Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأطول والأشد قسوة... حرب غزة ليست كسابقاتها

تشير التقديرات إلى أن معارك القطاع ولبنان ستكلف إسرائيل قرب 81 مليار دولار حتى نهاية عام 2024

أثرت حرب غزة في عجز ميزانية الحكومة الإسرائيلية   (أ ف ب)

ملخص

تفوق حصيلة القتلى في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 ما أحدثته الحروب الخمسة التي عاشها سكان القطاع بين أعوام 2008 و2022 والتي أسفرت مجتمعة عن نحو 4300 قتيل، فيما بلغ عجز الميزانية الإسرائيلية ذروته ولم تحسم الحرب بعد

منذ أن سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة عام 2007 وأخضعته إسرائيل لحصار بري وبحري وجوي اعتاد الغزيون بين فينة وأخرى سماع دوي انفجارات وغارات والركض حفاة صارخين من منزل إلى آخر.

وعلى رغم قساوة الحرب التي أصبحت جزءاً من نمط حياتهم المضني خلال العقدين الماضيين فإن المعارك الجارية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لا تشبه أياً من الحروب السابقة التي عاشها الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء، ليس لكونها مختلفة نسبة إلى كبر وحجم العملية غير المسبوقة التي نفذتها "حماس" في مستوطنات غلاف غزة وما أعقبها من "انتقام كاسح" كما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بل لحجم الخسائر البشرية وهول الدمار الذي أحدثته الحرب التي وصفها خبراء بأنها تعد الآن من أكثر الحروب دموية وتدميراً في التاريخ الحديث، كما خلقت قدراً من الدمار أكبر من الذي لحق بحلب السورية بين عامي 2012 و2016، أو ماريوبول في أوكرانيا أو قصف الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

وفق وزارة الصحة الفلسطينية، فإن حصيلة القتلى في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن تجاوزت 35 ألف قتيل ونحو 80 ألف مصاب، وهي أرقام تفوق كثيراً ما أحدثته الحروب الخمسة التي عاشها سكان القطاع بين أعوام 2008 و2022 والتي أسفرت مجتمعة عن نحو 4300 قتيل.

وبحسب تقرير منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، قتل خلال الحرب الجارية أكثر من 9500 امرأة و14500 طفل، وأجبر ما يزيد على حوالى 1.7 مليون فلسطيني على النزوح داخلياً وترك منازلهم، التي سوي معظمها بالأرض. وتقول منظمات أممية، إن أكثر من 70 في المئة من المباني السكنية والـمرافق العامة والبنى التحتية المهمة في غزة تم تدميرها بالكامل مخلفة نحو 26 مليون طن من الحطام والركام، في حين تشير التقديرات إلى أن إزالتها تستغرق سنوات.

في السياق نفسه، يشير تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي إلى أن أكثر من نصف سكان القطاع الفلسطيني باتوا على شفا المجاعة، كما يعاني كامل السكان انعدام أمن غذائي وسوء تغذية حادين، فنحو مليون شخص في غزة بلا مأوى، فيما أصبح 75 في المئة من السكان مشردين.

 

مأساة غير مسبوقة

بسبب تدمير80 في المئة من البنية التحتية للقطاع، وحرمان الغزيين من الغذاء والماء والوقود والكهرباء، والانهيار شبه التام في نظامي التعليم والصحة وتدمير الطرق والمواصلات والاتصالات والتكنولوجيا والخدمات البلدية والصناعة والزراعة وقطاعات حياتية أخرى. تتضاعف مأساة سكان غزة الإنسانية يومياً والذين يعيشون منذ أكثر من 227 يوماً ظروفاً قاهرة لم يسبق أن تخيلوا حدوثها حتى في أسوأ وأشد سنوات القطاع حصاراً.

 ويرى مراقبون أن قطاع غزة في ظروفه الحالية لم يعد صالحاً للعيش. في حين يقدر مكتب الإعلام الحكومي في القطاع أن أكثر من 70 ألف وحدة سكنية دمرت جراء الحرب بصورة كلية وإلحاق أضرار شديدة ومتوسطة بنحو 600 ألف أخرى، إلى جانب استهداف 155 مؤسسة صحية أدت إلى إخراج 32 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة وتدمير أكثر من 126 سيارة إسعاف، كما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية 168 مقراً حكومياً بينها وزارات ومؤسسات مدنية ومقار أمنية وشرطية ومحاكم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأسفرت تلك الغارات عن تدمير223  مسجداً بصورة كلية و289 لحق بها دمار جزئي إضافة إلى تدمير 3 كنائس و100 مدرسة بصورة كلية، وإلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 300 أخرى إضافة إلى تدمير كلي لجميع الجامعات.

من جانبها، أوضحت وزارة الثقافة الفلسطينية أن قرب 200 موقع أثري ومبان تاريخية بينها مراكز ثقافية ومساجد وكنائس تاريخية ودور نشر ومطابع واستوديوهات وشركات إنتاج إعلامي وفني ومقار مؤسسات إعلامية دمرت كاملة. ولحقت أضرار متفاوتة بأكثر من 146 بيتاً لها قيمة تاريخية في البلدة القديمة بمدينة غزة. ووفقاً لمقرر الأمم المتحدة للحق بسكن لائق يعد تدمير المباني أحد صور قتل المجتمعات والذاكرة الجماعية لها. وتشير البيانات الأولية إلى تدمير نصف المساحة الزراعية في القطاع خصوصاً في مدينة غزة وشمالها مما أدى إلى توقف قرب نصف مليون عامل عن ممارسة مهنهم في غزة إضافة إلى خسائر مالية كارثية تقدر بنحو 30 مليار دولار، ورفع نسبة الفقر إلى 90 في المئة مما خلق واقعاً مأسوياً أجبر غالبية الغزيين على الاعتماد على المساعدات الإغاثية.

أزمة استراتيجية

الحرب الطاحنة غير المسبوقة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة للشهر الثامن من أجل اجتثاث "حماس" والقضاء على قدراتها العسكرية وترميم صورة الردع الإسرائيلية ومكانتها في المنطقة لم تحسم بعد، مما وضعها في أزمة استراتيجية ليس فقط لأنها لم تنجح خلال 227 يوماً من الحرب في فرض شروطها لوقف إطلاق النار أو تحرر الأسرى والمخطوفين بل لأن الحرب تسببت في خسائر قياسية وأضرار على المستويات العسكرية واللوجستية والاقتصادية كافة بصورة لم يسبق لها مثيل، وإلى جانب حجم الخسائر البشرية الذي يتكبده الجيش الإسرائيلي التي لا تنحصر في عدد القتلى بين صفوفه وتشمل الجرحى وحالات الإصابة ونسبة الإعاقات الدائمة والإعاقات في مجال الصحة النفسية.

التقديرات الصادرة عن بنك إسرائيل تشير إلى أن الحرب على جبهتي غزة ولبنان ستكلف إسرائيل ما يقارب 300 مليار شيكل (81 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024، إضافة إلى الخسائر والأضرار غير المباشرة على مختلف الفروع والقطاعات الاقتصادية والتجارية وسوق العمل الإسرائيلي، وأدى نقص العمالة في قطاع البناء الذي يعد من أكثر القطاعات حيوية في إسرائيل ويصل إلى 140 ألف عامل إلى تكبد خسائر أسبوعية قدرت بنحو 644 مليون دولار إلى جانب 15 في المئة خسائر باستثمارات قطاع التقنية الفائقة مع تراجع كبير في قطاعات السياحة والزراعة والطيران، مما أدى إلى تراجع دخل الإسرائيليين بـ 20 في المئة.

 

وأشارت بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية إلى أن الحرب تسببت في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال تم إيواؤهم داخل 438 فندقاً ومنشأة إخلاء مما كلف الحكومة الإسرائيلية 6.4 مليار شيكل (ما يقارب 1.74 مليار دولار).

ويذكر أغلب المحللين أن العجز في الميزانية العامة بات كبيراً جداً ووصل إلى ذروة جديدة خلال الأشهر الماضية بسبب الكلفة المرتفعة والمستمرة للحرب وتراجع تصنيف إسرائيل الائتماني في وكالتين دوليتين والذي يفضي وفقاً لما تجمع عليه معظم التحليلات الاقتصادية إلى زيادة الضرائب وازدياد القروض الدولية التي ستطلبها إسرائيل مستقبلاً.

نقطة تحول

تداعيات الحرب التي تعد الأطول والأقسى في تاريخ إسرائيل لم تتوقف عند خسائر اقتصادية وبشرية واستراتيجية وتصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي والمشهد السياسي الداخلي، بل طاولت مكانة وصورة إسرائيل في الرأي العام العالمي، إذ أدى اتهام إسرائيل في المحكمة الدولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة وإصدار مذكرات اعتقال ضد قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية من المحكمة الجنائية الدولية إلى اتساع وتيرة الاحتجاجات العالمية المطالبة بمقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الأكاديمية والبحثية، خصوصاً بعدما أصبحت فلسطين محوراً لـ "الحركة الطلابية الأميركية" التي تحتل تاريخياً دوراً كبيراً في تغيير السياسة الأميركية.

كما أدى نشوء مقاطعة دولية جدية عالمية لأعمال فنية وثقافية وسينمائية إسرائيلية إلى مضاعفة تخوفات تل أبيب من تراجع كبير لإمكانات التعاون بين المؤسسات الإسرائيلية والأفراد ونظرائهم في العالم، وإلغاء مشاريع تعاون قائمة بالغة الأهمية بالنسبة إلى الإسرائيليين، بينها برنامج "هورايزن 2020" للبحث والتطوير وبرنامج "إيراسموس+" لدعم وتطوير التعاون الأكاديمي الدولي، وتشجيع الابتكار والتميز في التدريس التابعين للاتحاد الأوروبي.

 

إلى جانب ذلك، تخشى الجامعات الإسرائيلية من أن تطاول الاحتجاجات الطلابية التي تزداد صرامة صندوق أبحاث الولايات المتحدة وإسرائيل (BSF) للتعاون البحثي والأكاديمي، الذي أسس عام 1972 لتعزيز ودعم الأبحاث المشتركة والابتكارات لمجموعة واسعة من التخصصات العلمية، وكذلك برنامج الأبحاث العلمية الأكاديمية مع ألمانيا (GIF) الذي يوفر منذ عام 1986 فرص تمويل ومنح بحثية مشتركة، وبخاصة في مجال البحوث الأساسية لمجموعات بحثية من الجامعات والمستشفيات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى من إسرائيل وألمانيا.

تجفيف موارد

وتقع كل من جامعات كولومبيا التي تربطها علاقات مع أربع جامعات إسرائيلية وجامعة ييل التي تتبنى برنامجاً للتبادل الطلابي مع سبع جامعات إسرائيلية وهارفارد التي تتعاون مع ثلاث من هذه الجامعات، في مرمى الاحتجاجات والثورة الطلابية العالمية، بسبب علاقات تلك الجامعات مع إسرائيل، إذ يصر طلاب جامعة كولومبيا على إنهاء استثمارات جامعتهم في شركتي التكنولوجيا العملاقتين "أمازون" و"غوغل" اللتين أبرمتا عقداً للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية.

وقد أجمع أكاديميون إسرائيليون أن الوضع الراهن لا سابق له وأن اتساع الحراك الطلابي والمظاهرات إلى دول أخرى بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والهند يشكل تهديداً جدياً على القدرات البحثية والأكاديمية للباحثين الإسرائيليين، وقد يؤدي إلى تجفيف موارد العمل الأكاديمي الإسرائيلي وأدواته خصوصاً أن هذه الاتفاقات منحت المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية على مدار عقود الأدوات والموارد ومليارات الدولارات والتعاون الدولي، التي أسهمت مجتمعة في رفع الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية لتصبح من أبرز المؤسسات العلمية الدولية التي عززت مكانة إسرائيل الدولية.

 

ووفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن ثمة حالات متزايدة من طرد للعلماء من مجموعات بحثية دولية وإلغاء دعوات لمؤتمرات وتجميد تعيينات وإنهاء للتعاون الأكاديمي ورفض المقالات العلمية لأسباب سياسية وتخريب محاضرات ورفض المشاركة في إجراءات ترقية لأعضاء هيئات التدريس الإسرائيليين. في حين أكد متخصصون لوسائل إعلام إسرائيلية أن أفراداً ومراكز في مؤسسات عالمية يرفضون علناً التعاون مع أكاديميين إسرائيليين ويرسلون رسائل توضح أن أسباب الرفض نابعة من تصرفات إسرائيل في الحرب على غزة.

بعيداً عن مجريات ومحطات الصراع المتجذر بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ ما يزيد على 75 عاماً يدرك القاصي والداني أن ما يجري في غزة اليوم يتجاوز في تأثيره نطاق الشريط الجغرافي الضيق الذي يرتص فيه 2.3 مليون فلسطيني في زحام شديد وأنه حدث يجر العالم هذه المرة إلى مناطق قد تقلب الموازين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير