Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دوافع مطالبة الصومال بنشر قوات دولية على أراضيه؟

من المرجح أن تسهم في دعم قدرات الجيش لمواجهة التحديات الأمنية

جنود من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أ ف ب)

ملخص

رأى المتخصص الإثيوبي في شؤون المنطقة محاري سلمون أن أمام الاتحاد الأفريقي خيارات عدة للتعاطي مع الطلب الصومالي، لعل أهمها ما صدر في بيانه الأخير والمتعلق بضرورة إجراء محادثات مع حكومة مقديشو لثنيها عن التوجه إلى مجلس الأمن الدولي والتمديد للقوات الأفريقية

أكدت الحكومة الفيدرالية الصومالية أنها ماضية في خطتها الهادفة إلى استقدام قوة دولية متعددة الجنسيات إلى البلاد، بغرض تعويض انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي "أتميس" العاملة في الصومال منذ عقد ونصف العقد، والتي ينتهي تفويضها نهاية العام الحالي.

وقال مستشار الأمن القومي الصومالي حسين شيخ "قوة متعددة الجنسيات أصغر حجماً ستحل محل بعثة حفظ السلام الحالية التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال بحلول نهاية العام". وأكد أن "تفويض القوات الجديدة سيكون حماية البنية التحتية الرئيسة، والمراكز اللوجيستية لقوات الأمن الصومالية، فضلاً عن مقار البعثات الدبلوماسية الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية".

 

ومن المرجح أن تسهم هذه القوات في دعم قدرات الجيش الصومالي لمواجهة التحديات الأمنية، سواء الناتجة من تحركات "حركة الشباب" التي تمثل تحدياً أمنياً للجيش الصومالي، أو تصاعد التوترات الإثيوبية - الصومالية، وأيضاً الاضطرابات الأمنية المتنامية في منطقة البحر الأحمر، ومضيق باب المندب.

وأعرب الاتحاد الأفريقي، من جهته عن قلقه من خطة الحكومة الصومالية نشر قوات دولية في الصومال، وأشار بيان صادر عن الاتحاد إلى مخاوفه إزاء نقص التمويل للبعثة الأفريقية في الصومال والاندفاع للتخطيط لعملية جديدة قد تؤدي إلى تراجع المكاسب التي تحققت خلال 17 عاماً مضت في الحرب ضد "حركة الشباب". وقال الاتحاد الأفريقي إنه يقوم بتقييم صورة ونطاق هذه القوات الجديدة، التي لم تقدم الحكومة الصومالية بعد تفاصيلها، والتي سيتم نشرها في الصومال بعد انتهاء عملية بعثة الاتحاد الأفريقي "أتميس"، مشيراً إلى أنه سيقوم بدراسة الخطة قبل التماس دعم من مجلس الأمن الدولي.

طبيعة الخطة وتحدياتها

ويرى مراقبون للشأن الصومالي أن الخطة قد تواجه تحديات داخلية وخارجية عدة، بخاصة أنها تأتي في ظل ظروف محلية ودولية بالغة الدقة، فضلاً عن أن ذاكرة الصوماليين وتجاربهم التاريخية في شأن القوات الدولية، قد تمثل عقبة أمام السعي الحكومي لتعويض الفراغ الأمني المحتمل بانسحاب القوة الأفريقية، إذ يرجح الصوماليون إعادة تأهيل الجيش الصومالي ورفع قدراته القتالية للقيام بالمهام العسكرية والأمنية عوض استقدام قوات متعددة الجنسيات حتى لو كانت محدودة العدد. وهو الجدل القائم الآن في الأوساط السياسية والإعلامية الصومالية، والذي أعاد إلى الذاكرة تجربة التسعينيات عندما قررت الأمم المتحدة إرسال قوات دولية متعددة الجنسيات على مرحلتين، بقيادة الجيش الأميركي، بهدف إنهاء الحرب الأهلية الصومالية، وخلق بيئة آمنة، ولا سيما بعد انهيار نظام سياد باري.

واعتبرت عملية الأمم المتحدة في الصومال، حينها، كأحد أكبر التدخلات الأممية التي خلفت خسائر فادحة في الأرواح من دون تحقيق الأهداف الرئيسة للعملية، إذ تم إرسال قوة قوامها 28 ألف فرد من بينهم 22 ألف جندي ونحو ثمانية آلاف موظف لوجيستي إضافة للموظفين المدنيين، من نحو 36 دولة، ومثل هذا التدخل استفزازاً للصوماليين الذين واجهوا القوات الأجنبية إلى حين انسحابها عام 1995 من دون تحقيق أي من الأهداف المحددة.

ورأى المحلل السياسي الصومالي عبدالقاسم علي أن ثمة فوارق موضوعية بين التدخل الدولي في الصومال في بداية التسعينيات والخطة التي أعلنت عنها الحكومة الفيدرالية الصومالية، مشيراً إلى أن العمليتين اللتين خاضتهما القوات الدولية في التسعينيات تمتا في ظل غياب حكومة تمثل الصوماليين، كما أنهما أتتا بقرار أميركي في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن أن مهامهما تختلفان جذرياً عن المهام الموكلة للقوة المتعددة الجنسيات التي يراد نشرها لحفظ الأمن وحماية المنشآت، وليس لخوض حروب ضد أي طرف صومالي، موضحاً أن القوات التي يراد نشرها لا يتعدى قوامها ثلاثة آلاف عنصر، ومشيراً إلى أنها ستحل مكان القوات الأفريقية التي ظلت في الصومال عقداً ونصف العقد من دون أن تواجه رفضاً كبيراً من الصوماليين.

وإذ قدر أن قوات "أتميس" الأفريقية افتقدت إلى التجهيزات اللوجيستية الكافية لتنفيذ مهامها على أكمل وجه، رجح علي أن تكون القوات الدولية أكثر تجهيزاً للقيام بمهام حفظ السلام وحماية المنشآت الاستراتيجية، فضلاً عن أنها معنية بتنفيذ الخطط الأمنية التي تعدها الحكومة الفيدرالية الصومالية، مما يقلل احتمالات مواجهتها لمعارضة شعبية كبيرة، بخاصة أنها لا تعد قوة غازية، بل أتت بطلب من حكومة منتخبة وتهدف خطتها لحماية الأمن، كما أن من المحتمل أن تسهم في تأهيل قدرات الجيش الصومالي وقوات الأمن في مواجهة التحديات الناجمة عن عمليات الحركات المتطرفة.

أضاف القاسم أن المزاج الشعبي الصومالي تأثر كثيراً بالتهديدات الإثيوبية الأخيرة حول امتلاك منفذ بحري على الشواطئ الصومالية في المحيط الهندي، مما يعزز من إمكانية تقبل الصوماليين أي قوة تسهم في حماية سيادة الصومال ووحدة أراضيه بحراً وبراً.

دوافع الموقف الصومالي

بدوره، رأى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم أن قوات "أتميس" الأفريقية أرسلت للصومال في أعقاب اجتياح الجيش الإثيوبي البلاد وإسقاط الحكومة التي كانت قد أقامتها "المحاكم الإسلامية" في عام 2006، ونتج من التدخل الإثيوبي فراغ في السلطة وتنامي المد الذي مثلته "حركة الشباب"، إذ إنها نشأت كحركة مناهضة لما تسميه "الغزو الإثيوبي"، مما فاقم القلاقل الأمنية داخل الصومال وبعض دول شرق أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا، مما دفع أديس أبابا إلى إيجاد غطاء إقليمي لتدخلها العسكري من خلال استصدار قرار من منظمة الاتحاد الأفريقي يقضي بإيفاد "قوات أفريقية معنية بحفظ السلام".

واعتبر أبو هاشم أن القوات المكونة من جيوش دول شرق أفريقيا، وخلال وجودها مدة 17 عاماً داخل الصومال، لم تتمكن من تحقيق القدر الكافي من الأمن والاستقرار في الفترة التي تلت سقوط حكومة "المحاكم الإسلامية"، مضيفاً أن لدى كل من إثيوبيا وكينيا مطامع في ثروات الصومال الطبيعية من بترول وغاز، فضلاً عن المخطط التوسعي الإثيوبي تجاه المياه الإقليمية الصومالية في المحيط الهندي، مما دفع الحكومة الصومالية بقيادة محمود شيخ حسن إلى التوجه نحو كل من تركيا وإريتريا لإعادة بناء وتأهيل الجيش الصومالي ورفع قدراته القتالية، بالتالي السعي لعدم تمديد وجود القوات الأفريقية، بخاصة على أثر رفض كينيا الاعتراف بالتحكيم الدولي حول تبعية حقول النفط في المحيط الهندي إلى الصومال، وإعلان إثيوبيا، مطلع هذا العام، سعيها للاعتراف بإقليم "صوماليلاند" كدولة مستقلة عن الصومال، مقابل حصولها على منفذ بحري، وإقامة قاعدة بحرية إثيوبية فيه، مما جعل الدولتين في موقف عدائي من الصومال، بالتالي أصبحتا تهددان ليس أمن واستقرار الصومال فحسب، وإنما وحدة وسيادة الصومال على حدوده بحسب تفسير الحكومة الفيدرالية في مقديشو.

أضاف المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن مقديشو ظلت تشعر لسنوات أن ثمة انحيازاً واضحاً للاتحاد الأفريقي ضد مصالحها الوطنية بما ذلك الموقف من مذكرة التفاهم الموقعة بين رئيس إقليم "صوماليلاند" موسى بيهي عبدي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي.

ونوه أبو هاشم إلى أن الاتحاد الأفريقي لم يتخذ مواقف جادة تجاه مذكرة التفاهم التي تتنافى مع ميثاق الاتحاد وقوانينه التي تنص على قدسية الحدود، وضرورة الحفاظ على سيادة الدول، مشيراً إلى أن الاتحاد الأفريقي، وعوض إدانة المذكرة التي تنتهك سيادة الصومال، دعا إلى إجراء مفاوضات بين مقديشو وأديس أبابا، من دون الإشارة إلى أن المذكرة تنتهك المبادئ الأساس للقانون الدولي وميثاق الاتحاد الأفريقي.

تشكيلات القوة الدولية

وأوضح أبو هاشم أن المخطط الصومالي لنشر قوات متعددة الجنسيات من خارج القارة الأفريقية يهدف إلى تعزيز الأمن والسلم الداخليين، مشيراً إلى أن هناك وجوداً لقوات تركية محدودة، وقد تسعى مقديشو إلى تعزيز هذه القوات بجيوش من بعض الدول الأوروبية والإسلامية والآسيوية المحايدة، من خلال دعوة مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار في شأن تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات تسهم في حماية الأمن والاستقرار. ولفت إلى أن "وجود قوات دولية داخل الأراضي الصومالية قد يحد من أطماع دول الجوار تجاه سيادة الصومال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اعتراض أفريقي

من جهته أوضح المتخصص في الشأن السياسي الصومالي عيدي محمد أنه ليس هناك سبب يمنع الصومال من استقدام قوات متعددة الجنسيات للحفاظ على السلم والأمن، مشيراً إلى أن الاتحاد نفسه ظل يشكو من ضعف الموازنة المالية المخصصة لبعثته في الصومال، "بالتالي، لجوء الصومال إلى الأمم المتحدة لا تشوبه أي مخالفة قانونية". ولفت إلى أن الأسباب التي يقدمها مجلس الأمن والسلم الأفريقي للاعتراض على دعوة الصومال لاستضافة قوات أممية، بحجة أنها من خارج القارة السمراء، تتناقض مع مواقفه من القواعد العسكرية الأجنبية القائمة في جيبوتي، والوجود الفرنسي في دول غرب أفريقيا. وأكد أن الحكومة الصومالية اتخذت قرارها النهائي بعدم التمديد لقوات "أتميس" الأفريقية، وهي ماضية باتجاه الاستعانة بقوة متعددة الجنسيات.

الحلول السمراء

بدوره، برر المتخصص الإثيوبي بشؤون المنطقة محاري سلمون موقف بلاده وبعض دول القارة السمراء المطالبة بالتمديد للقوات الأفريقية، وقال إن "ذلك يمثل جزءاً من سياسات المنظمة القارية بإيجاد حلول أفريقية لمعضلات القارة"، ونفى سلمون وجود أي علاقة مباشرة بين موقف إثيوبيا داخل الاتحاد الأفريقي، وخلافاتها الراهنة مع الحكومة الصومالية، حول مذكرة التفاهم الموقعة مع "صوماليلاند"، موضحاً أن إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ومنذ وصولها إلى الحكم، تدفع باتجاه إيجاد حلول أفريقية للأزمات التي تشهدها القارة، "ولعل أبرز مثال على ذلك مبادرة الاتحاد الأفريقي بقيادة أحمد للتوسط في الأزمة السودانية بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، وكذلك الوساطة الأفريقية التي أنهت الحرب الأهلية في إقليم تيغراي". ورأى أن موقف بلاده من نشر قوات دولية في الصومال يتماشى مع هذا التوجه، كما أنه يتقاطع مع مواقف دول عدة نافذة داخل الاتحاد الأفريقي، مضيفاً أن "أتميس" تمكنت من بناء قاعدة راسخة من الثقة مع الصوماليين، كما أسهمت في حفظ الأمن والاستقرار، وتحجيم "حركة الشباب".

خيارات أمام الاتحاد الأفريقي

ورأى سلمون أن أمام الاتحاد الأفريقي خيارات عدة للتعاطي مع الطلب الصومالي، لعل أهمها ما صدر في بيانه الأخير والمتعلق بضرورة إجراء محادثات مع حكومة مقديشو لثنيها عن التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، والتمديد للقوات الأفريقية، لفترة أخرى، بخاصة أن عدداً من الدول النافذة داخل الاتحاد تدعم هذا التوجه لا سيما إثيوبيا، كينيا وجنوب أفريقيا، كما أن لدى دول إقليمية أخرى تحفظات حول استقدام قوات أجنبية في ظل الظروف الحالية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي.

أما السيناريو الثاني، بحسب سلمون، فيتمثل في رفع مجلس الأمن والسلم الأفريقي مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي لثنيه عن اتخاذ قرار بإيفاد بعثة متعددة الجنسيات إلى الصومال، وفي هذه الحالة قد تتعقد العلاقات بين مقديشو والاتحاد.

أما السيناريو الثالث فيتعلق بإمكانية تعاون الاتحاد الأفريقي مع الأمم المتحدة لإرسال قوة هجينة تشكل جيوش القارة الأفريقية جزءاً منها، وربما قوتها الأساس.

المزيد من تقارير