ملخص
حصل إيتمار بن غفير على مهمات واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية، رغم إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة "كاخ" اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية إلى المحكمة العليا بإسرائيل مطالبة فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بتل أبيب في غمار أزمة دستورية.
وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة جالي باهراف-ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير مستندة إلى أدلة تشير إلى تدخله المباشر في عمليات الشرطة واتخاذ قرارات الترقيات داخلها بناء على أسباب سياسية.
تدخلات بن غفير
وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف-ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة حول ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) الماضي والنظر فيها.
وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف-ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز) الماضي، التي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.
الوزير يرد
وأثارت رسالة باهراف-ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها قائلاً، إن طلبها تحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.
وحصل بن غفير على مهمات واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية، رغم إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة "كاخ" اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وقد أدى "قانون الشرطة" الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.
وقال بن غفير، إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون، إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات وحولته إلى "رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة".
وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لوكالة "رويترز"، إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.
وقال أمونون الكالاي، وهو سرجنت سابق في الشرطة استقال في عام 2021، إن "الوزير بن غفير يحاول من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة".
ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات وكالة "رويترز" للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.
أزمة دستورية؟
وقاوم نتنياهو الذي يواجه اتهامات بالفساد دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب "عوتسماه يهوديت" (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة في الكنيست. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، أمس الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.
ويقول خبراء قانونيون، إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، إذ ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.
وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس "لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع". وأضاف، أن هذا قد يضع إسرائيل "في موقف خطر للغاية".
ولم يرد مكتب نتنياهو على طلب للتعليق.
موقف متشدد من الاحتجاجات
في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار إلى أسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً بأنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وقال إيشد في بيان بثه التلفزيون، إن "المستوى الوزاري" كان يتدخل بصورة صارخة في عملية اتخاذ القرار المهني.
ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى "رويترز"، إن تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو (تموز) الماضي، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.
وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة التظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة "يديعوت" الإسرائيلية في يونيو (حزيران) الماضي، أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.
وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات وإن منهم مَن هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.
الحرم القدسي
في سياق متصل، أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) الماضي، على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سيتبع "أجندة صهيونية ويهودية" ويقود الشرطة "وفقاً للسياسة التي وضعتها له".
ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المئة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.
وخفف أمير أرزاني الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم "جبل المعبد"، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.
وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ"رويترز"، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.
وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي مرات عدة منذ توليه منصبه من دون أن يوقفه رجال الشرطة.
وقالت شرطة إسرائيل في بيان، رداً على أسئلة من "رويترز" حول الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر "حرس الكنيست"، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.
وقال أحد المسؤولين السابقين الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي إذ اعتُبر أنه لا يشكل تهديداً.
أضرار طويلة الأمد
وقال رئيس قسم القانون الدولي في منتدى "كوهيليت" للسياسات يوجين كونتوروفيتش، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية. وأضاف، "إذا لم يكن لرئيس الحكومة الاختيار في شأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء بل مجرد دمية في يد المحاكم". وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.
وطعنت "الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل"، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.
وقال أوري هيس المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.
وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها أعواماً.
وقال سيغالوفيتش، "ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين، الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية".