Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوجه تأثير بريكست من دون اتفاق في اقتصاد بريطانيا

سيخلف مثل هذا الانسحاب تأثيرات كبرى في صناعة السيارات، والأدوية، والمواد الكيميائية والأغذية، لكن الضرر الحقيقي يأتي في وقت لاحق

رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون يتفقد سوقا شعبيا في شمال إنجلترا (أ.ف.ب)

تراوحت التنبؤات حول التأثير الاقتصادي الذي سينجم عن بريكست من دون اتفاق بين تنبؤات كارثية وأخرى تقول "ليس بالأمر الكبير". وفي الحقيقة أشار بعض الاقتصاديين الهامشيين إلى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق سيعزز اقتصاد المملكة المتحدة. وفي غياب تحليل موثوق به يدعم وجهة النظر هذه، يسود التباس كبير -خصوصاً على المدى القصير.

غير أن ذلك لا يعني أن علم الاقتصاد لا يملك شيئاً مفيداً يقوله، أو أن الاقتصاديين الموثوق بهم لا يجمعون على العواقب المرجحة. ومثلما يظهر تقريرنا تأثيرات بريكست وعواقبه من دون اتفاق، فإن فرض رسوم جمركية وحواجز غير جمركية بين المملكة المتحدة وشريكها التجاري الأكبر سيشكل صدمة هائلة على الاقتصاد البريطاني.

كذلك، فنحن قادرون على تشخيص القطاعات- صناعة السيارات، والأدوية والمواد الكيميائية والأغذية الزراعية، وغيرها- التي من المرجح أن تكون الأكثر تضرراً، على الرغم من أننا لا نستطيع التنبؤ كم ستكون خطورة أي عرقلة وتأخيرات على حركة السلع في الموانئ. 

وأكثر من ذلك، فإن الهبوط في قيمة الجنيه الإسترليني – الذي لن يظهر أثره كثيراً في السلع قبل 21 أكتوبر (تشرين الأول) - سيرفع معدل التضخم الاقتصادي، مثلما حدث بعد استفتاء الانسحاب، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض قيمة القدرة الشرائية. نحن نستطيع، وعلى نحو معقول، أن نكون متأكدين أن أموراً خطيرة لن تحدث- لن ينهار النظام المالي ولا سوق البورصة، ومعدلات الفائدة لن تقفز عالياً، ومن المرجح أن السياسة العامة قادرة على الرد المناسب- إذ من المحتمل أن ترفع الحكومة مستوى الإنفاق وربما تخفّض الضرائب في حين سيخفّض بنك إنجلترا، إذا دعت الحاجة، معدلات الفائدة.

غير أن السؤال الأهم على المدى القصير هو ما الذي سيحدث للأعمال وثقة المستهلك- التي أطلق عليها الاقتصادي الأميركي كينز تعبير "الروح الحيوانية"؟

 كانت التنبؤات السابقة للاستفتاء تشير إلى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيعني ضرراً كبيراً ودائماً، يقلص إنفاق المستهلك والاستثمار في مجال الأعمال، لكن حين اتضح أنه لن يكون هناك قدر كبير من التغير على المدى القصير، تعافت ثقة المستهلك ورجال الأعمال بسرعة. وإذا أصبح بريكست – بأقسى أشكاله الممكنة- حقيقة، هل ستكون الحال مختلفة هذه المرة؟

ذلك سيعتمد على مدى فداحة العرقلة الفورية للتجارة، لكنه سيعتمد أيضاً على التطورات السياسية ورؤى الجمهور. ولا يسع الاقتصاديين أو أي شخص آخر التنبؤ بشكل موثوق بمآل هذه الأمور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك، فإن المهم في الأمر هو التأثير الفوري الناجم عن الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، إذ سيكون صدمة اقتصادية كبرى، ومن المرجح أن يترتب عليه ركود اقتصادي، لكن مدى عمقه وشدته غير معروفين.

