ملخص
يتوقع إحسان بوحليقة أن تؤدي هذه الحرب التجارية إلى إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الثلاثية بين أميركا وكندا والمكسيك
دخلت رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمركية حيز التنفيذ على كندا والمكسيك والصين في الأول من فبراير (شباط) الجاري، مما ينذر بإشعال حرب تجارية قد تقوض النمو العالمي وتؤجج التضخم.
ليس الأمر عابراً أو يسيراً على الولايات المتحدة والاقتصادات الثلاثة، كما يراه المتخصص في شؤون الاقتصاد إحسان بوحليقة، بالنظر إلى أن تجارة الولايات المتحدة مع هذه الأطراف تزيد على تريليوني دولار، تعادل نحو 7 في المئة من حجم التجارة العالمية في السلع والخدمات، فضلاً عن أن التجارة مع المكسيك وكندا تمثل 30 في المئة من التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.
الواردات من كندا والمكسيك
في حديثه إلى "اندبندنت عربية" يلفت بوحليقة إلى اعتبار ثانٍ يجعل الأمر عظيم الأثر، إذ إن الرسوم الجمركية التي كانت تفرضها الولايات المتحدة على الواردات من البلدين منخفضة، بل إن معظم السلع كانت معفاة من الرسوم الجمركية وفقاً لاتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك التي وقع عليها الرئيس الأميركي ترمب عام 2018 أثناء فترته الرئاسية الأولى لتحل آنذاك محل اتفاقية "نافتا" الشهيرة التي كانت سارية بين البلدان الثلاثة لفترة طويلة امتدت من عام 1994 إلى 2020، وأوقف ترمب العمل بها بسبب انتقاداته اللاذعة والقوية حينما كان رئيساً للولايات المتحدة في الفترة الرئاسية الأولى من عام 2016 حتى 2020، ووصفها في 2018 بأنها بحق "إنجاز خارق"، وأنها أكبر وأبرز وأحدث وأكثر اتفاقية تجارة توازناً في التاريخ فيما هو الآن يتخلى عنها، بحسب بوحليقة.
ويعتقد المتحدث أن قضية رفع رسوم الاستيراد ستؤذي الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً بلا أي مواربة، إذ إن الواردات من كندا والمكسيك تمثل شرياناً لحياة صناعة السيارات الأميركية، وكندا هي أهم مورد للطاقة للولايات المتحدة، وبالتأكيد فإن رسوماً جمركية قدرها 25 في المئة ستؤذي الزبائن عند محطات البنزين وفي المصانع، بل وفي كل مناحي الحياة الأميركية، أما المنتجات الزراعية فحدث ولا حرج لأن اعتماد الولايات المتحدة كبير على كلا البلدين لاستيفاء الحاجة من الخضراوات والحبوب والفاكهة واللحوم على تنوعها.
ارتفاع أسعار المعدات الطبية والأدوية
ويضيف بوحليقة، "أما صناعة البناء فلها نصيب وافٍ، إذ إن معظم المساكن هناك، أي في الولايات المتحدة الأميركية هيكلها خشبي وتبنى من خشب مستورد من كندا، وبطبيعة الحال لن يقتصر التأثير في السلع، بل سيشمل الخدمات على تنوعها، بما في ذلك خدمات أساسية على سبيل المثال لا الحصر خدمات تقنية المعلومات وخدمات الرعاية الصحية التي ستعاني ارتفاع أسعار المعدات الطبية والأدوية المصنعة في كندا والمكسيك وتأثيره في تسعير الخدمات الصحية بالولايات المتحدة الأميركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشير بوحليقة إلى أن ثمة تداخلاً كبيراً في الأنشطة الاقتصادية في ما بين البلدان الثلاثة، بما في ذلك خدمات التعهيد outsourcing، وسيكون من تأثيرات الرسوم الجمركية العالية أن تقطع أوصال شبكة التداخل، وقد تضطر شركات تنتج في كندا أو المكسيك إلى الانتقال للولايات المتحدة أو إلى بلد آخر لا يخضع للرسوم الجمركية المرتفعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لكن ذلك سيتطلب استثمارات ضخمة ومدة زمنية قبل التمكن من الإنتاج من مواقع خارج كندا أو المكسيك، وهكذا قد يعني ذلك إعادة هيكلة وإعادة تشبيك سلاسل الإمداد لتجنب هذين البلدين، بحسب بوحليقة.
ويلفت المتخصص إلى أن فرض رسوم جمركية أميركية بمقدار 25 في المئة مؤذ وكارثي على كندا والمكسيك، إذ يعني فقدان استثمارات واستهلاكات وصادرات وملايين الوظائف، مما يبرر القول إن اقتصادات الدول الثلاث الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ستتأثر سلباً نتيجة رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، ومع ذلك لن يتوقف التأثير عند هذا الحد، بل سيؤدي مع مرور الوقت إلى هزات اقتصادية في كندا وللمكسيك بدرجة أكبر من الولايات المتحدة، وإلى عدم استقرار اقتصادي، وسيؤدي بالتالي إلى إرباك اجتماعي وأمني، وسيأخذ الأمر بعداً آخر إن قرر البلدان أو أحدهما عقد شراكات مع بلدان أخرى منافسة للولايات المتحدة ففي الحسابات الاستراتيجية ستعد للولايات المتحدة الأميركية ذلك نهشاً لمناطق نفوذها وسطوتها، أياً كانت تلك الدول، وحتى وإن كانت من أعضاء حلف "الناتو" أو مجموعة السبع، وهكذا فلعل أحد الخيارات البراغماتية إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الثلاثية التي كانت وقعتها الدول الثلاث عام 2020، لتصبح اتفاقية تكتل اقتصادي على غرار اتفاقية الاتحاد الأوروبي.