Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رمضان اللاجئين" في مصر... عادات وطقوس وأمور أخرى

لم تمنعهم ظروفهم المعيشية الصعبة من الاحتفال على طريقتهم وتضم موائدهم أصنافاً متعددة من مجتمعاتهم الأصلية

تشكل هذه الجلسات منبراً لنقل الموروث الثقافي وتبادل الأحاديث حول مشكلات مجتمع اللاجئين (أ ف ب)

ملخص

تعتبر جلسات القهوة من أشهر طقوس اللاجئات الأفريقيات في مصر خلال شهر رمضان، بخاصة الإريتريات والإثيوبيات، والسودانيات بدرجة أقل.

في غرفة تفوح بروائح البخور الذكية اعتادت مريم صالح أن تجمع شتات أقرانها من اللاجئات الإريتريات في مصر بإدارتها جلسات القهوة في ليالي رمضان، وهو طقس توارثته عن الأجيال التي سبقتها في بلادها. بسرعة فائقة تبدأ مريم طحن حبوب البن بطريقة يدوية، وتدعو النساء إلى الاقتراب من "الجبنة"، وهو إناء يستخدم في صنع القهوة كتقليد يميز بعض المجتمعات الأفريقية، لاستنشاق رائحة القهوة المنبعثة منها.

جلسات قهوة

تقول مريم إن "رحلة اللجوء خارج الوطن لم تؤثر في علاقتي بعادات وتقاليد إريتريا"، ضاربة أمثلة عدة منها أن "جلسات القهوة التي أديرها تعبر عن تراثنا الشعبي، من الديكور إلى الأدوات المستخدمة وحتى الطاولات المزخرفة".

تشير السيدة الأربعينية التي تسكن بمنطقة فيصل (جنوب القاهرة) إلى أن هذه الجلسات تمارسها مجتمعات أفريقية أخرى مثل الإثيوبيات والسودانيات، لكننا نولي اهتماماً خاصاً بهذه الحفلات في شهر رمضان، ونستخدم أساليب مختلفة في التحضير لهذه المناسبة".

 

 

تعلق الإريتريات بهذه الجلسات يفوق الوصف، بحسب مريم التي أوضحت أن "جميع النساء يهدين بناتهن عند الزواج صندوقاً بداخله أدوات تحضير جلسات القهوة، وشخصياً أمتلك جميع أنواع (الجبنة) سواء المخصصة للأعداد الفائقة من الضيوف أو المحدودة".

وتعتبر جلسات القهوة من أشهر طقوس اللاجئات الأفريقيات في مصر خلال شهر رمضان، بخاصة الإريتريات والإثيوبيات، والسودانيات بدرجة أقل، بحيث تتبع السيدات طرقاً مختلفة في عملية التحضير بما يتماشى مع تقاليد وعادات المجتمعات الأصلية. وتشكل هذه الجلسات منبراً لنقل الهوية والموروث الثقافي الشعبي، وتبادل الأحاديث حول المشكلات المتعلقة بمجتمع اللاجئين.

طقوس توحد الأفارقة

وتشمل الطقوس الإريترية المتبعة في هذه الجلسات، وفق مريم، استنشاق رائحة القهوة، وإطلاق الأمنيات والدعوات الموجهة للأبناء، واحتساء القهوة بشكل متتابع فنجاناً يليه آخر، وهي جلسة تستمر وقتاً طويلاً يصل في بعض الأحيان إلى ثلاث ساعات، حيث تتبادل النساء الأحاديث والحكايات، ولا غنى عنها في شهر رمضان بالنسبة إلى الإريتريات.

و"الجبنة" الإريترية عبارة عن وعاء يصنع من الفخار تتعدد أشكاله وأحجامه، وتشمل الأدوات المستخدمة في هذه الجلسات، بحسب مريم، "المعالق الصغيرة والصحون والبخور، وقد ورثنا هذه العادة عن أجدادنا، واهتممنا بالحفاظ على موروثنا الشعبي ونحن نعيش في الأوطان البديلة، ولا نستخدم القهوة المخزنة، حيث نحضرها أمام الضيوف". 

وعلى رغم اختلاف الطقوس في جلسات القهوة بين النساء الأفريقيات في هذه الجلسات، تقول السيدة السودانية تيسير عبد الرؤوف، إن "اللاجئات السودانيات في مصر يتجمعن عقب الانتهاء من الإفطار في جلسات "الجبنة" التي تتشابه بشكل كبير مع التقاليد الإريترية، ونشاركهن أحياناً هذه الجلسات". وأشارت إلى أن الطريقة السودانية تعتمد على طحن البن باستخدام الهاون في المنزل، وتشعر النساء بسعادة بالغة أثناء ممارسة هذا الطقس، وهي من العادات المتوارثة التي نحرص على نقلها لفتياتنا.

أكلات شعبية

تنتقل عبد الرؤوف إلى الأصناف التي يفضلها المجتمع السوداني على مائدته الرمضانية فتقول، "لا نستغني عن مشروبنا الشعبي (الحلو مر)، نصنعه في المنزل بمقادير خاصة، ويلازمنا في أي مكان نلجأ إليه كعادة وطقس أساسي في رمضان".

ومضت السيدة السودانية في حديثها، "صناعة (الحلو مر) مجهدة، حيث نقضي قرابة الشهر قبل حلول رمضان في تحضير المشروب، ونستخدم نوعاً معيناً من الذرة ونطحنها، ونستخدم المياه الساخنة حتى يتحول إلى ما يشبه العجين، ثم نضيف إليه جميع البهارات باستثناء الثوم".

 

 

يؤكد ياسر فراج، وهو أحد المهتمين بثقافة المجتمعات الأفريقية، أن السودانيين يجدون صعوبة في توفير الخامات المناسبة لصناعة مشروب "الحلو مر" في مصر، وهو مشروب جيد لتعويض الأملاح أثناء الصيام ويساعد على تحمل العطش، وفكرته جاءت من الطقس الجاف في السودان ومحاولة ابتكار شيء للحفاظ على حال الجسم في أثناء الصيام.

تقول السيدة السودانية تيسير، "من ضمن الأكلات المفضلة لدينا "الويكا"، وهي عبارة عن بامية مطحونة تجفف ونستخدمها على مائدة رمضان، وكذلك من الطقوس المعتادة مغادرة جميع الرجال منازلهم وتناول الإفطار في شوارع القاهرة، حيث نجهز لهم صواني تشمل الأكلات الشعبية بينما يفترشون الشوارع، وهي عادة سودانية يحرصون عليها حتى في بلد اللجوء".

ويقول أمير خالد، وهو سوداني يقيم بمنطقة فيصل بالجيزة، إن جميع الرجال يفترشون الأرض قبل موعد الإفطار في المناطق التي تشهد تجمعات سودانية مثل فيصل والمعادي وعين شمس ومدينة نصر، في تقليد أشبه بمائدة الرحمن في مصر، حيث ينضم عابرو الطريق إلى هذه الموائدة التي تصنعها النساء في المنازل.

موائد عربية

إضافة إلى مشروب "الحلو مر" يضيف خالد أصناف أخرى منها "العصيدة" و"الملاح روب" الذي يصنع من التقلية واللبن الرايب، والوجبة الشعبية السودانية "أم جنقر"، مؤكداً أنها من الأشياء التي تذكر اللاجئين السودانيين بوطنهم.

وأشار إلى أنه خلال الثلث الأخير من رمضان، نعد مأدبة في أحد الأيام الفردية يطلق عليها "الرحمات"، وتقدم كنوع من الكرامة للأموات، ونوجه دعوات للأهل للمشاركة في الإفطار الذي يشمل أصنافاً متعددة من الوجبات الشعبية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، تشير مريم صالح إلى أن الإريتريين يعتمدون على الشعير في معظم الأكلات الرمضانية، لكن الأكلة الرسمية تسمى "زقني"، وهي عبارة عن كمية من البصل يضاف إليها نوع خاص من الشطة ونحو 10 أصناف من البهارات.

وأضافت، "نستخدم العصيدة على المائدة ونجهزها بطريقة مختلفة باستخدام أنواع متعددة من الشطة، واصطحبنا معنا جميع الطقوس التي تميز شعبنا كي نحول منازلنا إلى ما يشبه دولة مصغرة لإريتريا".

يسلط فراج الضوء على الطقوس المتشابهة بين المجتمعات الأفريقية موضحاً، "في شرق السودان وإريتريا يضيفون إلى القهوة إضافات خاصة مثل الفلفل الأسود، ومجموعات الجبارتة والساهو والتغراي في إريتريا ترتبط بشكل وثيق بقبائل شرق السودان، وكذلك بعض القبائل التشادية تمارس عادات مشابهة لغرب السودان، والشمال السوداني أقرب إلى أهل أسوان، وحياة اللجوء في مصر أدت إلى وجود تداخلات بين مجتمعات أفريقية بصورة أكبر".

بحسب التقديرات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن أعداد اللاجئين فى مصر تصل إلى نحو تسعة ملايين، بينهم أربعة ملايين سوداني، و1.5 مليون سوري.

مذاق خاص

اليمني وليد عبد الواسع يعلق على هذه الطقوس قائلاً، "نعقد جلسات في الليل للسمر، ونمارس طقوساً دينية مكثفة، ومهما كانت الظروف المادية صعبة نهتم بالمائدة الرمضانية وتشمل الأصناف الرئيسة وجبة (الشفوت) وتشبه الفطائر، وهي مصنوعة من الذرة الشامية ويوضع عليها اللبن الممزوج بالنعناع والكزبرة والبقدونس، ولا تخلو المائدة من العصيدة، والفتوت، والسلتة، والفحسة".

وأضاف، "لا تختلف العادات الرمضانية لدينا عن الداخل اليمني، ونحن كمهاجرين في مصر نحرص على ممارسة تقاليدنا اليمنية، سواء في ما يتعلق بالطقوس الروحانية، أو الموائد الرمضانية، واشتقنا لمشهد الأطفال وهم ينشدون في الشوارع اليمنية ويهتفون بأسماء المسؤولين عن إطلاق مدفع رمضان".

 

 

بحسب علي صالح الفاطمي، الذي قضى أشهراً في مصر مغترباً عن وطنه، فإن "الأجواء الرمضانية في عدن مختلفة، ولم أذق طعم رمضان بعيداً منها، فكل مدينة في اليمن لها رونقها الخاص في استقبال شهر رمضان".

وعن العادات الراسخة في ذاكرته يقول، "الأطفال والصبية ينتظرون شهر رمضان، حيث يعكفون على تجميع إطارات السيارات التي انتهت صلاحيتها ويضعونها على قمم الجبال في مختلف المدن في اليمن، وعند حلول مساء اليوم الأخير من شهر شعبان يتم إحراق هذه الإطارات وحينها يتشكل مشهد بديع لألسنة النيران في سفوح جبال اليمن".

عادات متشابهة

في المقابل، لا يجد تيسير النجار، وهو سوري مقيم في مدينة "السادس من أكتوبر"، اختلافاً جوهرياً بين الطقوس العربية خلال شهر رمضان، ومع ذلك يشير إلى وجود اختلافات متعلقة بالأطباق المفضلة على الموائد.

ويتابع، "العائلات السورية تلتقي وتجتمع بشكل مركزي في منزل الجدة، وتشتمل مائدة الإفطار وجبات سورية، ويشارك النساء في إعداد المائدة التي قد يصل طولها إلى 10 أمتار وتجمع أفراد العائلة، وبحسب التقاليد يمكن فصل النساء والأطفال عن الرجال بحيث تخصص مائدتان من الطعام".

ويضيف، "نستخدم بشكل رئيس العرقسوس بطريقة مختلفة عن مصر، وغالباً ما يكون مثلجاً، ومن ضمن الأكلات المفضلة "الفتوش" مضافاً إليه "الرجلة" وكذلك الحمص والفول، والتي تعد من أرخص الأصناف الموجودة في كل منزل".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات