Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل غوينيث بالترو تجسيد لقوة الشقراوات الرأسماليات الشريرات أم نجمة جذابة لكن حقها ضائع؟

مع عودتها في مسلسل "السياسي"، ثمة من يرى أننا "نعيش في عصر غوينيث، وأنها معيار للاشياء كلها

في زمن حركة "#مي تو"، تعود غوينيث بالترو إلى الشاشات مع إرث عن تقديمها نموذجاً عن المرأة لم يستسغه جمهور نسوي واسع (ويكيبيديا.أورغ)

في شهر يوليو (تموز)، عبّرت نساء بريطانيات موسرات عن غضبهن على الموقع الشبكي الأميركي "بيج سيكس" المختص بالنميمة عن المشاهير. وأوضحن أنهن دفعن مبالغ باهظة مقابل شيء لا يمكن وصفه بأكثر من "حصة للتمارين الحميمية" ودروس حول كيفية "الترطيب بطريقة عقلانية" من غوينيث بالترو. جاء كلامهن خلال "قمة" عقدتها في لندن شركة "غوب" Goop (تُعرَفْ أيضاً بالحرفين الأولين "جي بي" GP) المختصة بالصحة ونمط الحياة، وتعتبر الإمبراطورية التجارية للنجمة بالترو.

"إن غوينيث بالترو سالبة أموال حقيرة"، وفق ما جاء في إحدى الرسائل التي تلقاها مصدر في موقع "بيج سيكس" عبر "واتساب" من "ضيفة بريطانية بارزة" أبدت خشيتها من أن ذلك الاجتماع باهظ التكلفة إلى حد سخيف، ولم يحتوِ سوى توكيدات لأفكار إيجابية خاوية ومنتجات للشراء وجلسات لتبادل الأسئلة والأجوبة من النوع الذي يتبادله الناس حول المدفأة.

في ذلك اللقاء الذي حمل عنوان "إن غوب هيلث" واستمر يومين خلال عطلة نهاية الأسبوع وبلغت تكلفة حضوره 4500 جنيهاً إسترلينياً، جرت استضافة النجمة بالترو  الحائزة على جائزة أوسكار ومبدعة الأفكار وصاحبة الحضور العَرَضي في أدوار تمثيلية ثانوية وظهرت دوماً في هيئة لا تُطاق لكنها مبهجة ومدهشة بطريقة لا يمكن تفسيرها.

وبصورة عامة، شكّلت بالترو إحدى أكثر الشخصيات المثيرة للانقسام في الثقافة الشعبية ​​منذ أكثر من 25 عاماً، مع انتقالها من كونها نجمة سينمائية إلى شخصية تدافع عن منتجات وممارسات صحية كاذبة مثل ترطيب المهبل بالبخار، ما جعلها تلعب دوراً مهماً في توليد انتقادات كانت تعترض طريقها غالباً.

وكذلك جاء معظم تلك الانتقادات منصفاً. ففي السنة الماضية، أدانت مؤسّسة خيرية  ادعاءات "مضلّلة ويحتمل أن تكون خطيرة أيضاً" تروّج لها تلك العلامة التجارية (="غوب") بانتظام. وفي المقابل، ثمة جانب رائع ومن دون ضجيج يتعلق بافتقار بالترو التام إلى الحيلة عندما يتعلق الأمر بما تمثّله شخصياً، وتالياً شركة "غوب"، من نصائح ومنتجات من الأثرياء إلى الأثرياء، مع قليل من الاهتمام باستقطاب فئة أخرى من الناس. وإذا كان الأثرياء ينغمسون فيها على الدوام،على الرغم من سخافتها الواضحة، فليجرِ استغباؤهم أكثر!

في مقلب مغاير، تعرف بالترو كشخصية عامة بأنها مثيرة للسخرية، وثرية على نحو  فاحش ومفتونة بأمور التدجيل الباهظة التكلفة لملء الفراغات في حياتكم. إنها تتمتع بشخصية تخلق قدراً كبيراً من الكراهية بحقيقة ما كان يُنشر في الصحف، لكنها جعلت الإعجاب بها أمراً سهلاً إلى حد ما. ويرجع السبب في ذلك إلى إنه إذا أردتم الاستمتاع ببالترو فعليكم أن تتقبلوا بكل رحابة صدر أنها تمثل قوة الخير وقوة الشر للشقراوات الرأسماليات.

ويضاف إلى ذلك أنها غرائبية بطريقة جنونية. ثمة جانب كاريكاتوري يكاد يكون مُغيّباً من غوينيث بالترو يجعلكم تنسون أنها كانت في أفلام شركة "مارفل" وترفض بإصرار تذكّر النجوم الذين شاركوها البطولة. هناك جانب فيها يجعلها مُدركة لنفسها بشكل منتظم ومدروس وشجاع. في الشهر الجاري، جرى الكشف عن أن بالترو أدّت دوراً كبيراً في الكشف عن فضيحة المنتج السينمائي هارفي وينشتاين (التي انطلقت منها حركة "#مي تو"). إذ ذكرت الصحفيتان ميغان توهي وجودي كانتور إن بالترو كانت من بين النجمات الأوائل اللواتي أبدين استعداداً للتحدث عن تجربتهن مع ذلك المنتج المشين بعيداً عن الإعلام. واضطرت ذات مرّة إلى الاختباء مذعورة في حمام منزلها بعدما حضر وينشتاين إلى حفل كانت تستضيفه من دون أن يكون مدعواً، بسبب خوفها من أنه لربما اكتشف بطريقة ما أنها تحدثت إليهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

و

إضافة إلى ذلك، يعيد دورها التمثيلي الأخير الذي تمحور حول عملها رئيسة تنفيذية لشركة "غوب"، إلى الذاكرة حضورها المحبب الفريد من نوعه. وفي مسلسل "السياسي" الذي كتبه ريان ميرفي في أول تعاون له مع شبكة "نيتفلكس" لبث أشرطة الفيديو عبر الإنرتنت، وساهم في تأليفه براند فالشاك (زوج بالترو)، تؤدّي الممثلة دوراً رائعاً يشبه شخصيتها تماماً. إذ تظهر كسيدة تغمرها المجوهرات، ومهووسة بالمال وأحجار العلاج الكريمة ومنكرة للواقع بطريقة جنونية. ويمكمن القول إن بالترو أبدت دهاء كبيراً عنما قدمت صورتها الخاصة عبر المسلسل، إذ يمثّل ذلك خطوة علاقات عامة عبقرية، وفعلٌ يلمّح إلى أنها تدرك تماماً العبثية التي تحيط بكونها غوينيث بالترو.

وفي السياق عينه، يشكّل العمل تذكيراً أيضاً بمدى جاذبية بالترو كممثلة. إذ نادراً ما تُذكَر بالترو بين أيقونات نجوم السينما العظيمة. ويكاد ألا يجري التطرق إلى فوزها بجائزة الأوسكار في 1999، لأنه أفرز إحدى أكثر الكلمات المثيرة للتعاطف والمشاعر في تاريخ الحفل. أكثر من ذلك، غالباً ما يُذكر ذلك الفوز بشكل سلبي، فيُشار إلى أن الجائزة جاءت تعبيراً عن موسم جوائز مارس فيه وينشتاين مكائده عندما كان في أوج قوّته، وليس لأن أداءها في فيلم "شيكسبير عاشقاً" كان دافئاً بالفعل ومفعماً بالعواطف ويستحق جائزة أوسكار.

في زاوية اخرى من المشهدية نفسها، يُلحِق المسلسل الضرر أحياناً في مدى الروعة التي حازتها قبل أن تبتكر "غوب" وتفكر أنها تستطيع كسب مزيد من المال واستقلال ذاتي حقيقي في حياتها، من طريق الابتعاد عن التمثيل.

لا يزال دورها في فيلم "ذا رويال تينينبوم" للمخرج ويس أندرسون، تحفة أدائها في  دور ممثلة مساعدة جامد بروعة، ويشتعل بالقلق وخيبات الأمل. في المقابل، ثمة أدوار جيّدة اخرى على غرار التألق المأساوي في دور زوجة براد بيت المشؤومة في فيلم "سيفين"، وتجسيدها اللافت لشخصية إيما الوضيعة في رائعة جين أوستن. هنالك شيء آخر يتمثّل في الفوضى المفعمة بالحيوية في الدراما الرومانسية "عاشقان" التي أخرجها جيمس غراي ولم تحصل على التقييم الذي تستحقه. وكذلك دورها الذي تمكنت فيه من تطعيم كل جملة بتعبيرات من اللكنة البريطانية العامية المتعالية، في فيلم "الأبواب المنزلقة" المجنون تماماً والذي يمكن تكرار مشاهدته إلى ما لا نهاية. وينطبق وصف مماثل على أول دور كبير لها في فيلم "اللحم والعظم" في 1993 الذي ينتمي إلى سينما الـ"نوار الجديدة" وهي موجة جددت نوعاً هوليوودياً معروفاً يرتكز على مزيج الحب والحبكة البوليسية. وفي "اللحم والعظم"، بدت بالترو آسرة بشكل ملحوظ في إدائها دور فتاة مراهقة مسكونة وقاسية، تهيم على وجهها في بلدة أميركا الصغيرة على ذراع الممثل جيمس كاين.

في ذلك الصدد، يرد إلى الذهن ما ذكره المخرج الراحل سيدني بولاك في 1993، عن وجود "نوع هالة تنويم مغناطيسي حول نجوم السينما الحقيقيين تجعل عدم مشاهدتهم أمراً صعباً، و[بالترو] تتمتع بهذه الصفة. يمكنك القول أنها كذلك. يمكنك أن تقول إنها هزيلة. يمكنك القول إنها رائعة. يمكنك أن تقول كل هذه الأشياء وستكون حقيقية، لكن ذلك المزيج الخاص، المتميّز بعدم التحديد، يجعلها رائعة. رأينا ذلك في "اللحم والعظم". بمجرد ظهورها على الشاشة، يخطر على بالك شيء مثل "من هذه بحق الجحيم؟"

غالباً ما تعرض أداء بالترو التمثيلي للتعتيم بسبب عوامل خارجية. أول فيلم لعبت فيه دور النجمة البطلة في أواخر التسعينات من القرن الماضي، كانت صورتها العامة تتمثّل في تلك السيدة النخبوية الآتية من فترة ما قبل الألفية الجديدة. وآنذاك، كانت ترتدي أحدث وأرقى تشكيلات أزياء "كالفن كلاين" وتتمتع بشعر أملس مصفف بمكواة الشعر، مع علاقات عاطفية تفوح في الأجواء وتجمعها مع أكثر مشاهير هوليود وسامة وجاذبية في تلك الحقبة، من براد بيت إلى بن أفليك.

في مسلسل اليافعين الكوميدي "محبوبة" للمخرج ريان ميرفي الذي استمر لفترة قصيرة بين عامي 1999 و2001، عوملت بالترو كأنها إلهة عندما أدّت دور البطلة الشقراء الوضيعة والشريرة التي لا ترحم، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الطريقة التي قدمت بها نفسها. وتورد إحدى الشخصيات في الحلقة الأولى من المسلسل، "نحن نعيش في عصر غوينيث... إنها المعيار الذي تقاس عليه الأشياء كلها". وفي حلقة اخرى، اختطفت شخصيتان مشتريات شخصية تتصل ببالترو (تسوّقها شخص له علاقة معها في المسلسل)، وانتزعتا البلوزات والتنانير التي اشتراها لها.

وفي نفسٍ مشابه، جرى استخدام علاقاتها العائلية، من (والدتها) بليث دانر إلى (عرابها) المخرج ستيفن سبيلبرغ، كدليل إضافي على أن نجاحها لم يكن مستحقاً. واستطراداً، أخبر المنتج وينشتاين النساء اللواتي استهدفهن مراراً أنه كان منخرطاً في في علاقة جنسية مع بالترو، وتسربت تلك الكذبة إلى اجتماعات أعمال في هووليود ومدوّنات الثرثرة وصحافة الفضائح خلال السنوات التي تلت ذلك. ولم يؤد ذلك إلا إلى استمرار فكرة أنه لم "يكن" هناك شيء حقاً. وكان الأمر كأنه صناعة نجمة بطريقة متهكمة ومريرة بدلاً من ولادتها.

واستطراداً، وبالنظر إلى حجم الاستهانة التي وُجهت إليها في فترة أوجها في هووليود، ليس أمراً مفاجئاً أنها وجدت السعادة الحقيقية في مكان آخر. إذ أسّست شركة "غوب" وصارت كأنها شخصية مقدسة آتية من نهايات الرأسمالية، بالنسبة إلى لأشخاص فاحشي الثراء. وفي ذلك الصدد، أخبرت بالترو صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من العام الجاري، "لقد كنت أتنكر كممثلة". وفي 2018 ، أخبرت الصحيفة نفسها أنها لم يكن لديها "وكالة حقيقية" عندما كان التمثيل مهنتها الدائمة.

وفي السياق نفسه، ذكرت بالترو إن تقرّب وينشتاين منها كان سيئاً، لكنها وجدت أن بقية سلوكه تجاهها أضرها أكثر. وأضافت، "لقد كان انتقامياً جداً ويعمل بمبدأ "مصحلة مقابل مصلحة" إلى حد كبير. وكنت أشعر دائماً أنني أقف على جليد رقيق، وكان بإمكانه أن يكون فظيعاً ووضيعاً بالفعل، ثم يتحول إلى شخص كريم بشكل لا يصدق".

لقد أنتج وينشتاين عدداً من أشهر أعمالها، بما في ذلك "إيما" و"شكسبير عاشقاً" و"السيد ريبلي الموهوب". وتتابع موضحة، "لقد كانت أشبه بعلاقة استغلال تقليدية".

في نهاية المطاف، من المحزن أن ننظر إلى تلك الفترة من حياتها المهنية في ضوء ما نعرفه الآن عنها، بدءً من عدد المرات التي سخرنا منها بينما كانت الأمور مدمرة لها في السر ووراء الكواليس. في المقابل، قد يسهم ذلك في التعقيدات الوحشية لشهرتها المعاصرة. إذ تبدو حاضراً في صورة الناجية التي تستحق احتراماً هائلاً، مع كونها ممثلة رائعة تستحق تقديراً واعترافاً أكثر بكثير مما قدمناه لها عندما كانت تمثل في الأفلام باستمرار. ويضاف إلى ذلك أنها تنخرط بانتظام في دور التاجرة المثيرة للجنون في عالم الأثرياء والضجرين والمكسورين عاطفياً. تجسّد غوينيث بالترو تلك الأشياء كلها سوية، وسيكون عالم المشاهير مملاً جداً من دونها.

© The Independent

المزيد من فنون