Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدقية البنوك المركزية على المحك بعد إخفاقاتها في محاصرة التضخم

"إيكونوميست" تتوقع بقاء التحديات قائمة وتحذر من انتكاسة مستقبلية أشبه بجائحة كورونا

في الشهر الماضي قال رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول إن تخفيضات أسعار الفائدة ليست بعيدة (رويترز)

ملخص

التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية وتغير المناخ عوامل ستجعل التضخم أكثر تقلباً مما كان عليه في العقود الهادئة

منذ وقت ليس ببعيد كان العالم الغني يستعد لخوض معركة مكلفة مع التضخم، واليوم قد يبدو الأمر كما لو أن الحرب قد تحققت من دون دماء، ففي غالب البلدان الغنية، انخفض معدل التضخم الأساس السنوي، الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، من ذروته التي بلغت خمسة إلى ثمانية في المئة إلى مستوى أكثر احتمالاً يراوح ما بين ثلاثة وخمسة في المئة. وفي تحدٍ للاقتصاديين المتشائمين، لم يكن هناك أي ركود اقتصادي مصاحب، ويراوح النمو ما بين المزدهر (أميركا) إلى المحترم (أستراليا وكندا واليابان) إلى الفاتر (بريطانيا ومنطقة اليورو)، ولكنه لم ينهر في أي مكان، وعلى النقيض من تراجع التضخم في الثمانينيات، ظلت البطالة منخفضة. وتتساءل مجلة "إيكونوميست" إن كان الاقتصاد العالمي قد تمتع بالخلاص من دون تضحيات؟ وتجيب، "للأسف الإجابة هي لا، فالتضخم المرتفع قد يترك ندوباً".

وتشير المجلة في تقرير لها إلى أنه قبل جائحة "كوفيد-19" كان العالم الغني لا يواجه أي مشكلات تضخمية خطرة، وبعد تشديد السياسة النقدية في ثمانينيات القرن الـ20، وما أعقب ذلك من تحرك نحو بنوك مركزية مستقلة تستهدف التضخم، بدا ارتفاع الأسعار كأنه أمر عفا عليه الزمن، ومع افتراض الشركات والعمال أن التضخم سيظل منخفضاً، فقد أبقوا الأسعار والأجور تحت السيطرة، وبذلك أثبتت توقعاتهم أنها تحقق ذاتها. وتضيف "من المؤسف أن فكرة موت التضخم ظلت عالقة في أذهان محافظي البنوك المركزية، وعندما بدأت الأسعار في الارتفاع في عام 2021، كانت الاستجابة بطيئة للغاية، وفي نهاية المطاف، رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة بصورة أعلى بكثير مما كانوا يعتقدون في البداية أنه ضروري، واليوم سمح لهم تباطؤ التضخم بصورة أسرع من المتوقع بتنفس الصعداء".

في الشهر الماضي قال رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول إن تخفيضات أسعار الفائدة ليست بعيدة، على رغم أنه بدا أكثر حذراً في خطاب ألقاه في الثالث من أبريل (نيسان) الجاري، كما احتفل محافظ بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) أندرو بيلي، بـ"قصة إيجابية على نحو متزايد".

الانسجام مع خطر التضخم

 وحذرت المجلة من أن المشكلات التي يواجهها محافظو البنوك المركزية لم تنته بعد، إذ تقول إن التضخم لا يزال أعلى من أهداف تلك البنوك، ففي أوروبا، من المرجح أن يشهد مزيداً من الانخفاض، ولكن فقط لأن الاقتصاد ضعيف، وفي أميركا ربما لا يكون من الممكن خفض التضخم إلى هدف بنك الاحتياط الفيدرالي بنسبة اثنين في المئة بالمعدل الحالي للنمو الاقتصادي، والذي يتغذى جزئياً على العجز الحكومي غير المستدام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترى أن الأمر الأكثر أهمية هو أن الجمهور أصبح أكثر انسجاماً مع خطر التضخم مما كان عليه قبل الوباء، إذ تظهر بعض الدراسات الاستقصائية ارتفاعاً طفيفاً في توقعات التضخم على المدى الطويل، فيما تتقاضى الأسواق المالية في أميركا وبريطانيا رسوماً أعلى قليلاً في مقابل الحماية من التضخم في الأمد البعيد مقارنة بما كانت تتقاضاه.

وأصبحت التنبؤات الخاصة بالتضخم المستقبلي أكثر تشتتاً، مما يعني أن مزيداً من الناس يشككون في إمكانية تحقيق أهداف التضخم، أو بعبارة أخرى، لم يعد التضخم المرتفع الآن ذكرى بعيدة، لذا فإن صدقية البنوك المركزية تبدو هشة.

عوامل تجعل التضخم أكثر تقلباً

وحذرت المجلة من إمكانية تحطم صدقية البنوك المركزية في حال حدوث صدمة أخرى مثل جائحة كورونا، إلى جانب أنه من شأن ارتفاع توقعات التضخم بصورة نهائية أن تؤدي إلى استمرار التضخم إلى أن تتسبب البنوك المركزية في إحداث تباطؤ مؤلم، وهو ما تجنبت حدوثه هذه المرة تقريباً، ولكن من المحتمل حدوث مزيد من حلقات الاختبار، فالتوترات الجيوسياسية، والحروب التجارية، وتغير المناخ، وولع الحكومات بالتحفيز المالي، كلها عوامل ستجعل التضخم أكثر تقلباً مما كان عليه في العقود الهادئة التي أعقبت الثمانينيات، وأيضاً هناك خطر ذو وجهين، فلا تزال أوروبا خصوصاً، تواجه خطر انخفاض التضخم إلى ما دون هدف اثنين في المئة، بسبب ضعف الاقتصاد.

وقالت المجلة إن الجمع بين التضخم المتقلب وتراجع الصدقية يعني أن صناع القرار السياسي في العالم الغني لا بد أن يتحلوا بالمرونة والسرعة. وأشارت إلى أنه سيتعين على محافظي البنوك المركزية في الدول الغنية تعديل أسعار الفائدة بسرعة أكبر وإلى حد أكبر عندما يتقلب التضخم، والتسامح مع التقلبات الاقتصادية الناجمة عن ذلك، ومن خلال القيام بذلك، سيصبح محافظو البنوك المركزية في الدول الغنية أشبه بزملائهم في الأسواق الناشئة. وأشارت إلى أنه من دون سجل طويل من التضخم المنخفض، رفعت البنوك المركزية في البرازيل وتشيلي وبولندا أسعار الفائدة بصورة حادة في عام 2021، وخفضتها جميعها منذ ذلك الحين مع انخفاض التضخم. وختمت بالقول "التحرك بسرعة وقوة" هو كتاب القواعد الذي يتعين على أمثال باول وبيلي اتباعه.

اقرأ المزيد