Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب الجنرالين تتسبب في آثار نفسية طويلة المدى 

يرى اختصاصيون أنه من الصعب قياس الآثار النفسية والاجتماعية للحرب حالياً من دون بحث علمي لكن كل شيء واضح من خلال المعايشة ووجوه البشر

تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في السودان بصورة ملحوظة بعد الحرب (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

حالات جنون وتفكير في الانتحار أو محاولته... قلق نفسي مدمر وتشتت أسري وطلاق... وأطفال يعانون التوتر والخوف والرهاب الاجتماعي... قصص كثيرة محكية وبعضها لا يزال منسياً في ظل ارتفاع صوت البنادق والمدافع وعدم رغبة جنرالات الحرب في إيقافها... صورة لمجتمع يعيش كثير من أفراده على حافة انهيار نفسي مع توالي الضغوط الاقتصادية على الناجين.

 

على رغم خروجها من مدينة الخرطوم التي تشهد صراعاً حاداً الآن، ما زالت ميرا البالغة من العمر 11 سنة تعاني نوبات هلع شديدة، وتتحدث دائماً عن شعورها بالخوف وأنها تحت خطر الموت حتى بعد نزوحها هي وأسرتها إلى مكان آمن.

ليست ميرا وحدها، بل هي حال ملايين الأطفال والنساء الذين شهدوا الصراع في السودان.

وعلى رغم مرور 365 يوماً منذ إطلاق أول رصاصة أعلنت الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، لم يتخيل الجميع أن تستمر هذه الحرب حتى هذه اللحظة، فالكل كان يطمئن نفسه بأن الفرج قريب وأن أسبوعاً واحداً فقط سيكون كافياً لإنهاء هذا الصراع، لكن مرت الأيام والليالي والصراع مستمر وصوت الرصاص والقذائف متواصل ورائحة الموت تملأ المكان، مما جعل سكان مدينة الخرطوم والولايات المجاورة الذين شهدوا المعارك الطاحنة في حال نفسية سيئة، فانتشرت نوبات الهلع والخوف ووصلت إلى حد الجنون.

والدة ميرا، نيرمين السيد وصفت الوضع بأنه "مؤلم وصعب ويشعرك بأن الموت على مقربة منك، إذ إنها قضت أكثر من ثلاثة أشهر قبل نزوحها لمكان آمن، وخلال هذه الفترة تدهورت صحة أبنائها النفسية الذين أصبحوا في حال خوف دائم لدرجة الاحتياج إلى تدخل طبي".

المستشفيات خارج الخدمة

وكالة الصحافة الفرنسية نشرت منتصف العام الماضي تقريراً بمناسبة مرور ثلاثة أشهر على الحرب، أكدت فيه تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في السودان بصورة ملحوظة بعد الحرب، مع تفاقم الأمر بعد خروج مستشفى "التجاني الماحي" عن الخدمة، وهو المستشفى الرئيس المخصص لرعاية المرضى النفسيين في الخرطوم، وتم إخراج جميع المرضى منه، إلى جانب تدمير أجهزته ومعامله ومخازن أدويته، وكان المستشفى يستقبل قبل تخريبه نحو 40 مريضاً يومياً معظمهم من الشباب دون الـ30 سنة، في حين خرجت لاحقاً جميع مستشفيات الأمراض النفسية عن الخدمة، مما فاقم حال المرضى النفسيين الذين كانوا يتعالجون فيها.

الاختصاصي النفسي سليمان سعد قال إن "الحرب أسهمت في إصابة 80 في المئة من السودانيين بالقلق والتوتر والهلع والخوف وغيرها من الاضطرابات النفسية، وهذه النسبة ليست داخل السودان فحسب بل تشمل السودانيين في الخارج الذين لم يشهدوا الحرب، إذ ظلوا في خوف مستمر على أهلهم داخل البلاد أو في حال هلع وإحباط بعد رحلة طويلة منذ اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي قطع فيها المسؤولون وعوداً للشعب بقيام الدولة المدنية واستقرار الوضع بصورة عامة، لكن نُسفت هذه الوعود لاحقاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف أن "الأثر النفسي الذي سببته الحرب يحتاج إلى تدخل طبي ومساعدة نفسية عاجلة، خصوصاً للذين يعيشون حالياً في مناطق النزاع، فسماع أصوات الرصاص والقذائف ورؤية الجثامين والحرمان من الأكل والماء لفترات طويلة كلها أمور يمكنها أن توصل كثيرين إلى الجنون".

 

 

وعن آثار مشاهدة الأطفال لعمليات القتال، أفاد سعد بأن "كل الأطفال الذين كانوا موجودين في مناطق الصراع يعانون الآن نوبات الهلع التي قد تصل إلى مشكلات نفسية معقدة في المستقبل ما لم يتم حلها بأسرع فرصة، خصوصاً أولئك الذي لم يلجأوا إلى أماكن آمنة قد يبدو أنهم اعتادوا الأمر ولا يتفاعلون مع الأحداث المحيطة بهم، ولكن هذه الترسبات النفسية قد تدفع عدداً منهم إلى الهروب والبحث عن ملاذ آمن ومن الممكن أن يصل الأمر إلى الجنون وربما الانتحار".

عنف وعدوانية

في السياق ذاته، رأى اختصاصي علم الاجتماع والأنثروبولجيا خضر الخواض أنه "من الصعب قياس الآثار النفسية والاجتماعية للحرب في السودان بعد مرور عام على اندلاعها من غير إجراء دراسة علمية تستخدم فيها منهجية البحث العلمي وأدوات جمع البيانات وتحليلها كمياً وكيفياً للوصول إلى معرفة الآثار المترتبة وتقديم التوصيات، ولكن يمكن توضيح ملامح ومظاهر تلك الآثار من خلال المعايشة والملاحظة العامة وما تأثر به الفرد شخصياً والجماعة حوله، إذ يلاحظ أن هناك كثيراً من الأشخاص ظهرت عليهم اضطرابات ما بعد الصدمة، من خلال التحدث معهم ومجالستهم بسبب تعرضهم لمواقف أو مشاهدة ومعايشة أحداث مميتة، أو بعد تعرضهم لألم شخصي بأن بترت أعضاء منهم أو من أناس حولهم".

وأضاف أن "هذه الاضطرابات قد تصاحب الفرد لفترات طويلة ما لم يتوجهوا لتدخل مهني علاجي، ويلاحظ أيضاً ارتفاع حالات القلق والتوتر والخوف وسط مجموعات من السودانيين بسبب الأحداث، كذلك نجد ازدياد حدة الانفعالات وارتفاع وتيرة الغضب وضعف عنصر الثقة بين الأفراد وفقدان القابلية للنقاش والحوار في ما بينهم، كما يلاحظ لجوء بعضهم إلى إدمان المخدرات والكحول للهروب من الواقع والأحداث، وكذلك يمكن أن تؤدي آثار حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي إلى ارتفاع حال الاكتئاب وربما التفكير في الانتحار أو محاولته، وكذلك يمكن أن يؤثر الخطاب التعبوي للحرب في الحال النفسية للفرد حتى يصل إلى مرحلة الهوس والفصام".

وعن تأثير الحرب في شخصية الإنسان والترابط الأسري والاجتماعي أوضح الخواض أن "تأثير الحرب النفسي قد يغير من شخصية الفرد، خصوصاً الأطفال، من خلال تغيير السلوك واكتساب العدوانية وسلوكات العنف كافة، إضافة إلى أنه يزيد من حالات التطرف الديني والإثني، أما في جانب الآثار الاجتماعية فيلاحظ ازدياد خطاب الكراهية وعدم القبول والاعتراف بالآخر والتكتل الجهوي والمناطقي".

وأردف أن "الحرب أدت إلى تشتت الأسر الممتدة وتفرقها وتشردها، فقد كشفت أيضاً عن زيف الشخصية السودانية، وقد يكون هناك تأثير للحرب في استقرار الأسر وتماسكها وظهور المشكلات الاجتماعية ولعل أبرزها حدوث بعض حالات الطلاق، وتسببت  الحرب كذلك في فقدان العمل لعدد كبير من السودانيين في القطاع العام والخاص وزيادة نسبة البطالة ومصدر الدخل اليومي، فضلاً عن أن هنالك أعداداً كبيرة من السودانيين تحولوا من سكان مستقرين إلى نازحين وآخرين تحولوا إلى لاجئين، وأثرت الحرب في الجانب الأكاديمي بتوقف التعليم في المستويات كافة إلى أجل غير مسمى، إلى جانب ضعف خدمات المياه والصحة وازدياد حال الفقر ومظاهر المجاعة وتدني مستوى الحال المعيشية وفقدان الأمن والأمان والخوف من المجهول وضعف خدمات المنظمات في تقديم العون إلى المحتاجين والأكثر هشاشة".

عنف جسدي

وفي وقت أشارت الأمم المتحدة في تقارير لها إلى أن "العنف الجسدي يستخدم كأداة حرب ضد النساء في السودان"، أكدت الناشطة الحقوقية خالدة بركات أن "نسبة كبيرة من السيدات تعرضن للعنف اللفظي والجسدي والضرب والاغتصاب والتخويف في السودان، ولم تنجُ سوى أعداد قليلة من تلك الانتهاكات التي دفعت عدداً كبيراً ومعروفاً لدينا إلى الانتحار، بخاصة اللواتي تعرضن للعنف الجنسي الذي نتج منه حمل".

وتابعت أن "النسب كبيرة جداً ومخيفة وللأسف أنه على رغم مرور عام على الحرب، ما زال خطر العنف الجسدي ضد الفتيات مستمراً حتى أثناء نزوحهن إلى مناطق آمنة، إذ تعرضن خلال هذه الرحلة لهذا العنف من قبل مجموعات عسكرية وتم تهديدهن بالسلاح واغتصابهن، مما أدى إلى تدهور حالهن النفسية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير