Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتهرب الأجيال الشابة من فرص العمل؟

اعترف 8 تقريباً من أصل كل 10 باحثين عن عمل من الشباب بأنهم تجاهلوا مقابلة عمل من دون عذر مسبق. لماذا أصبح الانسحاب المفاجئ جزءاً من عالم العمل المعاصر؟

المتقدمون للوظيفة ليسوا وحدهم المذنبين بتجاهل العمل: فالعديد من الشركات تفعل أشياء مماثلة من طرفها (غيتي)

ملخص

هل من المستغرب حقاً أن الشركات لا تعامل موظفيها المحتملين بطريقة جيدة خلال مقابلات العمل الطويلة؟ كم من مرة يحضر الفرد مقابلة صعبة ليتلقى بعدها ببساطة رسالة رفض آلية باردة – أو الأسوأ، عدم استلام أي رد على الإطلاق؟

أنت متأكد تماماً من أنه ليس "الشريك المناسب"، وقد لاحظت بعض الدلائل الواضحة جداً التي لا يمكن التغافل عنها منذ البداية. يفترض بك القيام بالتصرف المهذب واللائق وإرسال رسالة مختصرة تشرح فيها الأسباب التي قد تجعل العلاقة غير ممكنة. ولكن، ألن يكون من الأسهل بكثير تجاهل رسائل الشخص والاختفاء؟ يعد الاختفاء المفاجئ Ghosting من دون سابق إنذار جزءاً لا يمكن تجنبه في العلاقات الرومانسية المعاصرة، لكنه انتقل إلى ساحة العمل أيضاً.

بنفس الطريقة التي يختفي بها بعض الأشخاص الذين يحتمل أن ترتبط بهم بعلاقة رومانسية من العالم الرقمي بعد أسابيع من التفاعل عبر تطبيقات المواعدة الغرامية، يقوم بعض الباحثين عن عمل بتجاهل أصحاب العمل المحتلمين من خلال عدم الحضور لإجراء المقابلات. أخيراً، أجرت منصة العمل "إنديد" Indeed استطلاعاً شمل 1500 عامل في المملكة المتحدة، واكتشفت أن 79 في المئة من الباحثين عن عمل من أبناء "الجيل زد" و"جيل الألفية" (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و39 سنة) غابوا عن مقابلات العمل من دون سابق إنذار؛ وأن النسبة بين أبناء "الجيل زد" تصل إلى 93 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظاهرياً، يعتبر هذا الإحصاء مجرد مادة للجدل: وقود للمناقشات بين الأجيال حول الشباب الكسالى الذين لا يكترثون حتى بالقواعد الأساسية للأدب العام - أو أشياء من هذا القبيل. لكن الأرقام تخبرنا أيضاً أن ممارسات التوظيف غير فعالة مع الموظفين الشباب - وكيف أن هؤلاء الموظفين ضاقوا ذرعاً بالمعاملة السيئة.

أليس* هي خريجة حديثة، قطعت تواصلها بشكل مفاجئ مع أصحاب العمل المحتملين عدة مرات. عندما أنهت دراستها في مجال الإعلان والعلاقات العامة، بدأت "بالتقدم إلى أي وظيفة تستطيع القيام بها في مجال الوسائط الرقمية". وانتهى بها الأمر بإجراء ثلاث مقابلات عن طريق الفيديو واختبار كتابي، كل ذلك من أجل الحصول على شاغر في وكالة رقمية واحدة. توضح قائلة: "بعد صرف كثير من الوقت والطاقة في العملية حتى تلك المرحلة، قيل لي إنني وصلت إلى مرحلة تقديم مراجع في عملية المقابلة... صدقاً، قررت حينها أنني سأتجاهل تلك الوكالة من دون مقدمات، لأنني شعرت وكأن عليّ قطع سلسلة لا تنتهي من العقبات من أجل الوصول إلى وظيفة ابتدائية ولم تكن مضمونة حتى[...] بدا الأمر وكأن هناك خطوة إضافية أخرى دائماً بغض النظر عن عدد المقابلات والاختبارات التي أخضع لها والتوصيات التي أحصل عليها". أشار السعي الذي بدا بلا نهاية للحصول على وظيفة ابتدائية إلى أن إرضاء هذه الشركة سيكون صعباً جداً ما إذا حصلت أليس على الفرصة.

بعد فترة وجيزة، قررت إحدى وكالات العلاقات العامة أن أليس مناسبة لفرصة تدريب، بعد مقابلة واحدة فقط عبر تطبيق "زوم" واختبار واحد. لكن عندما انتهى تدريبها أوائل عام 2023، لم يتمكن أصحاب العمل من ضمان حصولها على وظيفة بسبب تجميد التوظيف وتسريح العمال، ما عنى أنها عادت للبحث عن عمل. تقول إن عملية المقابلة غالباً ما تكون "مريعة بالنسبة لمعنوياتها"، مع جولات متعددة من المكالمات عبر تطبيق "زوم" التي لا تفضي غالباً إلى أي نتيجة. واعتقدت أن الطريقة التي تعتمدها الشركة لتعيين موظفيها الجدد قد تعكس كيف سيكون العمل الفعلي فيها. ولجأت إلى قراءة مراجعات من الموظفين السابقين لمساعدتها في اتخاذ القرار بشأن ما إذا كانت ستواصل العملية أم لا، أو في بعض الأحيان، كانت تنسحب عندما تدرك "أنهم كانوا يطلبون من شخص واحد القيام بثلاث وظائف مختلفة براتب مبتدئ".

أصبحت عمليات إجراء المقابلات المطولة شائعة بشكل متزايد - لكن تصرف الشركات كما لو كانت تصور سلسلة جديدة من برنامج "أبرينتس" The Apprentice [برنامج تلفزيون الواقع يعرض مقدرة الشبان لكي يصبحوا رجال أعمال محترفين وذلك من أجل أن يربحوا في النهاية مبلغ 250 ألف دولار أميركي] بدلاً من مجرد ملء وظيفة بسيطة مناسبة لخريج جديد يعد سلوكاً منفراً للعاملين. تقول شوشانا ديفيس، مؤسِسة شركة "فيري جوب ماذر" Fairy Job Mother الاستشارية التي تساعد الشباب على فهم أصحاب العمل بشكل أفضل (والعكس صحيح): "إذا كان أبناء ’الجيل زد‘ يتقدمون للحصول على وظيفة ابتدائية، فإن مقابلة العمل لهذه الوظائف تشتمل أحياناً على ثلاث أو أربع أو خمس مراحل... لدينا كثير من عدم اليقين - فأنت لا تعرف ما إذا كنت قد حصلت على الوظيفة، وعندما يجيبونك أخيراً بعد ثلاثة أسابيع، فمن المحتمل أنك قد وجدت فرصة أخرى أو أنك قد يئست ببساطة. من وجهة نظر [المرشح]، إذا لم يكن صاحب العمل يتمتع حقاً باللباقة اللازمة لإبقائه على اطلاع دائم، فلماذا يجب أن يتمتع هو باللباقة لإبقاء الشركة على اطلاع؟" وتشير أيضاً إلى أن القلق قد يكون عاملاً كبيراً في عدم حضور الموظفين الأصغر سناً: فقد أبلغ ثلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 سنة عن أعراض مرتبطة بحالة صحية عقلية.

ومن السهل جداً سوء فهم مثل هذه الحالات على أنها مرتبطة بالخريجين الجدد المتطلبين بشكل زائد في بداياتهم في عالم العمل. على كل حال، ظاهرة الاختفاء المفاجئ ليست حكراً على العاملين الشباب: صحيح أن إحصاءات منصة "إنديد" تظهر أن أبناء الجيل زد هم الأكثر ميلاً لممارسة هذا السلوك، لكن الأجيال الأكبر سناً ليست بعيدة من هذا النوع من التصرف، حيث يعترف 86 في المئة منهم بأنهم قاموا به مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم المهنية.

وهل من المستغرب حقاً أن الشركات لا تعامل موظفيها المحتملين بطريقة جيدة خلال مقابلات العمل الطويلة؟ كم من مرة يحضر الفرد مقابلة صعبة ليتلقى بعدها ببساطة رسالة رفض آلية باردة – أو الأسوأ، عدم استلام أي رد على الإطلاق؟ يقول ديفيد رايس، خبير الموارد البشرية في منصة "بيبول مانجينغ بيبول" People Managing People: "بالنسبة لكثيرين، اختيار المرشحين هو عملية محبطة وتفتقر إلى التعاطف".

في كثير من الأحيان، يكون أصحاب العمل أنفسهم متورطين في ممارسة الاختفاء المفاجئ أيضاً. العام الماضي، وجدت دراسة أجراها موقع "غلاسدور" Glassdoor لتقييم أصحاب العمل أن الاختفاء المفاجئ بعد المقابلة قد تضاعف منذ جائحة كورونا، في حين قال خمس المشاركين في استطلاع "إنديد" إنهم خصصوا وقتاً لإجراء مقابلة عبر الهاتف، ليجدوا أن مدير التوظيف لم يكترث أبداً بالاتصال بهم. تقول أليس إنها "تعرضت للتجاهل المفاجئ عدة مرات بعد سؤالها ما إذا كانت قادرة على الانتقال في وقت قصير للغاية"، الأمر الذي "أدى إلى زيادة التوتر من دون مبرر". الممارسات السيئة مثل هذه لا تفيد أياً من الطرفين، وليس من المستغرب أن يبدأ الباحثون عن عمل في تبني أساليب مماثلة رداً عليها: حتى أن أليس تقول إن "الاختفاء المفاجئ هو أحد أشكال ردود الفعل التي توضح لأصحاب العمل كيف أن ممارساتهم الحالية قد عفا عليها الزمن".

نحن الآن في عز تحول كبير في المواقف في عالم العمل، والاختفاء المفاجئ من مقابلات التوظيف ليس سوى جزء واحد من ذلك. لقد دفعت الجائحة كثيرين منا إلى إعادة تقييم التوازن بين العمل والحياة؛ فقد أدت اضطراباته، إلى جانب تأثير "بريكست"، إلى خلق نقص في العمالة لفترة وجيزة، الأمر الذي وضع العمال في موقف أقوى. وعلى رغم انكفاء الأفضلية هذه منذ ذلك الحين، إلا أن ثلاثة أرباع الشركات البريطانية كانت لا تزال تكافح من أجل تعيين موظفين لغاية الصيف الماضي، وفقاً لبحث أجرته غرف التجارة البريطانية. ويبدو أن أصحاب العمل لم يستعيدوا قبضتهم على زمام الأمور.

كذلك رأينا اتجاهات سائدة على "تيك توك" نوقشت على نطاق واسع مثل "الاستقالة الهادئة" التي تلهم الموظفين للالتزام بطريقة صارمة بمتطلبات وظيفتهم بدلاً من بذل جهد إضافي، وإعطاء الأولوية لحاجاتهم على حاجات مدرائهم. تقول أليس: "سيجعلك أصحاب العمل تشعر أنك مميز إلى أن تفقد هذا التميز، ومن ثم تصبح قابلاً للاستبدال في أي لحظة... لهذا السبب لم أندم أبداً على قراري [بالاختفاء المفاجئ]، لأنني أعلم أن الشركة كانت بالفعل تفكر في منح فرصتي لعدد من الأشخاص الآخرين. من الجيد أن تعرف قيمتك ولا تضيع وقتك، بغض النظر عن المكان الذي أنت فيه في السلم المهني". تعليقاتها بعيدة كل البعد من الشعور الذي ربما انتاب عديداً من أبناء جيل الألفية الباحثين عن عمل وهم في نفس المرحلة من حياتهم المهنية: أنهم كانوا محظوظين لمجرد أخذهم في الاعتبار للوظيفة. ولعل هذا هو السبب وراء كونهم الفئة العمرية الأكثر ميلاً للإصابة بالقلق بعد التغيب عن مقابلة عمل من دون سابق إنذار.

في الواقع، فإن مجرد فكرة الاختفاء قد تدق أجراس الإنذار بالنسبة لبعض أصحاب العمل المحتملين. يمكن لهذه النقاشات، حتى لو لم تسفر على الفور عن عرض عمل، أن تكون مهمة لبناء شبكة اتصالات ومعارف والترويج لاسمك. تقول ديفيس إنها تدرك أن الاختفاء من دون سابق إنذار قد يكون مغرياً، لكنها تشدد على أن "إرسال المرء بريداً إلكترونياً يستغرق ثانيتين ليقول ’لم يعد بإمكاني الاستمرار‘ أو ’حدث شيء ما‘".

ويوافق رايس على أن "رفض عرض ما بطريقة مهذبة لا يتطلب جهداً كبيراً، فلماذا لا تفعل ذلك وتضمن عدم إدراج اسمك في أي نوع من أنواع القوائم السوداء؟ قد لا يرغب مديرو وفرق التوظيف في معاقبة الأشخاص بهذه الطريقة، لكن الأمر ليس مستبعداً". في نهاية المطاف، من خلال عدم إخطارهم بأسلوب مناسب، تكون قد أضعت وقتهم. وهناك دائماً احتمال أن تلتقي بهم في وقت لاحق من حياتك المهنية، عندما تبحث عن وظيفة مختلفة تستهويك أكثر: أن تحيط بك سمعة سيئة لكونك "الشخص الذي لم يحضر أبداً" ليس بالضرورة البداية الأفضل.

إذاً، كيف يمكننا الخروج من هذا المأزق، حيث تقوم الشركات بتجاهل موظفيها المحتملين من دون سابق إنذار، فيقوم الموظفون ببساطة باتباع السلوك نفسه؟ تقترح ديفيس أنه على الشركات تحديد مراحل عملية المقابلة الخاصة بها منذ البداية، حتى يعرف المرشحون ما الذي ينتظرهم، بدلاً من أن يتفاجأوا بجولات لا نهاية لها من المقابلات عبر تطبيق "زوم" والمهام التي تستغرق وقتاً طويلاً. وتعتقد أيضاً أن هناك حاجة لمزيد من الشفافية "في ما يتعلق بالجوانب التي ستغطيها المقابلة، والأشخاص الذين سيجرون المقابلة معك. حتى أشياء بسيطة مثل تقديم أسئلة المقابلة مسبقاً قادرة على المساعدة في تخفيف حالات اضطراب القلق [...] وكذلك إبقاء المرشحين على اطلاع. إذا قلت إنهم سيتلقون رداً خلال أسبوع، ومضت ثلاثة أسابيع، فأنت بصفتك الجهة الموظفة، لست في وضع يسمح لك بالاعتراض إذا قطعوا تواصلهم من دون علم مسبق". انتبهوا يا أصحاب العمل، وحاولوا معاملة زملائكم المحتملين كما تحبون أن تعاملوا أنفسكم.

* جرى تغيير الاسم

© The Independent

المزيد من منوعات