Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحيون مصريون شباب يؤدون اللعبة "خلف النافذة"

 قدمت في فضاء مفتوح وسط السوق القديمة في مدينة شرم الشيخ

مشهد من مسرحية "خلف النافذة" (خدمة الفرقة)

ملخص

"خلف النافذة" عرض قدمه مسرحيون شباب، ضمن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، وهو عرض في محبة الحياة، ينتصر للإرادة ويرفع راية الخيال، لتصبح الحياة محتملة.

لا توجد نافذة أصلاً، بل لا يوجد بصر لدى من يدعي وجودها، ويطلب من رفيقه في الغرفة النظر من خلالها ليستمتع بما خلفها من مناظر خلابة، كما يفعل هو، على حد زعمه. إنه الخيال الذي يعين صاحبه على العيش ومواجهة مآسي الحياة، فقد ولد كفيفاً وفاقداً للقدرة على الحركة، لإصابته بضمور في العضلات، لكنه امتلك بصيرة، وخيالاً، وحساً ساخراً، مما أعاناه على اللعب والمغامرة.

هكذا تمضي مسرحية" خلف النافذة" التي قدمها طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر، في فضاء مفتوح، بعيداً من مسرح العلبة، وسط السوق القديمة بمدينة شرم الشيخ، ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، بعد أن قدموها، أولاً، داخل إحدى غرف المعهد.

اكتفاء ذاتي

اللافت في العرض هو اكتفاء الطلاب بذاتهم في صناعة عناصره كافة، النص فكرة مصطفى الجوهري، أما الكتابة فهي لممثلي العرض (أحمد بيلا وصلاح عبدالعزيز) والإخراج لزميلهم زياد هاني كمال. وكان واضحاً مساحة الارتجال التي لجأ إليها الممثلان اللذان امتلكا حضوراً طيباً، وسرعة بديهة في الأخذ والرد، وإن جاء ذلك كله في صلب العرض، بعيداً من الاستظراف والافتعال. لعب أحمد بيلا دور الشاب الكفيف القعيد الذي أمضى في غرفته داخل المستشفى 26 عاماً و3 أشهر و11 يوماً، كما حسبها هو. أما رفيقه في الغرفة فقد وفد عليه منذ 10 أشهر فحسب، مصاباً بالشلل نتيجة سقوطه من مكان مرتفع، بعد محاولة انتحار فاشلة، لعدم قدرته على مواجهة أعباء الحياة.

نحن أمام شخصين، أحدهما عاش كل هذه السنوات مقاوماً لمأساته، مقبلاً على الحياة، مخترعاً لنفسه عالماً خيالياً، ونافذة يطل منها على العالم، فقد أمدته أمه ببعض الخبرات التي تعينه على تخيل الدنيا وصورتها، لذلك ظل متمسكاً بالأمل، ومصراً على العيش، ومواجهاً مصيره بالسخرية. أما الآخر، وقد كان شخصاً طبيعياً قبل الحادثة، فلم يحتمل قسوة الحياة وقرر الانتحار، فإنه غير نظرته للحياة، وأدرك أن فيها ما يستحق أن يعيش لأجله، من خلال الحوار مع زميله في الغرفة الذي نشأت بينهما، تدريجاً، علاقة روحية عميقة، على رغم اكتشاف هذا الآخر، أن رفيقه، صاحب النافذة، كفيف البصر، ويخدعه بفكرة النافذة غير الموجودة.

نسبة ضئيلة

يأتي أحد الأطباء من خارج البلاد، ويعلن استعداده لإجراء جراحة للشابين، وبعد التحاليل والاختبارات الطبية، يخبر الأول، الكفيف، أن نسبة نجاح جراحته لن تتعدى السبع في المئة، أما الآخر الذي حاول الانتحار فيخبره الطبيب أن نسبة النجاح تصل إلى 50 في المئة، وعلى رغم ذلك فإن من يوافق على إجراء الجراحة هو صاحب السبع في المئة، بينما يرفضها الآخر. ينتهي العرض بفشل جراحة الأول وموته، لكن الأمل الذي بثه في نفس رفيق الغرفة يجعل هذا الرفيق يوافق على إجراء الجراحة.

ولأن العرض يصور الشابين قعيدين، يتحاوران من خلال موقع كل منهما فوق سريره، وهو ما قد يصيب العرض بالضمور هو الآخر، فقد لجأ الكاتبان ومخرج العرض (زياد هاني كمال) إلى حل ذكي من خلال الحلم، فثمة مشاهد تحرك فيها الممثلان، هنا وهناك، بل ومارسا الرقص، بدت مقنعة للمشاهدين، باعتبار أننا بصدد تجسيد لأحلامهما في الحياة.

فكرة بسيطة

فكرة العرض بصورة عامة، تبدو بسيطة، وربما متداولة، وفيها شيء من الميلودراما، لكن ما منح العرض حيويته، وقدرته على التأثير، هو نضج صناعه، وارتكازهم على تفاصيل إنسانية رهيفة، وقدرتهم على بلورة ذلك في صياغة مشهدية تتوسل بالكوميديا، سواء كوميديا اللفظ أو كوميديا الموقف، واستخدامهم لغة متداولة بين الشباب، بما تحمله من إشارات وإيحاءات، قد لا يستسيغها سوى من هم في مثل أعمارهم، هؤلاء الذين يمثلون النسبة الأكبر من الجمهور الذي يتوجهون إليه.

تقديم العرض في الشارع، صعب المهمة على مصمم الإضاءة (محمود الحسيني) فثمة أضواء كثيرة للمحال التجارية المنتشرة حول منصة العرض، كان يمكنه أن يلجأ إلى الإنارة الكاملة، لكنه رغم ذلك سعى إلى الإضاءة على وجوه الممثلين، خصوصاً في اللحظات الحدية، واللحظات التي توضح مرور الوقت، وتغير حال الممثلين من الواقع إلى الحلم، فساعد، بذلك، على إزالة اللبس الذي قد يحدث للمشاهد، جاعلاً الإضاءة عنصراً فاعلاً في العرض ومضيفاً إليه، ومسهماً في توصيل رسالته. كذلك لم يكن الديكور سوى سريرين، هما في الأصل منضدتان تم استخدامهما باعتبارهما سريرين، وهو أمر مقبول في مثل هذه العروض التي يلجأ صناعها، نظراً إلى ضعف موازنة الإنتاج، إلى المتاح أمامهم من أدوات تؤدي الغرض.

أفضل ممثل

في المهرجان حصل أحمد بيلا الذي لعب دور الكفيف القعيد، على جائزة أفضل ممثل، وبعيداً من فكرة حصوله على الجائزة من عدمها، فهو ممثل موهوب، أو إن شئنا الدقة، على درجة عالية من الموهبة والحضور، بدا واعياً إلى طبيعة الشخصية، وقارئاً لها بعمق، وقادراً على استدعاء مثيلاتها من الحياة، فهذه التركيبة تحديداً، يتميز أصحابها بخفة الظل، والقدرة على السخرية من كل شيء، حتى من أنفسهم ووضعيتهم، وكذلك يتميزون بالحكمة وسرعة البديهة، هو استطاع، بدقة ملاحظته، واختزان مشاهداته، أن يهضم ذلك كله، وأن يقدمه على طريقته التي تخصه، فكان مقنعاً ومستساغاً إلى أبعد حد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رفيقه في الغرفة (صلاح عبدالعزيز) كان على القدر نفسه من الوعي، وقدم شخصية ذلك الشاب اليائس من الحياة، بشيء من السلاسة والهدوء، وربما اللامبالاة المقصودة، فشخص أقدم على الانتحار، وجاء إلى المستشفى شبه محطم، نفسياً وجسدياً، ثم تم شحنه فكرياً وعاطفياً من خلال الرفيق الذي صار أعز صديق، يطرأ عليه هذا التحول في زاوية النظر، مما يتطلب من الممثل وعياً وقراءة متأنية لطبيعة التحول وأسبابه، وهو ما فعله بصورة متقنة.

عرض "خلف النافذة" هو عرض في محبة الحياة، يقدم من شباب، لديهم قضاياهم التي تخصهم، ويتوجهون بها إلى شباب يعاني نفس ظروفهم، وبعضهم فكر أو أقدم بالفعل على الانتحار، لذلك فهو يتسلل إلى مشاهده بسهولة ويستحوذ عليه، ويدفعه إلى إعادة النظر في أشياء كثيرة، تبدو له مقبضة، وتفسد عليه حياته، وقد تدفعه إلى الانتحار، لكنه يستطيع التكيف معها، والتحايل عليها، لتمضي الحياة، أياً كانت متاعبها، كما لو كان يتمثل قول صلاح جاهين "محلا الحياة حتى ولو فتافيت"

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة