Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثرت التغييرات التي طرأت على المجتمع في الفن؟

يركز قسم من المراقبين على التبديلات السلبية التي انحدرت بمستوى الإنتاج الدرامي

يعتبر متابعون أن كل عمل فني يجب أن يحمل رسالة لكي يستفيد منها المجتمع (أ ف ب)

ملخص

تبقى لكل مجتمع خصوصيته في التعاطي مع التغيرات الفنية والتي ينتج منها تفاوت في التفاعل معها درامياً.

شهد العالم العربي تغييرات كثيرة على المستويات الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، انعكست بصورة عميقة على مختلف الفنون، ومن بينها الدراما التي سعى صناعها إلى مواكبة هذا التغيير بطريقة مباشرة وغير مباشرة، من خلال الأعمال المنتجة في الأعوام الأخيرة. وكانت بعض التغييرات إيجابية، وأبرزها التطور التكنولوجي المتمثل في انتشار منصات البث الإلكتروني، والذي أوصل الدراما العربية إلى تمويل وإنتاج أعمال عربية وتوزيعها على جمهور أوسع، كما أسهم في تحسين جودة الأعمال من خلال استخدام تقنيات جديدة في التصوير والمونتاج والإنتاج. وقدمت على مستوى المحتوى الدرامي مواضيع تسلط الضوء على مشكلات المجتمع، كالبطالة والفقر وازياد الهجرة وتأثير العولمة على الهوية والثقافة العربية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
في المقابل، لا يمكن إلا الاعتراف ببعض السلبيات التي طرأت على الدراما بفعل تلك المتغيرات، وفي مقدمتها الاستسهال وغياب الإبداع وتراجع مستوى الأعمال والاستعانة بنصوص متواضعة في بعض الأعمال واستنساخ أفكار من أعمال أجنبية في أعمال أخرى، واستغلال عدد من صناع الدراما بعض المواقع والمنصات مروجين لأعمالهم على حساب أعمال أخرى تفوقها جودة وقيمة ومستوى.
فكيف ينظر النقاد وصناع الدراما إلى التغيير الذي طرأ على المجتمع؟ وكيف ترك تأثيره في الدراما؟ وهل أثرت الدراما بدورها في الناس؟

لغة نبيلة

يبدو الناقد محمود قاسم متشائماً عندما يتحدث عن تأثير التغيير الذي طرأ على المجتمع وانعكاسه في الدراما، ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن "المتغيرات سلبية جداً وكثيرة ونتجت منها قلة في عدد الموهوبين الحقيقيين في معظم المجالات، فانحدرت السينما بالحوارات الفجة والرديئة، وغابت عنها الموضوعات الجذابة مع أنها كثيرة جداً في الحياة، وسيطر الاستسهال وهيمن الغشاشون على المسابقات الأدبية بكل أشكالها من خلال استنساخ النصوص عن الإنترنت، ولم يعد هناك وجود للتأليف الحقيقي، وتحولت المادة الدرامية إلى ورش كتابة حولت العمل الفني إلى أشلاء مجمعة وغير متلاصقة، وأصبحت الهجرة هاجساً عند المواطن الذي فقد حس الانتماء للأرض. أما بالنسبة للغناء فإن أغنية "بحبك يا حمار" تعكس الحال التي وصل إليها المستوى الغنائي، واعتاد الناس على استخدام الألفاظ النابية والبذيئة وكأنهم يقولون صباح الخير".
إلى جانب التثقيف والإرشاد، تؤثر الدراما في سلوك المتلقي من خلال الترويج لبعض القيم والمفاهيم ولكن قاسم يرصد "مفاعيل سلبية تركتها الدراما من خلال شخصيات أبطالها". ويوضح أن "تأثير الفن السلبي في المجتمع يظهر في الأفلام التي أنتجت بعد عام 2005 من خلال الشخصيات "الصايعة" التي تحصل على كل شيء بالمطواة كما في "اللمبي" الذي حقق ملايين الإيرادات، ثم ظهر الأسوأ من خلال أعمال محمد رمضان، الذي قدمته الدراما في شخصية الرجل الذي يحقق مكاسب سريعة في ظل غياب واضح للغة النبيلة عند أبطال الدراما". 


إرضاء المشاهد

ويبقى لكل مجتمع خصوصيته في التعاطي مع التغيرات، والتي ينتج منها تفاوت في التفاعل معها درامياً، وهذا ما يؤكده الكاتب فايز العامر الذي يقول إن "هناك مجتمعات منفتحة، ويسمح هامش الحرية فيها للمبدع بالتعبير عما يجول في خاطره من دون تخوف من الرقابة، والكويت تتمتع بهامش من الحرية يسمح للكاتب بإيصال الفكرة إلى المجتمع، ولكن تبقى هناك موانع يفكر فيها الكاتب بينه وبين نفسه قبل وصول نصه إلى الرقابة، لأننا مجتمع محافظ. كما أن كلمة التيار الديني مسموعة، والدليل كان إحالة وزارة الإعلام لكل صناع مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" إلى النيابة العامة مع أنه كتب وصور خارج الكويت، وتم عرضه على محطة غير كويتية، ولكن تم تصحيح الوضع والتوقيع على تعهد بعدم تقديم أعمال فيها إساءة للمجتمع الكويتي". 

وكل عمل فني يجب أن يحمل رسالة لكي يستفيد منها المجتمع، لكن العامر يشكك في هذا الرأي ويقول إن "معظم الناس لا يكترثون لرسالة العمل الفنية بل بأبطاله وصورته العامة، والدراما فقدت الرسالة السامية التي يحاول الكاتب إيصالها بسبب الفوضى التي تحصل خلال الدورة الرمضانية، في ظل كثافة الأعمال. أما بقية أشهر العام، فتخصص لإعادة عرض الأعمال. والمشكلة أن صناع الدراما يباشرون تنفيذ أعمالهم قبل أربعة أشهر من بدء الموسم الرمضاني، وهي مدة غير كافية لتقديم عمل جيد، بينما في فترة السبعينيات والثمانينيات استطاع بعض الأفلام العربية وخصوصاً المصرية أن يؤثر في المجتمع وفي السلطة. وأسهمت هذه الأفلام في تغيير بعض القوانين الجزائية من بينها فيلم "كلمة شرف". وهذا التأثير غائب اليوم حتى عن الأعمال الغنائية، وفي حال وجد فهو في الغالب سلبي أو سطحي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يمكن إلا الإقرار بدور العولمة في تغيير المفاهيم والذوق العام للمتلقي، من وجهة نظر العامر الذي يضيف أن "هذا الأمر له تأثير في نوع الدراما وهي تقدم اليوم إرضاءً للمشاهد، إذ وجد صناع العمل الفني أنفسهم مجبرين على مراعاة هذا التغيير حتى لو كان خاطئاً، وأصبحنا في زمن الفن الذي يبغى الربح ويحقق المشاهدات، خصوصاً أن معظم المنتجين ليسوا فنانين، وتحول الفن معهم إلى تجارة وتسلية فقط ولم يعد الفن الذي نطمح إليه، وهذا الوضع ينسحب على كل المجالات الفنية. لذلك، يجب التفريق بين النجاح الفني والنجاح الجماهيري. ولا أرى أن الفن يؤثر في المجتمع بل العكس بدلالة التراجع اللافت للمشاهد الجريئة في الدراما التي تقدمها الدول المنفتحة كلبنان ومصر وسوريا لمصلحة أعمال الإثارة والتشويق وأعمال تتضمن كثيراً من العنف، لأنه يسيطر على العالم ويؤثر في المشاهد وجزء من حياتنا اليومية".
يعد الفن أحد أهم مظاهر الثقافة الإنسانية ويعكس قيم المجتمعات واتجاهاتها وتطلعاتها، وفي هذا الإطار يرى المخرج محمد زهير رجب أن "الدراما تنقل المجتمع بصورة أجمل وأدق، وتسلط الضوء على قضاياه الحساسة وتلك المخفية أو المعتم عليها، والتغيير الذي يحصل فيه يؤثر في الفن، وهناك فارق كبير بين الدراما التلفزيونية والسينمائية التي أنتجت في الستينيات والسبعينيات وتلك التي تقدم حالياً، لأن القضايا اختلفت، وقضايا اليوم لم تكن موجودة في تلك المرحلة وإن وجدت فبنسبة محدودة، وحتى أعمال البيئة التي تقدم اليوم عن تلك المرحلة فيها إسقاط على الواقع المعاش، لأن الفن انعكاس للواقع، وكلما كان صادقاً وينبع من حقيقة إنسانية يكون تأثيره أكبر. ويمكن لأي عمل فني، أياً كان نوعه، تمرير رسائل فكرية واجتماعية وأخلاقية لأن الدراما ترفيه أيضاً، وكلما كان صادقاً في طرحها كان تأثيره أكبر".


ومن حيث المبدأ يفترض أن يكون تأثير الدراما في المجتمع أكبر وليس العكس كما يؤكد رجب. ويضيف "لكن بعض الأعمال تنقل الواقع بحذافيره ولا تحمل رؤية أو حلولاً أو رسائل، ولكنها تكون مجرد رد فعل لما يحدث في الشارع، وتأثير الأعمال التي قدمت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كان أكبر لأن خيارات المتلقي كانت قليلة ومحصورة في مواضيع محددة وتعرض على محطة أو محطتين أرضيتين وبعيدة من النمط الاستهلاكي، بينما في الأعوام الـ15 الأخيرة أصبحت الخيارات أكثر في ظل انتشار الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، مما حول المنتج الفني إلى مادة استهلاكية تسوق لها المحطات وتستثمرها مالياً خلال فترة العرض فقط، ثم تنهمك بالتسويق لسلعة استهلاكية جديدة غير مؤثرة على حساب الأعمال الجيدة". ويردف "التسويق أصبح أهم من المنتج الفني حتى لو كان غثاً وبقيمة فكرية مجانية، وهو أمر مقصود لتهميش الأعمال الجيدة. وتشارك في هذه المهمة بعض المواقع والحسابات بتسويق مسبق الدفع، أما صانع العمل الجيد فيجد نفسه عاجزاً عن التسويق له لأنه صاحب مشروع وليس تاجراً وما يحصل هو مصادرة للرأي وتغييب الحقيقة. وبعض المواقع والحسابات تقاضت ما بين 300 و500 دولار عن كل خبر نشرته يتضمن نقداً لبعض الأعمال التي عرضت في الموسم الرمضاني، والقائمون على تلك المواقع والحسابات يعتاشون من تلك الأموال، ولا توجد لديهم أهداف فكرية، حتى أنهم يتشاركون مع بعض المحطات في الترويج لبعض الوجوه التي لا تملك الموهبة والخبرة والفكر وتصنع منها نجوماً فارغين وليس نجوم تمثيل، ومن ثم يلجأ بعض صناع الدراما الجيدة إلى دفع الأموال للتسويق لها، والبعض الآخر يعول على عدد من المنصات والمواقع لإنصافه".


تطور حتمي 

من جهته، يشدد المخرج سمير حبشي على التلازم بين الفن والمجتمع، ويرى أن "الفن ليس منعزلاً عن المجتمع بل يتأثر به شكلاً ومضموناً ويترجمه ويتناول مواضيعه انطلاقاً من مشكلاته. والمشكلات التي طرأت على المجتمع أثرت فيه، ولا يمكن للفن أن يتجاهلها لأنه موجود داخل الزمان والمكان، ومن دونهما لا وجود له. وكل فنان يعبر عن مشكلات الزمن الذي يعيش فيه. هذا بصورة عامة، أما الدول العربية فهي من دول العالم الثالث لأنها لم تتطور إلى مرحلة الوعي الكامل، ولذلك هي تعرج في كل المجالات والفن الذي تستنسخه الدراما العربية عن الأعمال الأجنبية ليس أصيلاً ولا يحاكي الواقع والمجتمع بل هو هرطقة، والدراما والسينما اللتان تديران ظهريهما لمجتمعهما لا تعتبران دراما وسينما، وعلى رغم ذلك أنا متفائل لأن التطور الاجتماعي والبشري حتمي يجبره التاريخ وليس الناس وهذا ما تؤكده التجربة الأوروبية مقارنة بما كانت عليه خلال القرون الوسطى، ليس لأن الأوروبيين أرادوا التطور بل التاريخ أجبرهم عليه بصورة موضوعية، ولا أعرف متى يمكن أن تتطور مجتمعاتنا العربية وربما يتطلب ذلك وقتاً طويلاً".

ويختم "من حيث المبدأ التأثير بين الفن والمجتمع جدلي وكلاهما يؤثر في الآخر، لأن الفن يعمل على تطوير الوعي الاجتماعي بينما تشكل مشكلات المجتمع مصدر وحي له".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون