ملخص
لاقت الصور تفاعلاً كبيراً في منتديات السودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي وحصدت آلاف التعليقات
لم تحبط القذائف ودوي المدافع عزيمة المصور السوداني إبراهيم باسط نقدالله من توثيق أحداث حرب الخرطوم المروعة وآثار الدمار والتخريب الذي تعرضت له منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) 2023، وأمضى أكثر من أسبوعين متجولاً بدراجته الهوائية في شوارع مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم وبين الجثث، يعلوه أزيز الرصاص وطلعات الطيران الحربي.
لم يكتفِ نقدالله بتصوير المنازل المدمرة والمرافق العامة والخاصة التي تعرضت لأضرار بالغة بل رصد مشاهد عدة وثقها بالكاميرا، ولاقت الصور التي التقطها أثناء الحرب تفاعلاً كبيراً في منتديات السودانيين بمواقع التواصل الاجتماعي وحصدت آلاف التعليقات.
آثار الحرب
شهد معرض "آثار حرب 15 أبريل" إقبالاً لافتاً واستقطب عشرات الزوار وقدم أكثر من 500 صورة للمصور السوداني إبراهيم باسط في أديس أبابا، واستوقفت مشاهد أهوال الحرب جميع الحاضرين من خراب وعنف خلفتهما الاشتباكات المسلحة، ومآسي النازحين وآلامهم والجثث الملقاة على الأرض وكذلك حجم الخسائر والدمار.
كل صورة لها حكايتها، لكن جميعها تعبر عن جراح الوطن ومآسي القتل والنزوح والاغتصاب والتشرد، فضلاً عن مشاهد مؤلمة ومؤثرة في شوارع الخرطوم لحطام مركبات محترقة وبنايات كانت حتى قبل أشهر من معالم العاصمة التاريخية وأسواق ومراكز ثقافية تشوهت بفعل القصف وتحولت أخرى إلى هياكل تفحمت بالحريق.
مشاهد مروعة
وحول هذه التجربة يقول نقدالله لـ"اندبندنت عربية" إن "مؤشرات اندلاع الصراع المسلح كانت واضحة في الأسابيع التي سبقتها من خلال الحشد بين الجيش السوداني وقوات ’الدعم السريع’. أذكر يوم الـ15 من أبريل الذي اندلعت فيه الحرب، حين أيقظني والدي ليخبرني بسماع أصوات رصاص بصورة كثيفة، لم تألفه أحياء أم درمان القديمة فبدلت ملابسي على عجل وأدركت في تلك اللحظة أن الكارثة وقعت".
وأضاف "استقللت دراجتي الهوائية وتحركت من ودنوباوي عبر أحياء أم درمان القديمة محاولاً عبور جسر شمبات الذي يربطها بالخرطوم بحري، وعند وصولي قرب منزل رئيس الوزراء السوداني السابق الراحل إسماعيل الأزهري لاحظت أن الحركة غير عادية، فالسيارات كانت تسير بسرعة من مدينة بحري إلى أم درمان وأعمدة الدخان تتصاعد من الضفة الشرقية لنهر النيل من اتجاه الخرطوم وأصوات الرصاص تعلو في المنطقة، وكذلك الطائرات الحربية تحلق في السماء، ولدى وصولنا إلى الجسر تفاجأنا بانتشار مجموعات مسلحة يستقلون سيارتين ويوجهون المارة بالعودة إلى منازلهم".
ويتابع "هذا المشهد انطبع في ذاكرتي، فالمدينة التي ولدت وترعرعت وكبرت وتزوجت فيها تلتهمها النيران، أمضيت نحو 10 أيام متجولاً في أحياء أم درمان القديمة محاولاً رصد تفاصيل الحياة ووحشة الحرب بعدستي، غير أن انفجار قذيفة في منزل مجاور أدخل الرعب في قلوب أفراد أسرتي ودفعهم لاتخاذ قرار مغادرة الخرطوم إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة".
أوضح المصور السوداني أن "أحياء عدة مثل بيت المال وأبوروف وود نوباوي وغيرها باتت مدناً للأشباح بعد أن هجرها غالب سكانها"، لافتاً إلى أنه شاهد ما لم يخطر له على بال "جثثاً متناثرة ومخلفات حربية ومنازل مدمرة بالكامل".
أخطار وكوارث
وعن الأخطار التي واجهته في الطريق بين أم درمان والخرطوم، يقول نقدالله "كنت مصمماً على توثيق آثار الحرب كافة لأنها تمثل حدثاً تاريخياً مروعاً لا يمكن التغافل عنه، توجهت إلى حي الطائف شرق الخرطوم في رحلتي الثانية التي كانت عبر وسائل النقل العام وسط ظروف صعبة وأخطار عدة ورعب شديد، على رغم أن المنطقة لم تكن شهدت اشتباكات مباشرة بين طرفي الصراع، ونجحت في تصوير بعض المنازل التي تعرضت للقصف، وهو أمر لم يكن سهلاً، إذ إن الحركة باتجاه البيوت كانت محفوفة بالأخطار".
وأشار إلى أنه "لم يكتف بتصوير المنازل المدمرة والمرافق العامة والخاصة وإنما سعى إلى رصد التفاصيل التي شاهدها، حتى وصلت الصور التي التقطها في فترة الحرب إلى 500 صورة، لمشاهد مؤلمة ومؤثرة في الشوارع، بين جثث ملقاة على الأرض وحطام مركبات عسكرية محترقة وبنايات كانت حتى قبل أشهر من معالم العاصمة التاريخية، وكذلك أسواق ومراكز ثقافية تشوهت بفعل القصف وتحولت أخرى إلى هياكل تفحمت بالحريق".
واعتبر المصور السوداني أن "ما حدث في الخرطوم يمثل إحدى كوارث الحرب التي دمرت البنية التحتية ومنازل المواطنين البسطاء في بلد متعثر اقتصادياً ولا يزال غارقاً في الصراع والانقسام السياسي".
فرصة للتأمل
وقد عبر زوار المعرض من مختلف الجنسيات، بخاصة المهتمون بحقوق الإنسان، عن حزنهم لما آلت إليه الأوضاع في السودان بسبب الحرب.
واعتبرت الفنانة السودانية فدوى فريد أن "المعرض فرصة للتفكير والتأمل في ضرورة وقف الصراع المسلح. والمشاهد التي رصدها المصور الفوتوغرافي تعطي الدروس للعالم أجمع بضرورة التحرك الفوري للإسهام في حل أزمة البلاد عبر التفاوض".
وأملت فريد في أن "يكون هذا المعرض بمثابة حملة توعية من الآثار المروعة للحرب والعنف، بخاصة للفئات الأكثر هشاشة في مناطق النزاعات المسلحة".
أحداث مؤثرة
بدأ إبراهيم نقدالله، العمل في مجال التصوير الفوتوغرافي منذ عام 2015، وعمل في عدد من الصحف السودانية، وكان مثله الأعلى دائماً الصربي جويان توماسيفيتش المصور المتخصص في الحروب، وشاء حظه أن يقتفي أثره في توثيق حرب تجري على أرضه، وفي مدينته.
وحقق نقدالله شهرة واسعة بعد رصده أحداثاً مؤثرة في السودان، لا سيما الاحتجاجات التي سبقت إطاحة الرئيس السابق عمر البشير، وقد تعرض للمتاعب وجرى اعتقاله أكثر من مرة، ونجا من الموت بعد إصابته بعبوة متفجرة في مارس (آذار) 2022، أثناء تغطيته أحداث إحدى التظاهرات الحاشدة.