اتفاق وقف إطلاق النار، ويعتقد ترمب بأن على أوروبا نشر قواتها لمراقبة التزام وقف إطلاق النار في المستقبل.

الموقف الروسي

لدى الكرملين رؤيته الخاصة للتسوية وهي تتمثل في بروتوكول "إسطنبول زائد" الذي تم التوصل إليه بالأحرف الأولى خلال المفاوضات التي جرت في أسطنبول عام 2022 والذي يفترض سيادة محدودة لأوكرانيا في مجال السياسة الخارجية والدفاعية ويفرض عليها نفوذاً روسياً حاسماً، بما في ذلك إمكان التدخل بالقوة. 

 وتظل العناصر الأساسية لبروتوكول "إسطنبول" بالنسبة إلى روسيا تتمثل في التزام كييف الحياد الدائم مع وقف جميع أنواع التعاون العسكري مع الغرب، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة وتدريب القوات المسلحة الأوكرانية وتوريد الأسلحة الغربية.

لكن معايير نزع السلاح لم يُتفق عليها في إسطنبول، ومن غير المرجح أن يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق اليوم، إذ إن أوكرانيا سترفض المطالب الروسية بالحد من إمكاناتها العسكرية، ومن الممكن أن تقترح إدارة ترمب مفهوم الحياد المسلح على أساس النموذج السويدي مع جيش كبير وصناعة دفاع قوية وطيران وبحرية حديثين وأسلحة دقيقة بعيدة المدى غير نووية والحفاظ على برامج التعاون الدفاعي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن الواضح أن موسكو لن توافق على هذا.

 

 

أما بالنسبة إلى الخطط الأطلسية الداعية إلى نشر قوة أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا لمراقبة أي اتفاق مستقبلي لوقف إطلاق النار والعمل كضمانة أمنية فلا تزال تبدو بعيدة كل البعد من الواقع، وتراقب موسكو النقاش الأوروبي حول قوات حفظ السلام، وهي تدرك أنه لن يكون ممكناً تجميع العدد اللازم من القوات من دون مشاركة الولايات المتحدة.

أوهام فرض السلام على روسيا

وتبدو احتمالات توسيع المساعدات العسكرية الأميركية إلى كييف لإجبار روسيا على تحقيق السلام غير جدية أيضاً، ولتحقيق هذه الغاية، لا تملك الولايات المتحدة القدرة على زيادة إنتاج الأسلحة اللازمة بسرعة، وإذا لم تطلب إدارة ترمب حزمة جديدة من المساعدات العسكرية إلى كييف من الكونغرس في فبراير (شباط) الجاري، فإن الإمدادات بموجب "حزمة بايدن" العام الماضي ستستمر حتى صيف عام 2025.

على جانب آخر، فإن المفاوضات بموجب "خطة ترمب" لن تؤدي إلى وقف سريع لإطلاق النار، بل قد تستمر طوال العام الحالي وسط القتال حتى تقرر الأطراف أن التوقف أكثر فائدة من الاستمرار.

الضمانات الدولية

يبقى أن حجر الأساس لعملية التفاوض المحتملة للتوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، وجود الضمانات القانونية للاتفاقات التي يتم التوصل إليها خلال مفاوضات تسوية النزاع بين الجانبين.

وإضافة إلى حقيقة أن المواقف والشروط المعلنة للمفاوضات بين موسكو وكييف "غالباً ما تكون متعارضة"، فإن الوضع ككل يتغير بفعل تزايد وتيرة تقدم القوات الروسية على الجبهة ولو ببطء من جهة، ونشوء حال من عدم اليقين بسبب قرارات فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي ساعد توليه منصبه في نقل مناقشات التسوية إلى مرحلة "المفاوضات الجوهرية".

وتعتقد روسيا بأنه من الضروري التفاوض على تسوية الصراع مع أميركا ذاتها وليس مع أتباعها، وهي الآن تستشعر هذه الإشارات، فتحدّث مواقفها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير