Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي طريق تسلكه محادثات جنيف حول الحرب السودانية؟

قد تكون لدى الأمم المتحدة خطة بديلة لسير المفاوضات بالتعرف على قوة المساومة النسبية لكل طرف والاستفادة منها

سودانيون يركضون بعد سماعهم ضجيج انفجار بمدينة القضارف شرق السودان  (أ ف ب)

ملخص

بينما تبدو مفاوضات جنيف مكملة للمبادرات السابقة، لكنها من جهة أخرى انتقال إلى طاولة جديدة تحتاج إلى ابتداع تكتيكات لإزالة جدار عدم الثقة أولاً.

 بعد دخول الحرب في السودان عامها الثاني تواجه البلاد كارثة إنسانية متزايدة منذ اندلاعها في أبريل (نيسان) العام الماضي، وقتل خلالها ما لا يقل عن 16 ألف شخص، بينما أدت إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص، منهم نحو 2.83 مليون شخص كانوا نزحوا من منازلهم بسبب الصراعات السابقة، وأكثر من مليوني شخص آخرين لجأوا إلى الخارج، معظمهم إلى مصر وتشاد ودولة جنوب السودان، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

وبسبب استمرار الحرب تفاقمت الحاجة الأكثر إلحاحاً لتقديم المساعدات الإنسانية، إذ أورد برنامج الأغذية العالمي أن ما يقرب من 18 مليون سوداني يواجهون "انعدام الأمن الغذائي الحاد"، وما يقرب من 5 ملايين في "مستويات الطوارئ من الجوع"، ولا يحصلون على الغذاء بشكل منتظم في مدن الخرطوم والأبيض وإقليم دارفور وكردفان وغيرها.

تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار (2736) السبت الماضي الذي يطالب بحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، والوقف الفوري للأعمال العدائية وإنهاء حصار الفاشر.

ويتابع السودانيون بكثير من الترقب نتائج المداولات والتفاوض عبر وسطاء بين وفدي الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في جنيف بهدف توفير المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين بدعوة من الأمم المتحدة، بعد تعثر حل الأزمة الإنسانية خلال الحرب.

وبينما تبدو هذه المفاوضات مكملة للمبادرات السابقة من ناحية زمنية، لكنها من جهة الآليات فهي انتقال إلى طاولة مفاوضات جديدة تحتاج إلى ابتداع تكتيكات تتعلق بتعزيز حلول لطرفي النزاع تعمل أولاً على إزالة جدار عدم الثقة بينهما، ثم تشرع في طرح حلول أخرى للأزمة.

بادرة مشتركة

على رغم أن مفاوضات جنيف تأتي على خلفية قرارين أصدرهما مجلس الأمن الدولي في شأن السودان في وقت سابق من هذا العام، يرتكزان على التدابير التي يتعين اتخاذها لضمان توزيع المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، لكن لن يكون بالإمكان الاتفاق على صيغة محددة لتحقيق هذه الأهداف ما لم تحدد سبل تعزيزها من خلال وقف إطلاق النار بناء على طلب مجلس الأمن.

أما في حال توصل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة إلى السودان مع طرفي النزاع إلى هدنة قصيرة للأغراض الإنسانية، فإن الأولوية ستكون مركزة نحو الالتزام بها. ويتطلب ذلك بذل جهد لإعادة صياغة المفاوضات باعتبارها بادرة مشتركة لحل الأزمة، بدلاً من التصرف إزائها بوصفها ممارسة للحرب لكن بوسائل أخرى أو في أقل تقدير، لعبة صفرية.

 

أما في المرحلة التالية وقبل مغادرة المفاوضات، فإن على الوسطاء، في هذه الحال التي من أسوأ خصائصها عدم تقبل أي من طرفي النزاع بالآخر كأمر واقع يجب التعامل معه وفقاً للظرف الراهن، إشراك ضحايا الحرب باعتبارهم أصحاب المصلحة الأساسيين ويواجهون التحدي المتمثل في السياقات السياسية المصاحبة للحرب، من دون أن يكون لهم دور أو يسمع صوتهم خلال المفاوضات.

ومن شأن استبعادهم المقصود أو غير المقصود أن يضاعف فرص ضعف سير التفاوض، التي يمكن تثبيطها بالاستفادة من الممثلين الحاليين لطرفي النزاع، لا سيما أنه ذكر أن الوفدين يضمان خبراء في الشؤون الإنسانية والأمنية والعسكرية.

آليات التفاوض

تلاعب طرفا النزاع خلال مبادرات التفاوض السابقة على وتر تكتيكات التفاوض للحصول على ميزة أثناء المفاوضات، وتضمنت هذه التكتيكات في كثير من الأحيان حجب المعلومات ذات الصلة في وقت يتطلب مشاركتها بشفافية، أو استخدام تقنيات الضغط على الطرف الآخر، أو استغلال نقاط ضعفه لتحقيق مكسب شخصي ظرفي ومحدود.

ومع ذلك ففي حين أن هذه الاستراتيجيات أسفرت عن انفراجة بتحقيق أي من الطرفين أو كلاهما مكاسب قصيرة المدى على الأرض، فإنها في كل مرة كانت تأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل، وذلك لأن أساليب الكر والفر المستخدمة على طاولة المفاوضات كما في مناطق النزاع أدت إلى توليد عدم الثقة واستياء الوسطاء الدوليين، مما أجبرهم على تعليقها مرات عدة.

 من ضمن التكتيكات أيضاً اتهام الطرفين بعضهما بموالاة أحد مكونات القوى المدنية، وأسهمت انشقاقات المدنيين في استغلال مواقفهم. ومع أن هناك اتجاهاً بأن تلعب تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) دوراً، خصوصاً أنها تضم طيفاً واسعاً من مكونات المجتمع المدني السوداني والجهات السياسية الفاعلة، لكن تظل الاتهامات بالتحيز حاضرة، مما يضعف فرص الاستفادة منها في عقد حوار مثمر، لا سيما أنه حتى الآن لا يتوقع أن يلتقي طرفا النزاع في طاولة مفاوضات واحدة، وإنما ستتم صيغة المحادثات بلقاء لعمامرة بشكل منفصل مع وفد واحد في كل مرة، ونقل مجريات اللقاء للطرف الآخر.

عوامل الفشل

إن الإجابة عن السؤال حول عوامل فشل مفاوضات الحرب السودانية، ابتداء من مبادرة جدة التي نص إعلان المبادئ فيها الموقع بين طرفي النزاع في مايو (أيار) العام الماضي على الالتزام بضمان حماية المدنيين، والسماح بمسارات آمنة لهم لمغادرة مناطق القتال. وأكد الطرفان على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية حاجات المدنيين، ولم يمتثل لها أي من الجانبين، مروراً بمبادرة القاهرة، وصولاً إلى مفاوضات جنيف، تكمن في سمات أساسية، خلقت تعدد المنابر من دون الوصول إلى حل للأزمة.

أولاً: يحتج المجتمع الدولي على مفاقمة طرفي النزاع للأزمة، لكنه طوال فترة الحرب لم يحقق سوى قليل لضمان وصول المساعدات الطارئة للأشخاص الأكثر حاجة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثانياً: منع كل من الجيش وقوات "الدعم السريع" وصول المساعدات الإنسانية إلى معاقل كل منهما ليفاقم ذلك من الأزمة، إضافة إلى عدم توفير الحماية للمدنيين بمغادرة مناطق النزاع مثل ما يحدث في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

ثالثاً: تدلف المجموعات الراعية للمفاوضات إلى الطلب من أحد طرفي النزاع تنفيذ مطالب الطرف الآخر، وهي بذلك تفسح مساحة مجازية لتبنيها مطالب يكون احتمال رفضها أكبر من قبولها، على العكس من قيام وسطاء التفاوض بتبني المطالب الإنسانية الملحة ومحاولات إقناع الطرفين بتنفيذها، حينها تكون فرصة المنافسة على إبداء التعاون مع الأطراف الدولية أكبر.

رابعاً: يتبادل الجيش و"الدعم السريع" الاتهامات في شأن خرق الهدن التي وصلت إلى نحو 14 هدنة، مما يجعل أي تجاوب آخر بعيد التحقق، لا سيما في ظل تبادلهما الاتهامات باستغلال الهدن لأهداف النقل العسكري للمعدات والعتاد والمقاتلين وإعادة التموضع.

وتيرة التوقعات

على رغم أن المخاوف من أن تؤدي مفاوضات جنيف غير المباشرة إلى إطالة أمد الحرب، فإن عدداً من الاقتراحات لخص تدابير مهمة، منها فتح حوار مباشر بين طرفي النزاع. وهذا ليس جديداً، فقد كان أحد التدابير الرئيسة خلال مفاوضات السلام الشامل (نيفاشا) 2005 التي مهدت لانفصال جنوب السودان عام 2011، بعد إجراء استفتاء شامل اختار فيه مواطنو جنوب السودان انفصال إقليمهم إلى دولة مستقلة.

ومع ذلك تبدو الدول التي رعت تلك المفاوضات وفي مقدمها الولايات المتحدة، إضافة إلى الأمم المتحدة عاجزة حالياً عن اتخاذ أي إجراء مقارب وليس بالضرورة مشابهاً لما تم وقتها، مع خلو الساحة الدولية من حلفاء استراتيجيين يمكنهم الضغط نحو هذا الاتجاه، لكل هذا يبدو أن هذه المفاوضات ستمضي على وتيرة بمستوى من منخفض إلى متوسط.

ولكن ذلك لا يمنع أن يكون للأمم المتحدة خطة بديلة لسير المفاوضات تعتمد على مدى تعنت طرفي النزاع أو تجاوبهما، تكون مبنية على فهم ديناميات القوة بالتعرف على قوة المساومة النسبية لكل طرف والاستفادة منها في الضغط باتجاه تقديم بعض التنازلات، خصوصاً أن كلاهما يضع يده على عناصر استراتيجية قيمة يمكنهما مقايضتها بأخرى ما من شأنه أن يضع في تصور كل طرف بأنه حقق بعض المكاسب ولم يخسر كل شيء.

إذا انتهت مفاوضات جنيف من دون أن تحقق سوى خلق بيئة من الثقة والتعاون، فإنها لن تكون جولة خاسرة، لأنها تمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق قريب أو بعيد المدى، وما يرسخ اعتبار أن هذه النتيجة مكسباً للجميع هو ما أورده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن "الهدف حالياً يراوح دفع العملية إلى الأمام من دون رفع التوقعات".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل