Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل استحق الاقتصاد الألماني لقب "رجل أوروبا المريض"؟

ارتفاع أسعار الفائدة والطاقة من بين أهم أسباب ترديه وسط توقعات بوضع صعب

تقديرات بتباطؤ الاقتصاد الألماني إلى نحو الصفر هذا العام بعد انكماش في 2023 بسبب ظروف داخلية وخارجية غير مشجعة (رويترز)

ملخص

توقعات باستمرار تردي أكبر اقتصاد في أوروبا في ظل سياسات اقتصادية داخلية ضاغطة وعوامل خارجية سلبية

خفضت أكبر معاهد الأبحاث الاقتصادية توقعاتها لنمو الاقتصاد الألماني، الأكبر في دول منطقة اليورو، هذا العام إلى ما يقارب الصفر (نسبة 0.1 في المئة فقط)، من تقديرات سابقة قبل ستة أشهر بنمو الناتج المحلي الألماني بنسبة 1.3 في المئة.

كان الاقتصاد الألماني انكمش بنسبة 0.3- في الربع الرابع وفي متوسط العام الماضي كله ليصبح أسوأ اقتصاد أداء بين الدول الكبرى، إلا أن معاهد الأبحاث الاقتصادية الخمسة الكبرى في ألمانيا توقعت أن يعاود الاقتصاد النمو العام المقبل بنسبة 1.4 في المئة، أي أقل قليلاً من التوقعات السابقة عند نسبة 1.5 في المئة. ويتوقع خفض عجز موازنة الحكومة الألمانية إلى نسبة 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، ونسبة 1.2 في المئة العام المقبل، وكان عجز الموازنة الألمانية عند نسبة 2.1 في المئة العام الماضي، وكذلك يتوقع أن ينخفض معدل التضخم في البلاد إلى نسبة 2.3 في المئة هذا العام، وإلى نسبة 1.8 في المئة العام المقبل، مقابل معدل تضخم العام الماضي عند نسبة 5.9 في المئة، إلا أن الأجور والرواتب ستشهد نمواً بمعدلات أكبر وأسرع، وقدرت معاهد الأبحاث الخمسة ارتفاع الرواتب والأجور بنسبة 4.6 في المئة هذا العام، وبنسبة 3.4 في المئة العام المقبل.

عوامل داخلية وخارجية

المعاهد التي تشاركت التوقعات والتقديرات لأكبر اقتصاد في أوروبا هي المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، ومعهد "أيفو" ومعهد "هال" للأبحاث الاقتصادية، و"ليبينيز" للأبحاث الاقتصادية و"كايل"، وهي أكبر خمسة مراكز دراسات اقتصادية في البلاد.

في تحليل تلك التقديرات والتوقعات لمؤشرات الاقتصاد الكلي الألماني، ذكرت معاهد الأبحاث عديد العوامل التي أدت إلى الأداء السيئ الذي جعل البعض يصف الوضع بأنه "اقتصاد أوروبا المريض". يقول رئيس الأبحاث في معهد "كايل" ستيفان كوثز، "تجمعت عوامل بنيوية وأخرى لها علاقة بالدورة الاقتصادية معاً لتؤدي إلى تردي التنمية الاقتصادية، وعلى رغم أنه من المحتمل أن يبدأ التعافي في الربيع، فإن قوة الدفع لتطور الاقتصاد لن تكون قوية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين أهم العوامل التي أدت إلى الركود الاقتصادي خفض الصادرات الألمانية، بخاصة من المعدات والآلات الصناعية، وعدم نمو الطلب الداخلي في البلاد، الذي يعني عدم إنفاق الألمان بما يكفي لدفع الاقتصاد نحو النمو، إذ يشكل الإنفاق الاستهلاكي نسبة كبيرة من نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع إحجام الأسر الألمانية عن الإنفاق إلى زيادة كلفة المعيشة وارتفاع أسعار الفائدة في البلاد.

وإضافة إلى تلك العوامل، هناك السياسة الاقتصادية لحكومة المستشار أولاف شولتز، التي لجأت إلى التشديد النقدي ليس فقط بارتفاع أسعار الفائدة، ولكن أيضاً بالعودة إلى معايير التقشف في الإنفاق التي خففت خلال أزمة وباء كورونا، وهو ما يمثل ضغطاً شديداً على الإنفاق الاستثماري بما يزيد من إبطاء النمو الاقتصادي بصورة كبيرة.

زيادة كلفة الطاقة

ومع هبوط الطلب المحلي، أي ضعف الإنفاق الاستهلاكي، تراجع أيضاً الطلب العالمي على المنتجات الصناعية الألمانية، إذ فقدت الصادرات الألمانية قدرتها التنافسية نتيجة زيادة كلفة الإنتاج مع ارتفاع أسعار الطاقة، وشكل ارتفاع أسعار الطاقة أيضاً جانباً مهماً من ارتفاع كلفة المعيشة، وليس فقط التأثير السلبي في قطاع التصنيع.

يذكر أن ألمانيا كانت من أكبر الدول المستوردة للغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب قبل حرب أوكرانيا، ومع الحرب وقرارات العقوبات الاقتصادية على موسكو، توقف ضخ الغاز من روسيا، الذي كان يقل كلفة بكثير عن استيراد الغاز الطبيعي المسال. وتدفع ألمانيا، وعدد من دول أوروبا أسعاراً أعلى في العامين الأخيرين مقابل استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وغيرها، واضطرت لاستثمار المليارات في بناء مرافئ استقبال الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز.

المشكلة بالنسبة لألمانيا، التي يعتمد اقتصادها على التصنيع بدرجة كبيرة، أن زيادة كلفة الإنتاج مع ارتفاع أسعار الطاقة تزامنت مع مشكلات في سلاسل التوريد وتراجع التجارة العالمية بصورة عامة بسبب التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الأوسط.

4 عوامل أساسية

ويمكن إجمال العوامل والأسباب التي أدت إلى هذا التدهور الشديد في الاقتصاد الألماني، الذي كان تقليدياً رافعة النمو في أوروبا كلها، في السياسات الاقتصادية لحكومة شولتز، التي أدت إلى تراجع الإنفاق الاستثماري وخفض الإنفاق الاستهلاكي نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض، بسبب تشديد السياسة النقدية بارتفاع أسعار الفائدة والعودة إلى التقشف الحكومي.

من بين تلك العوامل وراء تدهور الاقتصاد الألماني، زيادة كلفة الطاقة مع التحول عن الغاز الروسي إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال عالي السعر، بخاصة من الولايات المتحدة، وهو ما جعل الصناعات الألمانية أقل تنافسية في السوق العالمية نتيجة زيادة كلفة الإنتاج، وأيضاً تراجع التجارة العالمية ومشكلات سلاسل الإمداد بسبب التوترات الجيوسياسية حول العالم، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى تأثير التباطؤ الاقتصادي العالمي بصورة عامة وهو ما زاد من تفاقم المشكلات الناجمة عن السياسات الاقتصادية الداخلية والعوامل الخارجية.

ومع أن بعض الاقتصاديين يتوقع تحسناً في وضع الاقتصاد الألماني، ربما مع النصف الثاني من هذا العام، إلا أن المخاوف من استمرار السياسات الاقتصادية الحالية للحكومة مع عدم انتعاش التجارة العالمية تمثل تهديداً لفرص النمو، وبما أن نسبة النمو المتوقعة لهذا العام، في أفضل الأحوال، لا تعني انتعاشاً للاقتصاد فإن احتمالات الركود في أكبر اقتصاد في أوروبا تظل قائمة، بخاصة إذا استمرت العوامل الخارجية، من حرب أوكرانيا إلى تهديد التجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وارتفاع أسعار الطاقة كما هي أو تصاعدت أكثر.

اقرأ المزيد