Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفقر... تتغير مفاهيمه وتبقى ملامحه

المعرضون للسقوط فيه هم الذين يعيشون على ما بين 2 و5 دولارات يومياً وعددهم 1.3 مليار شخص حول العالم

يحدد البنك الدولي حدوث الفقر عندما لا يكون لدى الأفراد والمجتمعات ما يكفي من المال أو الموارد لمستوى معيشي أساسي (أ ف ب)

ملخص

جاء في تقرير "أوكسفام" أن فرض ضريبة تصل إلى خمسة في المئة على أغنى أغنياء العالم يمكن أن يجمع 1.7 تريليون دولار سنوياً. بما يكفي لمساعدة ملياري شخص على الهرب من الفقر. لكن مطالبات المنظمة غير الحكومية أمر وما يمكن تحقيقه أمر آخر.

اتسع النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم على مدار الـ200 عام الماضية اتساعاً غير مسبوق، مما أدى إلى تبديل في معنى الفقر وتحديد من هم الفقراء، خصوصاً أن أدوات الرفاهية باتت في بعض المجتمعات تحتسب وفق معدل الدخل الفردي، ولو أن النمو الاقتصادي لا يحسن بالضرورة رفاه جميع سكان البلد بالمعدل نفسه. وعدم المساواة الاقتصادية لا تزال منتشرة حتى في البلدان التي تحقق ارتفاعاً في مستوى الدخل القومي، كما في الولايات المتحدة الأميركية والصين. وما بات مهماً في العصر الراهن هو قياس الفقر على ما كان عليه قبل قرنين لفهم كيفية تطور تصنيف من هم تحت خط الفقر أو فوقه.

يكشف تحقيق بعنوان "الفقر المدقع في العالم: الحاضر والماضي منذ عام 1820"، أن الأمر استغرق 136 عاماً منذ 1820 لينخفض معدل الفقر العالمي إلى أقل من 50 في المئة، ثم احتاج إلى 45 عاماً أخرى لخفض هذا المعدل إلى النصف مرة أخرى بحلول الألفية الجديدة، وأكمل الأمر على هذا المنوال في أوائل القرن الـ21 فتسارع الحد من الفقر العالمي، وفي غضون 20 عاماً انخفض الحد العالمي للفقر المدقع إلى النصف مرة أخرى بحلول عام 2020.

تحت خط الفقر وفوقه

لسنوات كان الفقر المدقع الذي يصيب كثيراً من الناس على وجه الأرض يحدد بالعيش على أقل من 1.90 دولار يومياً. وفي عام 2022 قام البنك الدولي بتحديث خط الفقر إلى 2.15 دولار للفرد يومياً. وتم تغييره ليعكس الزيادات في كلف الغذاء الأساسي والملبس والمأوى في البلدان منخفضة الدخل. ووفقاً لتقرير الفقر والرخاء المشترك الصادر عن البنك الدولي، نجا مليار شخص من الفقر المدقع على مدى 30 عاماً. ثم ضرب "كوفيد" فوقع 70 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع.

 

 

واستناداً إلى تقديرات البنك الدولي الحديثة سيظل نحو سبعة في المئة من سكان العالم، معظمهم في أفريقيا، في فقر مدقع بحلول عام 2030. وهناك أولئك المعرضون للفقر، وهم الأشخاص الذين يعيشون على ما بين دولارين وخمسة دولارات في اليوم، ويبلغ عددهم 1.3 مليار، ويصنفون على أنهم يتأرجحون نحو الفقر في حال وقوع انتكاسة مالية بسبب المرض أو فقدان الوظيفة أو أية أزمة أخرى كافية لدفعهم إلى الفقر المدقع تعريفاً.

لو لجأنا إلى وصف الاتجاهات الرئيسة في الفقر المدقع العالمي منذ عام 1820، والربط بين معنى الفقر ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، سنجد أنه في عام 1820 لم يتمكن ما يقارب من ثلاثة أرباع سكان العالم، أي نحو 756 مليون شخص، من تحمل كلفة مساحة صغيرة للسكن، ولا ثمن حصة كافية من الغذاء، والحد الأدنى من التدفئة. وكانت هذه المعايير تحدد الفقير من الثري حينها. وعدد الذين عاشوا في فقر مدقع قبل قرنين مطابق تقريباً للتقديرات الحالية التي تبلغ 764 مليون شخص، وفقاً لمعايير الفقر في أفقر الدول. والفرق أنهم كانوا يمثلون نحو أربعة من كل خمسة أشخاص في العالم عام 1820، بينما يمثلون اليوم واحداً من كل خمسة أشخاص. واختلفت المعايير المستخدمة لقياس الفقر منذ ذلك الحين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يستعرض الاقتصادي مارتن رافاليون في كتابه "اقتصاديات الفقر: التاريخ والقياس والسياسة" المناقشات السابقة والحالية حول الفقر في البلدان الغنية والفقيرة. ويتناول كيفية قياس الفقر، ولماذا يوجد، وما الذي يمكن عمله لخفض الفقر والقضاء عليه إذا أمكن، ويقول رافاليون إن الأمر برمته يدور حول التفكير والتخطيط بخصوص الفقر المستقبلي. ويكمل "أدهشني مدى تغير التفكير السائد حول الفقر على مدار الـ200 عاماً الماضية. إننا نشهد تحولاً في الأدبيات والمناقشات السياسية بين وجهتي نظر مختلفتين جذرياً عن الفقر. الأول يقول إن الفقراء لا يمكن أن يكونوا أي شيء آخر غير فقراء. واعتبر بعض المفكرين أن الفقر ضروري للتقدم الاقتصادي، وهناك أعمال يجب أن يكون الجوع الحافز الضروري للقيام بها. أما التوجه الثاني فهو الذي يقر بأن الجوع بحد ذاته بات أمراً من الماضي، وأن الحوافز للقيام بالعمل باتت لا تتعلق بالطعام مباشرة، بل بأدوات الترفيه التي أضحت ضرورية كالحصول على الكهرباء والتعليم والطبابة وهاتف محمول والاتصال بشبكة الإنترنت وشراء منزل صغير وسيارة، بالتدرج.

في نظرة اقتصادية ثانية، ينظر إلى الفقر على أنه مرض اجتماعي يمكن تجنبه من خلال العمل، وينظر إلى محاربة الفقر كامتداد متناسق لتحقيق اقتصاد قوي، أولاً بإزالة القيود المادية المفروضة على حرية الأفراد في السعي إلى تحقيق مصالحهم المالية الخاصة. وإلى جانب ارتفاع الأجور الحقيقية ومدخرات الفقراء من العمال، باتت نظم التعليم العام المجانية والمتقدمة والنظم الصحية السليمة والأسواق المالية التي تعمل بصورة جيدة عناصر حاسمة للجيل القادم للإفلات من براثن الفقر إلى الأبد.

لكن رفع أجور العمال وتكريس فكرة أن الفقر ليس قدراً بل هو مرض اجتماعي يجب مجابهته، لم يحصلا بهدوء أو نتيجة تطور طبيعي للاقتصاد، بل جاءا نتيجة نضالات كثيرة لفئة عمال المصانع والمعلمين والأطباء والحرفيين، مما أدى إلى إنشاء النقابات حول العالم، وكانت مقاومة مطالب هؤلاء العمال والموظفين لتحسين عيشهم قوية في كثير من الأحيان، وضحى عدد كبير من الأشخاص الشجعان بحريتهم وحتى حياتهم في تلك النضالات على مدى قرون.

 

 

يقول الباحث الاقتصادي رافاليون إن التقدم في مواجهة الفقر كان بطيئاً عموماً، وواجه عدداً من الانتكاسات، ويقدم تاريخ التفكير والعمل في شأن الفقر أمثلة وافية على هشاشة التقدم الذي حدث، وتم إلقاء اللوم على الفقراء بسبب فقرهم خلال القرنين الماضيين، قبل أن يتحول الفقر إلى عنوان عريض وأساس في السياسات الاقتصادية لكل دولة، وأنشئت لمكافحته حول العالم عشرات المنظمات الدولية والمصارف وهيئات الأمم المتحدة.

إن "المسار المتفائل" للحد من الفقر يتعلق بإمكانية الحفاظ على معدل النمو الذي حصل منذ عام 2000 لانتشال مليار شخص من الفقر المدقع بحلول عام 2030، بحسب رافاليون. وباتت في وقتنا الراهن عدم المساواة والفروق الكبيرة في الدخل الفردي والدخل القومي شاغلاً رئيساً لاقتصاديي القرن الـ21. فاتساع فجوة التفاوت يعني أن النمو الذي تحققه الدولة لن يطاول الفقراء بالضرورة. والبلدان التي تعاني من ارتفاع معدلات عدم المساواة لن تتمكن من الحد من الفقر لأنها تحتاج إلى معدلات نمو أعلى من البلدان ذات التفاوت المنخفض لتحقيق وتيرة التقدم نفسها في مكافحة الفقر.

"عدم المساواة" ليست فكرة واحدة

ويشكل الفقر الحضري أو الفقر في المدن، الناتج عن نزوح القرويين إلى ضواحي المدن الكبيرة في جميع أنحاء العالم، تحدياً جديداً أمام الاقتصاد العالمي ومكافحة الفقر، ويتوقع اقتصاديون وعلماء اجتماع أنه خلال عقود قليلة سيعيش أكثر من 90 في المئة من سكان العالم في المدن، وتنخفض معدلات الفقر ببطء أكبر في المناطق الحضرية منها في المناطق الريفية. وتخلق الاقتصادات الحضرية فرصاً جديدة كثيراً ما سعى إليها الفقراء في المناطق الريفية لتحسين حياتهم، يضاف إليها الافتقار إلى الجهود المحلية والدولية الفعالة لتعزيز الزراعة والتنمية الريفية، وبحسب تقارير "البنك الدولي" عن الفقر فإن عديداً من البلدان النامية فرضت الضرائب على الاقتصاد الريفي لدعم الاقتصاد المدني.

يحدد البنك الدولي حدوث الفقر عندما لا يكون لدى الأفراد والمجتمعات ما يكفي من المال أو الموارد لمستوى معيشي أساسي. ويشمل ذلك السكن الجيد والغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية وغير ذلك كثير. ووفقاً لتقرير منظمة "أوكسفام" المسمى "بقاء الأغنياء"، فإن ثروات المليارديرات ترتفع بمقدار 2.7 مليار دولار يومياً. وفي الوقت نفسه، يعيش 1.7 مليار عامل في بلدان يرتفع فيها التضخم أسرع من الأجور. وبحسب التقرير فإن فرض ضريبة تصل إلى خمسة في المئة على أغنى أغنياء العالم يمكن أن يجمع 1.7 تريليون دولار سنوياً، وهي تكفي لمساعدة ملياري شخص على الهرب من الفقر. لكن مطالبات المنظمة غير الحكومية أمر وما يمكن تحقيقه أمر آخر.

وبالطبع، فإن للفقر يوماً في روزنامة أعياد "الأمم المتحدة"، ويرجع تاريخ الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر إلى الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1987. ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على 100 ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع في ساحة "تروكاديرو" بباريس، ومنذئذ، يتجمع كل عام في هذا اليوم أفراد من شتى المشارب والمعتقدات والأصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم.

المزيد من تحقيقات ومطولات