ملخص
تدخل بنك إسرائيل ببيع مليارات الدولار من الاحتياط الأجنبي لاحتواء خسائر الـ "شيكل" ووقف نزف العملة.
بعد مضي عام من الحرب في غزة تجد إسرائيل نفسها أمام ضعف اقتصادي مقارنة بما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ولعل آخر شواهد هذا الضعف ما أقدمت عليه الحكومة قبل أيام من حلول الذكرى الأولى لاندلاع الحرب، من خفض لتقديرات النمو خلال الربع الثاني من العام إلى 0.7 في المئة.
وعانت مالية البلاد اختلالات واسعة على خلفية فاتورة الخسائر الضخمة التي منيت بها منذ اندلاع الحرب وتوسعها على عدد من الجبهات، حتى صار الاقتصاد الإسرائيلي في مرمى خفوض مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، ولم تعرف العملة المحلية (شيكل) استقراراً معهوداً من ذي قبل، فكان بمثابة خاصرة رخوة لتلك الحرب.
شبح إفلاس البنوك
خلال الشهر الأول من الحرب كانت بنوك إسرائيل أمام احتمالات إفلاس واسعة وتعثر متوقع في زيادة مخصصات رد الدين، عبّر عنها تجنيب أكبر بنوك إسرائيل التجارية وهو "ليومي بنك"، نحو 1.1 مليار شيكل (271 مليون دولار) بدعوى زيادة احتياط إعسار الديون خلال الربع الثالث من العام الماضي، بعد أيام من تلقف البنوك تحذير وكالة "موديز" من خفض تصنيف البلاد الائتماني على محمل الجد.
وكانت تحذيرات "موديز" ماثلة أمام بنك إسرائيل المركزي مما حدا به إلى خفض تقديراته لنمو اقتصاد البلاد عام 2023 إلى 2.3 في المئة من ثلاثة في المئة قبل الحرب، وإلى 2.8 في المئة العام الحالي من ثلاثة في المئة كتقدير سابق للعام الحالي.
وتلقى الاستهلاك الذي ينظر إليه باعتباره أحد محركات نمو الاقتصاد البالغ حجمه نصف تريليون دولار ضربة قوية مع تجنب مئات آلاف الإسرائيليين الإنفاق، ومع استدعاء آلاف العاملين في الدولة بوصفهم جنود احتياط فقد تعطل عدد من القطاعات الاقتصادية.
خسائر بورصة تل أبيب
وحلت الأسهم المدرجة في بورصة تل أبيب على رأس قائمة الخاسرين بعد فقدان مؤشر الأسهم القيادية أكثر من 11 في المئة ضمن أكبر خسارة شهرية للمؤشر منذ جائحة "كوفيد-19"، لتفقد جميع أسهم السوق الإسرائيلية المدرجة 27 مليار دولار من قيمتها خلال أول أشهر الحرب، ثم ارتفعت لتصل إلى 204 مليار دولار بحلول نهاية الشهر الثاني من الحرب.
وسرعان ما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" النظرة المستقبلية لتصنيف البلاد إلى سلبية، وإن أكدت التصنيف عند (AA-)، مرجحة انكماش اقتصاد إسرائيل خمسة في المئة خلال الربع الرابع، مقارنة بثلاثة أشهر سابقة وسط اضطرابات تتعلق بالأمن وانخفاض النشاط التجاري.
وشهد الـ "شيكل" الإسرائيلي هبوطاً حاداً خلال الشهر الأول من الحرب بنحو ستة في المئة، لتسجل العملة المحلية أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاماً أمام الدولار، مما دفع بنك إسرائيل المركزي إلى بيع 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي خلال أول أشهر الحرب لاحتواء خسائر العملة، مما دفع الاحتياط إلى الوراء عند 191.235 مليار دولار.
ضعف الـ "شيكل" الإسرائيلي
كما واجهت العملة الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب في غزة خسائر عنيفة في مقابل الدولار الأميركي، إذ قفز الدولار من مستوى 3.87 شيكل إلى نحو 4.15 شيكل قبل أن يتراجع مع توسع تدخل البنك المركزي في بيع النقد الأجنبي إلى نحو 4.07 شيكل، ثم وصول السعر صوب 3.85 دولار بعد تباينات استمرت لعام من الحرب على قطاع غزة.
وبحلول الشهر الخامس من الحرب كان الاقتصاد الإسرائيلي على موعد من خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل بدرجة واحدة، إذ أقدمت وكالة "موديز" في فبراير (شباط) الماضي على خفض التصنيف من (A1) إلى (A2) في وقت قدر بنك إسرائيل المركزي أن الحرب في غزة ستكلف البلاد 58.3 مليار دولار بحلول نهاية العام.
وسرعان ما انضمت وكالة "ستاندرد أند بورز" إلى "موديز" في قرار مماثل بخفض التصنيف الائتماني للبلاد من(AA-) إلى (A+)، وهو خفض ألقى بتبعات سلبية واضحة على سعر الـ "شيكل" الإسرائيلي وانتقل للبورصة بمزيد من الخسارة، لتأتي الضربة الثالثة من وكالة "فيتش" التي خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني في أغسطس (آب) الماضي من (A+) إلى A)) على خلفية تفاقم الأخطار الجيوسياسية واستمرار الحرب في غزة، متوقعة أن تزيد الحكومة الإسرائيلية الإنفاق العسكري بصورة دائمة بنحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، في ظل تعزيز البلاد دفاعاتها الحدودية، مما يضع مزيداً من الضغوط على الموازنة ومستويات الديون.
الاقتصاد في مرمى الخفوض
ولم يمض خفض "فيتش" لتصنيف إسرائيل الائتماني من دون أن يترك جرحاً آخراً على الـ "شيكل" الذي هبط بما يصل إلى 1.7 في المئة في مقابل الدولار، ولتغلق الأسهم منخفضة بأكثر من واحد في المئة في تل أبيب مع قلق المستثمرين من استعار الحرب وتوسع الجبهات.
وبحلول منتصف العام الحالي سجلت الموازنة الإسرائيلية عجزاً قدره 10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار) في مايو (أيار) الماضي، مشيرة إلى ارتفاع الإنفاق نتيجة للحرب التي تخوضها مع "حماس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبمضي تسعة أشهر من الحرب بلغ عجز الموازنة الإسرائيلية 8.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في يوليو (تموز) الماضي، من 6.6 في المئة كانت مستهدفة، فيما أقرت وزارة المالية بارتفاع ديون الدولة إلى المثلين خلال العام الماضي، أي عند مستوى 160 مليار شيكل (43 مليار دولار) عام 2023، من بينها 81 مليار شيكل (21.62 مليار دولار) منذ اندلاع الحرب، ليسجل إجمال الدين 62.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي العام الماضي، ارتفاعاً من 60.5 في المئة عام 2022 بسبب ارتفاع الإنفاق الحربي، إذ اقترضت الحكومة الإسرائيلية عام 2023 نحو 116 مليار شيكل (30.96 مليار دولار)، أو 72 في المئة من إجمال الدين محلياً، و25 في المئة من الخارج، والباقي في صورة ديون محلية غير قابلة للتداول، وسط تقديرات للوزارة بوصول إجمال الدين الإسرائيلي إلى 67 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي.
تفاقم العجز المالي
وقبل أسابيع قليلة من حلول الذكرى الأولى لمعركة "طوفان الأقصى" كما تطلق عليها "حماس"، ارتفع العجز المالي لإسرائيل إلى 8.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو 12.1 مليار شيكل (3.2 مليار دولار) في أغسطس الماضي مقارنة بالأشهر الـ 12 السابقة، مع استمرار الحكومة في ضخ المليارات لتمويل الحرب المستمرة مع "حماس" و"حزب الله"، وفقاً للأرقام الأولية التي أصدرتها وزارة المالية الإسرائيلية، فيما تتوقع أيضاً مواصلة ارتفاع العجز حتى الربع الثالث الذي ينتهي في سبتمبر (أيلول) الجاري.
ومن المرجح أن تظل المالية العامة لإسرائيل أسيرة الصراع الدائر في غزة من دون أن يتوقع للعملة الإسرائيلية وبورصة تل أبيب أي تحسن مدعوم بحال من الاستقرار، ومن دون أن تخمد نيران الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل وهي على وشك دخول عامها الثاني.