Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التهجير القسري ... تجريف حوثي وأداة للتغيير الديموغرافي في اليمن

شهادات حية وواقعية للضحايا يسردونها لإندبندنت عربية

طلاب نازحون هرباً من حروب الحوثيين يتلقون الدروس تحت شجرة جنوب غرب اليمن (رويترز)

يرى كثير من المتابعين أن الحوثيين يتعاملون مع اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم كرهائن، غير أن ما هو أكبر من ذلك هو عمليات التغيير الديموغرافي من خلال التهجير القسري للمختلفين مع الجماعة، وما تتعرض له منازل وممتلكات المهجرين من تدمير واستيلاء عليها، في ممارسات تعد جرائم حرب وتصنف كجرائم ضد الإنسانية.

حولت الجماعة الحوثية المناطق التي تحت سيطرتها إلى مناطق عسكرية ترتكب فيها جرائم، ليس أقلها التهجير القسري الذي أصبح سلوكاً توصف به الجماعة.

يؤكد حقوقيون أن أبرز ما أنتجته الحركة الحوثية من أشكال عقابية على المجتمع اليمني الرافض لها، هو خلق مأساة المهجرين اليمنيين ومضاعفة أعداد النازحين، وما يترتب على ذلك من مشكلات اجتماعية ونشوء مظلوميات جديدة والعبث بالتركيبة الديمغرافية وخلق بؤر عنف متصاعدة ومستمرة، ونسف للسلم الأهلي الذي أجهزت عليه الحركة المعبرة عن المشروع الإمامي في اليمن.

شهادات حية

اندبندنت وثقت عدداً من الشهادات الواقعية لضحايا التهجير القسري، والذي اقترفته الجماعة الحوثية بحق ناشطين حقوقيين وإعلاميين ومناهضين للحركة العنصرية، تضاف إلى ما قامت به المليشيات ضد عشرات آلاف اليمنيين من تهجير قسري، وتطهير طائفي.

 نبيل فاضل رئيس منظمة مكافحة الاتجار بالأعضاء البشرية، هو أحد ضحايا الحوثيين، حيث هجرته الجماعة، وقبضت على ابنه ليضغطوا عليه قبل ان يسفكوا دمه ويردوه قتيلا نتيجة مواقفه ضد جرائم الجماعة الحوثية داخل صنعاء.

يقول فاضل نشرت كثيراً من المنشورات وتلقيت الكثير من التهديدات أثناء تواجدي في صنعاء، بالتزامن مع حملة تحريض واسعة مورست ضدي بمطالبة سلطات الجماعة الحوثية بالقبض علي ومحاكمتي باعتباري "داعشياً"، وأوصى مفتى الديار التابع للجماعة الحوثية بالقبض علي ومحاكمتي على ماقمت به من انتقادات لمشاريعهم وتقارير تخص سجن النساء مؤخرآ، واقتحموا مسكني في صنعاء بعد انتقالي الى مسكن آخر وصادروا كثيراً من الأشياء المتعلقه بالمنظمة ما دفعني للخروج خارج اليمن".

هادي الرازحي من أبناء مديرية رازح في محافظة صعدة تعرض للسجن في معتقلات الحوثي والتعذيب الشديد قبل أن يفرج عنه، ويخرج فاراً بنفسه في العام 2010 إلى محافظة عمران القريبة من صعدة وعند دخولهم عمران اضطر للانتقال إلى صنعاء، وعند سقوط صنعاء بأيدي الجماعة الحوثي اضطر كذلك للمغادرة خارج اليمن في ثالث عملية نزوح قسري يتعرض لها شخص واحد وفي كل مرة كانت حياته في خطر.

الأكاديمي والكاتب السياسي عادل الشجاع والذي يعد من أبرز المعارضين للجماعة الحوثية تعرض للمضايقة والتهديد والفصل من عمله كمدرس في جامعة صنعاء بسبب نشاطه السياسي ومواقفه المناهضة للجماعة.

يقول الدكتور الشجاع "باعتباري أستاذاً جامعياً ورئيساً لمنظمة حقوقية لي باع طويل في الكتابة في المجال الإنساني..كتبت عن الكرامة الإنسانية وأهميتها بالنسبة لليمنيين.. لكنني شعرت بفقدان الكرامة حين دخل الحوثيون إلى صنعاء.. والذين بدورهم حرضوا على أيقاظ الشعور بالإذلال الكبير فينا...وافقدونا السيطرة على كل ماهو عزيز، وحرصوا على امتهاننا داخل الجامعة بفرض ترديد الصرخة التي تحرض على قتل الإنسانية برمتها".

ويضيف "أنا رجل علماني أعلم طلابي الحرية والقطيعة مع الماضي وإبعاد الدين عن الدولة، لأن الدولة أي دولة لا دين لها سوى القانون، وهذا أزعج مليشيات الحوثي ففصلوني من الجامعة".

وتابع الشجاع " لم يكتفوا بذلك بل راحوا يلاحقونني في كل مكان أذهب إليه، حاولوا قتلي عن طريق صدم سيارتي، وأرسلوا رسائل تهديد بصور متعددة، وهددوني بأسرتي، ولما وجدت نفسي غير قادر على مواجهتهم بدأت أفكر في الخلاص".

ويؤكد الشجاع أنه أدرك أن هذه الجماعة لا يمكن أن تتركه وشأنه، فهي أكثر من كونها عصابات إجرامية بل هي في الوقت ذاته تعمل على تحقيق أهداف سياسية عقدية هدفها السيطرة على عقول الناس، لافتا إلى أن الجماعة الحوثية تحرص على التضييق على كل من يختلف معها فكريا حتى يتسنى لها السيطرة على ممتلكاته وحتى تتفرد بالسيطرة على الوظيفة العامة.

فيما يتحدث صلاح القادري من أبناء منطقة وراف بمحافظة إب عن قصه تهجيره من منطقته إلى خارج اليمن بعد أن فجرت الجماعة الحوثية منزله ونهبت ممتلكاته وأحرقت سيارته.

يقول القادري "طاردني عناصر الجماعة ولاحقوني واقصوني من عملي وضايقوني وارتكبوا جريمة بشعة بتفجير منزلي وإحراق سيارتي، ودفعوني للهروب والنجاه بنفسي في مغامرة مؤلمة وقاسية كادت ان تفضي إلى الموت."

العفو الحوثي دعاية إعلامية

وفي وقت كشفت فيه منظمة الهجرة الدولية عن ارتفاع عدد المهجرين قسرياً من مناطق سيطرة المليشيات الحوثية إلى 350 ألف مهجر خلال العام الحالي فقط، دعا حسين العزي نائب وزير خارجية جماعة الحوثي من أسماهم بالمستهدفين بقرار العفو العام إلى تصحيح مواقفهم والاستفادة منه قبل انتهاء فترة سريانه.

وقال العزي في تغريدة له على منصة "تويتر" منتصف ليل الثلاثاء: "بقي أشهر فقط من فترة العفو العام التي أعلنتها القيادة السياسية، نتمنى للمغرر بهم ولكل المتطلعين لتصحيح مواقفهم أن يستفيدوا منها".

في المقابل اعتبر الدكتور عادل الشجاع حديث المليشيات الحوثية عن العفو العام حديثاً للترويج الإعلامي وتضليل الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية، متسائلا كيف يعفو من اختطف الدولة بالقوة ويجبر الآخرين على ترديد شعار الجماعة بالقوة؟ فأي عفو هذا الذي يسوق الناس إلى ما يسمونه بالندوات الثقافية لتدريس الملازم؟.

وقال يجبرون الآخرين على القتال معهم والزج بهم في الجبهات بعد قطع مرتباتهم وجعل حاجتهم المادية بأيديهم. عدم الأمان دفع الكثيرين للهرب

وتابع "لقد وصل عدد المهجرين في القاهرة ما يقارب المليون ونصف يمني وهذا الرقم يوضح حجم الانتقام الذي تمارسه جماعة الحوثي"، مؤكدا ان هذا العدد يؤكد النية لدي الحوثيين في تغيير ديموغرافي، فهم لم يستطيعوا تهجير جميع المختلفين معهم من الذين لا ينتمون مذهبياً إليهم، لقد أحلوا من ينتمون إليهم محل المهجرين في الوظيفة والسكن، يفرغون الوظيفة العامة والجغرافيا بكل قوة.

عقود من التهجير

لم يكن تهجير مليشيا الحوثي لليهود اليمنيين من أراضيهم في صعدة إلا أول حلقة من حلقات الجريمة الحوثية الموجهة إلى عمق المجتمع اليمني، فقد أصبح مسلسل التهجير هو أحد أشكال التطهير في صراع الجماعة بالنيابة عن المشروع الطائفي الإيراني، فاتجهت الذراع الحوثية الإيرانية في ممارساتها الانتقامية من المخالفين ليكون التهجير هو الأداة العقابية الجماعية، يتبع ذلك السيطرة على الأملاك أو تدميرها بأساليب تعكس الحقد والبطش الممنهج ضد كل قوى المجتمع اليمني.

ومع مطلع العام 2014 كان الحوثيون يقدمون على ارتكاب سلسلة من جرائم التهجير القسري بحق أبناء دماج في صعدة، ومعهم المئات من طلاب العلم، وحسب الإحصاءات فإن 15 ألف شخص أرغموا على مغادرة منازلهم ومزارعهم تحت وطأة القصف والحصار الذي فرضه عليهم الحوثيون لقرابة مئة يوم على منطقة دماج في المحافظة.

ووصل الحوثيون إلى محافظة عمران منتصف العام 2014 لتصل معهم جرائم التهجير القسري، فهجرت المليشيات عشرات الآلاف من السكان من مختلف المديريات، والآلاف من الأسر أصبحت تبحث عن مأوى، ووصلت جرائم الحوثيين إلى مختلف المحافظات التي وصلت إليها مليشياتهم، ولعل أشهر جرائم التهجير الجماعي للسكان في الوازعية غربي محافظة تعز، وكذا تهجير مئات المواطنين في صبر الموادم وحدها، وفي مديريات الساحل الغربي في الحديدة وحجة، وعدد من مديريات محافظتي إب وذمار، ولم تف الإحصائيات بحصر أعداد السكان والأُسر التي هجرتها المليشيات، لأن التهجير أصبح سلوكياً يومياً، ولا يكاد يمر يوم دون تهجير لأفراد أو أسر بكاملها.

المزيد من العالم العربي