وسيتمكن اقتصاد المملكة المتحدة في نهاية المطاف من التكيف، بشكل أو بآخر، مع ظروف الحياة الجديدة خارج الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الجانب هناك يقين أقوى حول التأثير الاقتصادي لبريكست. فعلى المستوى الأكثر أولية، سيجعل بريكست المملكة المتحدة أفقر لأن الوضع سيكون أصعب بالنسبة إلى الشركات البريطانية والمستهلكين في تعاملاتهم التجارية مع البلدان الأوروبية، إضافة إلى تقلص حركة العمالة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

إضافة إلى ذلك، سيكون الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق أكثر تكلفة من الخروج باتفاق يسمح لنا بالبقاء في الاتحاد الجمركي الخاص بالاتحاد الأوروبي أو السوق الأوروبية الموحدة. وهذه التكاليف لن تضر بالمملكة المتحدة فحسب – بل سيتكبد الاتحاد الأوروبي الخسائر جراء بريكست أيضاً. لكن التكاليف ستكون أقل بكثير نظراً لحجم اقتصاده الضخم نسبياً مقارنة بالاقتصاد البريطاني، ولأننا معتمدون أكثر بكثير على التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 وليس العكس.

ويجدر التذكير بأن بحثنا السابق حلّل التأثيرات ذات المدى البعيد في التجارة مع الاتحاد الأوروبي ضمن أحكام منظمة التجارة الدولية. فنحن قد وجدنا أنه بعد عشر سنوات سيتقلص معدل دخل الفرد في المملكة المتحدة ما بين 3.5 في المئة إلى 8.7 في المئة، وقدم النموذج الحكومي نتائج مماثلة عن انخفاض معدل دخل الفرد في المستقبل القريب بعد تنفيذ بريكست.

ويمكن القول إن التنبؤات تبقى غير قطعية- فإضافة إلى حالات عدم اليقين العادية المتأصلة في النمذجة الاقتصادية الطويلة الأمد، هناك عناصر أخرى تتعلق بالسياسات المستقبلية.

فعلى سبيل المثل، عبّرت الحكومتان البريطانية والأميركية عن نواياهما في التفاوض حول اتفاق تجاري سريع، لكن- وحتى إذا تركنا جانباً الصعوبات السياسية- فإن من المرجح أن الفائدة المرجوة من هذه البادرة ستكون صغيرة نسبياً. فحصة التجارة مع الاتحاد الأوروبي هي حوالى نصف التبادل التجاري البريطاني، وهذا أكثر بثلاث مرات من حجم التجارة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أن اتفاقيات التجارة الحرة العادية أثرها ضئيل في إزالة الحواجز التجارية قياساً على تأثير التكامل العميق الذي كان العلامة الفارقة لسوق الاتحاد الأوروبي الموحد.

وفي هذا السياق، أشار تحليل الحكومة إلى أنه على الرغم من الافتراضات المتفائلة حول عدد الصفقات التجارية التي يمكن إبرامها خلال العقد المقبل، فإن التأثير سيكون ضئيلاً جداً، فإجمالاً، يمكن الصفقات التجارية الجديدة أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي بمقدار يتراوح ما بين 0.2 في المئة و0.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى البعيد.

كذلك، يمكن التغييرات في السياسة العامة أن تقلل من التأثيرات السلبية. فمغادرة تيريزا ماي الحكم فتح الطريق أمام سياسة أكثر ليبرالية بما يخص الهجرة مما تضمنه "التقرير الحكومي" المعني بالهجرة، إذ إن هذا التوجه سيعزز الأداء الاقتصادي، على الرغم من أن وزيرة الداخلية الجديدة، بريتي باتيل، أشارت إلى أنها ستتبع سياسة تقييدية نسبياً، وهذا سيكون له تأثير معاكس.

 وأشار بحثنا إلى أن مقترحات "التقرير الحكومي" ستخفض الإنتاج المحلي الإجمالي بمقدار يصل إلى 1.8 في المئة خلال العشر سنوات المقبلة. ولا يُستبعد أن بريكست- وبالخصوص التأثير الاقتصادي لبريكست من دون اتفاق- قد يحفز الحكومة على معالجة بعض الأمور ذات الأمد البعيد، مثل غياب الاستثمار العام في البنى التحتية وضعف توفير التدريب والمهارات، وهذان العنصران أسهما في الأداء الإنتاجي الفقير للمملكة المتحدة.

وبشكل عام، ليس هناك شك من أنه بغض النظر عما قد يحدث خلال العقد المقبل، فإن تأثير بريكست السلبي من دون اتفاق سيبقى عبئاً ثقيلاً على نمو الاقتصاد البريطاني طوال السنوات المقبلة.

(جوناثان بورتز باحث بارز في معهد الدراسات الاستراتيجية "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" وبروفسور الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة كينغز كوليج بلندن)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء