Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت رفح "نورماندي" حرب غزة؟

بينما تسعى واشنطن لعقد هدنة يحذر الكتاب الأميركيون من انتصار لـ"حماس" يعيدها للحكم

الأسلاك الشائكة تحيط بمخيم أقامه النازحون الفلسطينيون في رفح (أ ف ب)

ملخص

تشير شبكة "سي أن أن" الإخبارية، وهي أحد الأذرع الرئيسة للإعلام الأميركي، إلى الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها معبر رفح لدى حركة "حماس" واعتباره رمزاً لاستمرار سيطرة الحركة على قطاع غزة.

في الوقت الذي ترفض فيه عديد من الحكومات الأوروبية ومنظمات الإغاثة الدولية، بشكل لا لبس فيه، اقتحام رفح من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، في إطار الحرب ضد حركة "حماس" في قطاع غزة، فإن الولايات المتحدة سواء من جانب أجهزتها الأمنية والسياسية أو صحافتها تقف على الجانب الآخر من المعركة رافعة شعار حق إسرائيل في القضاء على "حماس" بوصفها "منظمة إرهابية".

فبعد انتقادات وضغوط داخلية دولية لمساندتها المطلقة لإسرائيل رغم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة جراء الحرب، أبدت الإدارة الأميركية خلال الأسابيع الماضية لهجة أقل دعماً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع وحذرت مراراً من تداعيات العملية العسكرية في رفح، وخلال الأيام الماضية تكثفت جهود واشنطن مع مصر وقطر للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار إذ تبادلت الوفود الأمنية والدبلوماسية مقترحات جانبي الصراع.

ومع ذلك، فإن التحذيرات الأميركية لإسرائيل وجهود الوساطة لطالما كانت تهدف لتجنب كارثة إنسانية وليس رفضاً كاملاً لاقتحام رفح، فكانت التصريحات الأميركية دائماً تحذر من اجتياح رفح "من دون خطة موثوق بها لحماية المدنيين".

ورغم الجهود المكوكية لمصر وقطر والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار وفي حين وافق قادة حركة "حماس" على مقترح مصري-قطري، بدأت إسرائيل بالفعل، الإثنين الماضي، عمليات محدودة في رفح وسيطرت على المعبر الذي يشكل منفذاً بالغ الأهمية لمرور المساعدات إلى القطاع وإخراج مصابي الحرب من غزة، إذ أعلنت تل أبيب رفضها الاتفاق الذي عرضته "حماس" باعتباره يختلف عن ذلك المقترح الذي تم التوافق عليه بين المسؤولين الإسرائيليين والمصريين، رغم أن مسؤولي تل أبيب قالوا إن بلادهم ستواصل مناقشة الاقتراح.

وتقول واشنطن إنها لا يمكن أن تدعم اجتياحاً إسرائيلياً لمدينة رفح الحدودية في قطاع غزة من دون خطة إنسانية مناسبة ومقنعة، وفي هذا الإطار علقت الإدارة الأميركية إرسال شحنات من الأسلحة إلى إسرائيل منذ أسبوعين. ووفق تصريحات أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لوكالة "رويترز" في رسالة عبر البريد الإلكتروني "ما زلنا نعتقد أن اتفاق الرهائن يصب في مصلحة إسرائيل والشعب الفلسطيني، وسيؤدي إلى اتفاق وقف إطلاق نار فوري وسيسمح بزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة".

التخلص من "حماس" ضرورة ملحة

لطالما كانت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة التي يهيمن عليها الليبراليون، انعكاساً لتوجه الإدارات الديمقراطية على صعيد السياسة الخارجية، لكن يبدو أن ثمة بعض الاختلاف في ما يتعلق برفح، فالرئيس الأميركي الذي يخوض سباقاً انتخابياً صعباً بعد نحو ستة أشهر يرغب في تهدئة الغضب المتصاعد تجاه واشنطن نتيجة الدعم المفتوح لإسرائيل في حرب راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شخص، في حين ثمة اتفاق عام داخل الولايات المتحدة على ضرورة التخلص من حركة "حماس". ففي الوقت الذي تعالت فيه التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية محتملة في حال الاجتياح الكامل لرفح، تحدثت الصحافة الأميركية، وإن كان من خلال مقالات الرأي، عن ضرورة سيطرة إسرائيل على المدينة باعتبارها المعقل الرئيس والأخير لحركة "حماس" "الإرهابية" وفق تصنيف وزارة الخارجية الأميركية.

ففي افتتاحيتها، الإثنين الماضي، دعت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى حاجة إسرائيل للسيطرة على المدينة الواقعة على الحدود مع مصر. وقالت الصحيفة الأميركية، إن معركة رفح في غزة، بدأت وهي جزء أساسي من حرب إسرائيل للدفاع عن النفس ضد "حماس"، إذ أطال قادة "الجماعة الإرهابية" المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار لعدة أشهر، من دون نية إطلاق سراح الرهائن "بينما قام الرئيس الأميركي جو بايدن بحماية معقلهم من الهجوم". و"الآن يدرك مدبرو أحداث السابع من أكتوبر أن بايدن لا يستطيع حمايتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبلغ بالصحيفة إلى وصف المعارضين لاقتحام رفح بأنهم "المشتبه فيهم المعتادين"، وتستنكر قول فرنسا إن تهجير المدنيين في رفح جريمة، متسائلة "هل تفضل (فرنسا) أن تقاتل إسرائيل بين المدنيين، أم أن تترك حماس وشأنها ببساطة؟".

وفي حين تقول منظمة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين (الأونروا) إنها ستقاوم عملية إجلاء المدنيين، فإن الصحيفة تقول، إن الوكالة التابعة للأمم المتحدة تضع مرة أخرى أيديولوجيتها المناهضة لإسرائيل فوق سلامة المدنيين الفلسطينيين.

وأمرت إسرائيل، صباح الإثنين، بإخلاء شرق رفح وتوجيه المدنيين إلى أماكن آمنة، وبعد الظهر تقدمت الدبابات الإسرائيلية. ووفق "وول ستريت جورنال"، فإن الخطة تتمثل في إخلاء المدينة والقتال فيها قطعة قطعة، ونقل المدنيين سريعاً شمالا وغرباً من دون ترك "حماس" حرة في تقييد الناس واستخدامهم دروعاً بشرية.

لماذا يجب على إسرائيل الذهاب إلى رفح؟

وفي حين تميل "وول ستريت جورنال" لتيار يمين الوسط وهي تتبع شركة "نيوز كورب" المملوكة لعائلة رجل الأعمال روبرت مردوخ، فإن صحيفة "واشنطن بوست" الليبرالية المملوكة لرجل الأعمال جيف بيزوس تتخذ الموقف ذاته. ففي منتصف مارس (آذار) الماضي، نشرت الصحيفة مقالاً للكاتب الأميركي هوج هويت بعنوان "لماذا يجب على إسرائيل الذهاب إلى رفح والقضاء على حماس"، وشبه الكاتب عملية القضاء على "حماس" مثل نزع السرطان الخبيث من الجسم، مشيراً إلى أن التوقف عن العلاج في منتصف الدورة سيكون مميتاً لأنه من المؤكد سيعود الورم إلى الجسم.

وقال هويت، إن الحركة تشكل تهديداً سرطانياً لسكان غزة والإسرائيليين على حد سواء ولا يمكن لإسرائيل أن تسمح "للمنظمة الإرهابية" بالاستمرار في أي مكان في غزة، بما في ذلك مدينة رفح الجنوبية. وأضاف أن وقف الحرب في منتصف الطريق من خلال "وقف دائم لإطلاق النار"، مع ترك "حماس" من دون مساس في رفح، من شأنه أن يدعو الإرهابيين إلى إعادة تنظيم صفوفهم وإعادة تسليحهم والانتشار في جميع أنحاء غزة مرة أخرى، هذا الرأي يمثل تكراراً للتصريحات الإسرائيلية، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طالما أكد أنه إذا أوقف الحرب قبل أن تتحقق جميع الأهداف التي وضعتها حكومته، فإن هذا يعني أن إسرائيل خسرت الحرب.

وهاجم الكاتب الأميركي بايدن وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ القيادي الديمقراطي تشاك تشومر بسبب الضغط على إسرائيل لتخفيف الحرب الدموية التي تشنها في قطاع غزة. وقال إن الدعم المبكر والقوي الذي قدمه فريق بايدن لإسرائيل يتآكل بشكل مطرد مع تزايد المخاوف في شأن المشاعر المعادية لإسرائيل بين الديمقراطيين على اليسار. ومع ذلك، فإن مهاجمة نتنياهو، كما فعل بايدن وشومر، قد تكون لها أيضاً كلف سياسية في الداخل، ومن المرجح أن يضعف دعم إدارة بايدن لإسرائيل بشكل أكبر مع ذعر الديمقراطيين من احتمال خسارة اليسار، وكذلك الناخبون الأميركيون العرب في ولاية ميشيغان المتأرجحة، في الخريف المقبل.

 

وفي عموده الأسبوعي بصحيفة "واشنطن بوست" مطلع الأسبوع الحالي، أشار الكاتب البارز ديفيد إغناتيوس إلى أنه لا ينبغي السماح لـ"حماس" بحكم غزة مجدداً، وهو "الأمر الذي يتفق عليه بشكل واسع، لكن غير معلن، القادة الإسرائيليون والعرب والأوروبيون والأميركيون"، ومن ثم فإن تجريد "حماس" من السلاح هو مطلب لا مفر منه. وفي حين يقول نتنياهو إن هذا هو السبب الذي يجعل إسرائيل بحاجة إلى هجوم واسع على رفح لتدمير كتائب "حماس" الأربع المتبقية هناك، فإن الكاتب الأميركي يرى أن هذه الكتائب لم تعد تشكل تهديداً ويمكن تفكيكها تدريجاً، بخاصة إذا تولت قوة دولية مدعومة من العرب مهمة تأمين غزة.

ويعتقد إغناتيوس أن إصرار نتنياهو المتكرر على ضرورة اجتياح رفح هو في جزء منه مسرحي، لدفع "حماس" نحو قبول صفقة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ويقلل الكاتب من أهمية العملية متسائلاً "ما الذي ستكسبه إسرائيل فعلياً من مثل هذا الهجوم؟"، مشيراً إلى أن مقاتلي "حماس" يتجولون بالفعل في غزة وسيكونون أحراراً في التحرك شمالاً في أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار. ويقول، إن إسرائيل تقبل ذلك، لأنها تعلم أنهم لن يتمكنوا من إعادة تجميع صفوفهم وإعادة التسليح بطريقة من شأنها أن تهدد إسرائيل حقاً، وهذا ينطبق على بقايا "حماس" في رفح أيضاً.

رفح هي نورماندي حرب غزة

وتشير شبكة "سي أن أن" الإخبارية، وهي أحد الأذرع الرئيسة للإعلام الأميركي، إلى الأهمية الاستراتيجية التي يتمتع بها معبر رفح لدى حركة "حماس" واعتباره رمزاً لاستمرار سيطرة الحركة على قطاع غزة، ومن ثم فإن سيطرت إسرائيل على المعبر الحدودي مع مصر واستبدال الإعلام الفلسطينية بأخرى إسرائيلية يضر بصورة "حماس" أمام الشعب الفلسطيني ويعمل كوسيلة ضغط لجعل قادة الحركة أكثر مرونة في المحادثات الخاصة بالإفراج عن الرهائن.

وتحدث أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون بيني موريس، في مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز"، عن أهمية رفح لأمن إسرائيل. وقال "من المؤسف أن بنيامين نتنياهو على حق، وأقول للأسف، لأنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر عجزاً وفساداً وإثارة للانقسام على الإطلاق، كما يعتقد كثيرون في إسرائيل، لكنه محق في أنه من الأهمية بالنسبة لإسرائيل أن تغزو رفح وتدمر كتائب حماس المتمركزة في تلك المدينة الواقعة في الطرف الجنوبي من قطاع غزة، التي تحميها درع بشرية قوامها نحو 1.4 مليون من السكان واللاجئين من الشمال".

يتفق مع الطرح نفسه كل من المحامي الحقوقي والرئيس التنفيذي للمنتدى القانوني الدولي أرسين أوستروفسكي والقائد السابق بالجيش البريطاني ريتشارد كيمب، إذ كتبا في صحيفة "نيوزويك" مستدعين نموذج الحرب العالمية الثانية ضد النازية. وقالا إنه لكان من غير المفهوم في عام 1944، بينما كان الحلفاء يستعدون لعملية الإنزال في نورماندي، أن يسعى أي شخص إلى الضغط على رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت لوقف عمليات الإنزال والدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار مع ألمانيا النازية.

وأشارا منتقدين قراراً سابقاً لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار، إلى أن هذا هو على وجه التحديد ما يسعى المجتمع الدولي إلى القيام به مع إسرائيل، من خلال الضغط على الدولة اليهودية لحملها على الدخول في وقف إطلاق نار من جانب واحد مع "حماس" وتجنب شن عملية ضرورية في رفح.

وأضافا أن نورماندي كانت نقطة تحول محورية في الحرب العالمية الثانية، حيث وضعت الحلفاء على طريق حاسم نحو النصر، كذلك يمكن أن تكون عملية الجيش الإسرائيلي في رفح، آخر معقل متبق لـ"حماس" في جنوب غزة.

المزيد من تقارير