Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موارد المياه والغاز في شمال إسرائيل تحت أخطار الحرب

أخليت بأمر رسمي عشرات المستوطنات والمواجهات مستمرة مع "حزب الله"

تعتبر الحدود الشمالية "الريفية" لإسرائيل مسؤولة عن جزء كبير من إنتاج الغذاء في البلاد (أ ب)

ملخص

تعتبر مناطق شمال إسرائيل الخزان الأساسي للمياه والزراعات، إذ يعتمد الأمن الغذائي بنسبة كبيرة على المصادر النباتية والحيوانية من تلك المنطقة، وكذلك تضم حقول الغاز في المياه الإقليمية المحاذية للبنان، كما تعتبر الحصن المتين للدفاع عن إسرائيل، نظراً إلى أهمية موقعها الاستراتيجي مع لبنان وسوريا.

منذ اندلاع الصراع الدائر بعد هجوم "حماس" على غلاف غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، خيمت أجواء الحرب على شمال إسرائيل مع تصاعد المواجهات بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي عبر الحدود، إذ أجلت إسرائيل نحو 80 ألفاً من مواطنيها من البلدات والمستوطنات الشمالية، وهي أول عملية إخلاء جماعي للمنطقة في تاريخها.

وأخليت بأمر رسمي 43 مستوطنة حدودية بشكل كلي (باستثناء كريات شمونة التي يقطنها 25 ألف نسمة تم إخلاؤها بشكل شبه كلي)، و14 مستوطنة أخليت بغالبيتها على رغم عدم صدور أمر رسمي، وأخليت 20 مستوطنة جزئياً لم يصدر في حقها أمر رسمي أيضاً، وتوقفت جميع النشاطات الإدارية الرسمية في المستوطنات ضمن حدود كيلومترين مع "الخط الأزرق" (هو الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان من جهة أخرى عام 2000) باستثناء القطاعات العسكرية والصحية.

وبحسب الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ في إسرائيل، فإن وزارة السياحة توفر أماكن إقامة للنازحين في الفنادق وغرف الضيوف التي تمولها الحكومة، إضافة إلى بيانات حول توفر الفنادق في جميع أنحاء البلاد وإمكان انتقال النازحين إليها، كذلك يمكن للعائلات المؤهلة أن تطلب تعويضاً من الحكومة إذا كانت ترغب في البقاء في مكان آخر.

الأغلبية العربية

وتعتبر منطقة الشمال منطقة إدارية إسرائيلية مركزها مدينة الناصرة، وهي واحدة من ست مناطق إدارية (ألوية) إسرائيلية منذ حرب 1948، أما المناطق الأخرى الخمس فهي: لواء "تل أبيب" ولواء "حيفا" واللواء "الأوسط" ولواء "القدس" ولواء "الجنوب".

 

ويشكل "الجليل" ومرج "بن عامر" جزأين كبيرين من هذه المنطقة، وهما من أكثر المناطق الإسرائيلية كثافة بالسكان العرب (عرب 48)، الذين يشكلون 53 في المئة من سكان هذا اللواء، وهي المنطقة الوحيدة في إسرائيل ذات غالبية عربية.

ووفقاً لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لعام 2022، يبلغ عدد سكان المنطقة الشمالية 1.5 مليون نسمة، يشكل اليهود 43 في المئة منهم، فيما يشكل المسلمون 40 في المئة والدروز تسعة في المئة والمسيحيون سبعة في المئة.

دولة الجليل

ومع مرور أشهر على نزوحهم من الشمال بدأت تتصاعد نقمة المستوطنين في الشمال، وبدا ذلك بوضوح لدى اجتماع رؤساء المستوطنات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وطالب هؤلاء بحسم المعركة مع "حزب الله" وتأمين عودتهم لبيوتهم.

وأخيراً يبدو أن الغضب وصل إلى حدود خطرة، إذ أفاد موقع "والاه" الإسرائيلي بأن سلطات الشمال "ستعلن في يوم الاستقلال إقامة دولة الجليل والانفصال عن إسرائيل"، معتبرين أن الحكومة تتقاعس عن إعادة الأمان للشمال، في حين أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن مستوطني الشمال يستعدون لتظاهرات بهدف المطالبة بإبعاد "حزب الله" عن السياج الحدودي وإقامة منطقة عازلة.

ويخشى رؤساء السلطات في عشرات المستوطنات التي أخليت من خط المواجهة في الشمال أن تطول مدة النزوح من دون أفق واضح، مما سيؤدي إلى أضرار كبيرة في مستقبل تلك المناطق على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

"حزب الله"

وقال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله أمس الإثنين إن سكان المناطق الشمالية في إسرائيل لن يكون بمقدورهم العودة لديارهم مع بداية العام الدراسي المقبل، إذا ما استمر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معدلات الهجرة

وفي سياق متصل، توقع الخبير العسكري جمال الرفاعي أن التوتر في الشمال سيؤثر في معدلات الهجرة إلى إسرائيل، بعد أن باتت الحرب في داخلها، معتبراً أن بعض الذين هربوا من الحرب الأخيرة إلى أوروبا قد لا يعودون، إذ "كيف لإنسان طبيعي حياته مرفهة قادم من أوروبا أن يعيش في هذه الأجواء حيث صواريخ ’حزب الله‘ تمطر الشمال؟ وكيف للسياحة التي هي جزء من الاقتصاد الإسرائيلي أن تنتعش؟".

وبرأيه في حال استمرار الأمور على حالها، فإن الرجوع لمستوطنات الشمال قد يكون مستحيلاً خلال العامين المقبلين، فهناك أزمة ثقة كبيرة بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وباتوا يرونه ضعيفاً للغاية بعد عملية "طوفان الأقصى"، وتابع "أعتقد أن هذه المستوطنات الفارغة ستكون جزءاً من منطقة عازلة تنوي إسرائيل إقامتها".

لواء "ههاريم"

وفي الاستراتيجية العسكرية تعتبر "منطقة الشمال" السياج الصلب لحماية الداخل الإسرائيلي كونها تمتد على طول 81 كيلومتراً مع لبنان و76 كيلومتراً مع سوريا، فضلاً عن أن طبيعة الجغرافية تضفي على المنطقة أهمية عسكرية استراتيجية، إذ تحوي مرتفعات وجبالاً عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة على القمم، كما تقدم أفضلية في السيطرة الميدانية والاستخبارية والتكتيكية.

 

ومع زيادة التوتر على الحدود الإسرائيلية الشمالية، أعلن الجيش الإسرائيلي تشكيل لواء عسكري جديد باسم "ههاريم" (لواء الجبال)، يتبع للقيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، وهو متخصص في خوض القتال الجبلي وسط التضاريس الصعبة والمناطق الجبلية مع لبنان وسوريا، إذ يتركز النشاط والعمل العسكري للواء على طول الحدود مع لبنان والجولان، ليكون جزءاً من فرقة "باشان 210"، وسيحل بدلاً من لواء "حيرمون 810" الحالي الذي سيدمج تحت سيادة اللواء الجديد، الذي أقيم عقب تحليل الاحتياجات العملياتية للجيش أثناء الحرب.

وتضم القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي نحو 40 ألف جندي نظامي داخل الخدمة من أصل 170 ألفاً من عديد الجيش الذي يضم أيضاً 460 ألف جندي احتياطي.

خزان المياه والزراعة

وبحسب قاعدة بيانات أعدها "مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير"، يعد الشمال خزاناً مائياً وأرض المياه والينابيع والأنهار، ويضم أراضي خصبة تسمح بتنوع المحاصيل ووفرتها. ومع استخدام التقنيات المتقدمة وطرق الري المتطورة، تحول الشمال إلى مركز زراعي وصناعي، وصار الجليل مصدراً رئيساً للأمن الغذائي في إسرائيل. فمن مستوطنات الشمال يأتي 80 في المئة من إنتاج الدواجن، و40 في المئة من محاصيل الحمضيات، و95 في المئة من التفاح، وفيها أكثر من 30 مصنعاً تنتج أفخر وأجود أنواع النبيذ للاستهلاك المحلي والتصدير، وتبلغ قيمة الإنتاج السنوي لمزارع النحل في الشمال 1.1 مليار دولار.

وللجليل (خصوصاً الأعلى) أهمية سياحية كبيرة، إذ يقصده سنوياً حوالى 1.5 مليون سائح، ويتميز باجتذابه للسياحة الداخلية كمقصد للبيئة الريفية في الإجازات والمناسبات. وهو يشتمل على 211 موقعاً للسياحة الزراعية، و557 موقعاً للسياحة الطبيعية (محميات طبيعية، غابات، جداول وأنهار وشلالات، ينابيع معدنية ساخنة، كهوف طبيعية، منتجعات صحية وشعبية، معالجة روحية، والغابات والحدائق الوطنية)، و527 موقعاً للأنشطة السياحية (مسارات تسلق طبيعية، مراكز تزلج، تخييم، أنشطة مائية، ومسارات للمشي والدراجات)، و243 موقعاً للسياحة الثقافية (متاحف تاريخية، متاحف تاريخ المستوطنات في الشمال، مهرجانات موسيقية، مهرجانات فنية، ومواقع أثرية).

حقول الغاز

وضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية المقابلة للمنطقة الشمالية تقع حقول "كاريش" و"لفياثان" للغاز الطبيعي الذي يعد أكبر حقل غاز طبيعي بحري في البحر المتوسط، وتبلغ مساحته نحو 324 كيلومتراً، وتشير التقديرات إلى أن احتياطي الغاز فيه يصل من 22 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مما حول إسرائيل من بلد مستورد للغاز إلى بلد مصدر.

ونجحت إسرائيل عام 2022 بترسيم حدودها البحرية مع لبنان، مما سمح لها بتصدير الغاز والقيام بمسوحات استكشافية في المنطقة لاكتشاف حقول جديدة. وعلى رغم قرب منشآت ومنصات استخراج الغاز من الحدود اللبنانية، لا تزال بمنأى عن النزاعات العسكرية بين "حزب الله" وإسرائيل.

أضرار اقتصادية

ويشير الكاتب الصحافي حمزة الخنسا إلى أن إسرائيل تتكبد بسبب الأحداث في الشمال خسائر فادحة، إذ برأيه وصلت أضرار الأمن الغذائي إلى 60 في المئة، كما أن محاصيل زراعية ما زالت على الأشجار في الجليل الأعلى (القطاع الأوسط وجزء من القطاع الشرقي)، بسبب نقص الأيدي العاملة الزراعية، وكشف عن أن مزارع الدجاج تضررت بشكل كبير بسبب صواريخ "حزب الله"، وكذلك إغلاق أكثر من 24 مرعى لأسباب أمنية، وتركت أعداد كبيرة من الأبقار والماشية من دون رعاية أو عمال لحلبها، في حين لم يتمكن الجنود من التعامل معها، أو الوصول إليها.

ولفت إلى أن الخسائر الزراعية تشمل أيضاً ضرب القدرة على الإنتاج بالجودة والكمية في الموسم المقبل، وقد تمتد الأضرار لسنوات عدة، نتيجة عدم تأهيل التربة وتسميدها وتجهيز البساتين وتقليم الأشجار، ورعايتها من الحشرات والأمراض، وكلما طاولت مدة الحرب ارتفع حجم الأضرار واتسع تأثيرها الزمني في الزراعة. وأشار إلى أنه على صعيد الخسائر الصناعية والسياحية، تراجع متوسط إنتاج 85 مصنعاً كبيراً في الشمال والجليل الأعلى إلى نحو 70 في المئة، وتجمد القطاع السياحي كلياً، فخسر منتجع حرمون موسم التزلج، علماً أنه منتجع التزلج الوحيد في إسرائيل، ويستقبل بين 300 إلى 400 ألف زائر سنوياً.

المزيد من الشرق الأوسط