Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تكوين".. ضجيج مصري حول "الشبهة" و"التنوير"

اتهامات بـ"ازدراء الأديان والتشكيك في الثوابت والتخوين والعمالة" تلاحق القائمين على مركز الفكر وتباين حول دوافع الجدل بين محاولة لـ"الإلهاء" و"محاربة التنويريين"

وفق البعض فإن الضجة التي أحدثها "تكوين" ليس بسبب ما يقوله من تصدروا المشروع وإنما "لسوء سمعة أغلبهم وضعفهم العلمي" (الصفحة الرسمية لفاطمة ناعوت عضو مجلس الأمناء على فيسبوك)

ملخص

بينما فسر أحد القائمين على "تكوين" لـ"اندبندنت عربية" الضجة التي صاحبت تدشين المركز إلى مواقف "رافضة التجديد لمصالح شخصية" قال آخرون إن السبب يكمن في "سوء سمعة من تصدروا المركز وضعفهم العلمي فضلاً عن ادعائهم التنوير" وأن "التنوير ليس لعبة لإلهاء الناس أو لفت نظرهم بعيداً من المشكلة الحقيقية أو وسيلة لخداع جديد لهم ولا فرصة لخطف مال، ولا اصطياد شهرة"

بين تهم "ازدراء الأديان" و"التشكيك في ثوابت الدين والثقافة ونشر الفتنة في العالم العربي والإسلامي"، وصولاً إلى حد "التخوين والعمالة"، والمطالبة بـ"إغلاق المركز"، تتصاعد ولا تزال حدة الجدل في مصر بعد إعلان مجموعة من المثقفين والكتاب العرب غالبيتهم مصريون، تدشين مركز فكري جديد حمل اسم مؤسسة "تكوين الفكر العربي".

المؤسسة التي أطلقت مؤتمرها التأسيسي في الرابع من مايو (أيار) الجاري، في حفل أقيم في المتحف المصري الكبير بالقاهرة و"بدا باذخاً" بحسب منتقديها، أعلنت أن هدفها الرئيس "إرساء قيم العقل والاستنارة والإصلاح وقبول الآخر والإيمان بمبادئ السلام العالمي بين المجتمعات والثقافات والأديان"، إضافة إلى "تطوير خطاب التسامح وفتح آفاق الحوار والتحفيز على المراجعة النقدية وطرح الأسئلة حول المسلمات الفكرية"، بحسب ما كتبت عبر موقعها الرسمي، فإن حديث وتفاعلات القائمين عليها خلال حفل التدشين، خلقت حالة "من الاشتباك الفكري والفلسفي" حول أهدافها، مما استدعى تدخلاً برلمانياً وقضائياً ومن الأزهر أيضاً على خط الجدل، فضلاً عن حالة من التراشق وتبادل الاتهامات عمت مواقع التواصل الاجتماعي وانخرط فيها رموز وشخصيات عامة، تصدر على وقعها هاشتاغ "إغلاق مركز تكوين" موقع "إكس"، خلال الأيام الماضية.

وأمام تحول الجدل حول "تكوين" في مصر إلى "أزمة" على ما يبدو وفق توصيف البعض، وانقسام الآراء حولها، استنكر كثير من المثقفين والمراقبين وحتى من القائمين على المؤسسة، ممن تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" "هذه الضجة"، بين من رأى أنها "محاولة استباقية قادها أشخاص لا مصلحة لهم في انتشار التنوير وإعمال المواطنين عقولهم"، وآخرين اعتبروا أنها محاولة "لإلهاء الشارع بعيداً من الأحداث التي تشهدها الحدود الشمالية الشرقية لمصر والحرب المستعرة في قطاع غزة مما يحدث في مدينة رفح الفلسطينية"، لا سيما مع ارتباط بعض أسماء القائمين على "تكوين" بمؤسسات الدولة، مع "علامات استفهام كبيرة" تحوم حول آراء بعضهم السابقة، فضلاً عن شكوك حول "رعاية رسمية لهم".

