Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استطاع حزب "الشعب الجمهوري" هزيمة أردوغان؟

في البداية يجب أن نقول إن ديناميكيات الانتخابات المحلية تختلف عن ديناميكيات الانتخابات العامة

يرى حزب "الشعب الجمهوري" نفسه على أنه الحزب المؤسس لتركيا الحديثة (أ ف ب)

ملخص

خلال العقد الأخير يبدو أن حزب "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري" قد تبادلا الأماكن، فبينما بدأ "العدالة والتنمية" يمثل الوجه الإقصائي لـ"الوسط"، أصبح "الشعب الجمهوري" يمثل بائعي الخبز المهملين والباعة الجائلين وبائعي الخضراوات في الضواحي، كل هذه التطورات أدت تدريجاً إلى تقليص الدعم الشعبي المقدم لحكومة "العدالة والتنمية".

أسفرت الانتخابات المحلية التي أجريت في تركيا في الـ31 من مارس (آذار) الماضي، عن نتائج فاجأت الجميع، لقد خرج حزب "الشعب الجمهوري" المعارض بانتصار واضح هو الأول منذ سنوات، وهذه النتيجة بهذه الصورة هي النتيجة نفسها التي فاز بها حزب "العدالة والتنمية" في انتخابات 2002، لكن يجب أن نأخذ بالاعتبار أن هذه انتخابات محلية، فلو جرت انتخابات رئاسية هل ستكون النتيجة ذاتها؟

في البداية يجب أن نقول إن ديناميكيات الانتخابات المحلية تختلف عن ديناميكيات الانتخابات العامة، علاوة على ذلك، يعلم الأتراك جيداً أن أصوات حزب "العدالة والتنمية" وأصوات شخص رجب طيب أردوغان لا تتطابق، فأصوات أردوغان دائماً أعلى من أصوات حزبه، ولذلك لا بد من إدراك هذه الحقيقة عند إعطاء معنى لنتيجة هذه الانتخابات.

 

وعلى رغم ذلك، بغض النظر عما يقوله أي شخص، فإن هذه النتيجة تعد بمثابة نجاح انتخابي لـ"حزب الشعب الجمهوري"، ما يتساءل عنه الجميع الآن هو نوع السياسات التي تقف وراء هذا النجاح الذي حققه الحزب المعارض؟ في الواقع يمكننا تقييم نتيجة الانتخابات بطريقتين، الأولى هي الخطاب السياسي الذي أوصل حزب "الشعب الجمهوري" للفوز، والثانية هي العيوب والأخطاء التي ارتكبها حزب "العدالة والتنمية" وأسفرت عن خسارته.

منذ فترة طويلة يتعرض حزب "الشعب الجمهوري" لانتقادات لكونه حزباً نخبوياً، وغير قادر على التواصل مع المجتمع، وعلى رغم أنه يعرف نفسه بأنه حزب ديمقراطي اشتراكي، فإن الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد لا تتداخل بصورة كبيرة مع هويته السياسية، ومع ذلك شهد الحزب خلال السنوات القليلة الماضية تغييراً خطراً في خطابه، ويجب أن نعترف بأن مهندس هذا التغيير هو الزعيم السابق للحزب كمال كليتشدار أوغلو وهو الذي نافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية الماضية.

بين الأمس واليوم تغير نهج حزب "الشعب الجمهوري"، الحزب المنفصل عن المجتمع ويتعامل مع الأحداث أيديولوجياً من خلال العلمانية، وجهوده للتوصل إلى خط أكثر سلمية مع المجتمع له عملية تطورية لا تقل عن 80 عاماً، بدأت هذه العملية التطورية بعد إدخال نظام التعددية الحزبية في عام 1946، مما خفف الضغط على المشاعر الدينية التقليدية، وبصورة أكثر تحديداً، كان تمهيد الطريق للتعليم الديني في المدارس أو السماح بدورات تدريب الدعاة أو إنشاء "كلية الإلهيات" في أنقرة عام 1949 بمثابة الخطوات الأولى نحو هذا التغيير.

إلا أن التغيير الأكثر جذرية هو التغيير الذي أجراه الزعيمان الراحلان بولنت أجاويد وتوران فيزي أوغلو في برنامج الحزب في الستينيات لغرس القيم الديمقراطية والاجتماعية فيه، وهكذا شهد حزب "الشعب الجمهوري" تحولاً خطراً من كونه حزب دولة إلى حزب الشعب تحت شعار "يسار الوسط".

أما في السنوات القليلة الماضية فإن التطور الأهم في الحزب هو ما فعله كليتشدار أوغلو، إذ قاد في عام 2017 مبادرة لجذب الحزب إلى خط "حزب ديمقراطي اجتماعي"، وأبدى حساسيته تجاه قيم المجتمع، وهذا النهج يواصله رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي بات اسمه كواحد من كبار قادة الحزب.

من الأسباب الأخرى التي جلبت الفوز التاريخي لحزب "الشعب الجمهوري" هو محاولته لتحقيق السلام أو التحالف مع الطبقة المحافظة في تركيا، كذلك قدم خطاباً جذب بعض الأكراد، وخاطب جميع الشرائح الاجتماعية في البلاد، ودعا الجميع إلى الاجتماع حول مجموعة من القيم المشتركة، وإضافة إلى ذلك وضع شعار "النظام الحالي يفقد السيطرة"، وركز على السياسات التي تمس حياة الناس اليومية، مثل كيف يمكننا تحسين الاقتصاد؟ وكيف يمكننا منع البطالة؟ وكيف يمكننا إرساء الديمقراطية والقانون؟ ويظهر أن هذا الخطاب خفف مع مرور الوقت من التصور "المعادي للدين" الذي أصبح سائداً لدى الشريحة المحافظة إلى حد ما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا يجب الانتباه إلى أن جهود حزب "الشعب الجمهوري" لبناء خطاب سياسي بمفهوم "ديمقراطي اجتماعي يراعي القيم المحافظة" ليست سوى وضع فعلي في الوقت الحالي، ولا ينبغي أن ينظر إلى هذا على أنه مبدأ سياسي راسخ في الحزب العلماني، وهناك بعض الصعوبات في هذا الصدد التي لا يستطيع حزب "الشعب الجمهوري" التغلب عليها بسهولة على المدى القصير، إحدى هذه الصعوبات هي: إلى أي مدى يقول علم اجتماع الحزب "نعم" لهذا الخطاب؟ ومدى استعداد كوادر الحزب لهذا الخطاب؟ فمن المهم أن تقوم قاعدة حزب "الشعب الجمهوري" وكوادره بإقناع المجتمع بأنهم سيستوعبون ذلك.

حزب "الشعب الجمهوري" يرى نفسه على أنه الحزب المؤسس لتركيا الحديثة ويمثل الفهم القائل إن مجتمعات أواخر الحداثة لا يمكن تحويلها إلى مجتمع حديث إلا بمساعدة الدولة، ولديه ممارسة في هذا الاتجاه، إلى أن يصبح "حزباً ديمقراطياً اجتماعياً" أو "حزباً حساساً للقيم المحافظة"، وهو ما سيمثل خروجاً خطراً عن هويته الكلاسيكية، والسؤال هنا: في حال كان الحزب هكذا واتخذ هويته هذه، هل سيبقى هو نفسه "حزب الشعب الجمهوري"؟

بمعنى آخر يمكننا القول إنه لا ينبغي لنا أن ننظر إلى انتصار حزب "الشعب الجمهوري" باعتباره مجرد انعكاس للتغير في الخطاب المعني، وربما يكون الأمر الأكثر أهمية وراء هذا النجاح هو تأثير ردود الفعل على بعض إخفاقات حزب "العدالة والتنمية" وممارساته وسياساته.

بالنسبة إلى حزب "العدالة والتنمية" الحاكم فإن خسارته في هذه الانتخابات يمكن أن تنحصر في ثلاثة أسباب رئيسة:

أولاً: أهم سبب هو عدم تمكنه من تحقيق نجاح واضح في قضايا مهمة مثل كلف المعيشة والتضخم، على رغم الوعود التي قطعها، مرات عدة خلال السنوات الأخيرة، وعلى رغم تحقيق مستوى معين من الرفاهية في المجتمع، فقد حدث خفض ملحوظ في مستوى معيشة المواطنين، إضافة إلى ذلك يبدو في غالب الأبحاث التي أجريت حتى الآن أن الديناميكية الأكثر أهمية التي تحدد تفضيلات الناخبين هي الاقتصاد، ولذلك فإن الحزب الذي خسر الانتخابات الأخيرة لديه فرصة صعبة للبقاء في السلطة، بغض النظر عن المتغيرات الأخرى.

ثانياً: الممارسات التي لا تستند إلى القانون تزيد من الانكماش الاقتصادي، ويصبح القانون مادة للصراعات السياسية، وبالتوازي مع ذلك، تحل المحسوبية بجدارة، ومزاعم الفساد، وممارسات مثل توزيع أربعة أو خمسة رواتب لمسؤول واحد بصورة غير منطقية، لا يمكن فهم هذه الممارسات إلا من خلال كونها دعماً للمقربين من حكومة "العدالة والتنمية".

ثالثاً: النظرة الفوقية لحزب "العدالة والتنمية"، المتمثلة في "نحن متميزون"، والتي تنفر المجتمع من كوادر الحزب، وعلى حد تعبير الرئيس أردوغان "مرض الغطرسة".

وخلال العقد الأخير يبدو أن حزب "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري" قد تبادلا الأماكن، فبينما بدأ "العدالة والتنمية" يمثل الوجه الإقصائي لـ"الوسط"، أصبح "الشعب الجمهوري" يمثل بائعي الخبز المهملين والباعة الجائلين وبائعي الخضراوات في الضواحي، كل هذه التطورات أدت تدريجاً إلى تقليص الدعم الشعبي المقدم لحكومة "العدالة والتنمية".

من كل هذا نستنتج أنه لا ينبغي لحزب "الشعب الجمهوري" أن يرى هذا النجاح في الانتخابات المحلية على أنه بداية لسلسلة من الانتصارات التي ستستمر، في هذه الانتخابات أرسل الناخبون رسالة إلى كل من "حزب العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري"، إذ حذروا "العدالة والتنمية" من العودة للسياسات العقلانية وعدم التعرض لتسمم السلطة والاستماع إلى مطالب المجتمع، وقالوا لحزب "الشعب الجمهوري": "إذا تخليت عن موقفك النخبوي المتعالي، وإذا ركزت على المشكلات الاجتماعية بدلاً من المشكلات الأيديولوجية، وإذا تخليت عن سياسات القومية الكلاسيكية، فسأوصلك إلى السلطة".

لذلك المرحلة المقبلة صعبة أيضاً على حزب "الشعب الجمهوري"، ومن الصعوبات التي سيواجهها هي علاقته مع حزب "الحركة الديمقراطية الكردي"، الذي يستطيع التلاعب مع الناخبين الأكراد، ويدرك "الشعب الجمهوري" أنه لن يكون من السهل الوصول إلى السلطة من دون دعم هذه المجموعة من الناخبين، ففي حقيقة الأمر كان لهذه المجموعة من الناخبين تأثير كبير في تحول "الشعب الجمهوري" إلى لاعب سياسي مهم منذ تاريخ الانتقال إلى الحياة التعددية الحزبية حتى الثمانينيات، وكما هي الحال في انتصاره اليوم.

إن قرب هذه الهيئة الناخبة، التي تصوت شريحتها المحافظة لحزب "العدالة والتنمية"، من حزب "الحركة الديمقراطية"، الذي يوحد المجموعة التي يمكنها التصويت لصالحه، سيجعل "الشعب الجمهوري" يواجه تهمة "التقرب من الإرهاب"، خصوصاً أن هذا الاتهام يحظى برد فعل جدي لدى الجمهور التركي، فكيف سيتمكن حزب "الشعب الجمهوري" من الحفاظ على التوازن في مواجهة هذه الاتهامات؟

الدكتور فاهاب أولوتش - أستاذ العلوم الإدارية في جامعة حران

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل