Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بدر بن عبدالمحسن... كان بدرا للشعر ومحسنا

رفيق دربه ومهنته يروي لـ "اندبندنت عربية" مواقفه وأيامه الأخيرة

الأمير بدر بن عبدالمحسن يلقب بمهندس الكلمة وشاعرها (مسك)

عاش فوق هام السحب وحلق معها، وحلقت به إلى علياء الشعر، وحين انطفأ قمره ظل ذلك الضوء المنبعث من كلماته وقصائده ينير أشواق المحبين والساهرين والحالمين والمتألمين في السعودية وعلى امتداد جغرافية لغة الضاد.

فقدت السعودية بدرها الشاعر بدر بن عبدالمحسن، لكنها لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بما فاض به حنينه الدائم إلى التألق في معارج الروح، وهو الذي اختار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كلماته "فوق هام السحب" ليكتبها بخط يده على القمر الاصطناعي السعودي الذاهب إلى عنان الفضاء، ولذلك كان بدر بن عبدالمحسن وسيظل ملهماً لأجيال رافقته وستأتي من بعده، وهي تفتح بحروفه مغاليق الحب.

 

 

ولم يكن صباح السعوديون اليوم فيروزياً بل كان متوشحاً بـ "ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفا ضي الحروف"، وهي أشهر كلمات الشاعر الأمير الرسام الذي وافته المنية في العاصمة الفرنسية باريس عن 75 سنة بعد صراع مع المرض.

وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع مقتطفات من أشعاره وكلماته، إذ عبّر المحبون والمعجبون عن حزنهم العميق وتأثرهم بهذه الخسارة الكبيرة، ونعى الكتاب والدعاة والمثقفون والشعراء وعامة الناس الشاعر البارز الذي ارتبط اسمه بالأشعار العاطفية والوطنية التي خطها بريشة الحنين والإحساس.

وفي غمرة حزنه يذكر الشاعر السعودي نواف الشلهوب لـ "اندبندنت عربية" بعض مواقفه مع الراحل، ويقول "فقد الوطن شاعره الذي لطالما رسم ملامحه بكلماته".

ويمضي، "كنت محظوظاً جداً بأنني كنت قريباً من هذا الشاعر الإنسان الرائع الذي جاور كل ما هو جميل، واستفدت بشكل كبير من سخاء خبرته الشعرية الواسعة، إذ منحني حباً ودعماً للشعر بكل كرم، وكان يخفف عني كثيراً من الإحباطات التي قد تواجهنا في بداياتنا".

وعلى رغم مرض "مهندس الكلمة" إلا أنه كان بلسماً لمن حوله وشمساً من التفاؤل"، كما يقول الشلهوب، مضيفاً "كان يبشرني بمستقبل واعد إذا كنت صادقاً في حب الكتابة".

وعن المواقف التي جمعت بينهما يقول الشلهوب، "إحدى المواقف التي لا أنساها عن الراحل ودعمه كانت عندما كنت ضيفاً على إذاعة ’إم بي سي إف إم‘ قبل 14 عاماً، فأكرمني بالمشاركة في مداخلة هاتفية ورفض أن يتحدث عن نفسه شخصياً، وكرر مراراً خلال المكالمة ’اليوم هو يوم نواف‘ وهذه أخلاق الكبار وروح النجوم، وهذا هو بدر".

ولادة البدر

ولد الأمير بدر في الثاني من أبريل (نيسان) 1949 في مدينة الرياض واشتهر كواحد من رواد الحداثة الشعرية المرموقين في الجزيرة العربية، وكان له شهرة واسعة في الساحة السعودية والعربية، وقد استكمل تعليمه في مراحله الابتدائية في السعودية ومصر، ثم انتقل إلى مدرسة الملكة فكتوريا في الإسكندرية لإكمال مرحلة التعليم المتوسط، وفي ما بعد أكمل دراسته الثانوية في الرياض وشق طريقه لمواصلة تعليمه في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.

نشأ البدر في بيت يتميز بتنوع المعارف والثقافة، إذ كان والده عاشقاً للعلم والأدب وكان شاعراً موهوباً يمتلك مكتبة ضخمة تحوي مجموعة واسعة من الكتب المختلفة، وينضم إلى مجلسه العلماء والأدباء وكبار المفكرين في تلك الحقبة الزمنية، وقد تأثر الأمير بدر بهذه التجمعات الثقافية مما أثار حبه للأدب والشعر، وأسهم في تنمية موهبته في هذا المجال.

مسيرة البدر

وقبل أن يعاني البدر المرض قدم للمتذوقين رحلة مليئة بالتألق الشعري، إذ اشتهرت قصائده بالجمال والعمق والإحساس، وكان يتمتع بقدرة استثنائية في توظيف اللغة وصياغة الأبيات بأسلوبه الفريد والراقي حتى لقّب وعرف بـ "مهندس الكلمة"، وتنوعت مواضيع قصائده بين الحب والفراق والواقع الاجتماعي والقضايا الإنسانية مترجمة ببراعة لغوية فذة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحت رعاية مؤسسة بدر بن عبدالمحسن الحضارية وبمبادرة من وزارة الثقافة صدرت للراحل خمسة دواوين شعرية عام 2022 يحمل كل منها عنواناً فريداً يعكس روح وجوهر إبداع الشاعر، وهي "هام السحب" الذي يحوي قصائد وطنية مشهورة تمتاز بشهرتها واحتفاظ الناس بها كأغان وطنية خالدة، و"شهد الحروف" وهي مجموعة كبيرة من قصائد الحب والجمال التي تغني بها الناس واعتبرت علامات بارزة في تاريخ الفن السعودي لعقود، وديوان "ما ينقش العصفور في تمرة العذق" و"لوحة... ربما قصيدة"، و"رسالة من بدوي" ذو الطابع المتنوع.

بدورها أشرفت هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة على الإصدارات وقادت جهود الترجمة لهذه الأعمال الشعرية إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالتعاون مع شركة "المحترف السعودي" التي تعمل بإشراف الهيئة على تشكيل لجان متخصصة لنقل تجربة الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن الشعرية إلى العالمية، حتى يتسنى للقراء ومحبي الشعر استكشاف عالمه الجميل والغني في لغات أخرى.

 

 

وكان الأمير بدر بن عبدالمحسن تولى عام 1973 رئاسة الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وكلّف لأعوام عدة بكتابة "الأوبريتات" الافتتاحية لمهرجانات محلية عدة أبرزها مهرجان الجنادرية، فهو لم يكن مجرد عضو بارز في الأسرة المالكة السعودية وحسب، بل كان أيضاً شاعراً موهوباً أضاف ثروة من القصائد إلى المكتبة العربية، ولذلك أحزنت وفاته الأوساط الثقافية والاجتماعية، كما تغنى بقصائده أبرز المطربين السعوديين وعدد من الخليجيين، غير أن أشهرهم كان طلال مداح ومحمد عبده.

عبق البدر

وفي تغريدة مؤثرة عبر منصة "إكس"، أعرب رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ عن حزنه قائلاً "رحم الله الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن وغفر له وأسكنه فسيح جناته، عزائي لأسرته الكريمة وأبنائه ولآل سعود الكرام والشعب السعودي، خبر حزين وأحسب أني فقدت أباً لي، ولكن لا أقول إلا الحمد لله على كل حال".

ومن المعلقين على نبأ الرحيل الحزين الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الذي كتب عبر منصة "إكس"، "غاب البدر الذي أضاء بكلماته فضاء الشعر والمحبة والإحساس، والذي صنع على مدى سنوات طويلة ذكرياتنا وصاغ أدق مشاعرنا، رحم الله الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن آل سعود، وخالص العزاء والمواساة لآل سعود الكرام ولعشاق الكلمة في كل مكان، فقدنا اليوم بدراً لا يعوض نوره".

 

 

وختم ولي عهد دبي تغريدته مستشهداً بكلمات الشاعر الراحل حين قال، "ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفا ضي الحروف".

وفي نعيها للفقيد قالت موسوعة "أدب" إن الشاعر الكبير الذي وافته المنية "أحد أبرز رواد التجديد في القصيدة الشعبية الحديثة، فقد فتح نوافذها على مواضيع وأساليب ورؤى ذات أبعاد متعددة"، مقدمة العزاء فيه لأهله ومحبيه ولكل عشاق اللغة والشعر والأدب في عالمنا العربي.

وكانت الرياض قد كرمت شاعرها الأبرز في مناسبات عدة قبل رحيله، وكان آخرها منح الملك سلمان إياه وشاح الملك عبدالعزيز عام 2019، وإطلاق الهيئة العامة للترفيه مناسبة عنونتها بـ "ليلة الأمير بدر بن عبدالمحسن: نصف قرن والبدر مكتمل"، خصصتها لأشعاره وقصائده المشهورة على ألسنة المغنين والشعوب الخليجية، وكذلك المنشورة في الصحف والمجلات حتى قبل أن تطبع دواوينه، لتتوج تكريمها له بإطلاق اسمه على أحد المسارح الكبيرة التي أعدت لإقامة المناسبات الفنية والثقافية في الرياض.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة