في هذه المناظرة المتلفزة الأولى على صعد كثيرة - المناظرة الرئاسية الأبكر موعداً على الإطلاق، والأولى التي تشمل مجرماً مداناً، والأولى بين رئيسين سابقين، والأولى بين مرشحين متقدمين في السن إلى هذا الحد – من أين نبدأ؟ فلنبدأ بمستوى المعيار الذي حدد في المناظرة.
سنصل إلى دونالد ترمب بعد قليل، ففي الواقع ثمة أمور كثيرة، كثيرة جداً على المحك في ما يخص جو بايدن. تتكثف الأسئلة حول عمره وقدراته الإدراكية بعد مناسبات أخيرة، إذ أصبح كما بدا مرتبكاً وضائعاً عقلياً، إذا فاز في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأنهى ولاية كاملة، سيكون عمره 86 سنة عندما يغادر البيت الأبيض.
دعونا إذاً نعدد الإيجابيات، أولاً لقد تمكن الرئيس بايدن من البقاء منتصب القامة خلال الدقائق الـ90 التي استغرقتها المناظرة ولم ينم، بينما تنقل إلى المسرح ومنه، لم يتعثر. شق طريقه إلى المنصة بنجاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بصراحة كان هذا الأمر الإيجابي الوحيد. كان صوته ضعيفاً وخشناً، وفي مرحلة ما عندما كان يتحدث عن دفع أصحاب المليارات مزيداً من الضرائب، أصيب بتجمد كامل في التفكير وأصبح كلامه غير متماسك تماماً وانتهى به الأمر بالحديث عن "ميديكير". كان الأمر مروعاً، وأسوأ من سيئ. سينتشر هذا المقطع عبر الإنترنت، وسيحصل على "إعجابات" على كل منصة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وسيعزز كل خوف وقلق ينتابان الأميركيين في شأن تقدمه في السن أكثر مما ينبغي بكثير لرئيس.
والأسوأ من ذلك أن هذه اللحظة جاءت في الدقائق الخمس الأولى من المناقشة، إذ حصل الأميركيون الذين تابعوا المناظرة لتقييم كفاءة الرئيس على الإجابة عن تساؤلهم في وقت مبكر. في مرحلة ما علق دونالد ترمب قائلاً: "لا أعرف حقاً ما قاله في نهاية الجملة، ولا أعتقد بأنه يعرف ما قاله أيضاً".
كان كثير مما قاله ترمب على مدار 90 دقيقة عبارة عن أكاذيب صريحة وتفاخر وهراء لا يخدم سوى الذات والنرجسية، لكن في ضوء ذلك التقييم لحدة بايدن العقلية وفقدانه تسلسل تفكيره، كان من الصعب الجدال مع ترمب.
خلال معظم المناظرة التي نظمتها شبكة "سي إن إن" التلفزيونية، ظهر الرجلان على شاشة مقسومة إلى قسمين، لذلك عندما كان ترمب يتحدث، كان في مقدور المشاهد رؤية رد فعل بايدن والعكس بالعكس. بالتأكيد قلب الرجلان أعينهم [إيماءة للتعبير عن الرفض أو الازدراء]، والتعابير الساخرة من الطرفين، لكن في بعض الأحيان بدت عينا بايدن وكأنهما تحدقان في مكان بعيد، منفصل تماماً عن أستوديو التلفزيون.
قبل بضعة أسابيع، حلت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية السابقة نانسي بيلوسي في لندن، ورأيتها في السفارة الأميركية. في ردها على أسئلتي ظلت تكرر أن بايدن بخير، وأن عمره لم يمثل مشكلة، وأنه سيهزم ترمب في نوفمبر. آسف هذا الكلام غير مقبول، لم يعد هذا الكلام يشكل استجابة ذات صدقية لما يمكن أن يراه الأميركيون بأعينهم.
ما يجب على الحزب الديمقراطي فعله في شأن ذلك أصبح سؤالاً ملحاً الآن، تلخصت النظرية حول عقد هذه المناظرة الرئاسية قبل تأكيد ترشيح المرشحين في المؤتمرين الخاصين بحزبيهما في أن أية زلات أو عثرات ستنسى بحلول وقت الانتخابات. كان هناك مجال لتصحيح المسار، لكن بعد مناظرة ليلة أمس الخميس، لم يعد تعديل طفيف في المسار هو المطلوب، ذلك أن الديمقراطيين بحاجة إلى قبطان جديد في قمرة القيادة.
تتمثل النظرية التي سمعتها مراراً من أشخاص قريبين من إدارة بايدن في أن الشخص الوحيد الذي سيستمع إليه الرئيس هو السيدة الأولى جيل بايدن، ومن المؤكد أن وقت تدخلها حان.
هذا لا يعني أن كل شيء يتعلق بأداء جو بايدن كان كارثياً، في ما يتصل ببعض مسائل السياسات والبيئة والاقتصاد والإجهاض ومكانة أميركا في العالم تمسك بموقفه، لقد أصاب حين أخبر ترمب أن أخلاقه "أخلاق قطة شارع"، ووصف سلفه مراراً بأنه كاذب، كما قال بايدن في مرحلة ما ساخطاً: "لم أسمع قط في حياتي كلها هذا الكم من الهراء".
كان أداء ترمب بعيداً من الكمال، أظن بأن آلة التأكد من الحقائق لدى "سي إن إن" انفجرت إلى ألف قطعة مختلفة قبل توقف المناظرة لعرض أول إعلان تجاري. كان ترمب غير أمين في شأن أعمال الشغب التي شهدها السادس من يناير (كانون الأول) 2021، وكان مراوغاً في شأن ما إذا كان سيقبل نتيجة انتخابات نوفمبر إذا تبين أنه خسر. وأكد أن كل باحث قانوني في أنحاء العالم كله اتفق معه على الحاجة إلى إلغاء الحكم في قضية "رو في مقابل وايد" [إلغاء الحق بالإجهاض]، وأن استطلاعات الرأي تظهر مدى حب الشعب الأميركي له.
لم يكن هناك حد لتقديره لذاته، لقد صنع أميركا عظيمة، لقد دمرها جو بايدن. جنة عدن التي صنعها أصبحت الآن "عش فئران"، قد يعتقد المرء بأن هذا كله مروع. لكن دونالد ترمب كان دونالد ترمب نفسه الذي رأيناه قبل أربع سنوات، مستفزاً تماماً كما كان قبل ثماني سنوات. وهو شدد على أسس خطابه - على الحدود والاقتصاد وكيف حدثت حربا أوكرانيا وغزة فقط بسبب ضعف بايدن، إذ قال للشعب الأميركي: "لم يتجرأ بوتين و’حماس‘ قط على فعل ما فعلاه عندما كنت القائد الأعلى للقوات المسلحة".
ربما حل الجزء الأكثر سخافة والأدنى مستوى من النقاش عندما بدأ ترمب البالغ من العمر 78 سنة وبايدن البالغ من العمر 81 سنة في الشجار حول أي منهما يلعب الغولف أفضل من الآخر، ومن يمكنه ضرب الكرة إلى مسافة أبعد. كان جزءاً يرثى له ومثيراً للشفقة، إذ ظهرا كرجلين مسنين غاضبين يتشاجران على الإمساك بجهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفزيون في غرفة نهارية بمأوى للمسنين. هما يكرهان بعضهما بعضاً، كان احتقارهما لبعضهما بعضاً الشيء الوحيد الذي ظهر في الشكل الأكثر بروزاً في الدقائق الـ90 الكاملة المروعة التي استغرقتها المناظرة.
في المناظرة الأخيرة للمرشحين لرئاسة الوزراء في بريطانيا أول من أمس الأربعاء، وجه سؤال بغيض بعض الشيء من أحد الحاضرين إلى ريشي سوناك والسير كير ستارمر، مفاده: "هل أنت أفضل ما تقدمه هذه البلاد؟".
بصراحة بعد مشاهدة مناظرة "سي إن إن" بين بايدن وترمب، أعتقد بأننا يجب أن نشعر بأننا مباركون في شأن الخيارين المعروضين أمامنا الأسبوع المقبل.
© The Independent