Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخصوصية... حق الإنسانية المطعون بسيف الحرية والديمقراطية

الحياة الخاصة للمشاهير والشخصيات العامة تتعرض للانتهاكات ويقتحمها المصورون ودعاة الليبرالية على رغم أن القوانين الدولية والمحلية تكفل حمايتها

بدأت المحاكم الإنجليزية حديثاً السعي الحثيث إلى حل النزاعات المستمرة بين الشخصيات العامة ووسائل الإعلام (مواقع التواصل)​​​​​​

ملخص

إضافة إلى أهميتها في النظرية الليبرالية الديمقراطية فإن الخصوصية تدعم مجالاً للإبداع والصحة النفسية والقدرة على الحب وتكوين العلاقات الاجتماعية مع تعزيز الثقة والحميمية والصداقة.

عندما يقرر إنسان ما أن يصبح شخصية عامة يعلم في قرارة نفسه أن جزءاً كبيراً من حريته الشخصية سيسلب منه وأن خصوصيته ستتعرض للخرق في أي لحظة، إذ إن الانتشار الواسع للبيانات الشخصية من خلال تنامي عدد المدونات ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي وبقية ابتكارات عصر المعلومات يجعل من التعميمات البسيطة في شأن أهمية الخصوصية أمراً معقداً، وتسبب ظهور تطبيقات ويب في توسع نطاق الإنترنت من مزود للمعلومات إلى مكون للمجتمعات.

ويستمر النهم الذي لا يشبع لنشر الإشاعات في تغذية وسائل الإعلام المروجة للإثارة والفضائح التي كثيراً ما تحط من مفهوم النطاق الخاص الذي يطالب به كثيرون وهو مشروع، فالشهرة صارت على نحو غير مبرر تعطي الناس رخصة للتدخل في حياة أصحابها.

أوائل القوانين

تقول المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات".

وفي 1361 صدر أول قرار قضائي يجيز اعتقال المتنصتين، أما في 1765 فقام القاضي الإنجليزي اللورد كاميرون برفض طلب من الشرطة باقتحام منزل أحد المواطنين ومصادرة أوراقه، وكتب في معرض مذكرة القرار "يمكننا القول بثقة إنه ما من قانون في هذه البلاد يعذر هؤلاء في ما يقومون به، وإن كان الأمر كذلك فإن ذلك سيعصف بكل أسباب الطمأنينة في هذا المجتمع حيث إن الأوراق هي الأشياء الأعز إلى أنفسنا نحن البشر".

واقترن مفهوم الخصوصية عبر تطوره في المراحل المختلفة بفكرة الحرية، فعام 1890 أوضح القاضي الأميركي لويس برانديس أن الخصوصية هي "ترك المرء وشأنه"، وأن الخصوصية هي أعز الحريات في المجتمعات الديمقراطية، ويرى أنه يجب لحظها في الدستور.

بينما في 1967 كتب ألان ويستن في كتابه حول الخصوصية والحرية، أنها "رغبة الأشخاص في أن يختاروا بملء حريتهم الظروف التي يتم بموجبها الكشف عن أنفسهم ومواقفهم وسلوكهم للآخرين".

أما البرلماني الإنجليزي ويليام بيت، فكتب عن حق الإنسان في الخصوصية، قائلاً "يمكن لأفقر الرجال في هذه البلاد أن يتحدى من منزله كل قوى العرش، ربما يكون هذا المنزل هشاً يترنح سقفه، وقد يدخله المطر أو الرياح، لكن ملك إنجلترا لا يستطيع الدخول إليه ولن تستطيع كل قواته اجتياز عتبة هذا البيت الآيل للسقوط".

خصوصية المجتمعات القديمة

إن المجتمعات القديمة والبدائية تظهر مواقف متباينة تجاه الخصوصية، ففي دراسته الرائدة "حقوق الخصوصية الأسس الأخلاقية والقانونية"، بحث بارينغتون مور وضع الخصوصية في عدد من المجتمعات الأولية بما فيها اليونان القديمة والصين القديمة، ويوضح مور كيف أن التمييز الكونفوشيوسي بين المجالات المنفصلة للدولة (المجال العام) والعائلة (المجال الخاص)، إلى جانب النصوص المبكرة عن الغزل والعائلة والصداقة تمخضت عن حقوق ضعيفة في الخصوصية.

وعلى الجانب الآخر وفرت أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد حماية أقوى لحقوق الخصوصية، وخلص مور في النهاية إلى أن خصوصية الاتصالات لا يمكن تحقيقها إلا في مجتمع معقد يتسم بتقاليد ليبرالية قوية.

لذلك يقول ريموند واكس في كتابه عن الخصوصية إنه "من غير المستغرب مطلقاً أن فكرة الخصوصية ذاتها ليست متماسكة أو واضحة المعالم، وبينما هناك إجماع عام على حرمة خصوصيتنا تتعرض للانتهاك بفعل الهجمات الضارية على النطاق الخاص التي تأخذ شكل المراقبة واعتراض اتصالاتنا وأنشطة مصوري المشاهير (الباباراتزي)، فإن الصورة تصبح أكثر ضبابية عندما تتزاحم شكاوى إضافية متنوعة تحت مظلة الخصوصية".

وظائف الخصوصية

تتضمن فكرة الخصوصية الرغبة في أن نترك وشأننا وأن نكون أحراراً في أن نكون على سجيتنا غير مكبوتين أو مقيدين بفعل تطفل الآخرين علينا، وهذا النطاق يتسع لما هو أبعد من التطفل والدعاية غير المطلوبة ليشمل التعدي على المساحة التي نحتاج إليها لكي نتخذ قرارات شخصية وحميمية من دون تدخل أحد ولو كانت الدولة، إذ لا يمكن أن نتصور أن تكون حياة من دون خصوصية، ولكن ما الأهداف التي تخدمها الخصوصية بالفعل؟

إضافة إلى أهميتها في النظرية الليبرالية الديمقراطية، فإن الخصوصية تدعم مجالاً للإبداع والصحة النفسية وقدرتنا على الحب وتكوين العلاقات الاجتماعية وتعزيز الثقة والحميمية والصداقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في عمله الكلاسيكي يحدد آلان ويستن أربع وظائف للخصوصية تضم الأبعاد الفردية والاجتماعية لمفهوم الخصوصية، فهي "تولد الاستقلال الشخصي ومبدأ الفردية الديمقراطي مرتبط بالحاجة إلى هذا الاستقلال الذي يعبر عن رغبة في تفادي تحكم الآخرين وسيطرتهم، كما أن الخصوصية تقدم فرصة للتحرر العاطفي، فهي تسمح لنا بإزالة أقنعتنا الاجتماعية".

وبحسب ويستن، فإن الأهم أن الخصوصية "تسمح لنا بالدخول في تقييم الذات وهي القدرة على صياغة واختبار أفكار وأنشطة إبداعية وأخلاقية، إضافة إلى أنها توفر لنا بيئة نستطيع بداخلها أن نتشارك الأسرار والحميمية وننضم إلى اتصالات محدودة ومحمية".

حرية تعبير أم خصوصية؟

وغالباً ما ينظر إلى حرية التعبير والخصوصية على أنهما من حقوق أو مصالح الفرد أو المجتمع كله، أما الأكثر إثارة للقلق فهو أن حرية التعبير شيء والخصوصية شيء آخر، مما يجعل تحقيق أي توازن بين كلتيهما أمراً صعباً إلى حد ما، وفي ما يتعلق بمصالح الفرد فإنها جميعاً تشترك في المخاوف ذاتها، في الواقع يصعب التمييز بين الوظائف الاجتماعية للخصوصية وتلك الخاصة بحرية التعبير.

وأظهرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عدد من المناسبات قصور الحماية القانونية المحلية الأوروبية للخصوصية، ويمكن بحسب ريموند واكس استقاء الدليل على ذلك من حكم واحد بعينه.

"فقد تقدمت أميرة موناكو كارولين بشكوى تفيد بأن مصوري المشاهير الذين يعملون لدى عدد من المجلات الألمانية التقطوا صوراً لها أثناء انشغالها بمجموعة مختلفة من الأنشطة اليومية مثل اللعب مع أطفالها والتسوق وتناول الطعام في أحد المطاعم وغيرها، وقد حكمت إحدى المحاكم الألمانية لمصلحتها في ما يتعلق بالصور الفوتوغرافية الملتقطة في مكان عام بينما كانت تنشد العزلة، ورفضت شكواها في ما يتعلق ببقية الصور"، وفق واكس.

وتابع أن "الأميرة حولت دعوتها إلى المحكمة الأوروبية التي أقرت أن المادة الثامنة تنطبق على هذه الحالة ولكنها سعت إلى الموازنة بين حماية الحياة الشخصية للأميرة وحماية حرية التعبير التي كفلتها المادة 10 من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، وجاء في قرار المحكمة أن التقاط الصور ونشرها قضية تتخذ فيها حماية حقوق الفرد وسمعته أهمية خاصة، إذ إنها لا تتعلق بنشر أفكار وإنما بنشر صور تحوي معلومات شديدة الخصوصية".

وأردف واكش أن "المحكمة قررت أن صور الأميرة كانت ذات طبيعة خاصة تماماً وأيضاً لم تلتقط بمعرفتها أو رضاها بل خلسة في بعض الأحيان، وهكذا لم تقدم هذه الصور أي إسهام لموضوع ذي مصلحة عامة، على اعتبار أن الأميرة لم تكن تشارك في مناسبة رسمية والصور تتعلق حصرياً بحياتها الشخصية، في حين ربما يملك العامة حق الحصول على معلومات بما يشمل تلك التي تتعلق بحياة الشخصيات العامة ولكن في هذه الحالة ليس للعامة شأن مشروع بمعرفة أماكن وجود الأميرة ولا الكيفية التي تتصرف فيها بحياتها الشخصية".

العائلة الملكية استثناء

وبدأت المحاكم الإنجليزية حديثاً السعي الحثيث إلى حل النزاعات المستمرة بين الشخصيات العامة ووسائل الإعلام، وعلى رغم الغياب التام لقانون خاص بحماية الخصوصية، فيبدو أن القضاة صاغوا علاجاً من خلال مجموعة الإجراءات القانونية المتشابهة.

ولكن وفقاً للموقع الرسمي لقصر باكنغهام فإن العائلة المالكة البريطانية لا تخضع لقانون حرية المعلومات ومستثناة من أحكامه كافة والسبب أنها ليست سلطة عامة بالمعنى الحرفي للكلمة، ولذلك فإنها غير ملزمة اتباع قوانين حرية المعلومات التي تسمح بمزيد من الشفافية وتوفر المعلومات التي يحتاج إليها المواطن في المملكة المتحدة والتي لديه الحق في معرفتها لمتابعة عمل السلطات العامة.

وبحسب الخبراء فإن قاعدة إعفاء أفراد العائلة المالكة البريطانية من قانون حرية المعلومات، تسمح لأفراد العائلة المالكة بحماية خصوصية حياتهم الشخصية وممارسة أعمالهم اليومية وارتباطاتهم الرسمية بأمان من دون أن يتعرضوا لتهديد أمني بسبب توافر معلومات أكثر مما يجب عن حياتهم وتحركاتهم الشخصية، إلا أن أفراد العائلة المالكة البريطانية عادة ما يتطوعون للإعلان عن المعلومات الأقرب إلى الشأن العام منها إلى الشأن الخاص، مثل المعلومات المتعلقة بمصادر دخلهم ونفقاتهم السنوية وضرائبهم المدفوعة.

المزيد من منوعات