Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الجماعة الإسلامية" في لبنان من الإغاثة إلى الحرب

فرع لتنظيم "الإخوان" يقاتل إلى جانب "حزب الله" وعدد كبير من مقاتليه أعضاء في "حماس" كـ"أذرع خيرية"

حطام السيارة التي قُتل فيها محمد جبارة أحد قادة الجماعة الإسلامية بمنطقة البقاع شرق لبنان، 18 يوليو 2024 (أ ف ب)

ملخص

علاقتها بـ"حزب الله" اتسمت بالتوتر والتنافس، إذ إن كل طرف يسعى لتحقيق أجندته الخاصة، لكن لا يعني هذا وجود توافق استراتيجي طويل الأمد.

نعت الجماعة الإسلامية في لبنان نهار 18 يوليو (تموز) الجاري، محمد جبارة أحد قيادييها البارزين في "قوات الفجر"، الذي قضى جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في بلدة غزة البقاعية (شرق) القريبة من الحدود السورية.

كما نعت جبارة "كتائب عزالدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، واصفة إياه بـ"فارس من فرسانها الميامين". وكان الجيش الإسرائيلي أكد بدوره عملية الاغتيال عبر بيان قال فيه "هاجم جيش الدفاع الإسرائيلي باستخدام طائرات سلاح الجو منطقة البقاع، مما أدى إلى مقتل محمد جبارة، الإرهابي المرتبط بمنظمة (حماس) الإرهابية في لبنان".

ويأتي ذلك على وقع استمرار التصعيد بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" جراء فتح الحدود الجنوبية كجبهة إسناد للحرب الدائرة في غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ففي يونيو (حزيران) الماضي، وضمن مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية الذي لا يتوقف في الداخل اللبناني، قتل أيضاً القيادي البارز في "قوات الفجر" أيمن غطمة في غارة إسرائيلية استهدفته في المنطقة نفسها بالبقاع الغربي، وقالت إسرائيل آنذاك إنه كان مسؤولاً عن إمداد فصيله وحليفته "حماس" في المنطقة بالأسلحة.

وسقط لـ"الجماعة" منذ بدء العمليات القتالية في الثامن من أكتوبر، 18 عنصراً بينهم سبعة مسعفين قتلوا في مركز الطوارئ والإغاثة الإسلامية التابع لها، جراء غارة إسرائيلية في مارس (آذار) الماضي.

تنظيم سياسي شامل

تأسست "الجماعة الإسلامية"، وهي حزب سياسي إسلامي سني، عام 1964 كفرع لبناني لجماعة "الإخوان المسلمين". وتسعى الجماعة إلى تحقيق هوية إسلامية شاملة في لبنان، وتتبع الفكر الإخواني في تفسيرها للشريعة الإسلامية وتطبيقها في الحياة العامة والخاصة. وعلى رغم أنها تقوم بأنشطة إغاثية مهمة لكنها تنظيم سياسي واجتماعي وديني يشمل أنشطة متعددة، منها العمل السياسي والدعوي والخيري والاجتماعي. وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتعزيز القيم الإسلامية في المجتمع. وتركز على الدعوة والسياسة والمقاومة، مما يجعلها تنظيماً متكاملاً يعمل على جبهات عدة.

 

 

وتشارك "الجماعة" في الحياة السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية، وتسعى إلى التأثير في السياسات الوطنية بما يتوافق مع رؤيتها الإسلامية. وكانت "الجماعة" انخرطت في المقاومة ضد إسرائيل من خلال جناحها العسكري المعروف باسم "قوات الفجر".

التمهيد لـ "حزب الله"

وأعلنت "قوات الفجر" عن انخراطها في الحرب الدائرة في الجنوب عبر عملية إطلاق صواريخ على شمال إسرائيل في 18 أكتوبر 2023، بالتزامن مع عمليات تسلل لـ"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، وعمليات إطلاق صواريخ لحركة "حماس". ومعلوم أن مشاركتها في منطقة تقع تحت سيطرة "حزب الله" تأتي بالتنسيق معه، حيث لا يمكن القيام بأي نشاط عسكري أو الانضمام إلى غرفة العمليات المشتركة لقوى الممانعة إلا بإذن منه.

تصدرت المشهد السياسي اللبناني عقب قيام عناصرها بعرض عسكري في ببنين بعكار شمال البلاد، أبريل (نيسان) الماضي. ووفقاً لسامر زريق، الكاتب المتخصص في شؤون الإسلام السياسي فإن صالح العاروري، القيادي الحمساوي الذي اغتالته إسرائيل، أسهم بشكل كبير في تعزيز القدرات العسكرية لـ"قوات الفجر"، وعدد كبير من مقاتلي "الجماعة الإسلامية" أعضاء في "حماس" أو ما يُسمى الأذرع الخيرية للحركة ويتقاضون رواتب شهرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نشأت "قوات الفجر" بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتشكلت من شباب "الجماعة" بهدف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت أولى عملياتها في صيدا. وبعد تحريرها استمرت تلك القوات في تنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية وعملائها، وكان لها دور بارز في تحرير جنوب لبنان عام 2000. ووفقاً للأمين العام "الجماعة" الشيخ محمد طقوش، فإن "هذا الجناح ظل عاملاً بعد اندحار قوات الاحتلال عن لبنان، بخاصة أن قسماً من أراضي أهلنا في بلدات العرقوب، ولنا فيها حضور وازن، ما زال محتلاً في مزارع شبعا، وكان لهذا الجناح دور بارز في رد عدوان عام 2006".

ونقلت تقارير صحافية عن مراجع "الجماعة" قولها إن أحد معسكراتها كانت مركزاً لتدريب شباب من "حزب الله"، لا سيما أن "المقاومة الإسلامية" التي انطلقت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو (حزيران) 1982، كانت بجناحين، الأول "قوات الفجر" الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، والثاني كان لشباب من جنوب لبنان مهدوا لإطلاق "حزب الله" رسمياً عام 1983. وخلال حرب يوليو (تموز) 2006 عملت تلك القوات بالتنسيق مع "حزب الله". لكنها تحتفظ باستقلالية تنظيمية عن بقية الفصائل المسلحة، على رغم التعاون الوثيق في المعارك ضد إسرائيل. وخلال العقود الماضية تعرضت "قوات الفجر" لاغتيالات واستهدافات إسرائيلية، أبرزها اغتيال مؤسسها جمال الحبال عام 1983.

بعد اتفاق الطائف

يري الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الأيوبي، أن "مشاركة (الجماعة الإسلامية) في المقاومة بدأت منذ عام 1982 مع بداية الغزو الإسرائيلي، وأول صدام حصل مع الاحتلال كان عن طريق (قوات الفجر) في صيدا، مما يعني أن أول مقاومة نشأت في لبنان كانت عبر تلك القوات".

ويفيد الأيوبي بأن الأعمال الإغاثية هي جزء من أعمال الجماعة، فلديها نشاط سياسي ومقاوم، لكن من بعد "اتفاق الطائف" عام 1989 كان ذلك النشاط كامناً، حيث نص الاتفاق على قرار حل الميليشيات، الذي طبق على "الجماعة" وبقية الأحزاب اللبنانية من دون "حزب الله" ومنظومة الأحزاب المرتبطة كـ"الحزب السوري القومي الاجتماعي".

ويتابع الباحث في الحركات الإسلامية أنه "من بعد عدوان 2006 كانت للجماعة مشاركة أساسية ميدانية فاعلة لكنها عادت إلى مرحلة الكمون، علماً أنه كان يتخلل ذلك تدريب واستعدادات محدودة ولكن متواصلة برزت من خلال بعض الاعتقالات التي قامت بها القوى الأمنية لعناصر من الجماعة". ويذكر الأيوبي على سبيل المثال القيادي محمد جبارة، الذي أوقف وهو يقوم بأعمال تدريب على صناعة الأسلحة.

علاقة مشوشة

تتسم العلاقة بين "الجماعة الإسلامية" و"حزب الله" بالتعقيد، وتختلف باختلاف السياقات السياسية والأمنية. كما توجد اختلافات عقائدية وجوهرية بين "الجماعة" السنية و"الحزب" الشيعي، مما يؤدي أحياناً إلى تباعد في الرؤى والأهداف. أضف إلى ذلك التنافس السياسي بينهما، حيث يسعى كل طرف لتعزيز نفوذه في الساحة اللبنانية. وتتباين مواقفهما في كثير من الأحيان حول القضايا الداخلية مثل تشكيل الحكومة والانتخابات النيابية.

وعلى رغم التعاون بين التنظيمين في بعض الفترات، بخاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا التعاون كان محدوداً ولم يرق إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، مما كان يترك مجالاً للخلافات كي تتفاقم مع مرور الوقت.

وكان قد تفاقم الخلاف بينهما وبشكل كبير على خلفية الحرب السورية عام 2011، بعد أن أعلن "حزب الله" تقديمه دعماً عسكرياً للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وإرسال مقاتليه للمشاركة في المعارك ضد المعارضة السورية، إضافة إلى التدخل الإيراني لمصلحة النظام السوري، في حين كانت "الجماعة" ومجموعة من الحركات السنية الأخرى في لبنان تدعم المعارضة السورية.

البعد الطائفي، وانقسام الفصائل اللبنانية بناءً على ولاءاتها الإقليمية، خلق فجوة بينهما. وبعد أن زادت التوترات الأمنية داخل لبنان، بما في ذلك حدوث تفجيرات واشتباكات في المناطق التي تسكنها الغالبية السنية، اعتبرت "الجماعة" أن تدخل "الحزب" في سوريا يجر لبنان إلى مزيد من الفوضى والعنف. لكن الوضع تغير بعد أن تزعم محمد طقوش "الجماعة" خلفاً لعزام الأيوبي عام 2022، حيث أبدى طقوش ميلاً إلى الانصهار في محور الممانعة، معلناً "نحن والحزب نشبه بعضنا في كثير من الأمور"، وقاطعاً وعداً بأنه سيعطي خلال ولايته "العمل المُقاوم مساحة أكبر".

غزة نقطة التحول

يقول المحامي والمحلل السياسي أمين بشير لـ"اندبندنت عربية"، إن "نقطة التحول في العلاقة بين (حزب الله) و(الجماعة) كانت عملية (طوفان الأقصى) التي قربت المسافة بينهما وسرعت من وتيرة التنسيق بينهما، وبعد انخراط (قوات الفجر) في العمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي بعد سنوات من الانقطاع عاد اسمها إلى المشهد، علماً أن تقديرات تفيد بأن عدد عناصرها لا يتجاوز الـ500".

ويتابع المحامي اللبناني أن "تلك القوات غير قادرة على القتال في الجنوب اللبناني أو إطلاق الصواريخ من دون موافقة الحزب، وليست لديها إمكانات عسكرية، لكن الحزب وفر الدعم اللوجستي والعسكري لها وزودها بصواريخ فاستفاقت من الموت السريري، كون الجماعة لا تملك هذه الإمكانات في الحصول على الأسلحة".

 

 

وعن أهداف "حزب الله" من وراء ذلك يشرح بشير أن "الحزب يسعى من خلال هذا التقارب إلى تحقيق اختراق استراتيجي في المجتمع السني اللبناني، في وقت يعاني من تراجع الدعم من بعض حلفائه التقليديين ولا سيما المسيحيين عبر (التيار الوطني الحر)، لكن التباعد والخلافات المتكررة بينه وبين (التيار) وصلت إلى حد القطيعة بسبب وجود البديل السني، إذ إن الحزب بحاجة إلى حليف في لبنان والحصول على شرعية من طرف سني يعتبر أكثر فاعلية من الحصول على شرعية مسيحية، وأفضل وأقرب له من الحليف المسيحي، مما يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة تعزز موقفه الداخلي والإقليمي، كما أن هذا التقارب هو جزء من مشروع إسلامي مشترك قد بدأ مع إيران .إذ إن الأخيرة لم تبنِ نفوذها في المنطقة اعتماداً على التحالف مع حركات الإسلام السياسي الشيعي فقط، بل اعتمدت في قوتها الناعمة على بناء جسور التلاقي مع الحركات الإسلامية السنية وتحديداً (الإخوان المسلمين) لمواجهة التحديات الإقليمية والداخلية".

ويتابع المحامي اللبناني أمين بشير أنه "إلى جانب أهداف (الجماعة الإسلامية) يسعى (حزب الله) إلى تحقيق أهداف عدة من خلال هذا التقارب، بخاصة في ظل محاولاته المتكررة التغلغل داخل المجتمع السني اللبناني على مدى السنوات الماضية، أبرزها كانت في إنشاء ما يسمى (سرايا المقاومة) في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بهدف استقطاب مقاتلين من طوائف أخرى غير شيعية. لكن هذه الخطوة فشلت لأنها لم تحظ بعناصر من النخبة أو العائلات السنية، وكانت منفعة ذاتية ليس أكثر".

هنا يشير الكاتب أحمد الأيوبي إلى أنه "من بعد معركة (طوفان الأقصى) التي أطلقتها (حماس)، والتي تعود إلى جذر فكري وعقائدي واحد مع الجماعة ضمن إطار تنظيم (الإخوان المسلمين)، وقيام (حزب الله) بفتح جبهة الجنوب كجبهة إسناد كانت (الجماعة الإسلامية) ملزمة شكلاً ومضموناً بأن تتحرك مساندة لغزة". وهو ما يعتبر الأيوبي أنه فرصة للجماعة لإعادة إثبات وجودها بطريقة من الطرق، وفي ظل غياب الاستراتيجية الدفاعية ونص البيانات الوزارية على فكرة المقاومة.

من يستغل من؟

العلاقة التفاعلية بين "الجماعة الإسلامية" و"حزب الله"، والتي تتسم بالتوتر والتنافس حيث إن كل طرف يسعى لتحقيق أجندته الخاصة، قد تدفعهما إلى تعاون تكتيكي في بعض الأحيان إذا كانت المصالح تتلاقى في مواقف معينة، لكن هذا لا يعني وجود توافق استراتيجي طويل الأمد. وفي خضم التقارب المتزايد بينهما يظهر سؤال هو من يستغل من؟ وهل يسعى "حزب الله" لاختراق المجتمع السني وتعزيز نفوذه عبر استخدام الجماعة كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية؟ أم أن "الجماعة الإسلامية" تستفيد من قوة "حزب الله" لتعزيز مكانتها واستعادة شعبيتها في ظل التغيرات السياسية في البلاد؟

لا شك أن أيديولوجيا واحدة جمعتهما حول الإسلام السياسي الذي يُستغل من أجل السيطرة، حيث إن الحزب قد يستغل علاقته بالجماعة كغطاء سياسي للترويج لفكرة أن هناك توافقاً بين الطوائف السنية والشيعية، ولكسب شرعية سياسية أوسع في بعض المواقف أو الأحداث. وأيضاً قد تستفيد الجماعة من الحزب كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية معينة من خلال التنسيق أو الاتفاقات التكتيكية، ويمكن لها أن تستغل "حزب الله" في بعض الأحيان للضغط على الحكومة اللبنانية أو الأطراف الأخرى لتحقيق مكاسب سياسية.

يقول المحامي أمين بشير إنه "في ظل وجود أجندة خاصة يسعى كل طرف إلى تحقيقها من خلال هذا التقارب، فإن العنوان العريض لتحركات (الجماعة الإسلامية) هو البقاء مع الطرف الأقوى لتحقيق أهدافها. فمنذ الوجود السوري في لبنان تحالفت الجماعة مع السوريين، ثم انحازت إلى (تيار المستقبل) الذي كان القوة المؤثرة التي مكّنتهم من الوصول إلى السلطة، وبعد انسحاب التيار وزعيمه سعد الحريري من الساحة السياسية، أصبح (حزب الله) القوة الرئيسة فيها، فعادت الجماعة للالتحاق به متماشية مع التحولات في ميزان القوى لضمان تحقيق مصالحها وأهدافها السياسية".

ويردف بشير أنه "على رغم هذا التقارب بين الطرفين خلال السنوات الماضية، فإن الجماعة حاولت عدم إظهار هذا التعاون بشكل مباشر بسبب حساسيات الشارع السني تجاه الحزب ولتجنب خسارة تأييده. لكن بعد حرب غزة بدأت (الجماعة الإسلامية) تظهر تعاونها بشكل أكثر علانية، وتفتخر بقضيتها الإسلامية وقضية فلسطين التي تحمل لواءها بالتعاون مع (حزب الله)"، وفقاً لتصريحاتها.

المزيد من تقارير