Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سجن شقيق الرئيس الإيراني ... محاكمة سياسية بلباس قانوني

يبذل التيار المحافظ جهوداً مستمرة في محاصرة روحاني وإضعافه في المفاصل الرئيسية

محمد جواد ظريف مع الأخ الأصغر للرئيس روحاني حسين فريدون (أ.ف.ب)

على رغم أن النظام الذي أسسته الثورة الإيرانية، يقوم على مبدأي الجمهورية والإسلامية، وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع الإيراني بكل مكوناته الدينية والمذهبية والعرقية، فإن الآلية التي اتبعت في إدارة مؤسسات الدولة، لم تسر بناءً على هذه القاعدة لاعتبارات فيها من "عدم الثقة" النسبة الأكبر التي حكمت عملية تركيب مكاتب رؤساء الجمهورية.

ومنذ تولي المرشد الحالي علي خامنئي منصب رئيس الجمهورية، وما شكله ذلك من بداية استقرار في مؤسسات الرئاسة بعد سلسلة من الانتكاسات بدأت بسحب الثقة من أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية وتلاها اغتيال الرئيس الثاني محمد علي رجائي مع رئيس وزرائه محمد جواد باهنر، بدأت تتشكل في الإدارة الإيرانية للدولة ظاهرة "فاميل سالاري – سلطة العائلة".

وعليه، فمن غير المستغرب أن يقوم الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد فوزه بالدورة الأولى عام 2013 بتعيين شقيقه حسين فريدون مديرا لمكتبه، وهو منصب يتمتع بكثير من السلطة والنفوذ داخل السلطة التنفيذية، وهو بذلك لم يأت بجديد، بل بناءً على سنّة سنّها من سبقه من رؤساء، وأخذ شكلها الواضح في مرحلة تولي هاشمي رفسنجاني الرئاسة الذي عيّن شقيقه محمود هاشمي رئيسا لمكتبه، في حين تأخر محمد خاتمي في اتخاذ هذه الخطوة حتى الدورة الثانية عندما أزاح صديقه وأمين سره محمد علي أبطحي من رئاسة المكتب وعينه نائبا له للشؤون البرلمانية، فيما عين شقيقه علي في رئاسة المكتب.

 وهذا النهج لم يحد عنه محمود أحمدي نجاد في الدورة الأولى من رئاسته عندما عين شقيقه داوود رئيسا للمكتب ومستشارا اقتصاديا له، إلا أنه ما لبث أن استقال بعد أن تغلب عليه اللوبي المحيط بشقيقه ليترك المكان لمرشد الرئيس اسنفديار رحيم مشائي.

وهذه الظاهرة التي من المفترض أنها لا تنتمي إلى التقاليد الجمهورية وآليات إدارة الدولة – المؤسسة العامة، تجد ترجمة لها في المؤسسة الدينية، خصوصا في بيوت المرجعيات الدينية، التي يتقدم "الحاشية" لدى أي مرجع ديني، النجل الأكبر لهذا المرجع، وهو الذي يتولى تسيير شؤون العامة من الناس المراجعين في أمور دينهم ودنياهم، ويشرف على إدارة العائدات المالية من أموال الزكاة والخمس من دون أن يكون عليه رقيب أو حسيب سوى المرجع نفسه.

وهذه التقاليد انتقلت أيضا إلى إدارة الثورة بعد عام 1979 حيث شكل أحمد الخميني، المعبر الرئيس والأساس للوصول إلى والده قائد الثورة، في حين تحول محمد منتظري وبعده أحمد مع مجموعة من المقربين إلى مفاتيح إدارة بيت حسين علي منتظري الذي شغل منصب نائب الخميني.

 وهذا ما نشاهده أيضا في "بيت – مكتب" مرشد النظام والدور الذي يقوم به  نجله مجتبى في إدارة شؤون البيت من خلف الكواليس، في حين أن شقيق المرشد حسن يشغل منصب المفتش الخاص لوزارة النفط التي تعتبر المفتاح الأساس للاقتصاد الإيراني.

لذلك فليس مستغرباً أن يعمد روحاني للاستفادة من شقيقه في هذا الموقع، وأن يكون عينه وأذنه في كل مفاصل الدولة خصوصا أن تجربته الإدارية في العديد من المواقع داخل إدارات الدولة وتحديدا في وزارة الخارجية والأمم المتحدة تؤهله للعب هذا الدور.

الحكم على حسين فريدون بالسجن خمس سنوات، لا يمكن حصره بالاتهام الذي وجه له بتلقي رشاوى مستفيدا من منصبه في مكتب الرئيس، فشبهات مماثلة طالت كثيرين ممن عملوا مع الرؤساء السابقين، ولعل ما يتعرض له كل من حميد بقائي واسفنديار رحيم مشائي مساعدي أحمدي نجاد من محاكمات وسجن بتهم ظاهرها الفساد المالي والإداري، إلا أن البعد السياسي فيها لا يمكن أن يكون هامشيا، خصوصا أن الشخصين (بقائي ومشائي) تحديا إرادة النظام وترشحا للانتخابات الرئاسية في مواجهة حسن روحاني، في ظل توتر حاد ساد بين أحمدي نجاد وفريقه مع التيار المحافظ، الذي بدأ يعتبر أن الرئيس السابق بات يشكل "مسارا انحرافيا" داخل التيار المحافظ، ما استدعى من النظام استنفار كل أدواته لمواجهة محاولات أحمدي نجاد وفريقه العودة إلى السلطة وترسيخ وجودهم في الحياة السياسية.

التصويب على حسين فريدون بدأ بشكل واضح ومباشر وواسع بعد مشاركته في المفاوضات النووية، التي كانت تجري بين وزيري خارجية البلدين الإيراني  محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري، وتحوله إلى "رجل الظل" لرئيس الجمهورية خصوصا بعد تعيينه بصفة "المساعد الخاص لرئيس الجمهورية في الأمور التنفيذية"، ما أعطاه صلاحيات واسعة للنفوذ في جميع إدارات الدولة، الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات التي طالته وطالت الرئيس روحاني، ما أدخل الأخير في معركة قاسية مع القوى التي تسعى لاستهدافه عبر شقيقه، من أجل إضعافه، خصوصا بعد الإنجاز الذي حققه في التوصل مع القوى الدولية إلى التوقيع على الاتفاق النووي، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى التيار المنافس وتحديدا المحافظ إمكانية أن يتحول حسن روحاني وفريقه إلى "أبطال قوميين" ما دفع هذا التيار لبذل كل جهوده في إفشال سياسات روحاني الاقتصادية والمالية والسياسية الانفتاحية.

الهجوم على روحاني عن طريق شقيقه سريعا ما استوعبه الرئيس، ففضل أن ينحني أمام العاصفة وسلّم شقيقه لسيف السلطة القضائية التي تشكل الذراع الضاربة للتيار المحافظ، خصوصا أن الذي تولى رئاستها إبراهيم رئيسي، يعتبر الشخصية المنافسة الأساسية لروحاني في السباق الرئاسي، ما قد يحمل على الاعتقاد بأن في الإصرار على السير بموضوع محاكمة شقيق الرئيس لا يمكن أن يكون السبب فيه اتهامه بالرشوة، بل يحمل أبعادا سياسية منها أن رئيس السلطة القضائية ما زال غير قادر عن الخروج من آثار الهزيمة التي لحقت به في الانتخابات الرئاسية التي كان هو والنظام يعولان عليها كثيرا في حال نجاحهما بإزاحة روحاني عن الرئاسة.

 إضافة إلى الجهود المستمرة التي يبذلها التيار المحافظ في محاصرة روحاني وإضعافه في المفاصل الرئيسة خصوصا عندما يكون على مشارف تحقيق إنجاز سياسي يعزز حظوظ الفريق المنافس للمحافظ في مفاصل القرار داخل النظام، علماً بأن إيران والتيار المحافظ أمام استحقاق مهم يتمثل في فرض سيطرته على الانتخابات البرلمانية مطلع العام المقبل.

المزيد من آراء