Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموسيقى العربية... إيقاعات مختلفة ولغة عالمية واحدة

تأثرت بنظيرتها الفارسية وأثرت في الـ "فلامينكو" الإسبانية وتبادلت النغمات مع شبة القارة الهندية

ابتكر العرب الـ"ربع تون"، الذي أعجب منسقي الأغاني الغربية واستفادوا منه  (أ ف ب)

ملخص

 نظريات الفارابي الموسيقية كانت مرجعاً هي وزرياب الموصلي في الموسيقى التي صارت تعرف في ما بعد بالموسيقى الغربية أو الكلاسيكية.

تتميز الموسيقى العربية بتاريخها الطويل وتأثيرها المتبادل مع أنماط موسيقية أخرى حول العالم، مما يظهر التفاعل الثقافي الغني الذي يحدث عبر الحدود الجغرافية والثقافية.

وفي البدء كان التأثر بالموسيقى الإسلامية والفارسية وبخاصة في استخدام الأنغام والإيقاعات المعقدة، وخلال القرنين الـ19 والـ20 تأثرت بنظيرتها الأوروبية مع استخدام الأوركسترا وتقنيات التأليف الموسيقي الغربية، كما استوحت في العصر الحديث عناصر من موسيقى الجاز والبلوز فولدت أشكالاً موسيقية جديدة، ومن بينها الجاز العربي.

وفي المقابل أثرت الموسيقى العربية في تطور موسيقى الـ "فلامينكو" في إسبانيا خلال فترة حكم الإسلام للأندلس، فضلاً عن التبادل الموسيقي بين العرب وشبه القارة الهندية في استخدام الطبلة وآلة السيتار، كما استخدم فنانون غربيون الموسيقى العربية في أعمالهم في العصر الحديث، واستلهمت الموسيقى الالكترونية من الألحان والإيقاعات العربية، وأصبح هناك نوع جديد من الموسيقى يجمع بين التقاليد العربية والحداثة الغربية.

زرياب وفيثاغورس

يقول الموزع الموسيقي عبدالخالق بن رافعة، "تاريخياً كان علي أبو الحسن المعروف بـ ’زرياب‘ أول من درس الموسيقى أكاديمياً في عهد الدولة العباسية في الأندلس، وأي موسيقى مكتوبة أو مدرسة بشكل أكاديمي تنسب إليه، ومن هذا المنطلق أخذ الغرب عن العرب التعليم الأكاديمي للموسيقى وطوروه، ثم جاء فيثاغورس وأوجد الأبعاد الموسيقية، أي اعتماد توزيع للموسيقى، وعلى أساسه اخترع البيانو، أي أنه حول الموسيقى من صوت يسمع إلى أرقام".

وبالنسبة للموسيقى المعاصرة منذ 100 عام وحتى اليوم فهناك اختلاف كبير بين الموسيقى الغربية ونظيرتها الشرقية التي تتميز بـ"الربع تون"، ولا يجيد عزفها حتى أفضل فناني الغرب، وتستخدم في مقامات الصبا والرست والبيات والسيكاه، ولكن يبقى العجم سادة المقامات، وبه بدأ الغرب الموسيقى معتمدين على أبعاد فيثاغورس ثم عدلوا عليه، وكان مقام النهاوند الذي اشتق عنه مقام الحجاز في زمن الدولة الأندلسية أول مقام عربي، ومع الوقت ابتكر العرب الـ"ربع تون" الذي أعجب منسقي الأغاني الغربية "دي جي" واستفادوا منه.

ويوضح ابن رافعة أن هناك تشابهاً بين الأتراك والعرب في الـ"ربع تون" ومقام البيات واستخدام الآلات الموسيقية، ولكنهم يؤكدون أنهم من أضاف الـ"ربع تون" إلى الآلات الموسيقية، بينما ينسبه العرب إلى "زرياب" كونه المؤسس، ولكن الأتراك اتجهوا نحو العالمية بينما لا يزال العرب متمسكين بالموسيقى العربية، وبعض الموسيقيين العظماء مثل محمد القصبجي ورياض السنباطي كانا يرفضان استخدام النوتات والآلات الموسيقية الغربية، حتى إن السنباطي عاتب محمد عبدالوهاب لاستخدامه الغيتار، ولذلك يطلق على الأخير المجدد لأنه استخدم العود والقانون والكمنجا وبعض الآلات الإيقاعية إلى جانب الغيتار والكيبورد في التخت الشرقي، وهذا المزج الموسيقي بين الآلات معتمد حتى اليوم لولا دخول الكمبيوتر.   

 

ولا يمكن إغفال تأثير الموسيقى الغربية على الموسيقى العربية، وقد عرف العرب كيف يستفيدون منه، إذ يقول ابن رافعة إن المدرسة الرحبانية لم تكن لتوجد لولا وجود المدرسة الأوروبية، لأنها تأثرت بها كثيراً وأخذت الأجمل منها، ويعتبر الإخوان رحباني وزياد الرحباني من المجددين في الموسيقى العربية، وقد تركوا بصمة عظيمة في تاريخها لأنهم أضافوا إليها وغيّروا مسارها من التخت الشرقي والأغنية الثقيلة إلى عذوبة صوت فيروز وأغانيها، ولم يستطع أحد من بعدهم أن يجاريهم مع أنه يمكن التوقف عند تجربة مروان خوري اللحنية، ولكن مشكلته الوحيدة أن الرحابنة سبقوه ولذلك يأتي في موقع المقارنة معهم عند تقديم أي جديد.

تأثر وتأثير

لعبت الحضارات دوراً بارزاً في التأثير في الموسيقى وتطورها عبر التاريخ، وأدى التبادل الثقافي والتأثيرات السياسية والدينية إلى دمج العناصر الموسيقية من مختلف الحضارات في موسيقى جديدة ومتنوعة.

ويرى المايسترو لبنان بعلبكي أن كل الحضارات تأثرت موسيقياً ببعضها بشكل ما، ولكن بالنسبة إلى المنطقة العربية التي تمتد جغرافياً من المحيط إلى الخليج فإن رقعة التأثير والتأثر فيها كبيرة، لأنها كانت تمثل تاريخياً ممراً تجارياً خلق نوعاً من التمازج بين الثقافات، كما أن الاحتلال التركي لها لأربعة قرون جعلها تحت تأثير الموسيقى التركية، فضلاً عن أن التجارة بين الهند وبلاد فارس أوجدت نوعاً من التأثر والتأثير في الحضارتين، مع أن المؤرخين يزعمون بأن التأثر كان أكبر، لكن المنطقة العربية لم تكن خالية وتمتلك إرثاً كبيراً، فأثرت وتأثرت ثقافياً واجتماعياً وموسيقياً.

كذلك لعبت الموسيقى العربية دوراً مهماً في التأثير في الموسيقى الغربية عبر التاريخ، ويؤكد بعلبكي أنه "تاريخياً لم يكن هناك حدود تفصل بين الدول العربية بل كانت مفتوحة جغرافياً للتجارة والحروب والاحتلال ومجاري المياه، وعندما امتلكت القوة توسعت نحو أوروبا والأندلس وأخذت معها كل ما جمعته من الحضارات القديمة قبل الحكم العثماني، ولذلك وجدت آلة العود في موسيقى باخ، وأضيف إليها عدد من الأوتار وضبطت على الأسس الغربية للنغم، وتأثير الموسيقى العربية في الغرب خلال فترة حكم الأندلس كان كبيراً جداً حتى التروبادور (المغنون الرحالة) الذين يقال تاريخياً إنهم نشروا الموسيقى في أوروبا، أتوا من الأندلس وبعضهم من أصول عربية".

 كما أن آلة الجيتار ركيزة موسيقى الـ "فلامينكو" تأثرت بآلة العود، واستناداً إلى نظريات الفارابي الموسيقية فإنها كانت مرجعاً هي وزرياب الموصلي في الموسيقى التي صارت تعرف في ما بعد بالموسيقى الغربية أو الكلاسيكية، وصحيح أن حضورها ليس كبيراً اليوم في الموسيقى الغربية لكن تأثيرها فيها كان مهماً، وهذا واقع لأن الحضارات تمتزج ببعضها عبر التاريخ، ولا توجد حضارة صافية في أي بلد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل يصف بعلبكي تراجع تأثير الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية بـ"الدراماتيكي"، مضيفاً "حتى أنه شبه معدوم لأنها تخلفت عن ركب التطور، والتطور كلمة فضفاضة جداً، ولكن بما أن الموسيقى تعكس الحال السياسية والاجتماعية للمجتمعات فلا يمكن أن نغفل حال التراجع عند العرب خلال العقود الأربعة الأخيرة، ومحاولة إعادة النهضة في فترة الثلاثينيات والأربعينيات لم تحدث على أسس ثقافية كي تكون مرجعية، ولا يوجد أبحاث على صعيد الفنون والموسيقى، وإصدارات الكتب الموسيقية ضئيلة جداً، لذلك فإن مساهمتنا في الحضارة الموسيقية العربية شبه معدومة حتى إن الأبحاث حولها يقوم بها باحثون غربيون".

وأشار بعلبكي إلى أن "آخر مؤتمر للموسيقى العربية كان عام 1932، ولا توجد جامعات للموسيقى في الدول العربية، وفكرة التطور قابلة للارتجال عند أي موسيقي، فضلاً عن أن محيطنا التركي والأوروبي قوي جداً موسيقياً، ولا يمكن إلا التأثر به، كما أننا لا نملك مؤسسات ثقافية مثل باقي الدول التي يهمها أن تضع نفسها في مصاف الدول التي تملك منتجاً ثقافياً من خلال تشكيل أوركسترا وبناء دور أوبرا، لذلك تراجعت ثقافتنا وإنتاجنا الموسيقي العربي، وأصبح لكل بلد رحلته الخاصة".

وتطرق المايسترو إلى أن "دخول البعد التجاري إلى الإنتاج الفني والموسيقي حولهما إلى سلعة، ومع أن الفن التجاري منتشر في كل دول العالم لكن يوجد إلى جانبه مؤسسات ثقافية تحقق التوازن، وهي غير موجودة عندنا، مما انعكس سلباً على الأغنية وجعل مدة صلاحيتها قصيرة جداً".

الرقص الشرقي والنصوص الأدبية

بدوره يرصد الناقد الموسيقي صلاح علام تأثر الغرب بالنصوص الأدبية العربية وإعادة تقديمها في أعمال موسيقية، كما استخدم المقامات الشرقية التي تتماشى مع الآلات الغربية، أما في العصر الحديث ومع سهولة أساليب التواصل فيظهر التأثر والتأثير في الاتجاهين، ففي الغرب استخدموا المقامات الشرقية في موسيقى "الروك" كما في بعض المقطوعات الموسيقية بسبب حبهم للرقص الشرقي، وكذلك تأثر الغرب بالموسيقى التركية من خلال اختلاطه بالأتراك الذين يعيشون هناك، بينما تأثر العرب بالتوزيع الغربي لأن الموسيقى العربية تقوم على الـ "مونوفون" (اللحن الأساس)، فدخل منذ ثلاثينيات القرن الماضي على اللحن العربي، وهناك كثير من المحاولات التي قامت بتوزيع اوركسترالي لمقطوعات موسيقية عربية، كما قدم بعض الموسيقيين أعمالاً لسيد درويش بتوزيع جديد.

ويبدو أن الخوف من فقدان الموسيقى العربية لهويتها لا يقلق علام الذي يوضح أن "كثيرين هاجموا توزيع أعمال السيد درويش وغيره من فناني الجيل القديم وآخرون أحبوها، ولكنني لا أرى أنها يمكن أن تطمس هوية الموسيقى العربية طالما أن هناك فئة ضدها، ولا يزال يوجد في لبنان وسوريا ومصر فرق تقدم الموسيقى التراثية ولها جمهورها، ولكن الجيل الشاب الذي نشأ على الموسيقى الغربية تقبل فكرة توزيع الموسيقى العربية بشكل أوركسترالي".

 

ومع أنه من الصعب تحديد أيهما أثرت في الأخرى أكثر، الموسيقى العربية أو الغربية، يذهب الناقد الموسيقي محمود فوزي إلى أن تأثير الأخيرة في الأولى كان أكبر، ويوضح أن محمد عبدالوهاب تأثر بالشكل الأوركسترالي الموسيقي الغربي مع أنه كان مبدعاً في الألحان الشرقية بسبب اطلاعه على الموسيقى العالمية، بينما تمسك سيد درويش بالمقامات الشرقية فقط.

ويضيف، "أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بدا هذا التأثر واضحاً جداً من خلال دخول الأنماط الموسيقية الغربية إلى الأغنية العربية مثل موسيقى البوب وسيطرة الـ ’أرم بي‘ و ’الهاوس‘ و ’الترانس‘ ونادراً ما يستخدم الملحنون المقامات الشرقية، باستثناء بعض الملحنين الخليجيين وعدد قليل من نظرائهم المصريين، مثل محمد رحيم ووليد سعد وعزيز الشافعي وتامر عاشور، بينما يبقى تأثير الموسيقى العربية في الغرب محدوداً، ويمكن أن يعجبوا بأغنية عربية بناء على الشكل الذي يسمعونه وليس تأثراً بالموسيقى الشرقية، ومع أن موسيقى ’الراي‘ اقتحمت العالم كله لكننا لم نسمعها بصوت مطرب عالمي".

وفي المقابل يشدد فوزي على أن الموسيقى العربية أكثر غنى ورسوخاً، ويضيف، "لا وجود للمقامات الشرقية في الموسيقى الغربية، وحتى الأوركسترا والسيمفونيات تعتمد على الهارموني بين مجموعة من الآلات، وتكون النتيجة تحفاً موسيقية، وكلنا نعترف بعظماء الموسيقى الغربيين، ولكن عمار الشريعي في موسيقى مسلسل ’رأفت الهجان‘ اعتمد الهرموني وتحرك ضمن المقامات الشرقية، وهذا يؤكد أن الثقافة الموسيقية العربية أغنى وأسع من الثقافة الموسيقية الغربية، ولكنهم أكثر قدرة على الانتشار، بينما قدرة انتشار العرب لا تتخطى العالم العربي إلا في ما ندر".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون