Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزب البعث السوري... يتغير أم يتلون ليكسب الخارج؟

صحب انتخابات الحزب تغيير في مؤسسات نظامية وإعادة هيكلة أمنية

صار حزب البعث هو "الحزب الحاكم" للنظام السوري، وليس الحزب القائد، وتالياً يقتضي ذلك إخراجه إدارياً من المؤسسات والإدارات والهيكلية العامة والبنيوية للدولة بمفهومها الشامل (إعلام حزب البعث)

ملخص

أجرى حزب البعث في سوريا انتخابات وصفها البعض بـ"التاريخية"، فهل يتخطى عقوداً من البيروقراطية والتفرد بالحكم؟

جرت في الرابع من مايو (أيار) الجاري انتخابات هي الأكبر والأوسع والأشمل على مستوى "حزب البعث العربي الاشتراكي" في سوريا، الحزب الذي كان ينص الدستور السوري على أنه "قائد للدولة والمجتمع"، وفق المادة الثامنة من الدستور السابق الذي جرى تعديله عام 2012 بعد عام على اندلاع الحرب في البلاد حيث ألغيت تلك المادة.

فعلياً ونظرياً ظل "البعث" قائداً للدولة والمجتمع ومتحكماً في مفاصلها، حتى جرى تحول كبير في سياق الأحداث الداخلية ضمن الحزب في إطار الانتخابات الأخيرة التي نقلت إلغاء تلك المادة إلى حيز التنفيذ، ليصير حزب البعث هو "الحزب الحاكم" للنظام السوري، وليس الحزب القائد، وتالياً يقتضي ذلك إخراجه إدارياً من المؤسسات والإدارات والهيكلية العامة والبنيوية للدولة بمفهومها الشامل، وفق ما أكده قادة بعثيون في أكثر من مناسبة.

انتخابات غير مسبوقة في طبيعتها

خلال الانتخابات الأخيرة، جرى انتخاب رئيس النظام بشار الأسد مجدداً أميناً عاماً للحزب ليظل محافظاً على منصبه منذ توليه مقاليد الحكم أواسط عام 2000، ولكن عاصفة ضربت بقية مفاصل الحزب الذي راح باتجاه الابتعاد عن التعيين في المناصب داخله (التعيين كان يتم من قبل القيادة للمسؤولين في الدرجة الأدنى)، ليصبح هذه المرة انتخاب "الرفاق" مباشراً من رفاقهم الآخرين وفق نظام أتمتمة حاسوبية خضعت لرقابة دقيقة وعلنية.

الانتخابات الحزبية كانت بدأت قبل ذلك بأشهر على مستوى القواعد الحزبية في المحافظات وصولاً للمؤتمر الانتخابي النهائي الموسع في الرابع من مايو الذي ستنتج عنه لاحقاً الهيكلية الجديدة للحزب، ليفوز 80 شخصاً بعضوية اللجنة المركزية للحزب عبر الانتخابات، وليكون وفق النظام الداخلي للحزب، من حق الأمين العام تسمية 45 عضواً مباشرة، ليصير عدد أعضاء اللجنة المركزية الموسعة 125 عضواً، وهؤلاء بدورهم سينتخبون أعضاء القيادة "المركزية" الجدد.

وفي سباق الحصول على المقعد الأقوى في الحزب نجح من بين أولئك الـ125 "رفيقاً"، 14 مرشحاً، 11 منهم يمثلون القيادة المركزية العليا ويضاف إليهم بحسب القانون ثلاثة أعضاء "بحكم المنصب"، وهم رئيس مجلس الشعب الحالي حمودة الصباغ، ورئيس الحكومة الحالي حسين عرنوس، ووزير الدفاع الحالي علي محمود عباس. ومن بين أولئك تم اختيار الدكتور إبراهيم حديد ليشغل منصب الأمين العام المساعد لحزب البعث بديلاً عن الأمين السابق هلال الهلال، الذي شغل منصبه لقرابة 10 أعوام.


مفاجآت انتخابية

وحملت الانتخابات مفاجآت غير متوقعة على صعيد الشارع أولاً، والحزب ثانياً، وكان أهمها أن القيادة التي نجحت جديدة كلياً، فيما لم ينجح أحد من "الحرس القديم" أي أعضاء القيادة السابقين، الذين يحملون أسماء "وازنة" ضمن النظام.

ومن بين الناجحين ليكونوا أعضاء قيادة، ثلاثة محافظين في دير الزور، ودمشق، وحماه، ورئيس جامعة الفرات، إذ منع الجمع بين منصبين ليصار إلى تفريغ الناجحين لمهماتهم الحزبية الجديدة، تزامناً مع تعيين لجنة رقابة وتفتيش جديدة لتراقب عمل الحزب. وقد اجتمع الأسد مع القيادة الجديدة ولجنة الرقابة وكذلك اجتمع مع القيادة القديمة مودعاً.

وخلال كلمته في الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب بوصفه الأمين العام تحدث الأسد عن مفهوم علاقة الحزب بالسلطة وعن "مراجعة النظام الداخلي للحزب ودور اللجنة المركزية كعصب رئيس للحزب، ودور لجنة الرقابة، والتفتيش الحزبي، وعملية المحاسبة داخل الحزب، وعن أهمية تطوير البنية التنظيمية كحاجة حزبية ووطنية، وبناء مؤسسة الحزب".

وتطرق في الحديث إلى "النهج الاشتراكي لحزب البعث بين الأيديولوجيا من جهة والقواعد الاقتصادية من جهة أخرى".

الإمساك بالحزب للمستقبل

يبدو من سير الأحداث ومنهجيتها وآليتها أن شيئاً ما يحصل داخل حزب البعث بحسب متابعين للشأن السياسي، شيء أبعد من الإصلاح الداخلي لحزب كاد يصير عمره قرناً، بل خطة كاملة للتوجه بالبلاد من خلاله نحو نوع من التشاركية المطلوبة في سياق تكامل عمل الأحزاب على الأرض، بخاصة أن آراء سياسية تقول اليوم إن اصطلاح الـ"حزب الحاكم" ليس أكثر دقة من "حزب الأغلبية" الذي سيكون جاهزاً وحاضراً للمشاركة في أي شكل سياسي مقبل تفرضه الظروف الإقليمية والدولية بعد انتهاء ملفات قريبة كالقمة العربية الدورية المقبلة في البحرين، وملفات أبعد كحرب غزة. وما بينهما وخلالهما من تأخر في مسار "خطوة بخطوة" لإخراج سوريا من أزمتها، فهل الإمساك بالحزب يعتبر ضمانة سياسية غير قابلة للانتزاع في مهب الأشهر المقبلة وما ستواجهه دمشق من شروط تتعلق بتطويقها بتطبيق القرار الأممي 2254 وما يتبعه من عملية انتقال سياسي؟

ليس تراجعاً بل إعادة تموضع

وأكد الأسد في سياق الانتخابات الحزبية أنها ستكون مفصلاً حقيقياً في تاريخ الحزب، وأن التطوير الجاري ليس استجابة لظروف وضغوط خارجية كما يحلو للبعض أن يحلل المشهد أحياناً، وإنما هذه العملية هي تطوير لأنها حاجة حسية ووطنية وطبيعية. ولأن سياسات الحكومة يجب أن تنبثق من رؤية الحزب من دون أن يلغي أحدهما الآخر.

وبحسب الأسد، فإن ما يجري ليس تراجعاً في الحزب وإنما هي عملية إعادة تموضع ضرورية، وتهدف لحماية الحزب من إشكالات العمل الإجرائي اليومي الذي تقوم به الحكومة، بالتالي تحميل الحزب مسؤوليات لا يحملها.

صدى الشارع

لأن الانتخابات حظيت بما حظيت به من ضجة في الشارع ما زالت مستمرة حتى الآن، فقد تباينت آراء السوريين حولها من بعثيين وغير بعثيين، كل رآها من زاويته الخاصة ربطاً بالحرب المستمرة وافتراض "التحول" الكبير الآتي.

المهندس "البعثي" هاني زيدان عبر عن رأيه بتلك الانتخابات بقوله، "أنا كمعظم جيلي تم تنسيبنا إلى الحزب حين كنا في المدرسة الثانوية، وكنا ندفع الاشتراكات الشهرية، لاحقاً توقفت عن الدفع، لا أدري إن كنت اليوم بعثياً أم لا، في الحقيقة الموضوع لم أكن متحمساً لمتابعة الانتخابات، ولكن الحملة الإعلامية التي رافقتها جعلت من مضمونها أمراً لافتاً للانتباه".

ويضيف، "إن كان الحزب فعلاً سيخرج من مؤسسات الدولة عملياً لا نظرياً، فهذا يعني تطوراً كبيراً وبداية مرحلة جديدة لا يحكم فيها البعث التعيينات والقرارات والإدارات والتشكيلات، وسيكون صورة من صور التحول المدني المطلق نحو الاستقلالية في عنصر الرأي. الآن لا يمكنني قول شيء سوى إن الوقت هو من سيحكم على آلية التطبيق".

بدورها بينت المدرسة "البعثية" سما الصوفي أنها لم تكترث لما حصل بقولها، "حين توزيع الغنائم لا أحد يتذكر الصغار".

وتكمل، "الجميع يتحدث عن ضخامة التحول السياسي الحاصل، لكن راتبي ما زال 25 دولاراً، وسيظل كذلك، لذلك أعتقد أن علينا ألا نوسع دائرة أحلامنا كثيراً ونحن جوعى".

عمران الشيخ مواطن مستقل حزبياً ولم ينتمِ لـ"البعث" أو غيره طوال حياته، يعد أن السوريين صاروا فقهاء في السياسة بعد 13 عاماً ونيف من حربهم، وهم يعلمون جيداً كيف يمكن لحزب صار "حاكماً" أن يلعب دوراً متجدداً في الحياة السياسية أبعد وأوسع من العباءة التي كان يرتديها سابقاً، "لم يعد الحزب الآن يتحمل كل شيء منفرداً، لنرى ما سيفعله".

ويضيف، "السياسة هي فن الممكن والتحايل في الوقت ذاته، اليوم يطرح (البعث) نفسه كلاعب جديد بنفس شاب متفتح، أنا لا أريد أن أكون محبطاً أو سوداوياً، ولكن إن كان الحزب يريد التغيير فهو سيحتاج إلى عقود لتلافي عقود سابقة من التشتت، وهذا بافتراض سقف النية الحسنة التي أظهرتها الانتخابات، مع التذكر أن السوري القابع اليوم في عمق الدوامة يحتاج تحركات فورية ومباشرة".

منتصر رضوان "بعثي" آخر ويعمل في مجال المقاولات، تابع الانتخابات منذ بدايتها قبل أشهر وصولاً إلى يومها الختامي بانتباه شديد، مرحباً "بالإجراءات والآليات الجديدة والقرارات المتخذة والتغيرات الحاصلة"، وهو يراهن على أن هذه الخطوة ستنقل سوريا إلى نمط مختلف تماماً.

ويقول في معرض حديثه، "ليس عيباً أن تتأخر، المهم أن تصل، والحزب اليوم أعاد بناء نفسه وضخ الدم من جديد في عروقه، أتفق أنا وأعداد كبيرة جداً في الداخل السوري أن هذا الحزب الذي انتمينا إليه في شبابنا وانتمى إليه آباؤنا في شبابهم، سيعود ليتخذ دوره التاريخي في إنقاذ سوريا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحولات سابقة

خلال سنوات الحرب كان الحزب يجري تعديلات في خطوطه العامة، وكان أبرزها تحوله من حزب قومي عربي عام ينشط رفقة أحزاب البعث في بقية الدول العربية إلى حزب محلي ينشط ضمن "القطر السوري" فقط.

وعليه تم إلغاء ما كان يعرف تاريخياً بـ"القيادة القومية" التي كانت رديفاً لـ"القيادة القطرية" فيما تحولت الأخيرة تسمية من القطرية إلى القيادة المركزية وتزامن معها إلغاء منصب الأمين القطري المساعد، وحل مكانه تسمية الأمين العام المساعد، الذي يكون أقل رتبة من الأمين العام للحزب.

رسائل أبعد من الداخل

لا يمكن فصل الانتخابات الأخيرة مطلع هذا الشهر، التي بدأ التحضير لها من القواعد وصولاً إلى أعلى الهرم قبل أشهر، عن جملة أسباب ومتغيرات حصلت ولا تزال على صعيد الداخل السوري بأكمله، ولعلها بمجملها تحمل رسائل أبعد من وضعها في سلة الجمهور المحلي، فقد شهد النظام السوري خلال الأشهر الماضية إطلاق عمليات مكافحة فساد واسعة طالت رجال أعمال نافذين كادوا يتخطون الدولة نفسها في ممارساتهم وسيطرتهم على الأرض واستحواذهم على ثروات قيمة وإدارتهم لشؤون في غاية الدقة والحساسية، العملية تلك لم تتوقف لدى رجال الأعمال هؤلاء، بل طالت معهم قيادات أمنية من الوزن الثقيل مطلع العام الحالي.

إضافة لذلك سحبت أدوار رئيسة من جهات متعددة وتم إعادتها إلى سياقها الطبيعي بما يخدم الدولة عينها كمؤسسات بعيداً من المصالح الفردية التي أدت إلى نشوء شبهات إثراء غير مشروع كانت حصيلته أرقاماً لا يمكن تخيلها.

إجراءات غير متوقعة

رفقة كل ذلك أعيد تشكيل معظم أجهزة الأمن السورية، ونقل ضباط كبار وتسليم آخرين وإعادة بناء أشكال هرمية جديدة بأسماء جديدة والاستغناء عن القديمة غالباً أو إعادة وضعها في أماكن أخرى لتسلم مهام يمكنهم تقديم خبراتهم الاستشارية فيها، كما جرى خلال ذلك إعادة استدعاء ضباط متقاعدين من رتبة "لواء" (ثالث أعلى رتبة عسكرية في سوريا)، للخدمة من جديد على شكل ضباط مستشارين في قطاعات متعددة.

وكذلك إحكام قبضة جهاز الأمن الوطني أكثر على بقية الأجهزة وهو المسؤول عن الإدارات الأمنية دستورياً ومتابعته ملفات الفساد والتوجيه بمتابعتها أو تنفيذ توجيهات القصر الرئاسي بمتابعتها، ويضاف إلى كل ذلك ما يثار في الشارع من إشاعات لا يمكن التحقق منها فعلياً حول دمج إدارات أمنية ببعضها وإحداث أخرى أكثر حيوية مستقبلاً.

ولعل اللافت أكثر من كل ذلك هو إلغاء وزارة رئاسة الجمهورية وتحويلها إلى أمانة عامة اسمها "الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية" وإلى تلك الأمانة صار يتبع مستشارو الرئيس، فصار اسمهم مستشارون في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية وليس كما كانوا سابقاً مستشاري رئيس الجمهورية.

عين على الداخل وأخرى على الخارج

كل تلك الإجراءات تمت في فترة وجيزة للغاية، خلال أشهر فقط، وكلها بحسب متابعين للشأن السياسي، توحي بأن رسالة كبرى يراد إيصالها للخارج عن نية سوريا القبول بالتحول المؤسساتي والتوجه نحو شكل من أشكال الديمقراطية والهيكلية السليمة.

من انتخابات الحزب "المفصلية" تاريخياً إلى تغيير شكل المؤسسات ضمن النظام السوري وإعادة الهيكلة الأمنية واستحداث أنظمة وأشكال جديدة لم يألفها السوريون وغيرهم، لعلها جميعها تصب في إطار واحد وهو أن النظام لا يريد خسارة المبادرة العربية وفي الوقت ذاته لا يريد الخضوع لشروطها بالكامل، وفق خبراء سياسيين.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات