ملخص
منذ إعلان القاهرة إرسال معدات عسكرية وجنوداً إلى الصومال أواخر أغسطس الماضي، وذلك بعد أشهر من توقيع أديس أبابا "اتفاقية مبدئية" مع إقليم "صوماليلاند" الانفصالي مطلع العام الجاري، بدأ التوتر بين مصر وإثيوبيا يأخذ منحى مغايراً، أثار مخاوف المراقبين من احتمالات الصدام ومفاقمة التوتر المشتعل أصلاً بين البلدين على خلفية أزمة سد النهضة.
دخل إقليم صوماليلاند الانفصالي (أرض الصومال)، غير المعترف به دولياً، على خط التوتر المتصاعد بين القاهرة وأديس أبابا بعد أن صعّد رئيسه المدعوم إثيوبياً موسى عبدي من حدة انتقاده لمصر على خلفية خطوات الأخيرة في الصومال، قائلاً إن رفض القاهرة "استقلال بلاده عن مقديشو ليس عدلاً"، وإنه لا يقبل "التدخل المصري في مسألة داخلية بين بلاده والصومال"، لتأتي بعدها دعوة القاهرة رعاياها الموجودين في "صوماليلاند" إلى المغادرة فوراً وتجنب السفر إليها بسبب عدم الاستقرار الأمني.
وعكست التوترات الأخيرة بين القاهرة وإقليم صوماليلاند الانفصالي حدة المخاوف من انزلاق مصر وإثيوبيا، الداعمة الأبرز لصوماليلاند، إلى منحنيات خطرة من التصعيد وفق ما يقول مراقبون، ولا سيما أنها جاءت بعد أيام من قرار السلطات الانفصالية في الإقليم إغلاق المكتبة المصرية في العاصمة هرجيسا بسبب ما أرجعته لـ "مخاوف أمنية خطرة"، في وقت تستمر التحذيرات والاتهامات المتبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بما يتجاوز الخلاف الناشب بينهما منذ أعوام، بسبب بناء الأخيرة سداً ضخماً على النيل الأزرق لنهر النيل بغية توليد الطاقة الكهرومائية، وتخشى القاهرة من أن يؤثر في حصتها المائية.
خلاف متصاعد بين القاهرة و"صوماليلاند"
خلال الأيام الأخيرة بدت حدة الخلاف بين القاهرة وإقليم صوماليلاند الانفصالي تأخذ منحى مغايراً بعد أسابيع من إرسال مصر معدات عسكرية وجنوداً إلى الصومال، في ضوء بروتوكول تعاون دفاعي بين البلدين، والعمل ضمن خطة إعادة تنظيم إستراتيجي واسعة النطاق في منطقة القرن الأفريقي بعد أشهر من توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقاً مبدئياً مع إقليم صوماليلاند، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة مدة 50 عاماً، في مقابل اعتراف إثيوبيا بالإقليم غير المعترف به دولياً كـ "دولة مستقلة"، وهو ما اعتبرته القاهرة حينها "مخالفاً للقانون الدولي واعتداء على السيادة الصومالية، وأنها لن تسمح بتهديد الصومال أو أمنه".
وجاءت أحدث حلقات التوتر بين مصر وصوماليلاند من خلال تحذير سفارة القاهرة في الصومال عبر بيان صحافي أمس الأحد، 22 سبتمبر (أيلول) الجاري، "جميع الرعايا المصريين من السفر إلى إقليم صوماليلاند بجمهورية الصومال الفيدرالية، في ظل تأثير عدم استقرار الوضع الأمني داخل الإقليم في سلامتهم"، مناشدة "المصريين الموجودين في الإقليم المغادرة في أقرب فرصة ممكنة عبر مطار هرجيسا".
وبينما أشارت السفارة المصرية في مقديشو إلى أن "الوضع الأمني الحالي في الإقليم يحد من القدرة على تقديم أية مساعدات قنصلية للمصريين هناك"، دعت "المصريين الراغبين في التردد على أي من أقاليم جمهورية الصومال الفيدرالية إلى الالتزام التام بالضوابط والإجراءات التي تحددها السلطات المتخصصة في حكومة الصومال الفيدرالية".
