Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا خارج التغطية

كأنها أرض من دون شعب

تتوالى المؤتمرات والإجتماعات حول ليبيا لكن من دون حلول للأزمة (أ.ف.ب)

أكتب والتغطية عراقية، وقبل جزائرية... وهلم، لقد بدا وكأن شاشات المحطات التلفزيونية، توقفت عند "عاجل"، في منطقة الشرق الأوسط، بخاصة العربية منها، ومنذ أول العقد الثاني من الألفية الثالثة وحتى الساعة، والعيون شاخصة، القلوب تترقب، أما العقول فتبدأ بالربيع لتنتهي بالتخريف!... وكأن الشارع العربي زقاق، اندفعت الجماهير إليه، في موجات متتالية، تروم الخروج من حال لحال، وإنها بكل يد مضرجة تدق.

حتى إنّ القابع في السجن نبيل القروي، المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، في جولتها الثانية، قد يخاطب الجماهير التونسية، عبر الأقمار الصناعية، من الزنزانة. وهكذا، إذا أضحت التلفزيونات تغصّ بـ"عاجل"، فإن الشرق الأوسط بات يغصّ، بحال أنّ ما يحدث، يحدث ولا يحدث، وأنه بحال الطقس المتقلب، ما ليس بالإمكان التنبؤ به، لأنه يموج بالتغيّر لكن لم يتغيّر بعد، وقد استعار القذافي تعبيراً، يحلو له ترديده بمناسبة ومن دونها: "العالم يتقلّب ولا يتغيّر"، وكرجل هاجسه السلطة، كان يخاف التغيير، لكن التغيير كما يخيف السلطة الغاشمة، يقلق ويربك الجماهير الرافضة لسلطة كهذه، لأنه صعب المنال والمراس، ولا يتحقق في زمن معلوم.

لذا أدخلت، حالة التغيير، المنطقة في المجهول، باعتبار أن التغيّر لا يمكن التوكّد من نتائجه، في حين أن الدولة أمر قار/ معلوم، والمثل الليبي يقول: "الدولة أرض والناس طيور"، لسان حاله الدولة عش!، فإن غاب، تعيش الطيور، في "حال الطيران". والآن وهنا، نبدو في حالة متابعة لما يجري، أكثر من التفكر في ما جرى، والقارئ يدرك، أني أكتب ما أكتب، كمن على رأسه الطير، حين أستَقرُ، فأقرر الكتابة في موضوع، يكون ما يقع يجب ما قبله، وما يقع قابلاً لكل الاحتمالات، لأنه يحدث ولم يقر بعد، ولأن الأحداث تحدث متداخلة، مساربها تؤدي إلى مسارب أخرى... وهكذا، فإني أكتب والتغطية عراقية، وقبل جزائرية... وهلم.

أين ليبيا؟

كنت أنتوي الكتابة عن المسألة الليبية، إذ شهد شاهد، من أهلها: أن الاهتمام منصب على ليبيا من دون الليبيين، وكأن ليبيا أرض من دون شعب؟، أو كما ادعى الصهاينة على فلسطين. في دورة الأمم المتحدة 74 لعام 2019 م، لغط كثير مس ليبيا، على منبر الأمم المتحدة، وفي صالوناتها وكواليسها، لكن لسان حال الميديا: نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، وكما يبدو، هذا ما جعل ليبيا خارج التغطية.

المحفل الدولي والمحافل الإقليمية تلوك ليبيا، اللقاءات تتالت حول ليبيا، المؤتمر ينطح المؤتمر في شأن ليبيا، والاتحاد الأوروبي ينشطر بشأن ليبيا، بينما الروس والأميركان يتوافقون، والجيران القرب مع غير الجيران يختلفون. لكن كما رأينا، ليبيا حاضرة، غاب الطحين أم حضر، وفي كل هذا المُغيبْ: الليبيون.

إن الاستبعاد كما الاستعمار، في نظر المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، من يوكّد، أن نظرية الاستبعاد، جاءت كمحصلة، لمرحلة ما بعد الاستعمار، أي استبعاد كل آثار الاستعمار، أي ما أثر في شعوب المستعمرات السابقة، ما من الأفضل اعتبارها، أرض من دون شعب، مواد أولية لا مالك لها، أو كما فهمت نظرة دوبريه.

إن برلين، باب آخر، يُؤلف في سِفرْ المسألة الليبية، ومن الِسفرْ استبعد الليبيون بمجملهم، ومن أبوابه جملة، فلا محل لهم من الإعراب، ولا في المتن، ولا حتى حاشية، ومأتي هذا أن اللباس الجاهز، هو ملبس المسألة الليبية، ككل مسألة مشابهة، أي الخياط يخيط والليبيون يلبسون.

 

لكن المعضلة، أن نظرية الاستبعاد، لم تفلح في استبعاد المشكل، فمنذ ما بعد الاستعمار، بخاصة مع نهاية الحرب الباردة، استفحلت مشاكل المستعمرات القديمة، وبدأت تُصدّر مشاكلها، كالهجرة غير الشرعية والإرهاب وما شابه، فمثلاً تم استبعاد الصومال، فإذا بها تحول وتمسخ أفريقيا لصومال، وكذا استبعاد ليبيا، يعني مما يعني، استبعاد سوريا واليمن والعراق وأفغانستان، وأضف السودان والجزائر، ودول أخرى تكتم مصابها، ودول تمسها العدوى، ثم أن الكلب المربوط، نباحه يزعج الجيران.
وأما ما يخص المسألة الليبية، فإنها مسألة شرق أوسطية، لا يحلها أن يُغيّب الليبيون، ولا بالاعتبار الافتراضي: ليبيا أرض من دون شعب، وطبعاً مسألة خارج التغطية، مسألة تكتيكية، وفي هذا الخصوص، فإن المسألة الاستراتجية، المبعدة عن الطاولة، كما الحجارة المستبعدة، تكون الحجارة الأساس، فإن من ليبيا يأتي، من يمتطي خشبة، يجتاز الأبيض، في غضون يوم وليلة من دون قمر، لينزل جزيرة لمبيدوزا الإيطالية.                                   

وفي الأخير، فإن ما سيحدث يحدث، فاستبعاد التاريخ، لا يستبعد الجغرافيا، ما يعني أن الشرق الأوسط قلب العالم، بنفطه ومعضلاته وبغير ذلك، وسواء اعتبر غيتو يهود أوروبا/ إسرائيل، في الجغرافيا أو من التاريخ، فإن ما يحدث الآن في هذه المنطقة أفق مفتوح، من أبجدياته الأولى، أن العالم، لم يعد العالم "ما نعرف"، وطبعاً الشرق الأوسط، خرج من العالم القديم، باتجاه هذا "ما لا نعرف". 

المزيد من آراء