Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بسبب التغيرات المناخية هل تضطر تونس إلى استيراد الطماطم؟

أخطار من انهيار منظومة الإنتاج ومتخصصون: مهددة بالاندثار

تراجع الإنتاج الوطني إلى 65 في المئة في العقد الأخير (أ ف ب )

قد تضطر تونس خلال الأعوام المقبلة إلى استيراد كميات كبيرة من حاجاتها من الطماطم، سواء الطازجة أو المعدة للتحويل في صورة معجون مركز، باعتبارها سلعة أساسية في غذاء التونسيين، مع تراجع المساحات المزروعة بصورة لافتة وعزوف المزارعين عن النشاط.

وتعاني منظومة زراعة الطماطم في تونس إشكاليات هيكلية وظرفية عدة، أهمها تراجع إيرادات المزارعين، خصوصاً بعد التقييدات التي فرضتها وزارة الفلاحة على نشاط زراعة الطماطم منذ عام 2022 بسبب ندرة المياه وحالات الجفاف المتزايدة التي تعرفها البلاد خلال السنوات الأخيرة.

ومع كل موسم فلاحي (زراعي) تصدر الهياكل المتخصصة في وزارة الفلاحة التونسية تعليمات صارمة بضرورة "التقشف" في استغلال الماء وإعطاء الأولوية لمياه الشرب للمواطنين على حساب أنواع عدة من الزراعات التي تتصف بشراهتها إلى الماء ومن ضمنها زراعة الطماطم.

وتتعرض تونس لتغيرات مناخية شديدة اتسمت بنقص فادح في الأمطار أثرت بصورة لافتة في الوضعية العامة للمياه، فحتى الأمطار الأخيرة التي هطلت خلال يناير (كانون الثاني) الجاري لم تفِ بالحاجة، إذ إن نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 28 في المئة.

وشرعت في إقرار إجراءات تقييدية صارمة على مياه الشرب طاولت أيضاً عدداً من الزراعات، ومنها الطماطم التي تعتبر وزارة الفلاحة أنها تستهلك الماء بصورة كبيرة إلى درجة أن عدداً من المسؤولين في الوزارة رأوا أن التوريد ربما يكون حلاً بديلاً من أجل الحفاظ على المياه الشحيحة في البلاد على حساب بعض أصناف من الخضراوات.

ولكن هذه المسالة لم تعجب مزارعي الطماطم الذين رأوا في الإجراءات التقييدية خطراً على المنظومة برمتها وتهديداً مبكراً لانهيار قطاع إنتاج الطماطم الطازجة أو المعدة للتحويل واضمحلاله.

تراجع لافت في المساحات

وتشهد المساحات المخصصة لزراعة الطماطم الفصلية (الموسمية) المعدة للتحويل في محافظ نابل (أهم محافظة في إنتاج الطماطم في تونس)، تراجعاً من موسم إلى آخر، إذ لم تتجاوز خلال الموسم الماضي 3.5 ألف هكتار مقابل 11 ألف هكتار خلال عام 2009، مما أدى إلى تدني إسهام الجهة في الإنتاج الوطني من 65 إلى 40 في المئة.

وفسر كاتب عام الجامعة الجهوية لمنتجي الطماطم المعدة للتحويل في نابل التابعة للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة وطنية) محمد بن حسن، هذا الانخفاض بعزوف المزارعين في المحافظة التي تتميز بنسيج صناعي مهم (تضم 14 وحدة صناعية)، عن العمل في القطاع الفلاحي لأسباب عدة وتراكمات عاشها القطاع خلال الأعوام الأخيرة.

وقال إن منظومة الطماطم "مهددة بالاندثار" في ظل غياب استراتيجية ورؤية واضحة للقطاع وحلول لمعالجة الإشكاليات التي تعترض الفلاحين ومنها تواصل ارتفاع كلفة الإنتاج وغياب مصادر التمويل لصغار الفلاحين، فضلاً عن التقييدات في توزيع الماء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأمام هذه الوضعية المحيرة دعا إلى مقاطعة زراعة الطماطم، خصوصاً المعدة منها إلى التحويل إلى معجون الطماطم المركزة والتوجه نحو زراعات بديلة، مشيراً إلى غياب برمجة واضحة للفلاحين من طرف أصحاب وحدات التحويل تتضمن ضبط حاجات الاستهلاك الداخلي.

ولفت إلى عدم استجابة السلطات المعنية لمطالب الفلاحين على رغم أهمية القطاع الذي يعد استراتيجياً على المستويين الجهوي والوطني وعلى رغم الجهود المتواصلة لإيصال صوت الفلاحين إلى السلطات الجهوية والمركزية والتنبيه من خطورة الوضعية التي يعانيها الفلاحون المنتجون للطماطم في مناسبات عدة، قائلاً إن "القطيعة بين وزارة الفلاحة وهياكل الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مؤشرا سلبياً يعمق الإشكاليات في القطاع الفلاحي"، وأوضح أنه "يعد العمود الفقري للاقتصاد التونسي"، مؤكداً أهمية العمل التشاركي بين الإدارة والمنظمة الفلاحية.

المرتبة الأولى عالمياً

يحتل المواطن التونسي المرتبة الأولى عالمياً من حيث استهلاك معجون الطماطم منذ عام 2014 بمعدل استهلاك سنوي يقدر بنحو 10 كيلوغرامات للفرد الواحد أي ما يشكل 60 كيلوغراماً من الطماطم المعدة للتحويل، مما يمثل ضعف ما يستهلكه الفرد الإيطالي الذي يحتل المرتبة الثانية عالمياً، ويصل معدل الاستهلاك الوطني الإجمالي إلى 100 ألف طن سنوياً، وفق أرقام رسمية لمجمع صناعات المصبرات الغذائية (حكومي).

واستهلاك قياسي في بلد لم يصل عدد سكانه بعد إلى 12 مليون نسمة، يشير إلى تساؤلات عدة، أبرزها الكلفة البيئية لاستهلاك الطماطم التي يعتبرها المتخصصون من أكثر المنتجات الفلاحية استهلاكاً للماء، إنتاجاً وتصنيعاً.

وتزداد خطورة الإشكاليات البيئية لإنتاج الطماطم الفصلية بالنظر إلى علاقة القطاع باستهلاك المياه إنتاجاً وتحويلاً، ولعل الإشكالية تزداد خطورة إذا ما تم النظر إليها من جانبها الوطني، فتونس من بين البلدان التي تعيش تحت خط الفقر المائي بمعدل استهلاك سنوي يقدر بنحو 450 متراً مكعباً للفرد الواحد.

ويتطلب تحويل طن واحد من الطماطم الطازجة ما بين متر واحد مكعب وثلاثة أمتار مكعبة من الماء، أي بين ألف و3 آلاف ليتر من الماء الذي يستعمل في غسل الطماطم وغسل مواقع الإنتاج بمياه متأتية من آبار تستخرج من المائدة المائية العميقة.

تقييدات

في نلك الأثناء أصدرت المندوبية الجهوية للفلاحة في محافظة نابل بلاغاً دعت فيه المزارعين مستغلي منظومة الري العمومي إلى تفادي زراعة الخضراوات الورقية والقرعية وإلى عدم زراعة الطماطم وعدم إبرام عقود إنتاج مع مصانع تحويل الطماطم.

وتأتي هذه الدعوة على خلفية تراجع منسوب المياه في السدود المزودة لجهة الوطن القبلي بمياه الري للمساحات السقوية.

والخضراوات الورقية هي السلق والبقدونس والسبانخ والخس، أما الخضراوات القرعية فهي الخيار والبطيخ والدلاع والقرع بأنواعه إضافة إلى الطماطم.

يذكر أن دعوة وزارة الفلاحة مزارعي المساحات السقوية إلى عدم زراعة الخضراوات الورقية والطماطم هي دعوة متجددة منذ ثلاثة مواسم فلاحية بسبب ندرة الأمطار.

من جانبه اعتبر رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة في نابل عماد الباي أن "قرار المنع يمثل إشكالية كبرى للفلاح الذي يأكل مما ينتج"، مضيفاً أن "منع فلاح السقوي من الزراعة للموسم الثالث على التوالي يؤدي إلى انعكاسات سلبية على وضعيته المالية".

طاقة تصديرية مهمة

على رغم الوضعية الصعبة التي يعيشها قطاع إنتاج الطماطم والتهديدات المحيطة بمستقبله، إلا أن له طاقات تصديرية واعدة ومهمة، وبحسب البيانات من مجمع صناعات المصبرات الغذائية الحكومي، ارتفع تصدير الطماطم المجففة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة 50 في المئة وأن الجزء الأكبر من الطماطم المجففة المنتجة في تونس يخصص للتصدير، إذ صدرت تونس عام 2020 نحو 90 في المئة من إنتاج الموسم ذاته بعائدات تقدر بـ40 مليون دينار (13 مليون دولار) نحو بلدان عدة، أهمها إيطاليا التي تحتل المرتبة الأولى ضمن البلدان المستوردة للطماطم التونسية المجففة، إذ تستأثر لوحدها بنحو 80 في المئة من إجمالي الإنتاج.

إلى ذلك ارتفعت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، نسبة تصدير الطماطم المجففة من 4000 طن في 2015 إلى 7000 طن سنة 2020 مسجلة بذلك تطوراً بنسبة 50 في المئة.

وأشار المجمع إلى أن تونس تحتل المرتبة الـ10 على الصعيد العالمي في إنتاج الطماطم الصناعية، وشهد هذا النشاط تنوعاً متواصلاً بفضل تقنيات المعالجة والتحويل التي تتطور وتزداد حداثة مع مرور الوقت، مما يسمح أو ربما يفرض إعادة التفكير في موقعها الاستراتيجي في سياسة التنمية الفلاحية، خصوصاً من خلال تثمين إنتاجها المخصص للتجفيف.

اقرأ المزيد