ولم يكن الموقف المصري الوحيد في حلقة التوتر مع الإقليم الانفصالي، إذ جاء غداة تصريحات متلفزة لرئيس الإقليم غير المعترف به دولياً، موسى عبدي، وصف خلالها موقف الحكومة المصرية بدعم وحدة وسيادة الصومال ورفض استقلال بلاده بأنه "ليس عدلاً"، مؤكداً أن "المسألة داخلية بين بلاده والصومال، ولا يقبل التدخل المصري فيها"، ومعلناً في الوقت ذاته تمسكه بـ "إبرام مذكرة التفاهم مع إثيوبيا" التي ترفضها مقديشو والقاهرة، والتي دفعت الأخيرة إلى توقيع اتفاقات أمنية ودفاعية مع الصومال، أرسلت بموجبها مصر معدات عسكرية وجنوداً أواخر أغسطس (آب) الماضي، وهو ما اعتبرته إثيوبيا مصدر تهديد لأمنها القومي ولن تقف أمامه مكتوفة الأيدي، محذرة مقديشو من "التواطؤ مع جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة".
وجاء موقف عبدي الأخير بعد أيام من إعلان سلطات الإقليم الانفصالي في الـ 12 من سبتمبر الجاري إغلاق المكتبة المصرية (المركز الثقافي المصري) في العاصمة هرجيسا، بسبب ما سمته "مخاوف أمنية خطرة مع إخطار جميع الموظفين بمغادرة أراضيها خلال 72 ساعة".
وتزامن ذلك مع إعلان وزير خارجية حكومة صوماليلاند الانفصالي عيسى كايد، في بيان صحافي، أن إغلاق المكتبة المصرية نهائي، مشيراً في الوقت ذاته إلى قرب "الانتهاء من صياغة مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا"، وحذر من أن الوجود المصري في مقديشو "قد يسهم في تصعيد الصراعات بالوكالة في المنطقة".
وفي مطلع العام الحالي وقّعت إثيوبيا مع إقليم صوماليلاند اتفاقاً مبدئياً تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة مدة 50 عاماً، في مقابل اعتراف إثيوبيا بالإقليم غير المعترف به دولياً كـ "دولة مستقلة".
ساحة جديدة للمنافسة
منذ إعلان القاهرة إرسال معدات عسكرية وجنوداً إلى الصومال أواخر أغسطس الماضي، بدأ التوتر مع إثيوبيا التي رأت في الخطوة، بحسب بيان صادر عن خارجيتها، مصدر تهديد، مؤكدة أنها "تراقب بيقظة التطورات في منطقة القرن الأفريقي التي قد تهدد أمنها القومي"، وأخذ موقفها منحى مغايراً لم يقف عند الرد الدبلوماسي، بل قررت تعيين سفير لها في إقليم صوماليلاند، ولاحقاً أخذ التوتر بين الإقليم الانفصالي والقاهرة في تصاعد عبر مشهد عكس مخاوف المراقبين من احتمالات الصدام ومفاقمة التوتر المشتعل أصلاً بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية سد النهضة، وفق ما أوضح مراقبون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية".
من جانبه يقول مساعد وزير الخارجية المصري السابق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إن "التحركات الإثيوبية في الصومال تثير كثيراً من التخوف من أن المنطقة قد تنزلق نحو مزيد من التوترات والصدامات إذا لم تلعب المنظمات الدولية دوراً في حث إثيوبيا على التراجع من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة".
وأوضح حليمة أن "منشأ التوتر الحاصل في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي يرجع إلى الممارسات والتوجهات الإثيوبية في شأنه، فمنذ توقيع أديس أبابا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم صوماليلاند مطلع العام الحالي بدأت التوترات تتصاعد، وعلى رغم رفض المنظمات وكثير من الدول الإقليمية والدولية مثل هذا التحرك لكن إثيوبيا لم تتراجع عن موقفها".
وتابع حليمة، "واقع الأمر أن التحرك الإثيوبي في الصومال، وبالتبعية إقليم صوماليلاند، تنظر إليه القاهرة بأنه مسار تهديد مباشر لأمنها القومي والعربي، ومزعزع رئيس للاستقرار والأمن في منطقة القرن الأفريقي، وعليه تحركت مصر للدفاع عن مصالحها المباشرة في المنطقة".
وفي الاتجاه ذاته أوضحت الكاتبة المصرية المتخصصة في الشأن الأفريقي أسماء الحسيني أن "ما يحدث في الصومال منذ إعلان إثيوبيا توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم انفصالي لإنشاء قاعدة عسكرية فيه فتح أبواب التوتر في المنطقة كلها"، وتابعت "لا يمكن فصل الموقف العدائي من إقليم صوماليلاند تجاه مصر، سواء من خلال قرار استقبال بعثة دبلوماسية إثيوبية أو غلق المركز الثقافي المصري فيها أو حتى تصريحات رئيس الإقليم، عن التوتر الحاصل بين القاهرة وأديس أبابا بسبب كثير من الملفات".
ووفق الحسيني فإن "الخطوات التحريضية التي ينتهجها إقليم صوماليلاند تجاه مصر تشير إلى أن الأمور تتجه في تلك المنطقة نحو مزيد من التوتر وزعزعة الاستقرار في المنطقة، والتي سيكون لها تبعات وعواقب وخيمة جداً على الجميع"، معتبرة أن "مصر كانت حريصة على رغم كل التحديات والصعوبات التي تواجهها، سواء على صعيد سد النهضة أو قضية محاولة إثيوبيا تعريض مصالح القاهرة في المنطقة للخطر، على انتهاج مسار سلمي وتعزيز علاقات التعاون مع الشعب الإثيوبي، إلا أن أديس أبابا في كل مرة لم تظهر أية بادرة حسنة في شأن هذا المسار".
ومضت الحسيني في القول إن "مصر تعتقد أن ما يجري في الصومال يمس أمنها القومي، وأن ما يجري فيه يؤثر بصورة مباشرة في قناة السويس والملاحة في البحر الأحمر، وعليه فإنها حريصة على الدفاع عن مصالحها في هذه المنطقة، وأيضاً استقرار الصومال الذي هو مهم جداً بالنسبة إليها"، مشيرة إلى أن القاهرة "ترجح في الوقت نفسه الوصول إلى حلول سلمية للخلافات مع أديس أبابا، وعدم انتهاج مسارات المواجهة والتصعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره قال الباحث والكاتب السوداني كمال كرار إن "كلاً من مصر وإثيوبيا تدركان أن كل طرف يحاول تضيق الخناق على الآخر منذ فشل المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي، وهذا التعارض في المصالح تجلى بصورة كبيرة في الصومال، سواء من خلال توقيع أديس أبابا اتفاقاً مع إقليم صوماليلاند لإنشاء قاعدة عسكرية والوصول الآمن إلى البحر الأحمر، لترد القاهرة عليه بتوقيع اتفاقات دفاعية وأمنية مع مقديشو لمحاصرة إثيوبيا".
وأوضح كرار في حديثه أن "القيادة المصرية ورئيسها عبدالفتاح السيسي أظهرا عزمهما المضي قدماً في الدفاع عن وحدة وسيادة الصومال أمام المحاولات الإثيوبية لتنفيذ تحركاتها عبر الإقليم الانفصالي"، إلا أنه استبعد في الوقت ذاته الوصول إلى حافة المواجهات أو الصدام بين الطرفين، ولا سيما "أمام الرغبة المصرية والإثيوبية معاً بعدم التورط في حروب مباشرة خارج أرضهما في ظل التحديات الداخلية التي يمر بها بلداهما".
وكان لافتاً ما نقلته وكالة "رويترز" اليوم الإثنين، عبر مصادر لم تسمها، عن وصول سفينة حربية مصرية محملة بالأسلحة إلى الصومال في ثاني شحنة كبيرة من نوعها خلال أسابيع، تشمل مدافع مضادة للطائرات وأسلحة.
وذكرت "رويترز" نقلاً عن مصدر دبلوماسي أن السفينة الحربية المصرية بدأت تفريغ شحنة الأسلحة أمس الأحد، وقال عاملان في الميناء ومسؤولان عسكريان إن قوات الأمن أغلقت رصيف الميناء والطرق المحيطة به أمس واليوم، بينما عملت قوافل على نقل الأسلحة إلى مبنى تابع لوزارة الدفاع وقواعد عسكرية قريبة.
وجاءت الخطوة المصرية بعد يومين من إدانة الخارجية الصومالية في بيان صحافي أول من أمس "وصول شحنة أسلحة وذخيرة غير مصرح بها قادمة من الحدود الإثيوبية إلى إقليم بونتلاند الذي يحاول الانفصال عن الصومال"، مؤكدة أن ذلك "يشكل خطراً جسيماً على السلام في القرن الأفريقي وينسف الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى الحفاظ على استقرار المنطقة"، مطالبة أديس أبابا بالتوقف عن ذلك.
يشار إلى أن هناك نحو 3 آلاف جندي إثيوبي في الأقل داخل الصومال ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي تقاتل الإسلاميين المتشددين، في حين يقدر عدد القوات الإثيوبية المنتشرة في مناطق أخرى من الصومال بما بين 5 و7 آلاف بموجب اتفاق ثنائي.