معركتا "طه حسين" و"زجاجة البيرة"

منذ الساعات الأولى من تدشين مركز "تكوين"، خلقت التصريحات التي أطلقها القائمون عليه في حفل الافتتاح، حالة من "التشكيك" في نوايا المركز، لا سيما مع إعلان تشكيل مجلس أمنائه من أسماء مثيرة للجدل، من أمثال الأديب والروائي يوسف زيدان والكاتب والإعلامي إبراهيم عيسي والكاتبة فاطمة ناعوت والباحث إسلام بحيري من مصر إضافة إلى الكاتب السوري فراس السواح والتونسية ألفة يوسف واللبنانية نادرة أبي نادر، وهو مما شكل معضلة ونفوراً بالنسبة للمنتقدين.

وجاءت أولى حالات الجدل، بعد استدعاء الحديث حول عميد الأدب العربي طه حسين (1889/1973) فضلاً عن الحديث حول ما يراه البعض "ثوابت الدين في الحديث والسنة والصحابة" ومناقشتها من غير المتخصصين.

وفي إحدى جلسات الافتتاح، انتشر مقطع مصور، يسأل فيه يوسف زيدان الباحث السوري فراس السواح، قائلاً، "من أفضل أنت أم طه حسين؟"، ليرد السواح قائلاً "أنا وأنت أفضل من طه حسين"، وهو الأمر الذي استدعى موجة من الانتقادات، دفعت زيدان لاحقاً للقول إنها كانت مجرد "مزحة"، مبدياً استغرابه من كل تلك البلبلة التي حصلت، ومشدداً على أن "طه حسين هو أستاذ الأجيال وعميد الأدب بلا منازع ولم نقصد الاستعلاء عليه".

وبجانب جدال "طه حسين"، صعدت معركة أخرى وصفها البعض بـ"معركة زجاجة البيرة"، وذلك بعد تدخل نجل الرئيس المصري الراحل علاء مبارك، على خط الجدل، ونشره صورة على صفحته بمنصة "إكس" ويظهر فيها مؤسسو المركز وبجوارهم زجاجة بيرة.

وفي تعليقه على الصورة، كتب نجل مبارك قائلاً "مركز تكوين الفكر العربي لماذا الحديث والكلام الكثير والهجوم على هذا الكيان! المركز أعلن أن من أهدافه نشر التنوير ونقد الأفكار الدينية المتطرفة وتعزيز قيم العقلانية وده كلام جميل جداً ومحترم بس (لكن) المشكلة أن هذا المركز يضم في الحقيقة بعض الأشخاص من أصحاب الأهواء الذين يشككون أساساً في السنة النبوية والعقيدة، ومنهم من يسيء للصحابة، رضى الله عنهم، ومنهم من شكك في رحلة الإسراء والمعراج، منكراً وجود المعراج".

وتابع قائلاً، "وهنا تأتي المشكلة لأنه ليس لكل من هب ودب (من له أهمية ومن ليس له) أو قرأ بعض الكتب والمراجع عن الدين والسنة يأتي ليتحدث ويفتي ويلقي بأفكاره حتى يشكك الناس في معتقداتهم ودينهم، فأفضل من يقوم بهذا هو الأزهر الشريف وعلماؤه ودور الأزهر الشريف هو إعادة النظر في المناهج وتصحيح المفاهيم الخطأ والشبهات المثارة حول الاعتقاد ومواجهة التطرف الفكري وبيان المعالم الحقيقة للدين الإسلامي". ليضيف بشكل ساخر، "نسيبنا (دعونا) من ده (هذا) كله بقى ونسأل السؤال المهم والأهم إزازة (زجاجة) البيرة الاستلا (نوع من المشروبات الروحية) المشبرة (الباردة) دي اللي (هذه التي) في الصورة بتاعت مين يا عفاريت (تخص من...)". وهو الأمر الذي لقي تفاعلاً واسعاً.

ورداً على تعليق نجل مبارك، خرج يوسف زيدان في بث مباشر، نشره عبر صفحته على "فيسبوك"، ليقول "بعتوا لي قالوا حتى علاء مبارك زعلان (غاضب) بيقول قولوا لنا يا عفاريت قزازة (زجاجة) البيرة دي بتاعة مين؟ نقولك يا سيدي مش بتاعة حد". وتابع: "هناك صورة ليا أنا وفاطمة ناعوت وفي الضهر (الخلف) فيه إزازة، قالوا إنها بيرة، ولقيت واحد من اللي بياكلوا عيش بالدين كاتب شربنا البيرة يالا بقى نجدد الخطاب الديني، إيه العباطة دي؟". وواصل: "يا أخي كبر الصورة وستعرف إنها فوتوشوب، أنا لا أشرب بيرة عشان بتنفخ لي بطني والمطعم فيه أجانب بس الصورة يظهر عجبت ناس، وهم معطوبو العقول ورؤساؤهم اللي بسميهم حراس التناحة (البلادة)، والغريب أنهم متدينون ولهم لحى كبيرة كده وبيكدبوا (يكذبون) جايب (وضع) لنا صورة وحاطين بالفوتوشوب إزازة بيرة".

هي الأخرى ردت فاطمة ناعوت أحد أعضاء مجلس أمناء المركز، على جدل "زجاجة البيرة"، قائلة إن "هذه الصورة من حفل عشاء في فندق (مينا هاوس) وهو حفل مفتوح لكل نزلاء الفندق من الأجانب وغيرهم، فإن المتربصين حاولوا إلصاق هذا الأمر السخيف بضيوف المؤتمر تحديداً بغرض تشويههم".

وتابعت: "كنا نحن أعضاء المؤسسة نتناول العشاء في أحد الفنادق الكبرى المتاخمة للأهرامات قبل بدء المؤتمر بساعات من أجل التحضير للجلسات. والفندق به عديد من النزلاء من جميع أنحاء العالم"، ومضت بالقول "بالتالي قد تكون زجاجة البيرة تلك تخص أحدهم، ولكننا لا نعرف عنها شيئاً على الإطلاق"، مشددة على أن "المؤسسة هدفها في المقام الأول هو إرساء قيم العقل والاستنارة والإصلاح والحوار وقبول الآخر والإيمان بمبادئ السلام العالمي بين المجتمعات والثقافات والأديان".

ملاحقات "برلمانية وقضائية"

وعلى وقع حالة الجدل والانقسام حول "تكوين" ومؤسسيها وآرائهم، تلاحقت الإحاطات البرلمانية والاتهامات القضائية حول المركز، فضلاً عن دخول مؤسسة الأزهر على خط الأزمة.

فمن جانبه، تقدم عضو مجلس النواب هشام الجاهل، بطلب إحاطة موجه لمجلس الوزراء ومشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، عقب موجة التصريحات المتضاربة والأحكام العشوائية والفتاوى الدينية التي وصفها بـ"المضللة" التي يدلي بها غير المتخصصين، على حد وصفه، مؤكداً أن الأمر وصل إلى "حد قيام مجموعة معروف عنها التشكيك الدائم في الثوابت الدينية وإنكار بعضها، بتدشين كيان لها، ليكون إضفاء لمشروعيتها، من دون رادع من الدولة ومؤسساتها الدينية".

 

وبحسب الجاهل، فإنه "لا يصح في دولة يوجد بها الأزهر الشريف أكبر مؤسسة إسلامية في العالم، ويوجد بها عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء والدعاة، وبها عديد من الرموز الدينية المشهود لهم بالثقة، ونفاجأ بمجموعة من غير المتخصصين معروف عنها التشكيك الدائم وهدم وإنكار الثوابت الدينية، يقومون بتدشين مركز ليكون جمعية أو مؤسسة هدفها التشكيك وهدم الثوابت الدينية من دون معرفة مصادر تمويلها ومن يدعمها، الأمر الذي يشكل خطراً بالغاً على الدولة المصرية ومؤسساتها الدينية"، معتبراً أن "القصد الخفي من وراء ذلك هو إثارة الفتنة بين أطياف الشعب المصري وتفكيكه، ومحاولة زعزعة عقيدته الدينية الوسطية الراسخة منذ فجر الإسلام، ولا يصح السماح لهؤلاء ببث تلك الفتاوى المضللة التي تستهدف الشباب إلى التشكيك في صحيح الدين".

بدروه، وبينما تفاعل الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر، مع الضجة المثارة في شأن مركز "تكوين"، وكتب عبر صفحته على "فيسبوك"، قائلاً، "تتابع الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء حقيقة ما ينشر عن تكوين كيان للنيل من ثوابت الدين وأخلاقيات وقيم الأمة، وسيتخذ ما يلزم بعد الوقوف على الحقيقة". دعا وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني، خلال النسخة الثالثة من ملتقى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الأربعاء الماضي، إلى "التكاتف شعوباً وحكومات، لمواجهة التيار الجارف الذي يريد أن يفقد أبناؤنا فيه هويتهم وأن يتحللوا من قيم دينهم، وأن يتنكروا لمبادئه وقيمه وأخلاقه". وهو ما عده البعض تلميحاً للجدل الراهن.

جاء ذلك بينما أعلنت الصفحة الرسمية لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مجدداً، أمس الجمعة، عن قيام الأزهر بإنشاء وحدة تسمى "بيان" لمواجهة الفكر المنحرف دينياً والمشككة في ثوابت الإسلام على الرغم من أن الوحدة مقامة بالفعل منذ ستة أعوام.

في الأثناء، تقدم عدد من المحامين ببلاغ للنيابة العامة ضد مجلس أمناء المركز، باعتباره مركزاً "مشبوهاً" يستهدف "ثوابت الإسلام" بشكل خاص. وفي بلاغه لنائب العام، اعتبر وائل أبوشوشة، أن القائمين على مركز تكوين الذي أسسه (إبراهيم عيسى- إسلام البحيري- يوسف زيدان)، "يستهدف الخروج عن السياق الفكري العام للمجتمع، ويدعو إلى ما يخالف الأعراف السائدة بالمجتمع المصري، ونشر الأفكار المتطرفة وازدراء الدين، بغرض التشكيك في الثوابت الدينية، بقصد الإضرار بالأمن القومي والسلم الاجتماعي"، على حد وصفه.

كذلك تقدم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام ضد مجلس أمناء مركز "تكوين". وطالب بالتحفظ على أموال المؤسسة، وذلك بسبب "تلقيها أموالاً من دول أجنبية وجهات خارجية بقصد نشر وترويج الأفكار المتطرفة وازدراء الدين، بغرض التشكيك في الثوابت الدينية بقصد الأضرار بالأمن القومي والسلم الاجتماعي". وطالب في بلاغه بتكليف نيابة أمن الدولة العليا بفتح تحقيقات عاجلة وموسعة مع المبلغ ضدهم وإخضاعهم للتحقيق القضائي وتكليف قطاع مباحث الأمن الوطني ومباحث الأموال العامة بإجراء التحريات حول الواقعة وظروفها وملابساتها.

هل يستحق "تكوين" كل هذا الجدل؟

أمام حالة الانقسام والجدل التي أفرزها مركز "تكوين" منذ تأسيسه، أجمع أغلب المراقبين وحتى من القائمين على المركز خلال حديثهم معنا أن "ما دار لا يستحق كل هذا الجدل والضجة في مصر"، مع تباين الآراء في تفسير ما حدث.

فبحسب تقييمها، اعتبرت فاطمة نعوت في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن "الذين يهاجمون المؤسسة يقومون بخطوة استباقية لأنه لا مصلحة لهم في أن يفكر الناس بحرية ويعمِلون عقولهم"، معتبرة أن "هذا الهجوم بالأساس يأتي نتيجة مواقف شخصية من أطراف بعينها، لكن المؤسسة هدفها الأساسي محاربة التطرف وتكريس القيم الإنسانية وقيم التنوير بشكل عام، والتدين الحقيقي وليس المغرض أو المسيس".

وأوضحت ناعوت أن "تكوين يهدف إلى تنوير العقول، ومهاجميه هم نوعان الأول من يخشون كشف حقيقتهم أمام العامة، مثل تجار الدين الذين يستغلون الدين من أجل مصالحهم الشخصية، والمتطرفون، وأصحاب المصالح، وآخرون يقلدون هؤلاء الأشخاص من دون معرفة أو دراية بالأحداث".

واصفة الضجة التي أحدثها "تكوين" بـ"الضجيج بلا طحين"، قالت ناعوت، إن "كل من هاجمنا وهاجم أهدافنا ورؤانا لم يسمعوا أو يقرأوا بشكل عميق جاد حول المؤسسة"، مشيرة إلى أن "الهجوم يستهدف فقط بعض الأشخاص الذين حضروا المؤتمر، لمجرد الاختلاف معهم على المستوى الشخصي وليس المستوى العلمي". مشددة على أن تكوين "أنشئ في المقام الأول بهدف الدفاع عن الأديان ضد مشوهيها، وليس مهاجمتها".

في المقابل، يرى الكاتب المصري جمال فهمي، وكيل نقابة الصحافيين الأسبق، والمقرر السابق للجنة الحقوق الثقافية في المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، أن "ما طرح من وحول تكوين لا يستحق كل هذا الجدل والضجة، سواء على صعيد الآراء التي قيلت أو حتى الأشخاص القائمة على المركز"، مفسراً أسباب هذا الجدل في حديثه معنا، "السبب وراء هذه الضجة ليس في ما يقوله الأشخاص الذين تصدروا هذا المشروع، وإنما بسبب سوء سمعة أغلبهم وضعفهم العلمي وإدعائهم التنوير". وتابع: "الأفكار الجدلية السابقة التي أطلقها بعض من القائمين على تكوين وتجمعهم في بوتقة مشروع واحد هي ما قادت إلى كل هذه العاصفة"، مشيراً إلى أن "هذا الضجيج ليس موجهاً ضد الاستنارة والفكر ولكن ضد الادعاء والضعف"، قائلاً، "لو كان الأمر متعلقاً بأشخاص ذوي صدقية مع نفس الموضوعات التي طرحت لربما لم تكن كل هذه الضجة التي أثيرت حولهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستنكر لجوء البعض إلى القضاء والنيابة العامة ضد القائمين على "تكوين" أياً كانت الأفكار والرؤي المطروحة، وأعرب فهمي عن اعتقاده أن "هناك من يحرك هذا الجدل ويغذيه على المستوى الرسمي سعياً لمحاولة إلهاء عامة المواطنين عما يحدث في قطاع غزة وعلى الحدود مع مصر، فضلاً عن تحرك الجيش الإسرائيلي باتجاه رفح وما لذلك من تداعيات خطرة أمنية وإنسانية على الأمن القومي المصري".

إلى ذلك، يقول المفكر والمتخصص في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، أن "كل جهد لتقدم أو تجديد فكر أو تنوير يتحطم على صخرة الاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي، ولذا فإن تبني أي مشروع فكري لا يتصدى لهذه المشكلة محكوم عليه بالفشل الذريع".

واعتبر حسين أن "التنوير الحقيقي لا يتم لحساب سلطة مستبدة أو جهة استعمارية أو وكيل إقليمي لها أو لحساب مشروع خفي يريد في النهاية أن ينزع من مجتمعنا أي نخوة أو غضب أو اعتراض على مسخ هويته والسيطرة على عقله ووجدانه وسرقة مقدراته، كما لا يتم التنوير في مجتمع يعاني تخلفاً وعدم الالتفات إلى التعليم، وعدم الانشغال بتطبيب عوز الناس واحتياجهم حتى للضرورات"، مشيراً إلى أن "التنوير ليس لعبة لإلهاء الناس أو لفت نظرهم بعيداً من المشكلة الحقيقية أو وسيلة لخداع جديد لهم. والتنوير ليس استهدافاً لطرف واحد أو عقيدة واحدة أو فكرة واحدة، إنما ينظر إلى كل هذا بشمول، ونزاهة وحياد، معملاً التفكير العلمي، وفي إطار مقارن".

وذكر حسن، أن "التنوير ليس فرصة لخطف مال، ولا اصطياد شهرة، بل هو مسؤولية ثقيلة على نفوس المخلصين للنهوض وعقولهم، يكونون فيها أشد الناس حرصاً على عدم ابتذال التنوير حين يرفع رايته أي شخص مجروح أخلاقياً أو أي بوق لسلطان جائر أو ساكت عن الحق أو سارق أفكار أو آكل على كل الموائد أو راقص على حبال الأفكار والمواقف أو منعزل عن قضايا مجتمعه".

المزيد من تقارير