Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علوية صبح: الدخلاء على الكتابة الروائية يتكاثرون

صاحبة "مريم الحكايا" لا تمانع تصنيفها كاتبة نسوية وترى أن الحرب فرضت المواجهة بالسرد

الروائية علوية صبح (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

 صدرت رواية "افرح يا قلبي" للكاتبة علوية صبح في القاهرة عن "الهيئة المصرية للكتاب" ضمن سلسلة "الإبداع العربي"، وهي رواية تدور حول الحب والعلاقة بين الشرق والغرب والصدام الحضاري، وفيها تواجه الشخصيات مصائر درامية نتيجة التمزق في الهوية والانتماء.

على مدى مشروعها السردي، لم تنفك الكاتبة اللبنانية علوية صبح ترصد حيوات موسومة بالخيبة ومحفوفة بالتشظي ومنذورة للألم، وهذا ليس من باب تمجيد الفجيعة وإنما رغبة في المكاشفة وربما المقاومة أيضاً، فالكتابة لديها فعل مواجهة، مواجهة الموت ومواجهة القمع والعنف بكل أشكاله، لذا لم يكن غريباً أن تجسد أعمالها حالاً من التمرد على التنميط والصور الجاهزة، وأن تعمد عبرها للغوص بعيداً في أعماق النفس الإنسانية كي تبلغ إخفاقاتها وانكساراتها.

وهذه ثيمات تشاركتها كل نصوصها، بداية من روايتها الأولى "مريم الحكايا" التي صنفت واحدة من أفضل 75 عملاً أدبياً ترجم إلى الإنجليزية، حتى رواية "افرح يا قلبي" الصادرة أخيراً في القاهرة عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" ضمن سلسلة "الإبداع العربي"، علماً أنها صدرت أصلاً عن "دار الآداب البيروتية"، وواصلت صبح عبرها تتبع أثر الحروب وتداعياتها، وما تسفر عنه من تصدعات نفسية وهويات متشظية.

هنا حوار أجرته "اندبندت عربية" معها لإضاءة ملامح مسارها السردي الذي تمت خلاله ترجمة كثير من أعمالها إلى لغات أجنبية عدة، منها الألمانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وحصدت عبره كثيراً من الجوائز.

التعبير عن الذات   

في البداية سألتها عن ظهور ذاتها الحقيقية في أعمالها الروائية وسر عزوف الكتّاب في العالم العربي عن كتابة سيرهم الذاتية، وظهور بعض منها خلف عباءة التخييل الروائي، وما إذا كان ذلك محاولة للهرب من قيود مجتمعات مهووسة بإصدار الأحكام وفق معايير ظاهرية للفضيلة؟ فأجابت قائلة "ما أدركه هو أنني أعبّر عن ذاتي في الكتابة، لكن ذلك لا يعني أن أعمالي سير ذاتية لي"، مضيفة "أنا لا أمارس على شخصياتي دور الكاتب العليم مطلقاً، فلكل منها لغتها وتعبيراتها بحسب موقعها في الحياة وثقافتها وتعاطيها مع نفسها ومع الأشياء، وما يحدث خلال الكتابة هو أن هذه الشخصيات تتقمصني وأشعر أن حياتي هي حيواتهم حتى التي أنفر منها في الواقع، فلم يحدث أن دنت أو تعاطفت مع أي منها خلال الكتابة، وهذا الأمر يثير جنوني أحياناً، فهي تتلبسني إلى وقت حتى بعد الانتهاء من الرواية، وحين ترحل عني وأنساها أستطيع أن أبدأ برواية جديدة، والمتخيل، كما حساسيتي، يعينانني في التعبير عن الشخصية التي أكتب عنها، لكن من الطبيعي أن أشياء من حياة الكاتب أو مشاعره تتسرب أحيانًا منه".

أما عن حضورها في "مريم الحكايا" فتقول عنه إنه "اختيار معلن من قبلي من دون أي قناع، فقد كان عليّ أن أعطي الكلام لمريم بدلاً مني، وحيث تحولتُ إلى شخصية فيها فهي توأمي بمعنى الذاكرة الشعبية لي، لكن حياتي وشخصيتي مختلفتان عما روته عنهما". وتتذكر الكاتبة شخصية "زهير" قائلة "كانت اللعبة الفنية في الرواية أن زهير هو أيضًا توأمي الآخر الذي عجز عن الكتابة مثلي، ولذلك حين كتبت وجدت نفسي أقتله في الرواية لأنه كان لا بد من لأحد منا أن يكتب، وأذكر أنني بكيت حين مات لكني حولته إلى رمز لضحايا الحرب".

الرهاب الاجتماعي

في رواية "أن تعشق الحياة" يتجدد حضور علوية صبح عبر بطلتها التي تشاركها معاناة الجسد تحت وطأة المرض وهو ما توضحه بقولها "إهداء روايتي هذه لطبيبي الذي كشف مرضي ويعالجني، إشارة واضحة إلى أنني وظفت مرضي فقط حين تخيلت أن البطلة بسمة راقصة تصاب بالمرض، لأن الرقص هو تعبير فني من خلال الجسد، ولا تنسي أن في رواية ’اسمه الغرام‘ حضرتْ علوية ككاتبة في نهايتها، ولقد كتبتها كما حصل فعلًا معي بعدما ذهبت فجراً إلى البحر لأفكر كيف أكتب هذه النهاية، وتوهمتُ أنها عادت للحياة وأنني أراها حقاً وأجري الحوار معها، ونعم لقد كتبتُ ما تخيل لي وكأني رفضت أن يكون مصيرها الموت، انتصاراً للحب والحياة، أو هي التي رفضتْ موتها بعدما استحوذت عليّ كلياً وعادت إلى الحياة، والأمر يضيعني ما إذا كان التخييل هو الواقع أو أن الواقع متخيل".

وبالنسبة إلى سيرتها الذاتية تؤكد أنها تكتب من حين لآخر بعضاً منها وأنها ستقوم بنشرها في الوقت المناسب، وتتفق صبح مع ما يقال حول نزوع الكتّاب في العالم العربي إلى كتابة سيرهم بطريقة غير جريئة وصادقة، وتعلل ذلك بالرهاب الذاتي والاجتماعي فتقول، "ليس عندنا سير كاشفة، كما عند الكتّاب والفنانين العالميين التي تدهشني وتمتعني، إنه الخوف الذي يعاند القلم"، مؤكدة أن السيرة الذاتية مكاشفة حقيقية للذات تجعلنا أكثر فهماً للكاتب ولأعماله وربما زمنه.

كتابة الحرب

تداعيات الحرب قاسم مشترك في كثير من الأعمال الروائية لعلوية صبح حد أن باتت مكوناً أصيلاً في مشروعها السردي، فهل يحيل هذا الحضور الكثيف للحرب إلى رؤية تعتبرها أصل كل الشرور والمسؤول الأول عن الخراب الذي ينخر في قلب المجتمعات الإنسانية؟ تجيب متعجبة "كيف تستطيع الكتابة النجاة من الحرب وهي شكلت ذاكرتي؟". وتضيف، "منذ مطلع شبابي وأنا أعيش الحروب وتحولات المجتمع وناسه، والكتابة عنها ليست تطهراً منها أو علاجاً، لا منها ولا من أية ثيمة أخرى، هي في معناها العميق عندي مواجهة للموت والعنف بأشكاله وأوجهه كافة". وتستطرد قائلة إن "الحروب، ولا سيما الأهلية القذرة والانتماءات الطائفية المذهبية الغرائزية، هي تدمير للأوطان والنفس وإنسانية الإنسان، لكني لا أتحدث من منطلق أيديولوجي أو شعاراتي بل أحاول أن أعبر عن حيوات البشر فيها وما أصابتها من خيبات وانفصامات وتحولات في السلوكيات وفقدان البوصلة في سلم القيم، ويؤذيني العنف المتجذر في كل أوجهه، وأنا أنبذه كإنسانة وكاتبة".

مسافات شاسعة تفصل بين الفرح والحزن، لكن علوية صبح عمدت مراراً إلى تقليصها عند اختيار عناوين رواياتها، وعلى سبيل المثال روايتي "أن تعشق الحياة" و"افرح يا قلبي"، فعلى رغم ما تحيل إليه العتبات الأولى من بهجة سرعان ما يكتشف القارئ بعد عبوره المتن أنه يواجه عوالم من التشظي والألم والمعاناة، وعن سر تلك المرواغات وغاياتها تشير الكاتبة إلى أن كلاً من الروايتين له وظيفة ليست منسلخة عن محمول الرواية، فلولا عشق بسمة للحياة لما استطاعت أن تقاوم مرضها وتنتصر عليه، وتؤكد أن عشق هذه الحياة معلن في الرواية بصور وأشكال ومواقف كثيرة.

أما رواية "افرح يا قلبي" المأخوذ عنوانها من أغنية للسيدة أم كلثوم، فتوضح أن ثمة دلالات كثيرة، فقد تكون بحد وصفها نوعاً من لعبة المفارقة بين ما هو متناقض، ثم قد يحمل ما يشبه الأمر أو الدعوة إلى القلب بأن يفرح بالحب وليس بمآسيه وعذاباته، ولا سيما وأن البطل غسان يجد نفسه يغنيها كلما وقع في الحب، وفي آخر الرواية يسمع ابنته تغنيها، وبذلك أيضاً دلالات حول الانتماء.

لقبها عدد من النقاد بـ "سيدة الحكايا" و"شهرزاد" حديثة في الرواية، كما لُقبت بكاتبة المرأة، وتعقب صبح على سر التسمية الأخيرة قائلة "لقد أعليت صوت الشخصيات النسائية في سرد حيواتهن، وأنطقتهن بما لم تنطق به روايات، كما سعيت إلى خفاياهن المعتمة وكشف كل أشكال التسلط والعنف عليهن، وتركتهن يفصحن عن ذواتهن ودواخلهن، وحاولت كشف الحواجز السميكة بين اللغة والجسد ووصل ما انقطع بينهما، كما في رواية ’اسمه الغرام مثلًا‘".

وتضيف أنه "على رغم أنني حكيت حكاياهن وكل ما يؤلمني من خيباتهن وتعنيفهن على كل المستويات، فإن كتاباتي بعيدة من أي خطاب نسوي مباشر أو أيديولوجي، ولم يكن هدف سردي هو الدفاع عن حقوق المرأة أو تحريضها بشكل مباشر على الحرية، وبمعنى آخر لم أسع إلى توظيف الكتابة لغير أغراضها وإنما سعيت إلى الدخول في خفاياهن المعتمة، وفضح المجتمع الذكوري والتسلط والعنف بأشكاله المتعددة، وهن من يفصحن عن ذواتهن ودواخلهن لفضح المخبوء".

وتشدد صبح على أن هاجسها الفني أمر أساس لديها، وهذا ما دفعها، على حد قولها، للذهاب إلى ما يشكل بؤرة في العلاقة بالذات أو بالآخر والمجتمع، وكسر الشخصيات المنمطة في روايات، وبخاصة في ثيمة الجسد والأنوثة والذكورة وغير ذلك، وكذا معاكسة المفاهيم المغلوطة والصور الجاهزة، وهو ما توضحه قائلة "كشفتُ مثلاً الأمومة بكل أشكالها المقموعة أو المتسلطة وما إلى ذلك من نماذج من دون أي تنميط أو تأليه، وسعيت إلى أنثوية الكتابة وتحرير اللغة من أية صنمية أو اعتقالها وإلى إنطاق المكموم فيها، فالقلم الأنثوي في رواياتي قادر على توليد الحكايا والسرد إن كان محكياً أو مكتوباً".

لا إدانة ولا تمجيد

وتؤكد صبح أنها لم توجه إدانات ضمنية للنساء الضعيفات لاستسلامهن وإنما فقط تسرد حكاياهن من دون أن تدين شخصية أو تمجد أخرى، وإنما تمنحها جميعها التعاطف لفهمها والتعبير عنها، وتشير إلى أنه بمقدور الكاتب أن يستخدم في روايته علم النفس أو المجتمع أو السياسة أو أي ما يريد، ما دام الشرط الفني هو الأساس وليس الخطاب أو الأيديولوجيا. وتتطرق إلى أثر الكتابة قائلة "أنا أؤمن بفعالية الكتابة، فرواية ’دنيا‘ مثلاً أثارت غضب قارئاتها، وحتى الضعيفات منهن استفزهن ضعف بطلتها، ورأين حكاياتهن فيها وتماهين معها، ومعنى ذلك أنها أحدثت عندهن وعياً بذواتهن وواقعهن، والكتابة ليست صورة عن المجتمع فقط وإنما هي منتَج ومنتِج".

وتكمل، "تعاطيت بشكل مختلف عن الكاتبات والكتّاب لأنني أعتبر الكتابة فعل حرية حقيقية، ليس هاجسها اجترار المنجز أو تمجيد ما يجب إظهار بشاعته وإعلانه في صور كثيرة". وتؤكد أنها لا تمانع تصنيفها كاتبة نسوية وإن كانت ترى أن هذا التصنيف لا يعني عزل الكاتبات النسويات في فرع منفصل عن الفن الروائي الإبداعي ككل، لأن المرأة، على حد وصفها، شريكة وفاعلة في إنتاج الفنون، ولأن كل معرفة إنسانية وفنية ناقصة من دون المرأة، مشيرة إلى أن المرأة تكتب الآن ما يضيف إلى الأدب عموماً، وأن النسوية في الرواية ليست ملحقاً أو معزولة عن إنجازات وأسئلة الرواية، بل إنها برأيها تميز وليس تمييزاً.

المتعة شرط النجاح

وحول التجديد والتجريب في بنية الرواية، تشدد صبح على شرط المتعة لنجاح الرواية، لكن المتعة في رأيها في أسلوب السرد والمتعة المعرفية والفنية، فقد يتناول الروائي حكاية بسيطة أو عادية من الحياة، لكن ما يمتع القارئ هو اللغة السردية والكشف والإضاءة المبتكرة. وتوضح أن الرواية الآن منفتحة على تجارب إبداعية كثيرة وليس من الضروري أن يتبع الكاتب البناء السردي الكلاسيكي، بل عليه، مهما كان أسلوبه، أن يبدع عملاً له شروطه وقوانينه في البناء السردي للرواية وتماسكها، مؤكدة "أنا لست أصولية، لا في الفن ولا في غيره، لكن الجرأة الفنية إبداع حقيقي وليست بدعة".

وترفض صبح الموضة السائدة الآن في تصنيف أي كتاب نثري على الغلاف بأنه رواية، وترجع ذلك لأهداف تجارية من قبل دار النشر، ولا سيما في ظل ادعاء الكاتب أن عمله رواية تجديدية، وتقول "أنا من الذين يتابعون الإنتاج الروائي، وأجد أن كثيراً مما قرأته لا ينتمي مطلقاً لفن الرواية"، وتستطرد أن "من المؤسف أن المقاييس ضاعت وخصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، والدخلاء على الفن الروائي يتكاثرون".

وعن تجربتها الخاصة مع التجديد والتجريب تقول "لقد سعيت إلى آليات التجديد منذ صدور رواية ’مريم الحكايا‘ حين انتهجت جرأة فنية جديدة، لكن بنية الرواية جاءت متماسكة على امتداد صفحاتها". وتشير إلى أنها لم تتبع أسلوب القص الكلاسيكي وإنما كانت دائماً ولا تزال منفتحة على الإنجازات العالمية، إضافة إلى تأثرها بفنون السرد في التراث مثل "ألف ليلة وليلة" وغيرها، مشددة على أمانتها في إنجاز عمل روائي له منطقه البنائي والسردي المقنع، مما دفع النقاد إلى الإشادة بآليات هذا التجديد، وكتبوا كثيراً عنها، وتقول صبح "إن قدرة الحرية على الإبداع ليست منفصلة عن الجرأة الفنية".

زخم التحولات

المناضل يتحول إلى قاتل والمتحرر ينتهي إلى أصولي والحب يستحيل إلى فتور وربما كراهية، وهذا الزخم من التحولات سمة تهيمن على النصوص الإبداعية لعلوية صبح، وتعزوها إلى الصدق في الكتابة والكشف الإنساني والفني، وهي في هذا السياق تؤكد أننا عشنا ونعيش تحولات واضطرابات أصابت المجتمعات، ولا سيما التي شهدت حروباً، بدلت قيم الناس ومعتقداتهم ورسمت مصائرهم المدفوعين إليها غرائزياً وعقائدياً، فالغوص داخل النفس الإنسانية من منظورها يكشف أثر الانكسارات والخيبات والحروب في تدمير الإنسان واختلال حياته ومصيره، وتلفت إلى أن أبطال رواياتها هم من هذا الواقع، وأنها مهمومة دائماً بالكتابة عنهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن غاياتها من الكتابة واعتبارها وسيلة لاكتشاف وفهم الحياة، تقول صبح إن "الحياة تبدو لي غامضة ومجهولة، وأشعر فعلاً أنني أكتب لأفهم أشياء منها وأكتشفها، مثلما أكتشف ذاتي في الكتابة"، مضيفة أن "التخييل يساعدني في خلق شخصيات من لحم ودم، لكني أصدق أنهم كائنات حية لدرجة أنني أشم روائحهم خلال الكتابة، وأضيع بين ما إذا كنت أعرفهم حقاً أو أن الأمر محض خيال، فالأبطال يعلمونني أن أكتشف ذاتي بشكل أعمق أو هكذا أعرف اكتشافها، وكلما توغلت في الكتابة عن أبطالي تتكشف لي أسرار كثيرة عن الحياة، ومن خلال سرد حكاياهم أكتشف أن ادعاء الكاتب أو حتى الإنسان بالمعرفة المطلقة بالحياة ليس صحيحاً".

الاتكاء على الخيال

وهكذا يقودها الاتكاء على الخيال إلى معرفة الواقع، وهكذا تدرك أنها في تعلم دائم، وتقول "أنا عادة أتعلم دائماً ولا أدعي المعرفة الكاملة، أتعلم في كل رواية كيف عليّ أن أكتب وأعبر، أتعلم من أي بسمة طفل أو طريقة بكائه أو تأمل شجرة أو وردة أو أي شيء، في أية لحظة مهما تكرر المشهد، ومعرفتي لأي شيء تتحقق بشكل أو بآخر في وجه من وجوه الحياة، وكلما كانت الكتابة قريبة من الحياة لتقربها وتصير قريبة منها، ولا بد وأن نتعلمها من الكتابة، وهذا ما أشعر به وما يحدث معي".

وتعزو إصرارها على اختيار نهايات مفتوحة لرواياتها إلى رغبة في الامتثال لحياة تناديها لفتح النص عليها وليس إقفالها في وجه القارئ، مؤكدة أن رواياتها كلها تضمر فلسفة بتمجيد الحياة والحب على رغم مآزق الأبطال، فالكتابة عندها ليس لها سقوف أو جدران أو تفصلها عن حلم الحياة والحرية، فثمة مفاجآت تحدث وهناك نهايات تحدث في البدايات وفي النهايات بدايات، وثمة هدف أساس تدركه عبر النهايات المفتوحة وهون على حد قولها، استفزاز خيال القارئ وإطلاق حريته في التخييل ومشاركتها في كتابة الرواية.

سؤال الهوية

أما عن سؤال الهوية والعودة للجذور، وهو هاجس يسيطر على أعمالها، فتعلق صبح قائلة إن "إشكال الهوية أقلقتني جداً، فكم شهدنا ونشهد تغيرات وتبدلات حول مسألة الانتماء والهويات، ولا سيما في البلدان التي عاشت حروباً أو أزمات وجودية ونفسية مجتمعية وسياسية، وأكثر من ذلك صراع الانتماء داخل العائلة وداخل الإنسان الواحد"، وتدلل بروايتها "افرح يا قلبي" التي تعمقت من خلالها في الموسيقى ووظفتها كبطل من أبطال الرواية.  وتوضح أن صراع الهوية في الرواية عاشه البطل غسان بين الانتماء للغرب أو للشرق، وكان لكل فرد من أفراد العائلة مأزقه، فالأب كان قومياً عربياً منذ الخمسينيات، في حين كان الأخ الأكبر يسارياً والأصغر أصولياً، حتى إن أحد الإخوة عانى صراعاً في ضياع الهوية الجنسية، وهذه الانتماءات المختلفة بين أفراد العائلة قادت إلى قتل الأخ لأخيه.

وتؤكد أنها حاولت في الرواية أن تتناول هذه الثيمة بشكل أو بطريقة خاصة تختلف عما أُنجز سابقاً وعما يكتب عن سؤال الهوية. وعن وظيفة الأدب تقول صبح "إننا نفصل عادة بين الأدب من أجل الأدب أو توظيف الكتابة لرسالة اجتماعية، فالكتابة الحقيقية كما أشرت توظيف كل شيء من أجل الكتابة والإبداع، فالأدب ليس بوقاً أو خطاباً أو وظيفة تعليمية لغير مبتغاه، والكاتب الجيد هو من يمكنه تناول أي موضوع، لكن يجب توظيفه لخدمة الإبداع".

وتعلق على الحروب الدائرة وما يشهده العالم من توترات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، وأثر كل تلك الإشكالات في المناخ الثقافي والأدبي والإبداعي، وكذا في معدلات القراءة، فتقول "إننا نعيش ونشهد قرناً مليئاً بالحروب والتوترات والصراعات، ولكل ذلك تأثيره في الإنتاج الأدبي والفني مما يطرح أمام الكاتب كما الفنان تحديات جديدة في الكتابة، ونضيف إلى ذلك تحديات التطور التكنولوجي المذهل الذي انعكس على معدلات القراءة، ولا سيما عند الشباب، ومع ذلك فلا بديل عن الكتاب الورقي، فالكتاب الإبداعي لا يزال صامداً على رغم الأزمات والأوضاع الاقتصادية للقراء".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة