Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف غذت العملات المشفرة تجارة الظل الروسية؟

استخدمها الوسطاء الروس لتجنب العقوبات الأميركية في شراء قطع غيار للطائرات من دون طيار والمعدات عالية التقنية

برزت عملة "تيثر" كواحدة من طرق الدفع الافتراضية في السوق السوداء في العالم (اندبندنت عربية)

ملخص

بلغ إجمال المعاملات على عملة "تيثر" أكثر من 10 تريليونات دولار في عام 2023

تلقى مهرب روسي في الصين طلباً من الشركة المصنعة للبندقية AK-47 الأسطورية، بتوريد قطع كهربائية للطائرات من دون طيار التي كانت من بين الأسلحة الأكثر فعالية ضد المدرعات الأوكرانية.

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تحقيقاً مطولاً تناولت فيه كيف غذت العملات المشفرة تجارة الظل الروسية لأجزاء الأسلحة التي تحتاج إليها موسكو في حربها في أوكرانيا، إذ تشير الصحيفة إلى أخذ المهرب أندريه زفيريف طلبية أواخر عام 2022 إلى أحد موزعي الإلكترونيات في هونغ كونغ، في وقت كانت تحاول الولايات المتحدة وقف مثل هذه الصفقات، وحتى البنوك الصينية التي تخشى العقوبات كانت تمنع هي الأخرى المدفوعات من روسيا.

وجاء الحل في استخدام زفيريف عملة "تيثر" المشفرة لنقل ملايين الدولارات من أموال شركة "كلاشينكوف" إلى المورد.

وفي وصف الصفقة بعد أشهر في رسائل إلى مجموعة من الروس، عرض زفيريف الخدمة نفسها، وكتب في محادثة على تطبيق "تيليغرام"، "سنقدم لك كل ما تحتاج إليه لإبادة بعضنا بعضاً"، وكان الدفع مثالياً بـ"العملات المشفرة".

وتقول الصحيفة إن خدمة عملة "تيثر" برزت كواحدة من طرق الدفع الافتراضية في السوق السوداء في العالم، فالعملة الرقمية مدعومة بالدولار الأميركي، ولكن على عكس الدولار الذي تصدره الحكومة داخل النظام المصرفي، فإن السلطات لديها قدرة محدودة على تتبع استخدامه في جميع أنحاء العالم.

10 تريليونات دولار تداولات "تيثر" في 2023

تعد "تيثر" هي العملة المشفرة الأكثر تداولاً، إذ يجري تداول ما يصل إلى 120 مليار دولار منها يومياً، وغالباً ما يعادل ضعف عملة "بيتكوين"، وبلغ إجمالي المعاملات أكثر من 10 تريليونات دولار في عام 2023، وهو رقم ليس بعيداً عما تقول شركة الدفع العملاقة "فيزا" إنها عالجته في عامها المالي الأخير.

وتشير الصحيفة إلى أنه بالنسبة إلى حرب موسكو، أصبحت العملة المشفرة عنصراً لا غنى عنه، إذ تساعد الشركات الروسية في الالتفاف حول العقوبات الغربية، وشراء ما يسمى "السلع ذات الاستخدام المزدوج" التي تدخل في تصنيع الطائرات من دون طيار وغيرها من المعدات عالية التقنية، في حين يقوم المستوردون الذين يعملون في مثل هذه السلع بتحويلات الروبل إلى حسابات مصرفية روسية يديرها وسطاء، يحولون الروبل إلى عملة "تيثر" ويدفعون العملة المحلية لمورديهم الأجانب في أماكن مثل الصين والشرق الأوسط.

ضغوط أميركية لحظر العملة

وتضغط وزارة الخزانة الأميركية على الكونغرس لتمرير تشريع يمنحها القدرة على حظر التعاملات بالعملات المشفرة المقومة بالدولار الأميركي مثل "تيثر". وفي الأسبوع الماضي، أدرجت الوزارة في قائمتها السوداء شركة في موسكو دخلت في شراكة مع بنك روسي خاضع للعقوبات، لتقديم مدفوعات تعتمد على عملة "تيثر".

وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون في بيان، "تتجه روسيا بشكل متزايد إلى آليات دفع بديلة للتحايل على العقوبات الأميركية ومواصلة تمويل حربها ضد أوكرانيا".

تتولى "تيثر هولدينغز"، المسجلة في جزر فيرغن البريطانية والمملوكة لمجموعة صغيرة من الأفراد، توزيع العملة المشفرة على العملاء في مقابل الدولارات، في حين يتداول العملاء "تيثر" على دفاتر عامة افتراضية تعرف باسم "بلوك تشينز" أو عبر البورصات الخاصة، أحياناً لشراء عملات مشفرة أخرى، أو، كما الحال في روسيا، لدفع ثمن السلع والخدمات.

ولم تستجب "تيثر هولدينغز" على الأسئلة المتعلقة بتحقيق الصحيفة. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قالت الشركة إنها بدأت سياسة طوعية لتجميد المحافظ الرقمية المستخدمة لنقل الرموز الخاصة بها، المرتبطة بالكيانات الخاضعة للعقوبات. وأخبرت "تيثر" لاحقاً أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في رسالة أن لديها "تفاني لا يتزعزع للإسهام بشكل إيجابي في النظام البيئي المالي العالمي".

واستندت الصحيفة في تحقيقها عن دور "تيثر" في التجارة الروسية إلى مقابلات مع أشخاص مشاركين بشكل مباشر، إلى جانب آلاف الرسائل على تطبيق الدردشة "تيليغرام" التي يتبادلها الوسطاء والمستوردون.

وتحققت الصحيفة من التفاصيل الواردة في حساب زفيريف من خلال مقابلات مع شركائه وسجلات الاستيراد والضرائب الروسية، إذ أظهرت السجلات سلسلة توريد للإلكترونيات تربط بين مورد زفيريف في هونغ كونغ، شركة "كينيكس سيميكونداكتور"، والشركة الرئيسة التابعة لشركة "كلاشينكوف" للطائرات من دون طيار.

من جانبها لم تستجب شركة "كلاشينكوف" لطلبات التعليق من الصحيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد زفيريف (41 سنة) عمله في مقابلة وشارك الصحيفة قائمة المواد التي قال إن كلاشينكوف أعطاها إياه. وأضاف "طلبت مني شركة كلاشينكوف إيجاد بعض الاحتمالات. كيفية شراء قطع الغيار في الصين، وكيفية توريدها".

وقال زفيريف، الذي يحمل لقب "زود"، إنه يستطيع التحدث بصراحة لأنه لا يخالف أي قوانين في روسيا، لكنه قال في وقت لاحق إن آخرين أمروه بعدم التحدث، في إشارة إلى قوات الأمن الروسية، لذلك لم يتمكن من مشاركة مزيد من المعلومات، مضيفاً أنه سافر إلى موسكو.

وكتب في إحدى الرسائل للصحيفة، "لست بحاجة إلى أية مشكلات... ليس في روسيا، ولا في أماكن أخرى".

الحيلة في "تيثر"

وتقول الصحيفة إنه لم يكن لدى زفيريف سوى قليل من الآفاق في روسيا أثناء دراسته في عام 2004، للحصول على شهادة في الاقتصاد من إحدى الجامعات الحكومية في مدينة أومسك السيبيرية، وبعد أن ساعد في إدارة شبكة التوريد التابعة لشركة روسية، سافر إلى شنغهاي للبحث عن فرص جديدة.

ومع عودة التصدير الصيني، بنى زفيريف علاقات مع المصانع المحلية ورتب طرق الإمداد إلى روسيا التي مكنت الشركات من تجنب دفع الرسوم الجمركية الروسية، وقال ذات مرة لمجموعة على "تيليغرام"، "لقد أصبحت مهرباً".

وتشير الصحيفة إلى أنه ساعد في إدارة عمليات تعدين "بيتكوين" في الصين، وإعادة بيع الرقائق الدقيقة للمشترين في روسيا لتشغيل أجهزة التعدين الخاصة بهم، التي تحل الصيغ المعقدة لسك عملة "بيتكوين" الجديدة، وأنه كان يستخدم بالفعل خدمة "تيثر" لتحصيل الرسوم من العملاء الروس، إذ أرسل إليهم أسعار قائمة المنتجات في عام 2022 بالعملة المشفرة.

وقال زفيريف للعملاء إنه يفضل عملة "تيثر" على البنوك التقليدية لأنها مجهولة المصدر. وكانت منصة التداول المفضلة لديه هي بورصة عملات مشفرة مقرها موسكو تسمى "جرانتيكس" التي أطلقت في عام 2019، وتدير شبكة من مبادلات النقد داخل روسيا وخارجها، وهي تسمح للعملاء باستبدال الروبل بـ"تيثر" ثم بالعملة الأجنبية.

ومع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، كتب زفيريف في مدونة شخصية، أن القراء يجب أن يحموا مدخراتهم من انخفاض الروبل عن طريق شراء عملة "تيثر" من موقع "جارانتكس"، ولأن شركة "جارانتكس" كانت تعمل بشكل شبه حصري مع العملاء الروس، فإن "الجهات التنظيمية" في الولايات المتحدة وأوروبا لن تكون قادرة على إغلاقها.

أدرجت "جرانتكس" في القائمة السوداء من الولايات المتحدة بعد شهرين لكونها ملاذاً لمجرمي الإنترنت، فيما استمرت أعمالها في الازدهار. ونفت متحدثة باسم "جرانتكس" أن البورصة تسهل الأنشطة الإجرامية، وقالت إن الشركة تلتزم بالقانون الروسي، وتثمن "تقدير زفيريف الكبير لخدماتها".

تجارة الظل

جعلت موجات العقوبات الغربية الحياة صعبة بالنسبة إلى الشركات العسكرية الروسية، بعد أن منعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصدير بعض الأجزاء والمكونات الصناعية إلى روسيا باعتبارها ذات استخدام عسكري مزدوج. وكانت البنوك في الصين، جنباً إلى جنب مع تلك الموجودة في البلدان التي يقطنها مهاجرون روس، تمنع على نحو متزايد المدفوعات بالروبل خوفاً من خسارة علاقاتها مع البنوك الغربية.

وبحث المستوردون الروس عن طرق جديدة لتخريب الحصار الغربي، ففي أبريل (نيسان) 2023 جمع سيرجي مندلييف، وهو مسؤول محلي سابق في موسكو ومؤسس شركة "جرانتكس"، بجمع بعض الشخصيات الأكثر خبرة في مجال العملات المشفرة في روسيا في مجموعة "تيليغرام" لمناقشة مشكلات المستوردين، ومن ثم أحال الاستفسارات المتعلقة بمدفوعاتهم للصين إلى زفيريف.

وقال أحد الأعضاء، الذي كان يعمل في شركة بناء مراكز بيانات الحوسبة السحابية التي تستخدمها وكالات الدولة الروسية، إن السلع ذات الاستخدام المزدوج تستورد "بصعوبة كبيرة"، كما كتب أن دفع ثمن واردات الشركة من شأنه أن يساعدها في "تلقي البضائع من دون مشكلات".

وأخبر منديليف، الذي ترك "جارانتكس" منذ ذلك الحين، المجموعة أنه كان يطلق شركته الخاصة للدفع "إكسفيد"، لمساعدة المستوردين في الدفع للموردين الأجانب في غضون ساعات عبر خدمة "تيثر"، لكنه رفض الكشف عن آليات التحويل الخاصة بالعملة المشفرة.

وفي رسالة أخرى في أغسطس (آب) الماضي، قدر مندليف الحجم الشهري لـ"تجارة الظل" بأكملها - كما أطلق عليها الأعضاء - بما يصل إلى 10 مليارات دولار، ووفقاً للصحيفة اتفق آخرون يعملون في التجارة على هذا الرقم، على رغم عدم تمكن الصحيفة من تأكيده. وقال منديليف لاحقاً في خطاب ألقاه إن شركة "إكسفيد" تعاملت مع مئات الملايين من الدولارات من مدفوعات التجارة الخارجية الروسية عبر خدمة "تيثر" شهرياً بعد بدء العمليات مباشرة.

ورفض منديليف التعليق، مكتفياً بالقول إنه لن يجيب عن أسئلة الصحافيين في "الدول غير الصديقة" إلا إذا استوفوا شروطه، بما في ذلك التبرع بمبلغ مليون دولار لجمعية خيرية روسية.

وأعلن زفيريف خدماته في مجموعة منفصلة على "تيليغرام"، قائلاً "كلاشينكوف كونسيرن تشتري من الصين لمشروعها للطائرات من دون طيار، متجاوزة العقوبات من خلالي".

وشددت الولايات المتحدة فخها على الصناعة العسكرية الروسية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما فرضت وزارة الخزانة قيوداً جديدة، تسمى العقوبات الثانوية، على المؤسسات المالية الأجنبية.

وقال منديليف، في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن عملة "تيثر" أثبتت بالفعل فائدتها للمستوردين في تجنب العقوبات الثانوية في أماكن أخرى. وأضاف في مؤتمر في موسكو، "إذا كنت تبحث عن طريقة للدفع للإيرانيين، فيمكنك بسهولة أن تدفع لهم عن طريق خدمة تيثر... لا توجد مشكلة".

اقرأ المزيد

المزيد من عملات رقمية